مع الحديث القدسي
كل عمل ابن آدم له إلا الصوم
عناصر الخطبة:
أولا / نص الحديث .
ثانيا / شرح الحديث.
ثالثا/ فوائد من الحديث.
أولا / نص الحديث :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :” قال اللهُ: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ، والصيامُ جُنَّةٌ ، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَهُ فلْيقلْ : إنِّي امْرُؤٌ صائمٌ، والذي نفسُ محمدٍ بيدهِ لَخَلوفِ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِ المسكِ ، للصائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما إذا أَفطرَ فَرِحَ ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ “رواه البخاري
وفي رواية عند الإمام أحمد : “يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ إنَّمَا يتْرُكُ طعامَهَ وشَرَابَهُ مِن أجْلِي فصيامُهُ لَه وأنا أجزِي بِه كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالِهَا إلى سبعمائِةِ ضعفٍ إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ”
ثانيا / شرح الحديث.
(كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ) أضاف الله الصوم لنفسه فقال : (إلا الصيامَ ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ) ما السر في ذلك؟
فسره العلماء بعدة تفسيرات :
1- أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ، قال القرطبي : لما كانت الأعمال يدخلها الرياء ، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث : (يدع شهوته من أجلي) .
وقال ابن الجوزي : جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ ( يعني قد يخالطه شيء من الرياء ) بخلاف الصوم .
فالصوم عمل باطني لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها تظهر ويراها الناس أما الصيام فإنه عمل سري بين العبد وبين ربه عز وجل ولهذا يقول: “الصوم لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي”، وكونه ترك شهوته وطعامه من أجل الله هذا عمل باطني ونية خفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى بخلاف الصدقة مثلاً والصلاة والحج والأعمال الظاهرة هذه يراها الناس، أما الصيام فلا يراه أحد لأنه ليس معنى الصيام ترك الطعام والشراب فقط أو ترك المفطرات لكن مع ذلك لابد أن يكون خالصًا لله عز وجل وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
2- أن معنى قوله : ( الصوم لي ) الإضافة إضافة تشريف وتعظيم ، كما يقال : بيت الله ، وإن كانت البيوت كلها لله ، أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي .
قال ابن عبد البر : كفى بقوله : ( الصوم لي ) فضلا للصيام على سائر العبادات . وروى النسائي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ ) . صححه الألباني في صحيح النسائي .
3- أن الصوم لا يدخله شرك بخلاف سائر الأعمال فإن المشركين يقدمونها لمعبوداتهم كالذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة وكذلك الدعاء والخوف والرجاء فإن كثيرًا من المشركين يتقربون إلى الأصنام ومعبوداتهم بهذه الأشياء بخلاف الصوم فما ذكر أن المشركين كانوا يصومون لأوثانهم ولمعبوداتهم فالصوم إنما هو خاص لله عز وجل .
فعلى هذا يكون معنى قوله: “الصوم لي وأنا أجزي به” أنه لا يدخله شرك لأنه لم يكن المشركون يتقربون به إلى أوثانهم وإنما يتقرب بالصوم إلى الله عز وجل.
4-أن المراد بقوله : ( وأنا أجزى به ) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، قال القرطبي : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير .
والمراد بتقدير الأجر أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته ، لأن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير . ويشهد لهذا رواية مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ١٠﴾ [الزمر: 10]
فالملائكة تكتب الأعمال وتقدر الحسنات لكنها لا تستطيع تقدير أجر الصيام فجعل الله تعالى جزاء الصائمين عليه، لا على الملائكة، ولك أن تتأمل شرف هذه العبادة أن يتولى أكرم الأكرمين الجزاء والمكافأة؟
يعني أنا لو قمت بعمل مسابقة داخلية في هذا المسجد لحفظ القرآن كمْ تكون جائزة الفائز الأول؟
لن تتجاوز الألف دولار، هذا يليق بإمكاناتنا وما نستطيع، لكن إذا قلنا إن الجائزة ستكون على مستوى وزارة أوقاف أو شؤون إسلامية لا يليق أن تكون الجائزة للفائز الأول ألفا لا بد من أن تكون مبلغا كبيرا عشرون ثلاثون ألفا.
