أفضل استثمار في رمضان
هبت نسائم الخير وأقبل علينا شهر الخير، شهر البركة، شهر رمضان، فالحمد لله رب العالمين الذي بلغنا هذه الأيام الفاضلة. ونسأل الله سبحانه وتعالى، ونحن نستقبل أول ليلة من ليالي رمضان، أن يكتب لنا الأجر والفوز والقبول، وأن يبلغنا ليلة القدر، وأن يعيننا في هذا الشهر الكريم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم آمين يا رب العالمين.
يقول الحق تبارك وتعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًۭى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” (البقرة: 185).
وكان نبينا المصطفى الكريم ﷺ يبشر أصحابه بقدوم رمضان فيقول: “إذا جاء رمضان فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وصُفِّدَتِ الشياطين، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة” (رواه الترمذي وابن ماجه).
إخواني الكرام، جاء شهر الخير لنُقبل فيه على الله، ونجدد العهد مع الله سبحانه وتعالى، ونعوض ما فاتنا من تفريط أو تضييع طوال الشهور الماضية، ونجدد الإيمان في قلوبنا.
ما أوحش الطريق لولا الأنس بالله! وما أصعب الفتن وأشدها لولا الاعتصام بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ!
يأتي إلينا هذا الشهر ونحن في شوق إليه، حتى نكون من المسارعين في الخيرات، المتنافسين على مرضاة الله رب العالمين.
ماذا ستفعل في رمضان؟
إذا سألت أحد الإخوة: ماذا ستفعل في رمضان؟ سيقول بتلقائية: “سأصوم”. نعم، هذا كلام مفروغ منه، فأنت كمسلم تعلم أن الصيام فرض، لكننا نريد المزيد.
أي شركة عالمية حينما تقوم بالحساب السنوي أو الجرد السنوي لا تقول: كم ربحنا هذا العام؟
إنما تقول: ما هو فارق النمو بين العام الماضي والعام الحالي؟
فإذا كان الربح أقل، فهناك خسارة وفقًا لمقاييس التجارة العالمية، وإذا كان مساويًا، فهذا يعني أننا لم نضف جديدًا، أما إذا كانت هناك طفرة في الربح بين العام الماضي وهذا العام، فمعنى ذلك أن هناك سياسة ناجحة متبعة في هذه الشركة.
أنت مسؤول عن نفسك: “كُلُّ نَفْسٍۢ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ” (المدثر: 38).
فإذا تقدم بك العمر سنة تلو سنة، وأنت كما أنت، أو ربما أقل، فأنت بذلك تخسر لا تكسب.
لذا، أريد في هذه الخطبة أن نرفع الهمة، وأن نجدد العهد مع الله، ليكون الربح أعلى وأعلى وأعلى.
الجنة تستحق التنافس، جنة لم يقل الله تعالى فيها: “فاسعوا”، إنما قال: “وَسَارِعُوٓا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” (آل عمران: 133).
أولا/ إتقان العبادة في رمضان:
أريد من إخواني أن نهتم في هذا الشهر بكيفية العبادة لا بكمية العبادة.
هذه نقطة جوهرية، فالبعض منا لديه اهتمام بالأعداد والأرقام في هذا الزمن الرقمي، حيث الحسابات وتعداد كل شيء، فأقول لك: لا تبالِ بالأرقام، لا تبالِ بهذا الشيء، فلا نجعل العبادة مجرد أرقام: أنا ختمت، خمس أو عشر مرات! أنا سبحت ألف تسبيحة، أنا ذكرت، أنا فعلت، أنا تصدقت! دعك من هذا!
الإتقان في العبادة هو المطلوب؛ صُم صيامًا باتقان، صيامًا فيه إرضاء لله عز وجل، صيامًا تحمي فيه سمعك وبصرك من كل ما حرم الله عز وجل، صيامًا لا تمتنع فيه عن المباح، الطعام والشراب فقط، وإنما تمتنع فيه عن الحرام.
صلِّ صلاة بخشوع! أنت ستأتي في المساء إلى المسجد لتصلي التراويح، حبست جسدك ساعة لتقف بين يدي الله رب العالمين، فاحبس قلبك أيضًا ساعة! صلِّ بخشوع!
اسمع للآيات، تدبر ما يقرأ الإمام، اخشع مع الآيات!
