شرح الأربعون النووية 4- مراحل خلق الإنسان

تاريخ الإضافة 22 نوفمبر, 2025 الزيارات : 1095

شرح الأربعون النووية

4- مراحل خلق الإنسان

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق: ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد،

فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها،

وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ”

رواه البخاري ومسلم.[1]

هذا الحديث من دلائل صدق النبي ﷺ ودلائل نبوته لأن فيه إخبار عن الغيب، فالنبي حينما يخبر عن مراحل خلق الجنين في بطن أمه بهذه الدقة أربعين يوما نطفة، ثم أربعين يوما علقة، ثم أربعين يوما مضغة، ثم ينفخ فيه الروح، فهذا ولا شك وحي من الله عز وجل.

 قال ابن مسعود:  (حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق)

 أي الصادق في جميع ما ينطق به، (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)[النجم 3،4] والمصدوق الذي صدقه الله، وصدقه من سمعه من أهل الإيمان .

  وإخبار النبي ﷺ عن هذه الدقة في مراحل خلق الجنين والتي عبر عنها القرآن في سورة المؤمنون وفي سورة الأنبياء وفي سورة غافر، ومثل ما ورد هنا في السنّة تحديد المدة الزمنية بأربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة، هذا كله إخبار عن غيب، وإعجاز يخبر عنه رب العالمين في كتابه، ويفصله نبينا ﷺ في سنته، وكله دليل على أن هذا الإسلام هو الدين الحق، فلم تكن البشرية زمن رسول الله يعرفون شيئا عن هذه التفاصيل الدقيقة، بل لم يهتد الأطباء لهذه التفاصيل إلا في القرن الثامن عشر، وهذا بالنسبة للتاريخ يعتبر وقت قريب جدا، ونحن بيننا وبين الرسول ﷺ أربعة عشر قرنا من الزمان فهذا من دلائل صدقه ونبوته ﷺ

ونتأمل هنا رحمة الله تعالى بالإنسان حينما خلقه في هذا الضعف الشديد، ثم يأذن الله تعالى بخروجه إلى الدنيا، ويقوى حينا فحين ؛ حتى يكون إنسانا سويا كامل الخلقة قادرا على أن يعتمد على نفسه، والله سبحانه وتعالى بقدرته يقدر أن يقول للشيء كن فيكون.

ما الحكمة أن مدة الحمل تسعة أشهر؟

قدر الله ان تكون مدة حمل المرأة تسعة اشهر للعديد من الحكم منها:

  • النمو السليم للجنين:تسمح مدة التسعة أشهر للجنين بتكوين أعضائه وأنظمته الحيوية بشكل كامل، مما يمنحه أفضل فرصة للبقاء على قيد الحياة خارج الرحم.
  • جعلها تسعة أشهر رفقا بالأم التي تحمل هذا الجنين، وتستشعر حركته في أحشائها، يوما بعد يوم حتى يمر الحمل فتشعر بحركته وتشعر بآلامه، فيتعلق قلبها به كثيرا، ومن أسعد لحظات المرأة حينما ترى الذي كان في أحشائها أمام عينيها مولودا بقدرة الله سبحانه وتعالى.

قوله : (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً نُطْفَةً)

 كلمة نطفة: من نطف يعني يصب به في الرحم، والمقصود به ماء الرجل الذي يصب به في رحم المرأة فيلتقي مع مائها وتلقح البويضة فيكون الحمل ويكون الجنين، وأصل كلمة النطفة في اللغة العربية تطلق على الصافي أو القليل.[2]

(ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ) أي: أربعون يوما أيضا، وسميت علقة لأنها تكون دم ثخين غير متجمد فيعلق بالرحم، قال تعالى: (خلق الإنسان من علق)[العلق: 2] فبعد أن تلقح البويضة من الحيوان المنوي من الرجل بعد أربعين يوما تتحول إلى دم ثخين يعني فيه سُمك أو غلظة لكنه غير متجمد، وتعلق في الرحم .

(ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ) بعد ثمانين يوما يكون مضغة، فتتحول العلقة إلى مضغة، وسميت مضغة ، وهذا تعبير دقيق عن شكل الجنين في هذه المرحلة، لأنه يشبه اللقمة الممضوغة ، وكأن عليها أثر أسنان ممضوغة – سبحان الله-

 (ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ، وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ)

  وهذا معناه أن الله وكل ملكا بعد أربعة أشهر يبدأ نفخ الروح ويكون الجنين إنسانا سويا يعني نفخت فيه الروح، وتبدأ مراحل الاكتمال من الشهر الرابع إلى الشهر التاسع ليولد في اللحظة التي قدرها الله تعالى، قال تعالى: (وما تحمله من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) [فصلت 47]

 حكم الإجهاض:

أولا/ الإجهاض قبل بلوغ الجنين 40 يوما:

أول أربعين يوما هو عبارة عن نطفة، والنطفة ناتجة عن تلقيح الحيوان المنوي للبويضة، فيظل أربعين يوم نطفة، وكثير من الفقهاء يقولون إنه يجوز الإجهاض في هذه الفترة.