لكن إذا قلنا أن الذي سيكرم الفائزين هو الملك أو الرئيس فلا يليق بالملك أو الرئيس أن يكرم بعشرين ألفا ، لا بد من أن تكون جائزة تليق بالملك ، أو تليق بالرئيس، طيب حينما نقول أن الذي سيكرم الصائمين هو الله رب العالمين تكريما يليق بذي العزة والجلال أكرم الأكرمين.
إذن المسألة ليست حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فقط ، بل أجر عظيم لا يعلمه إلا الله- سبحانه وتعالى- ولذلك قال العلماء: إن قول الله تعالى لأهل الجنة : ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ٢٤﴾ [الحاقة: 24] قالوا: هذا يقال للصائمين فلصومهم متعهم الله بلذة النعيم في الجنة كلوا هنيئا كلوا واشربوا هنيئا جزاء وفاقا لما أعطشتم أنفسكم وجوعتموها هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية.
ولذلك أحد الأمراء لما أعطى لصبي صغير درهما ، فرفض الطفل أن يأخذه، فقال له: لماذا تمتنع؟ خذ هذا الدرهم، قال أبي سيضربني، قال: قل له الأمير أعطاني الدرهم.
قال لن يصدقني. قال لماذا يا غلام ؟
قال لأن هذه ليست عطية الأمراء؛ أمير يعطي درهما !!
فهذا فهم صبي لأمير يعطي درهما فما بالك بأكرم الأكرمين؟
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :” وَهَذَا الحديثُ الجليلُ يدُلُّ على فضيلةِ الصومِ من وجوهٍ عديدةٍ :
الوجه الأول : أن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال ، وذلك لِشرفِهِ عنده ، ومحبَّتهِ له ، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه ، لأنه سِرُّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله . فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام ، فلا يتناولُهُ ؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه ، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك ، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه ، ورغبةً في ثوابه ، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال : ( يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي ) .
وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله : إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّةَ بالصوم .
الوجه الثاني : أن الله قال في الصوم : (وأَنَا أجْزي به) فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد ، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ ، وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين ، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها . فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيماً كثيراً بِلاَ حساب . والصيامُ صبْرٌ على طاعةِ الله ، وصبرٌ عن مَحارِم الله ، وصَبْرٌ على أقْدَارِ الله المؤلمة مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنَّفْسِ ، فَقَدِ اجْتمعتْ فيه أنْواعُ الصبر الثلاثةُ ، وَتحقَّقَ أن يكون الصائمُ من الصابِرِين . وقَدْ قَالَ الله تَعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10 ” انتهى .”[1].
قوله (والصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون أي وقاية وسترة من المعاصي؛ تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه ووجه الشبه ، فتقدير الكلام : الصيام كالجنة يحمي الصائم من الذنوب والسيئات كما تحمي الجنة المقاتل من الضرب والطعنات .
ومادة : “جن” تدل على الستر والوقاية ، ومنه قيل : لــ : “الجن” : جن ، بالكسر ، لاستتارهم عن أعين البشر ، و “الجنة” : جنة بفتح الجيم ، لأنها مستترة بأشجارها الكثيفة .
فصار للمادة معنى كلي هو : “الستر” فالصيام جنة لأنه يكسر الشهوة ويضعفها، وقيل: جنة أي وقاية من النار، لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات .
وعند الترمذي وسعيد بن منصور : (جنة من النار)
ولأحمد من حديث أبى عبيدة بن الجراح (الصيام جنة مالم يخرقها ). وزاد الدارمي: ( الصيام جنة مالم يخرقها بالغيبة )
فلما كف الصائم نفسه عن المعاصي في الدنيا كان سترا له من النار فكفت عنه في الآخرة.
قوله: (فلا يرفث) أي لا يفحش في الكلام.
والرفث هو أن يتكلم بكلام فاحش بذيء؛ ولذلك نفى النبي عليه الصلاة والسلام عن نفسه الفحش والتفحش؛ لأن هذا خلق ذميم، والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين تحلّوا بمكارم الأخلاق، وتخلوا عن مساوئ الأخلاق، والفحش والرفث والفسوق والجهل، كل هذا استعاذ منه النبي عليه الصلاة والسلام، بل استعاذ منه جميع الأنبياء.
(ولا يجهل) الجهل قريب من الرفث، وهو خلاف الحكمة، وخلاف الصواب من القول والفعل؛ أي لا يفعل فعل الجهال كالصياح والسخرية أو يسفه على أحد، وفي رواية سعيد بن منصور: ( فلا يرفث ولا يجادل) وهذا ممنوع في الجملة لكنه يتأكد بالصوم.
(وإن امرؤ قاتله أو شاتمه) قاتله أي: دافعه، ونازعه فيكون بمعنى شاتمه ولاعنه، وقد جاء القتل بمعنى اللعن، وفى رواية : “فإن سابه أحد أو ماراه ” يعنى جادله.
وقوله: (فليقل: إني صائم، إني صائم) هل يقولها بصوت مسموع أو بصوت خافت ؟
الأفضل أن يجمع بين الاثنين، لأن المرء لو أسمع الشاتم والساب الجاهل ذلك، فكأنه يقول له: ما يمنعني عنك إلا أني صائم، والله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أمراني ألا أدفع مقاتلتك بمقاتلة، وألا أدفع شتمك بشتم، وإنما أمراني أن أصبر وأحتسب، وأقول: إني صائم.
وهذا الفعل والكلام الجميل يشهد له القرآن والسنة، بل يشهد له واقع الناس، تصور لو أن امرأً شتمك فصبرت عليه وسكتّ ودعوت له، فإنه لو كان ناراً مشتعلة لا بد وأنه سينطفئ؛ لأنك قابلت الإساءة بالإحسان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ولو أنك دفعت شر الشرير بالخير والعفو والصفح لانقلب لك صديقاً حميماً، ولو دفعته بمثل ما بدأك به لاشتعلت الخصومة، حتى كادت أن تهلك الأرواح والأبدان.
(والذى نفسى بيده لخلوف فم الصائم) الخلوف: هي الرائحة الكريهة التي تخرج من فم الإنسان بسبب الصيام ، والحقيقة أن هذه الرائحة لا تخرج من الفم، وإنما تخرج من المعدة؛ لخلوها من الطعام، فمهما حاولت أن تزيل هذه الرائحة من فمك لا تزول؛ لأن منبعها المعدة والبطن، وليست هي صادرة عن الفم.
فهذه الرائحة عند الله عز وجل يوم القيامة أطيب من ريح المسك، ولما كان المسك هو أفضل الطيب وهو أحب الطيب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ضرب به المثل، فهذه الرائحة التي تنبعث من فم الصائم وتتأففون منها هي عند الله يوم القيامة أطيب من ريح المسك، جزاءً وفاقاً؛ لما عملوه في الدنيا، لما صبروا وامتنعوا طاعة لله عز وجل عن الطعام والشراب والشهوة أنتج هذا الامتناع وهذا الحبس هذه الرائحة، فلما تأفف منه الناس في الدنيا أقبل أهل المحشر عليه في الآخرة يشمون رائحته الطيبة الزكية التي تخرج منه، جزاء طاعته في الدنيا.
قوله: (وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) يفرح لأن الله عز وجل كافأه بعد هذا الحرمان في النهار بالطعام والشراب بدخول المغرب، ففرح بأنه حصل ما كان ممنوعاً، أو يفرح بأن الله تعالى أتم له صيام هذا اليوم؛ لأن الذي يقوي على الطاعة هو الله عز وجل، ولذلك الإنسان لو عجز عن إتمام الصيام في يوم من الأيام وما أطاقه أو سبب له ضرراً، فإن أفطر بعد الظهر أو بعد العصر يحزن حزناً شديداً لضياع هذا اليوم، مع أنه ما ضاع وهو صاحب عذر، ولذلك لا تجد رجلاً قد أفطر بعذر في رمضان يفرح بدخول المغرب، مثل هذا لا فرحة له، ولذلك المرأة الحائض حينما يجتمع زوجها وأبناؤها على الطعام عند أذان المغرب، تجد الرجل وأبناءه في منتهى الفرح والسرور بدخول المغرب، أما الزوجة فلا تفرح بذلك- رغم أنها مأجورة من الله وإفطارها طاعة لله- ؛ لأنها لم تحصل على ما حصل عليه الزوج والأولاد من طاعة بالنهار.
كذلك تفرح أيها المسلم إذا تمت طاعتك من غير أي كدر يكدرها، بخلاف الذي يسب ويشتم ويصخب ويجادل ويفسق.. وغير ذلك، فهو يشعر في داخل نفسه أنه مجرد إنسان قد امتنع عن الطعام والشراب والجماع، والله عز وجل لا حاجة له في صيام هذا الصائم؛ لأنه لم يفد الفائدة المرجوة من صيامه، لأن غاية هذا الصيام أنه يهذب النفوس، ويرقق القلوب، ويقرب الصائم إلى مولاه، باجتناب جميع الذنوب والمعاصي، لا بالامتناع فقط عن الطعام والشراب والجماع: (فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)، ورب صائم ليس له حظ في الصيام، إلا أنه عذب نفسه بالامتناع عن الطعام والشراب والجماع.
قوله: (وإذا لقي ربه فرح بصومه) إذا لقي ربه في الآخرة فإن الله تعالى يكافئه المكافأة التي وعد بها، لأن الملك سبحانه وتعالى هو الذي يجازيه ويكافئه، فلا بد أن تكون هذه المكافأة عظيمة جداً؛ لأنها من الكريم سبحانه وتعالى.
ثالثا/ فوائد من الحديث:
هذا الحديث الشريف يحمل العديد من الفوائد والدروس القيمة، منها:
- إخلاص النية: الصيام عبادة خالصة لله تعالى، حيث يترك المسلم طعامه وشرابه وشهواته من أجل الله وحده، وفي هذا تربية على الإخلاص في العبادة.
- الصبر والتحمل: الصيام يعلم المسلم الصبر والتحمل، حيث يمتنع عن الطعام والشراب لفترة طويلة، مما يقوي إرادته ويرفع همته لفعل الخيرات وترك المنكرات .
- التقوى: الصيام جُنَّة، أي وقاية وحماية من المعاصي والذنوب، حيث يبتعد المسلم عن الفواحش والأقوال السيئة، مما يزيد من تقواه.
- الأجر العظيم: الله تعالى يجزي الصائمين بأجر عظيم، حيث إن أجر الصيام غير محدد ويضاعف الله لمن يشاء، مما يشجع المسلمين على الإكثار من الصيام.
- فرحتان للصائم: للصائم فرحتان، فرحة عند الإفطار بطاعته لله ، وفرحة عند لقاء الله بالأجر والثواب الجزيل.
- رائحة فم الصائم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، مما يدل على قيمة الصيام عند الله تعالى وأنه عبادة محببة إليه.
- التسامح وضبط النفس: الصيام يعلم المسلم التسامح وضبط النفس، حيث يمتنع عن الرد على من يسبه أو يقاتله، ويكتفي بقول “إني صائم”، مما يربي المسلم على الأخلاق الحميدة.
[1] مجالس شهر رمضان” (ص 13)