كان رسول الله ﷺ إذا مر بآية تسبيح سبح، وإذا مر بآية فيها ذكر الجنة سأل الله الجنة وسأل الله من فضله، وإذا مر بآية فيها ذكر النار تعوذ بالله منها.
فصلِّ صلاةً بخشوع، يخرج فيها القلب حيًّا، يشعر بجلال الله وعظمة الله وآيات الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يطهر قلوبنا، وأن ينورها لاستقبال هدايات القرآن.
اذكر الله! سبح الله معظِّمًا، تسبيحًا مع تعظيم، تسبيحًا مع تفكر.
راكب السيارة، راكب المواصلات، لماذا أنت ساكت؟
كل يوم تذهب في نفس الطريق وتعود من نفس الطريق، لماذا أنت ساكت؟
عظِّم الله بتسبيحه وتمجيده، وتأمل في هذا الكون حولك، وكيف أن هذا الملك كله بيد الله عز وجل! “وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۖ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍۢ فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍۢ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَٰبٍۢ مُّبِينٍۢ” (الأنعام: 59).
عندما تستغفر، استغفر نادمًا، تائبًا، عازمًا على ترك الذنوب.
وعندما تحمد الله، تفكر في نعم الله عليك.
كم من النعم أعطاك الله؟ اللهم لك الحمد على نعمة العافية! اللهم لك الحمد على نعمة الزوجة الصالحة! اللهم لك الحمد على نعمة الأولاد! اللهم لك الحمد على نعمة العمل! اللهم لك الحمد على نعمة الأمان! اللهم لك الحمد! اللهم لك الحمد! احمد الله، هكذا يكون إحسان العبادة!فربك يحب الحمد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
“ٱعْبُدِ ٱللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن لَّمْ تَكُن تَرَىٰهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ”
وأنت تقرأ القرآن، لا تهذّه هذًّا بسرعة… ماذا تفعل؟ اقرأ القرآن قراءة صحيحة! هذه ليست قراءة المتقن، الرسول ﷺ قال: “الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة”.
إذا لم تكن تعرف أحكام التجويد، فتعلَّم أحكام التجويد! عندك الآن حلقات شرح أحكام التجويد متوفرة بكثرة، حلقات أحكام التلاوة متوفرة في المساجد في رمضان.
إتقن التلاوة! بدل أن تكون متعتعًا بالقرآن ثقيلًا عليك، كن ماهرًا بالقرآن! اتلُ القرآن كما يحب الله، ورتل القرآن ترتيلًا.
أنا كنت أريد أن أختم عشر مرات! أختم مرة بإحسان خير من عشر مرات من غير إحسان! ما الفائدة من القراءة السريعة جدًّا بدون وعي ولا تدبر ولا تفكر؟! هذا فضلًا عن من يقرأ بعينه فقط!
هناك خطأ اذكره على الهامش، أقول: من صلى دون أن يحرك لسانه، فصلاته باطلة! من صلى صلاة سرية دون أن يتحرك لسانه بالفاتحة والأذكار، فصلاته غير صحيحة! أنت لم تتكلم! لابد من القراءة، والقراءة تكون بتحريك اللسان.
لا يوجد شيء في الشرع اسمه أن يفتح الإنسان المصحف وينظر إلى الكلام ويكون بذلك قد قرأ! لا، القراءة تقتضي تحريك اللسان، كما في الصلاة، وكما في تلاوة القرآن.
التأثير يأتي بالقراءة بالترتيل، “الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة”.
إتقن التلاوة، أحسن التلاوة، حتى إذا تلوت ما تلوت، فإن الله جل وعلا يسمع تلاوتك. قال تعالى: “وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍۢ وَمَا تَتْلُوا۟ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍۢ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًۭا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ” (يونس: 61).
هل تدبرت جلال هذه الآية؟ “وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍۢ وَمَا تَتْلُوا۟ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍۢ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًۭا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ”؟ الله يسمع تلاوتك، الملائكة تسمع تلاوتك!
لما كان أسيد بن حضير يقرأ القرآن واضطربت فرسه، فقام ليرى ما بها، رأى أمثال القناديل المعلقة بين السماء والأرض، فلما سأل رسول الله ﷺ، قال: “تلك الملائكة نزلت تستمع الذكر”.
الملائكة نزلت تستمع الذكر! فالله جل وعلا يسمع تلاوتك، فكن ماهرًا متقنًا لكلام الله، والملائكة تنزل لتسمع الذكر، والبيوت التي يُقرأ فيها القرآن تتراءى لأهل السماء كما تتراءى لنا النجوم في الأرض.
نحن أهل الأرض نرى النجوم، وكذلك الملائكة ترى البيوت التي فيها القرآن كالنجوم، بما يخرج منها من النور والبركة.
ثانيا/ أوقات رمضان غالية:
رمضان كل لحظة، كل دقيقة فيه غالية، كل ساعات هذا الشهر لن تعوض أبدًا!
فاستغل النية الصالحة في كل عمل.
أنت، والحمد لله، صائم، وهذه عبادة مستمرة، أنت لا تفعل شيئًا، الصيام امتناع، وهذه عبادة من الفجر إلى المغرب.
ومع الصيام، هناك أعمال أخرى!
أنت ذاهب إلى عملك، كما قلت لك، لماذا لسانك متوقف؟ حرك لسانك!
- “معليش، أنا أركز في قيادة السيارة والزحام وما عندي تركيز”؟
- لا مشكلة! شغِّل شيئًا مفيدًا! في السيارة، لديك الآن كل المشايخ موجودون على اليوتيوب وعلى التطبيقات المختلفة، اجعل لنفسك برنامجًا:
- وأنت ذاهب، اسمع شيئًا مفيدًا.
- وأنت راجع، اسمع شيئًا آخر.
فهذه كلها طاعة! استفد من وقتك، يا إخواني!
انظروا إلى الناس الآن، الكل يمشي والسماعات في أذنه، ماذا يسمع ؟ أنتم عارفين… طيب، لماذا لا نستغل هذه الوسائل في الخير؟
استغل الأوقات البينية في أي شيء نافع:
- اسمع دورة علمية.
- رتب نفسك.
- اجعل عندك قائمة تشغيل، بحيث تستمع لدرس رقم 1، ثم 2، ثم 3، ثم 4.
اتركوا تضييع الوقت!
- لا تضيع وقتك في المقاطع القصيرة، الكوميدية، والتفاهات!
- لا تضيع وقتك في المقاطع غير المفيدة!
- والله، تدخل تشاهد شيئًا، فتجد نفسك مرت عليك ساعة كاملة! مقطع وراء مقطع، ثم ليس هناك أي فائدة تذكر!
انس أن تتعلم دينك من شخص يقول كلمة في 20 ثانية!
أي انطباع يتركه عندك؟ وبعد ذلك، وأنت تستمع لمحاضرة دينية، تقلب على مقطع كُرة قدم! وبعد قليل، مقلب كوميدي! وبعد قليل، مقطع عن الفساد والانحلال! ثم من يتاجرون بأجسادهم، ومن ينشرون السفالة والقذارة!
انتبه! لا تكن ممن يضيعون أوقاتهم دون فائدة! استغل كل لحظة، اجعل رمضان شهرًا للعبادة، لا للتسلية!
لماذا أضع نفسي في هذه المسألة؟! استمع إلى ما ينفعك!
لا يزال اليوتيوب نظيفًا بعض الشيء، فأنت لا تسمع ولا ترى إلا ما تريد.
فأنشئ قائمة تشغيل مفيدة، استمع إلى دورة نافعة، علم شرعي، علم دنيوي طالما أنه علم نافع، استغل الأوقات البينية!
أنت الآن خرجت لتشتري طعامًا أو شيئًا يخص البيت، هل هذا مضيعة للوقت؟ لا! كم يستغرق الطريق؟ 10 دقائق؟ 15 دقيقة؟ فيها ألف تسبيحة! فيها حزب من القرآن قراءةً أو سماعًا!
عندما سألوا بعض العلماء: “كم بينك وبين بيت فلان؟” قال: “قدر 100 آية”.
هكذا كانوا يضبطون الأمور، ليس بالأرقام، بل بالقرآن! لم يكن عندهم حساب بالدقائق، بل كان القاموس عندهم: “من بيتي إلى بيت فلان مقدار 100 آية”!
هكذا كان الصحابة! زيد بن ثابت رضي الله عنه لما أدركوا السحور مع النبي ﷺ سألوه: كم كان بين وقت سحور النبي ﷺ وأذان الفجر؟ فقال: “مقدار خمسين آية”!
هكذا كانوا يضبطون الأمور! ليس فقط “أتسحر ثم أنتهي”، بل كان يرتل: “50 آية، هكذا يكون استغلال الوقت!”
ثالثا/ إحسان النية!
يا إخواني، إحسان النية أمر عظيم! النبي ﷺ عندما رأى شابًا قويًّا فتيًّا، قال الصحابة: “لو كان هذا في سبيل الله!” لأنهم كانوا يفهمون أن “في سبيل الله” تعني الجهاد فقط.
لكن النبي ﷺ وسّع مفهوم “في سبيل الله” فقال:
- “إن كان خرج على أبوين شيخين كبيرين ينفق عليهما، فهو في سبيل الله!”
- “إن كان خرج على أطفال له صغار يعولهم، فهو في سبيل الله!”
- “إن كان خرج لينفق على نفسه ليعفها، فهو في سبيل الله!”
- “وإن كان خرج رياءً ومفاخرة، فهو في سبيل الشيطان!”
إذًا، جدد نيتك!
- عملك في سبيل الله!
- خروجك للعلم وللتعلم، سواء في الجامعة أو المدرسة، في سبيل الله!
- ذهابك لشراء الطعام ومستلزمات البيت، طالما أنه من غير إسراف ولا تبذير، في سبيل الله!
- نَفَقَتُكَ على أهل بيتك، في سبيل الله!
جدد نيتك!
لو أنفقت 100، 200، 300 على زوجتك وأولادك، فهذه في سبيل الله! الناس تفرح عندما تتصدق على مسجد أو يتيم أو مسكين، وهذه صدقة مستحبة، لكنك لك أن تفرح أكثر عندما تنفق على أهل بيتك!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك». رواه مسلم
النية في الإنفاق على الأهل
جدد نيتك، لا تعامل أولادك وكأنهم “يجب أن يأكلوا فقط”! بعض الناس يقول لأولاده: “جبت لكم (الطفاح)، يلا كلوا!” وهذا من يتبعه أذى فهو إطعام بلا إحسان!
وإذا كانت الصدقة على المسكين فرض كفاية على عموم الأمة، فإن النفقة على أهلك فرض عين عليك!
ليس الأمر مجرد طعام! بل هو إحسان، ولطف، وحسن معاملة، كما تعلمنا من النبي ﷺ: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” (رواه الترمذي).
المرأة والبيت
الإعلام أفسد عقول بعض النساء! بعضهن يُصورن البيت على أنه “سجن”، وأن الطبخ للأولاد “مجرد خدمة”!
يقولون: “كيف لحاصلة على شهادة كذا وكذا، والتي درست كذا وكذا، أن تقف في المطبخ؟!”
كأن المطبخ إهانة! كأن الاعتناء بالبيت نقص!
لا، ليس هذا مقام المرأة ولا مكانها الوحيد، ولكن خدمتها لأسرتها ليست ضعفًا، بل قوة، وكرامة، وفضل!
موضوع خدمة الأولاد، والوقوف في المطبخ، وغسيل الأطباق والملابس، هذا تقوم به خادمة وليس أنتِ؟! هكذا يروج البعض!
إحدى النساء تقول لصديقتها على “فيسبوك”: “أنا لا أعرف ماذا أفعل مع هذا الرجل الغليظ السخيف، لا يفوت صغيرة ولا كبيرة!” فردت عليها الأخرى: “وما الذي يجعلكِ تتحملينه؟ اطلبي الطلاق ووَكِّلي محاميًا!” فقالت: “لا، ليس زوجي ، بل هو مديري في العمل!” فردت عليها: “آه، خلاص، اصبري! طالما المدير، نصبر! إنما الزوج؟ لا، لا نصبر عليه!”
الزوجة والمطبخ: هل هو عبادة؟
لو جعلت الزوجة المطبخ ميدانًا للعبادة، فسيكون المطبخ نعمة كبيرة عليها، وليس مجرد “عبء”!
- هي تفطر الصائمين! وهذه عبادة عظيمة!
- هي تقوم بعبادة لا يقوم بها هؤلاء الذين يدعونها إلى ترك بيتها!
- هي تحسن التبعل لزوجها، وجزاؤها الجنة بإذن الله!
- هي تصبر على أي ألم أو مشقة تتحملها في سبيل القيام بواجباتها كزوجة، وهذا في ميزان حسناتها!
كيف تستثمر وقتها في المطبخ؟
- تشغل القرآن في المطبخ، فتسمع وتتدبر!
- تستمع إلى دورات علمية، ودروس المشايخ، وتتعلم أثناء العمل!
- تستغل هذا الوقت البيني في حفظ القرآن أو مراجعة ما حفظته!
والله، يمكنها أن تحفظ القرآن وهي في المطبخ! يمكنها أن تسمع دروسًا علمية وهي تعد الطعام!
سبحان الله! هذه أوقات بينية!
أنا لا أقول: “اقضي وقتكِ في المطبخ!”، بل أقول: استثمري وقتكِ في أي مكان تكونين فيه!
المسألة كلها نية!
لا تنظري إلى روتينكِ اليومي على أنه مضيعة أو غرامة أو عقوبة! بل انظري إليه من زاوية أنكِ ترضين الله عز وجل!
النبي ﷺ علَّمنا أن كل ما يفعله الإنسان من لهو ولعب هو ضائع، إلا ما كان مع أهله!
- عندما تجلس مع زوجتك وتتحدثان، فأنت في عبادة! عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، حيث قال رسول الله ﷺ:
“كل شيءٍ يلهو به الرجلُ فهو باطلٌ، إلا رميَه بقوسِه، وتأديبَه فرسَه، وملاعبتَه أهلَه، فإنهنَّ من الحقِّ.” رواه الترمذي ) وصححه الألباني
- عندما تساعد أهل بيتك، فهذا من هدي رسول الله ﷺ!
- خيركم خيركم لأهله!
البركة في الطعام!
أحمد بن أبي الحوّارَى، وكان من الصالحين في الشام، كانت زوجته إذا قدمت له الطعام تقول له: “تفضَّل يا زوجي، فوالله لقد أنضجتُه على التسبيح!”
طعام أُنضج على التسبيح! فيه بركة، وخير، ورحمة!
أما الطعام الذي يُنضج على الضيق، والطاقة السلبية، والعصبية، والتذمر، والتأفف، فهو سم قاتل لآكليه!!
فهذا هو ما ملأوا به عقول النساء اليوم!
النية تصنع الفارق!
المسلم والمسلمة عندهم استغلال للوقت وتجديد للنية لله عز وجل.
- اعمل عملا، وأنت ساخط، وستشعر بالتعب والملل والضيق!
- قم بنفس العمل، وأنت راضٍ، وجدد النية، وستجد فارقًا كبيرًا، ونتيجة نفسية عظيمة! هذا عند الله لا يضيع!
تصحيح مفهوم “من فطر صائمًا”
بعض الناس: عنده حديث من فطر صائمًا، أن يكون طعامًا كاملًا فقط.
لا يا أخي! النبي ﷺ قال: “من فطر صائمًا”، وهذا يشمل:
- من فطره على ماء
- من فطره على تمر
- من فطره على طعام
- من فطره على لحم
هذا كله يقع في معنى “الإفطار”!
فلماذا نضيق الواسع؟ سبحان الله!
من فطر صائمًا في المسجد، في البيت، في ضيافة، في أي مكان، فله مثل أجر الصائم!
أؤكد مرة أخرى لا تضيعوا الأوقات في رمضان!
يا إخواني، رمضان فرصة، كل لحظة فيه غالية، لا تضيعوها!
هناك أشياء كثيرة من فضول المباحات، لو نحَّيناها جانبًا، والله، سنجد وقتًا متَّسعًا لكثير من الأمور النافعة.
أنا لا أتحدث عن المعاصي، بل عن تنظيم الوقت واستثمار الأوقات البينية في ما يُرضي الله عز وجل.
وسائل التواصل الاجتماعي: مرض أم وسيلة؟
وسائل التواصل وصلت إلى حد التخمة عندنا! أصبح الأمر مرضًا!
- مشترك على سبعة أو عشرة تطبيقات من وسائل التواصل الاجتماعي؟ لماذا؟ ماذا تفعل بكل هذا؟
- كل لحظة إشعارات: فلان رد عليك، فلان عمل لك “like”، فلان أرسل لك رسالة!
- لماذا تضيع الأوقات في كل هذا؟ والله، كل هذا مضيعة للوقت، إلا القليل!
لماذا أنت 24 ساعة متصل بالإنترنت على هاتفك؟
- لماذا الإشعارات دائمًا مفعلة على المليان والفاضي؟
- أنت لن تغير العالم، ولا العالم سيخسر من دونك!
- ولا الحرب العالمية الثالثة ستقوم إن لم تتابع الإشعارات لحظة بلحظة!
الهاتف يستهلك حياتك!
عندما أغيب عن الهاتف لمدة ساعة فقط، أجد 200 رسالة!
- 90% منها تهاني برمضان، والناس تنقل الرسائل نفسها!
- نفس الفيديو يُرسل لنا من أستراليا، الهند، باكستان، السعودية، مصر، ومن كل مكان!
- أفتح الرسالة الأولى، الثانية، الثالثة، العاشرة، العشرين… كم من الوقت ضاع؟!
موضوع أنك متصل 24 ساعة على الهاتف، هذا أكبر مضيعة للوقت!
كيف ننظم استخدام الهاتف؟
- اجعل فترة محددة لمتابعة الرسائل، مثل: كل 4 ساعات، أو حسب الحاجة.
- إذا كان عملك يقتضي التواصل المستمر، فحدِّد أولوياتك، ولا تنشغل بغير المفيد.
- لا تكن مشغولًا طوال الوقت بتوافه الأمور! هذا إهدار للأوقات.
- استثمر وقتك في رمضان:
“يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر!”
خلاصة الخطبة: كيف نستثمر رمضان؟
أولًا: النية!
- استقبل رمضان بنية الإتقان والإحسان في كل عبادة!
- كن حريصًا على أن تؤدي عباداتك بأفضل صورة.
- اعبد الله كأنك تراه!
- قدِّم العبادة بأحسن ما يكون عندك لله عز وجل.
ثانيًا: استثمار الأوقات!
كيف؟
-
فضول المباحات:
- ابتعد عن المبالغة في المباحات، فضلاً عن المعاصي!
- قلل استخدامك لوسائل التواصل غير الضرورية.
-
جدد نيتك في كل عمل:
- اجعل عملك، دراستك، خدمتك لأهلك، كلها لله.
- لا تجعل العادة تطغى على النية الصالحة.
-
استغل الأوقات البينية:
- كم دقيقة تصعد فيها السلم؟
- كم دقيقة تركب المصعد؟
- كم دقيقة تركب السيارة؟
- كم دقيقة تنتظر الصلاة؟
اجعل كل هذا وقتًا للذكر، الدعاء، الاستغفار، الصلاة على النبي ﷺ، وقراءة القرآن!
هكذا يبارك الله في وقتك، ويضاعف لك أجرك، ويجعلك من الفائزين في رمضان!
المصحف الآن موجود على الهواتف كلها، دائمًا افتح القرآن واقرأ، فاقرأ ما تيسر من القرآن. فإذا كنت على هذا الحال، بإذن الله تعالى ستكون من الفائزين في رمضان.
نحن لا نهمل رمضان كله، ثم إذا حانت ليلة 27، فجأةً يفزع الجميع:
- “يا الله رمضان أوشك على الانتهاء!”
- “ليلة القدر خير من ألف شهر!”
لكن أين كنت طوال رمضان؟!
كل ليلة من رمضان، لله عتقاء من النار!
- كل ليلة!
- كل ليلة فيها مغفرة!
- كل ليلة فيها رحمة!
- كل ليلة فيها نور وهداية وفضل من الله!
فلنستقبل الليلة الأولى من رمضان!
إن شاء الله، بعد غروب شمس هذا اليوم، نجدد العهد مع الله!
- ليكن هذا الرمضان من أفضل الرمضانات التي نصومها لله، نقوم فيها لله، ونتقرب فيها إلى الله بما يحبه ويرضاه.
أسأل الله العظيم الكريم، جل وعلا، أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه،
وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه.
اللهم كما بلغتنا هذا الشهر الفضيل، فوفقنا فيه إلى ما تحبه وترضاه.
اللهم وفقنا فيه، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وبلغنا ليلة القدر، واجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين الفائزين.
اللهم اجعله شهرًا تفرج فيه الكربات عن المستضعفين
من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم اجعله شهر تفريج لكل كرب، وتيسير لكل عسر.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا المصطفى المختار، وعلى آله وصحبه الأبرار.