 وقالوا لأنه لم يتكون إنسان بعد، ولم يوجد فيه أصل الإنسان وهو الدم، فيجوز الإجهاض قياسا على العزل، والعزل طريقة لمنع الحمل قبل موانع الحمل الحديثة الموجودة، كان الرجل يجامع أهله، فإذا قارب الإنزال نزع فيجعل الإنزال خارج الرحم، هذه صورة كانت موجودة في زمن النبي ﷺ ولم ينه عنها.

فالمرأة لو توالى عليها الحمل والإرضاع فحملت مرة أخرى فيكون ضعف فوق ضعف، أو عندها شيء في القلب أو سكر، أو ارتفاع في الضغط ، أو انخفاض في الضغط …. الخ كل هذا أجاز العلماء فيه الإجهاض، أما إذا لم يكن شيئا من ذلك واستطاعت الأم أن تكمل الحمل فلا يجوز لها الإجهاض، طبعا ليس من ضمن الأسباب أن الأولاد عددهم زاد، أو عندنا بنات ونخاف أن الخامس يكون بنت كذلك، ونحن نريده ذكر … كلا هذا ليس من الأعذار.

ولو حصل الإجهاض في هذه الفترة يكون معصية وفعل حرام لكن لا يرقى إلى درجة الكبيرة بمعنى لا يكون مثل قتل النفس، طبعا ليس المقصود هنا أننا نجرأ الناس على الإجهاض إنما نذكر الحكم الشرعي، فإذا حدث الإجهاض دون مسوغ طبي ودون أن يكون هناك أي داع لهذا الإجهاض فهو معصية ينبغي لفاعلها أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى.

ثانيا /الإجهاض بعد 40 يوما:

بعد الأربعين يوما من الحمل، أصبحت النطفة علقة، وبعد الثمانين مضغة، فحرام نقترب من الجنين إلا إذا ثبت أن هناك تشوه مؤكد في الجنين، وثبت أن في إكمال الحمل ضرر على صحة الأم أو مشقة بالغة أو أنها تشكو من مرض من الأمراض، فحينئذ يجوز لها الإجهاض.

 ثالثا/الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين:

 إذا نفخ فيه الروح (120 يوما) لا يجوز أن يحدث الإجهاض ؛ إلا في حالة واحدة وهي أن يؤكد عدد من الأطباء الثقات أن إكمال الحمل فيه إهلاك للأم، ووفاتها، أو عندها في القلب مرض كذا … أو عندها ورم …الخ ، فمعنى إكمال الحمل يعني أننا نعرض حياتها للخطر أو ستموت، فالعلماء قالوا: يجوز في هذه الحالة الإجهاض لأن الحي أبقى من الميت.

 وكذلك إذا تأكد الأطباء أن حركة الجنين توقفت في الرحم وأنه مات فلا معنى لبقائه في رحمها فيحدث الإجهاض بهذا الشكل.

حكم الجنين المشوه؟

 هنا مسألة مهمة وهي أن التحاليل أو الأشعة أثبتت أن الجنين مشوه، وهذا يحصل غالبا في الشهر الخامس أو السادس الأطباء يقولون لك إن الجنين عنده توحد أو عنده تخلف عقلي …. قلبه فيه ثقب الرئة فيها كذا … الخ

قال العلماء: لا يجوز المساس بالجنين بعد أن نفخ فيه الروح، والأطباء وأقوالهم ظنية وليست يقينية.

 وأذكر أنه كان معنا أحد الإخوة من المصلين كان الجنين في الشهر الخامس ، وبعد الأشعة قالوا لزوجته إن ابنك برئة واحدة ولن يعيش إلا قليلا وسيموت فلا بد من الإجهاض، فقلت له يا أخي بدلا من الأخذ بقول طبيب واحد استشر طبيبا واثنين، فإذا قال أغلب الأطباء: إنه يمكن إكمال الحمل، وأنه لن يحدث أي ضرر شديد على الأم، فأكمل الحمل، وبأمر الله سبحانه وتعالى يغير الله من حال إلى حال، وطلّع صدقة وعليك بالدعاء في قيام الليل وفي السجود، وإن شاء الله ربنا كريم.

والله قد جاءني بعدها وزوجته كانت في الشهر السابع بعدها بشهرين، وقال إنه لم يرجع إلى المستشفى وترك الأمر لله، ثم ذهب في الشهر التالي فكانت المفاجأة وجدوا أن الجنين مكتمل البنية والخلقة وما في أي مشاكل.

 ومعنا أحد الإخوة أيضا عنده ثلاثة أولاد، قال لي: أنا زوجتي من النوع الذي يصاب بسكر الحمل، والأطباء قالوا له في المولود الأول: إن الولد سيولد عنده السكر وهذا خطر وسيكون مريضا من صغره ويحتاج دائما إلى العلاج وإلى الرعاية وإلى العناية، ابنه الآن ما شاء الله عنده 19 سنة وأنا أعرفه معرفة شخصية، وعايش بصحة جيدة لا عنده سكر ولا عنده ملح ولا يشتكي من أي أمراض!!!

والعجيب أنهم قالوا نفس الكلام في ابنه الثاني، بل والثالث أيضا وكلهم بخير الآن وعافية.

وأنا لا أقصد التقليل من كلام الأطباء أو لا أحد يسمع للأطباء، لكن أقول إن كلامهم ظني وليس يقيني، وهم يحاولون تجنيب أنفسهم المسئولية القانونية فيفترضون أسوأ الاحتمالات، فالطبيب بشر يصيب ويخطئ.

 وفي ناس أعرفهم معرفة شخصية لما عملوا الأشعة قالوا له: مبارك إن شاء الله الزوجة حامل في ذكر، وبمرور الوقت يطلع بنت، والعكس تماما يحصل، فكل هذه اجتهادات.

 فأنا أقول: لو حصل هذا الأمر استشر طبيبا واثنين وهذا حقك الشخصي والشرعي والقانوني، ولا تأخذ بقول طبيب واحد.

طيب تأكدنا أن الجنين مشوه وأنه فعلا سيكون عنده توحد أو عنده تخلف عقلي أو عنده نقص في جهاز كذا في عضو كذا، هذه إرادة الله، أنا لا دخل لي في ذلك هذا إرادة الله عز وجل، فربه الذي أذن بخلقه وولادته ووجوده في هذه الدنيا هو أعلم به سبحانه وتعالى.

رابعا/ ما الحكم لو حدث الإجهاض بقدر الله؟

إذا أسقطت المرأة بصورة طبيعية بقدر الله أسقطت الجنين قبل أربعة أشهر، فهذا لا يعتبر نفاسا، هذا خطأ تخطئ فيه كثير من النساء، يعني إذا أسقطت وهو نطفة أسقطت وهو علقة وهو مضغة ، فهذا لا يعتبر دم نفاس، إنما يعتبر دم استحاضة، لأن النفاس هو الدم الذي يخرج عقب خروج نفس، بعد الثمانين ربنا خلق مضغة مخلقة يعني بانت فيها آثار خلقة، فإذا أسقط الجنين بعد ثمانين يوما ما بين الثمانين لمئة وعشرين، فيه آثار الخلقة مكونة فهذا يعتبر نفاسا، يعتبر إنسان .

إذا كانت المضغة غير مخلقة لم تتبين فيها أي شكل من أشكال الخلق، ما زالت مثل قطعة اللحم ، فلا يعتبر نفاس وإنما هي استحاضة، وكلمة استحاضة معناها: الدم الذي ليس بحيض ولا نفاس، المرأة فيه تصلي وتصوم وتباشر حياتها بطبيعتها غير أنها مع توالي نزول الدم تتحفض، وتتوضأ لكل صلاة لأنها من أصحاب الضرورات.

إذا حدث وأسقط الجنين بعد أربعة أشهر يعني بعد نفخ الروح تحت ظرف من الظروف، شاء الله تعالى ، ما حكمه؟

عند الحنابلة قالوا: إنه نفس، يسمى سواء ذكرا أو بنتا، ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.

وماذا نقول في صلاة الجنازة؟

ندعو لوالديه، بما ورد في الحديث أن نقول: ( اللهم اجعله سلفا وفرطا وذخرا لوالديه) [3]ويدفن لأنه نفس.

(سَلَفًا) أي يكون هذا الطفل المتوفّى سببًا للوالدين ليلحقا به في الجنة؛ كأنه يمضي قبلهم إلى الآخرة يمهّد لهم الطريق، ويكون سببًا في رفع درجتهم.
(فَرَطًا) الفَرَط هو: الذي يسبق أهله إلى الماء في الآبار فيهيّئ لهم المكان ويهيّئ الأحواض، والمعنى أن يكون الطفل المتوفّى سابقًا لوالديه إلى الجنة ينتظرهم فيها.
(ذُخرًا) الذُّخر:الشيء الذي يُدَّخر لوقت الحاجة.أي:يكون سببًا في نجاتهم ورفعة درجاتهم في الجنة.

ما حكم الانتفاع بالأجنة المجهضة في التجارب العلمية والعلاجية؟

 نزول الجنين قبل نفخ الروح-أي قبل تمام مائة وعشرين يومًا- لا تتضح فيها الصورة الإنسانية بشكل مكتمل، بل في بعض الأحيان لا يزيد عن كونه كتلة من الدم المتجمع لا تتجاوز السنتيمترات القليلة، وتكون أنسجتها غير متماسكة، فلا يتحمل التغسيل والتكفين؛ لاحتمال تهتكها بمجرد ملامستها، فلا تجري عليه في هذه الحالة جميع أحكام الميت من تغسيله وتكفينه ودفنه، وإنما يُكتفَى فقط بستره ودفنه إن سمحت حالته بذلك.

ولما كان الحال كذلك، فإن دعت الحاجة إلى الانتفاعِ ببعض ما يشتمل عليه من أنسجة أو خلايا في التجارِب العلمية التي يعود نفعُها على جنسِ الإنسان أو على بعضِ المرضى كالأبحاث المتعلقة بعلم الجينات أو الهندسة الوراثية، فلا مانع من ذلك شرعًا؛ تحقيقًا للمصلحة، ولانتفاء امتهان حرمة الإنسان التي هي مظنة المنع من ذلك، وهو ما يتوافق مع الأصول العامة ومقاصد الشرع الشريف؛ فإن “الشَّرِيعَةَ وُضِعَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ”،

إذن يجوز الانتفاع بالأجنة المجهضة لكن بشروط:

أولًا: أن يكون الإجهاض بسبب معتبر شرعًا، وألا يتعمد حصوله من أجل الانتفاعِ بالأجنة.

ثانيًا: أن يكون بموافقة الوالدين ورضا كليهما أو من يقوم مقامهما عند فقدهما.

ثالثًا: ألا توجد طريقة أخرى لتحقيق هذه الأغراض والمصالح المبتغاة إلا باستخدام هذه الأجنة المجهضة.

رابعًا: وجود هيئة متخصصة موثوقة تقوم بالإشراف على هذه الأغراض وإجراءات تنفيذها.

 قول النبي : (ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ) 

 وهذا كله بأمر الله سبحانه وتعالى، والروح سر من أسرار الله عز وجل أودعها الله فينا، قال تعالى : (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) [الإسراء: 85]

(وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ)

 وهذه الكتابة المقصود منها إظهار ما سبق في علم الله عز وجل، لأن الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الله الخلق كتب عنده في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء كما قال النبي ﷺ: (إن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) [4] فسبق في علم الله كل شيء، فيظهر الملك ما سبق في علم الله في اللوح المحفوظ يكتب الرزق، رزقه وأجله ومتى سيموت وعمله الذي سيعمله، وهل هو من أهل الشقاء أم من أهل السعادة .

اعملوا فكل ميسر لما خلق له :

عن علي ـ رضي الله عنه ـ قالكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم جالسا وفي يده عود ينكت به، فرفع رأسه فقال: ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار، قالوا: يا رسول الله فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: لا، اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل: 5-7]) [5]

ومعنى سؤال الصحابة : هل نترك مشقة العمل، ونكل الأمور إلى ما قدر علينا؟ فكان جوابه ﷺ اعملوا فكل أحد ميسر لما خلق له، وهو يسير على من يسره الله، فمنعهم من ترك العمل، وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية، فجعل إحسان العمل والعبادة علامة على رضا الله عن العبد، فمن تيسر له العمل الصالح كان مأمولاً له الفوز، ومن تيسر له العمل الخبيث كان مخوفاً عليه الهلاك، وهذه أمارات من جهة العلم الظاهر، وليست بموجبات، فإن الله سبحانه طوى علم الغيب عن خلقه وحجبهم عن إدراكه ابتلاء لهم جميعا في هذه الحياة الدنيا.

إذن فأهل السعادة سيسيرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيسيرون لعمل أهل الشقاوة.

علم الله سابق، وليس سائق:

 أي من تمام علمه سبحانه أن يعلم كل شيء، لكنه لم يجبر أحدا على فعل شيء، فقد سبق في علم الله أن أبا لهب سيعيش كافرا ويموت كافر، وأنزل قرآنا يتلى ( تبت يدا أبي لهب وتب)، وأخبر أنه هو وامرأته سيصلى نارا ذات لهب ، فهل أجبر أبو لهب على الكفر؟ ألم يكن بوسعه أن ينطق بالشهادتين؟

نعم كان بوسعه ذلك لكنه لم يفعلها، ومات على الكفر، فسبق في علم الله عز وجل أن أبا لهب سيعيش كافرا ويموت كافرا، لكن الله تعالى لم يجبر أبا لهب على الكفر.

والله تعالى تعبدنا بالأخذ بالأسباب، فما يقع من قدر الله دون اختيار منك فلن تحاسب عليه، وما كان لك فيه اختيار فأنت محاسب ومجزي به، فإذا سلبت منك القدرة والاختيار هنا يأتي قول الله تعالى : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) [البقرة 286] أمثلة على ذلك:

  • لو أن إنسانا تعود أن يشرب بعد الوضوء، فشرب على عادته أول يوم في رمضان عند الظهر؟ صيامه صحيح لماذا؟ لأنه لم يتعمد أن يأكل أو يشرب.
  • ولو أن رجلا منعوه من الحركة وصبوا في فمه الماء رغما عنه،  ما حكم صيامه؟ صيامه صحيح.
  • ولو أن رجلا أكرهوه على طلاق زوجته، هل هي طالق؟ كلا، لم يقع الطلاق.
  • ولو أن رجلا أجبروه على الكفر، مثل عمار بن ياسر، فإيمانه صحيح.

والرسول ﷺ قال له وكيف قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان، قال إن عادوا لمثلها فعد

وفيه نزل قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106][6]

فالشيء الذي أنت مكره عليه، الذي سلبت منك الإرادة فيه لن تجازى ولن تعاقب عليه، أما ما كان لك فيه اختيار فهنا يكون عليك كما قال تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) أي: لها ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر.

وسيدنا عمر لما وقع طاعون في الشام، وأراد أنه يرجع لم يدخل الشام لأن الطاعون مرض معد، فبعض الصحابة قالوا: أتفر من قدر الله؟ قال نفر من قدر الله إلى قدر الله.[7]

يقول فيلسوف الإسلام محمد إقبال: المسلم الضعيف يحتج بقضاء الله وقدره والمؤمن القوي يعتقد أنه هو قضاء الله الذي لا يُرد، وقدره الذي لا يُغلب!

فيغير الله تعالى به، ويصلح الله تعالى به، ويحرك الله تعالى به خير كثيرا، ويمنع الله به شرا كثيرا.

إنما المستكين والمستسلم فهو يقول: أقام العباد فيما أراد، ودع الملك للمالك ، ودع الخلق للخالق ، وخليل في حالك ، وعش نملة تأكل سكر، وامش تحت الحيط وجنب الحيط إلى آخر هذه الكلمات السلبية.

هل الإنسان مسير أم مخير؟

ورحم الله الشيخ محمد الغزالي لما سأله أحد الشباب هل الإنسان مسير أم مخير؟ فقال أما الإنسان في الشرق فهو مسير، وأما في الغرب فإنه مخير، لأنهم علموا أن لهم عقولا فاستعملوها) الغربيون عرفوا أن عندهم عقل فاستعملوه، إنما نحن فقد عطلنا عقولنا.

قوله : (فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )

الكتاب : اللوح المحفوظ .

 في رواية عند البخاري عن سهل ابن سعد رضي الله عنه جملة توضح المعنى قال: ( يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس) ، فيما يبدو للناس معناها أنه منافق مراء.

وكان في زمن النبي ﷺ رجل اسمه قزمان في غزوة أحد، قزمان قتل أربعة من حملة اللواء، اللواء :هو راية الجيش ، فكان شجاعا، ولما ذكروا بأسه وقوته في القتال أمام رسول الله قال: هو في النار!!!

فلما سألوه وذكروا له ما كان من أمره، قال ما قاتلت إلا عن أحسابي يعني عن قبيلتي ، فما كان منه إلا أنه في الليل اشتدت عليه جراحه فركز الرمح في الأرض ثم نزل عليه بصدره، فقتل نفسه، فلما رآه الصحابة وقد انتحر قالوا: صدق رسول الله ﷺ[8]

وكما في قصة سلمان الفارسي التي يحكي فيها قصة إسلامه يقول : (…. حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة . قال فجئته فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين ، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك ، قال : فادخل . فدخلت معه ، قال فكان رجل سوء ، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق ، قال وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ، ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء ، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا . قالوا : وما علمك بذلك ؟ قال قلت : أنا أدلكم على كنزه . قالوا : فدلنا عليه . قال فأريتهم موضعه ، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، قال فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا . فصلبوه ثم رجموه بالحجارة…)[9]

إذن معنى (فيما يبدو للناس) فيما يظهر لهم، الناس تقول إنه رجل صالح أنه كذا وفي ناس شياطين، يخدعون الناس من مظهرهم وبكلامهم وبطريقتهم ، فربنا تبارك وتعالى يفضحه بسوء خاتمته ، نسأل الله العفو والعافية.

ولا يعقل أن الله الكريم سيقضي على رجل أمضي حياته كلها على طاعة وعلى استقامة ثم يأذن الله تعالى بعد ذلك بانقلاب حاله قبل وفاته مباشرة ، ويقع في سوء الخاتمة.

 ولذلك ابن كثير له عبارة رائعة يقول فيها نقلا عن قتادة: (إذا عَاشَ الرَّجُلُ عَلَى شَيْءٍ ماتَ عَلَيْهِ، وَإذا ماتَ عَلَيْهِ بُعِثَ عَلَيْهِ)[10]

فحسن وسوء الخاتمة ناتج عن رجل عاش حياته عاصيا لله، أو ظاهره الصلاح وباطنه الفساد ، كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204]

ونرى هذا في بعضهم إذا تكلموا أثروا فيك: قال الله ، وقال رسول الله وينفعل ، ويحمر وجهه ، ثم بعد ذلك تجده سائر في ركاب الظالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله يصفق لهم ويبارك خطواتهم، وأعمالهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولذلك ابتلى الله تعالى هؤلاء بسوء الخاتمة عند الوفاة بأن يقبضوا على سوء حال وعلي سوء عمل، فيبين للناس عدم صدقهم.

والعكس بالعكس لو أن واحدا أمضى حياته في طاعة الله عز وجل فيأذن الله تعالى بأنه يموت فيموت يوم يموت على طاعة الله.

الإمام الصنعاني أحد علماء الحديث له كتاب مشهور في الفقه اسمه سبل السلام لما حضرته الوفاة وحضر حوله إخوانه وتلامذته قال لهم : ذكروني بحديث تلقين المحتضر لا إله إلا الله، فسكتوا أدبا مع شيخهم فقال لهم حدثنا فلان حدثنا فلان أن رسول الله ﷺ قال: ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ) وشهق شهقة الموت ثم مات لم يكمل الحديث وتمام الحديث (دخل الجنة) [10] فمات على التحديث بحديث رسول الله وكان آخر ما حدث به هذا الحديث، سبحان الله العظيم.

الشيخ عبد الحميد كشك:

الشيخ عبد الحميد كشك رحمة الله سمعته في إحدى الخطب يقول : أسأل الله تعالى أن يحييني ساجدا وأن يقبضني إليه ساجدا وأن يحشرني ساجدا، وقد منع الشيخ في آخر حياته من الخطابة وحيل بينه وبين المساجد والجمهور، ويوم وفاته اغتسل للجمعة ولبس ثوبه الأبيض ثم وقف يصلي صلاة الضحى قبل أن ينزل إلى المسجد فسجد سجدة لم يقم منها، كانت آخر ما فعل الشيخ كما تمنى، مات ساجدا ويبعث يوم القيامة ساجدا، – سبحان الله!!

عاش مؤذنا ومات مؤذنا:

وأذكر أن أحد الشباب ذكر هذه القصة حصلت في مدينة  المنصورة، والده كان يؤذن حسبة لله، وكان المسجد بجانب البيت فكان يفتح المسجد ويؤذن حسبة لله سبحانه وتعالى، في آخر حياته أصيب عافاكم الله بجلطة، منعته من الحركة فما كان يستطيع أن يذهب إلى المسجد، فكان يستعين بابنه حتى في الذهاب للحمام ليتوضأ ويصلي، يقول وفي آخر حياته نادى والدي علي يا فلان تعال لأتوضأ، قال لكن يا والدي ليس وقت الصلاة الآن، قال له ما لك شأن، أنا عايز أتوضأ، وبعد أن ساعده ليتوضأ وقف على السرير، يقول ووالدي ما كان يستطيع أن يقف إلا إذا اتكئ علي ، لكنه بعد الوضوء وقف على السرير هكذا كما كان يقف وأخذ يؤذن الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، حتى إذا بلغ آخر الآذان فلما قال : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله … فاضت روحه معها إلى الله، فاضت روحه إلى الله… عاش مؤذنا ومات وهو يؤذن، ليبعث إن شاء الله يوم القيامة مع المؤذنين الذين يدعون إلى الصلاة.

والقصص في هذا الجانب كثيرة ،  فالمؤمن يعمل بطاعة الله ويستقيم على طاعته فيختم له بالخير، أما المرائي والمنافق والمسرف على نفسه وأصحاب المعاصي والذنوب والكبائر، فهؤلاء يفضحهم الله عند وفاتهم بسوء الخاتمة.

تاب ثم انتكس:

ذكر الدكتور خالد حنفي – حفظه الله- هذه القصة الطريفة عن أحد الإخوة قال: إن مجموعة كانوا راكبين في طائرة، متجهين إلى القاهرة من ألمانيا إلى القاهرة الكابتن أعلن في الميكروفون الداخلي عن مشاكل في أحد أجنحة الطائرة وربما هذا الخلل يؤدي إلى سقوط الطائرة، فرجاء اجلسوا في أماكنكم واربطوا الأحزمة ، يقول فإذا بالشخص الذي كان بجانبي أخذ يبكي وانهار، وامسك بيده وقال بالله عليك، بالله عليك لو ربنا كتب لك النجاة أنا واكل ميراث ولاد أخي، هم لهم بيت كذا وعمارة كذا وظل يصف له، وقل لهم أن يسامحوني، عمكم مات وهو يسلم عليكم، والرجل صار وكأنه أبو بكر الصديق في هذه اللحظة ، المهم بعد عشر دقائق الكابتن أعلن مرة ثانية : السادة الركاب تم إصلاح الخلل والطائرة تسير بخير وما في أي مشاكل، فجأة لقيته يقول لي بحدة: أسمع لا تروح ولا تيجي إنس كل ما قلته لك!!!لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بالله نسأل الله العافية.

إذن معنى الحديث( وان أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)  كلمة ذراع هنا للتقريب إشارة إلى القرب.

( فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينه ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )

 فمن أقدار الله تعالى أن يأذن لرجل بالهداية قبل أن يموت مباشرة.

 وقد حدث في غزوة أحد أن رجلا اسمه الأصيرم عمرو بن ثابت، جاء إلى النبي ﷺ ونطق بالشهادتين بين يدي المعركة ، ثم انغمس في القتال فلقي الله شهيدا، فقال النبي ﷺ من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة لم يسجد لله سجدة فلينظر إلى هذا الرجل )[11]

قصة لشاب مع الدكتور صلاح سلطان:

حكى الدكتور صلاح سلطان هذه القصة وكان يعمل إماما في مركز إسلامي بأمريكا، يقول : وأنا في درس من دروس السيرة جف حلقي مع الكلام وفكر أن يطلب ماء ليشرب لكنه استحى يقول استحيت إني أشير لأحد الإخوة، فدخل شاب أول مرة يدخل المركز، وجلس أمامي، وبعد قليل قام وملأ كوب من الماء ووضعه بين يديه، فالصراحة جاء في وقته ، فدعوت له قلت: له سقاك الله من الكوثر.

 وشرب الماء وأكمل الدرس وصلى العشاء، قال : وكان عندي موعد بعد الصلاة مباشرة، فدخل على هذا الشاب، وقال أنا محتاج أتكلم معك، قال له : أنا آسف، عندي موعد والناس ينتظرونني ولازم امشي الآن.

 قال له: أنا موضوعي لا يتأجل، أنا أحتاج خمس دقائق فقط.

 قال له خمس دقائق ؟

قال له خمس دقائق، قال هذا الشاب: أنا من بلد عربي وأتيت هنا للدراسة، لكن انحرفت عن الطريق نهائيا، وما تركت معصية ببالك إلا وفعلتها، من شرب مخدرات لكذا وكذا كل شيء، وأنا الآن دخلت المسجد تائب إلى الله، هل يقبلني؟ هل يقبلني الله عز وجل؟ بعد كل ما عملته ؟

قال فذكرته بالله وبالآية: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]

وقصة قاتل تسعة وتسعين نفسا…  وكل الآيات والأحاديث في التوبة، حتى بكى وأعلن أنه تائب إلى الله وأوصيته بأن يلازم العبادة والصلاة والصحبة الصالحة والمسجد والدروس وودعته وذهبت إلى موعدي.

بعد عشرين دقيقة وجدت الهاتف يرن، فأغلقته فرن مرة ثانية وثالثة ورابعة، فقلت ربما في شيء، فأجبت المتصل فإذا بهم يتصلون من أحد المستشفيات القريبة من المكان، أنت فلان؟ أي نعم أنا فلان.

 قالوا في شاب اسمه كذا أتعرفه؟

قال : نعم أعرفه كان معي من حوالي عشرين دقيقة، قالوا هو عامل حادث الآن على الطريق كان يقود سيارته فانقلبت شاحنة كبيرة من الطريق الموازي فوقعت على سيارته، وهو في حالة خطرة الآن ويطلبك بالاسم، يقول ركبت سيارتي سريعا حتى بلغت المستشفى، وفعلا وجدته في لحظاته الأخيرة، فنظر إلى وتكلم بصعوبة بالغة قائلا : يا دكتور صلاح تفتكر ربنا سيقبلني؟

 قال له: نعم سيقبلك، لقد جئت إلى الله تائبا.

 قال: والفرض الوحيد الذي صليته العشاء؟

 قال له ربنا سيقبلك، قال له: تشهد لي عند ربنا؟

قال له : أشهد لك عند الله، يقول: فلقنته الشهادتين ثم فاضت روحه إلى الله سبحانه وتعالى.

فسبحان الله نفس كلام النبي ﷺ، هذا الشاب أدرك الجنة قبل الوفاة بعشرين دقيقة، وكان من الممكن ان يكمل بقية حياته هكذا، لكن شاء الله قبل أن يموت بساعة أو قل نصف ساعة جاء إلى المسجد ويلتقي بالدكتور صلاح ويشاء الله تعالى أنه يتوب ثم يلقى الله عز وجل وهو على طاعة، فهذا مصداق الحديث : (فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة ) فيختم له بالخير فيدخلها.

 نسأل الله تعالى أن يرزقنا الجنة وما قرب إليهم قول وعمل، وأن يعيذنا من النار وما قرب إلى من قول وعمل، اللهم أمين.

فوائد الحديث :

  1. صدق رسول الله ﷺ، وما أخبر عنه من مراحل خلق الجنين بهذه الدقة يعد من الإعجاز العلمي في السنة النبوية.
  2. الإعجاز العلمي في السنة النبوية من وسائل الدعوة إلى الله خاصة مع غير المسلمين .
  3. عظمة الله سبحانه وتعالى في خلقه لعباده بهذا الضعف وهذا التدرج حتى يأذن الله تعالى باكتمال الخلقة كما قال : ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ [الزمر: 6] ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة، المشيمة : الغلاف المحيط بالجنين.
  4. علم الله سابق وليس سائق، والنبي ﷺ قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له.
  5. جواز القسم للتأكيد كما فعل رسول الله ﷺ قال: (فو الله الذي لا إله غيره (.
  6. لا يجوز أن نقطع لأحد بالجنة أو بالنار ما دام حيا، إلا إذا ورد به الدليل مثل : (تبت يدا أبي لهب وتب) أو ما ورد في غيره من أهل النار، أو أهل الجنة المبشرين بالجنة، لكن من كان حيا لا نجزم له لا بالجنة ولا بالنار لأننا لا ندري بما يختم له، فالأعمال بالخواتيم.
  7. الحذر من سوء الخاتمة وأن المسلم إذا وقع في المعصية يبادر بالتوبة كما قال النبي ﷺ(واتبع السيئة الحسنة تمحها)

[1] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب أحاديث الأنبياء، باب ذكر الملائكة، حديث رقم 3208)، ومسلم في صحيحه (كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله، حديث رقم 2643)،

[2] وقد نسمع الإخوة اللبنانيين يقولون: ( نتفة) وهذا تحريف لكلمة نطفة، فنتفة صغيرة يعني شيء قليل .

[3] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الجنائز، باب الصلاة على الطفل وطلب الشفاعة له من والديه، حديث رقم 1355)، ومسلم في صحيحه (كتاب الجنائز، باب ما يقال عند الصلاة على الطفل، حديث رقم 914)

[4] أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى، حديث رقم 2653)

[5] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب التفسير، باب قوله تعالى: فأما من أعطى واتقى، حديث رقم 4949)، ومسلم في صحيحه (كتاب القدر، حديث رقم 2647)

[6]أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (حديث رقم 486)، وابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الإكراه، حديث رقم 37074)، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب النكاح، حديث رقم 14841)، وصححه ابن حجر في الفتح وقال الألباني: إسناده حسن كما في السلسلة الصحيحة (حديث رقم 2061).

[7] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الطب، باب ما ذكر في الطاعون، حديث رقم 5729)، ومسلم في صحيحه (كتاب السلام، باب الطاعون، حديث رقم 2219

[8] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب المغازي، باب غزوة أحد، حديث رقم 4043)، ومسلم في صحيحه (كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، حديث رقم 1903)

[9] تفسير ابن كثير، سورة الأنعام، الآية 110 طبعة دار طيبة، جـ 3 صـ 214

[10] أخرجه أبو داود في سننه (كتاب الجنائز، باب فيمن يُلقَّن، حديث رقم 3116)، والترمذي في سننه (كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن يُلقّن عند الموت، حديث رقم 976)، وابن ماجه (كتاب الجنائز، حديث رقم 3794)، وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (حديث رقم 3116).

[11] أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، حديث رقم 190)

 

Visited 73 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع