السنن المهجورة (25) وبالأسحار هم يستغفرون
ما هو وقت السحر؟
وقت السحر: هو وقت الثلث الأخير من الليل إلى أن يطلع الفجر، وقيل: السدس الأخير من الليل.
فضل وقت السحر:
وقت الأسحار من أعظم أوقات الاستغفار وأفضلها لأنه مظنة القبول ووقت الإجابة ، وقد ورد في فضله عدة أحاديث:
1- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ينزل ربنا- تبارك وتعالى -كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له). رواه البخاري ومالك ومسلم والترمذي وغيرهم.
2- وعن عمرو بن عبسة – رضي الله عنه – أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله – عز وجل – في تلك الساعة فكن ” .
3- وسئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يا رسول الله أيٌّ الدعاء أسمع؟ أي أرجى إجابة. قال – صلى الله عليه وسلم -: “جوفَ الليل، ودُبُرَ الصلوات المكتوبات” أي وراء الصلوات المفروضة.
4- وروى ابن جرير عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل: لم أخَّرَ يعقوب -عليه السلام – بنيه في الاستغفار؟ قال ” أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب ” .
5- وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر.
معنى الاستغفار
معناه طلب المغفرة ؛وأصل معنى المغفرة الستر، فغفر أي: ستر.
والمراد بها عندما يطلبها العبد من ربه التجاوز عن الذنب وعدم المؤاخذة به، وستره وعدم العقوبة عليه، وعدم الفضيحة به.
فضل الاستغفار وقت السحر:
قال تعالى: { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران : 17] وقال تعالى في سورة الذاريات في وصف المتقين ومدحاً لهم {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات : 17-18].
{ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وصفهم بأنهم يحيون جُل الليل متهجدين ، فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار من رؤية أعمالهم.
فدل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل: إن يعقوب، عليه السلام، لما قال لبنيه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } [يوسف:98 ] أنه أخرهم إلى وقت السحر.
وكان عبد الله بن عمر يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع، هل جاء السَّحَر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء، والاستغفار حتى يصبح. رواه ابن أبي حاتم.
وعن إبراهيم بن حاطب، عن أبيه قال: سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحر، فاغفر لي. فنظرت فإذا ابن مسعود، رضي الله عنه.
صيغ الاستغفار:
والاستغفار من أفضل أنواع الذكر، وهو الذي به يغتاظ الشيطان أشد الغيظ لأنه يعلم أن الله يغفرلعباده المستغفرين التائبين حتى لو بلغت ذنوبهم عنان السماء ، وكما جاء في الحديث الشريف أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَاأَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُلَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي”.
وجاءتِ السُّنة النبويَّة الصحيحة بذِكْر عدَّة صِيغ للاستغفار؛ منها الآتي:
الصيغة الأولى: سيِّد الاستغفار: كما جاء في الحديثِ الذي أخرجَه البخاري: عن شدَّاد بنِ أوس – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (سيِّدُ الاستغفار أن يقول العبدُ: اللهمَّ أنت ربي، وأنا عبدُك، لا إله إلا أنت، خلقْتَني وأنا عبدك، أصبحتُ على عهدِك ووعدك – ثابتًا ومستمرًّا – ما استطعت، أعوذ بكَ مِن شر ما صنعتُ، أبوء لك – أُقِر وأعترِف – بنِعمتك عليَّ، وأبوء لك بذُنوبي، فاغفرْ لي؛ إنَّه لا يغفِرُ الذنوب إلا أنت)، فهذه أفضل صِيغة.
الصيغة الثانية: ما جاءَ في الحديث الذي أخْرَجه أبو داود في صحيحه، وصحَّحه الألباني: عن زَيد مَولَى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه سَمِعَ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يَقول: (مَن قالَ: أَستغفِر اللهَ العظيم الذي لا إلَهَ إلا هوَ الحَي القَيوم وَأَتوب إلَيه؛ غفر له وإنْ كانَ فَرَّ مِن الزحف)
الصِّيغة الثالثة: ما جاء في صحيح ابن حبَّان: عن أَبي هرَيرَةَ – رضي الله عنه – قالَ: (مَا رأَيتُ أَحَدًا أَكثَرَ أَن يَقولَ: أَستَغفر اللهَ وَأَتوبُ إليه مِن رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم).
الصيغة الرابعة: ما جاء في سُنن أبي داود عن ابنِ عمَرَ – رضي الله عنهما – قالَ: (إنْ كنَّا لَنَعدُّ لرسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في المجلس الواحد مائَةَ مَرَّة: رَبِّ اغفرْ لي وَتبْ عَلَيَّ، إنَّكَ أَنتَ التوَّاب الغفور)؛ رواه أبو داود، وفي رواية ابن حبان : (ربِّ اغفِرْ لي وتُبْ علَيَّ إنَّكَ أنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ)