شرح الأربعون النووية : تابع 6- الشبهات بين الحلال والحرام

تاريخ الإضافة 7 فبراير, 2023 الزيارات : 2168

شرح الأربعون النووية 

6- الحلال بين والحرام بين

الشبهات بين الحلال والحرام

عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ  يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً . أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ) رواه البخاري ومسلم .

هذا لقاؤنا الثاني مع هذا الحديث ، وحديثنا عن الشبهات بين الحلال والحرام

عندنا أمور ثلاثة :

1- حلالٌ بين.

 2- وحرام بين.

 3- والأمر الثالث وبينهما أمور مشبهات ، ووردت مشتبهات،  يعني لا يدرى حكمها أهي حلالٌ أم حرام ؟

والنبي صلى الله عليه وسلم قال : “لا يعلمهن كثير من الناس “ إشارة إلى أنها قد يعلمها بعض الناس.

والمقصود هنا أهل الذكر كما نعلم من قول الله تعالى” فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون” النحل 43.

 وهذا يدفعنا إلى الحديث اليوم عن هذه المسألة الهامة :

مسألة الشبهات

أولا / ما هو الورع؟

الورع هو ترك ما به بأس خوفاً من أن يكون به بأس ، ترك ما فيه شبهة خوفاً من الوقوع في الحرام ، وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ  لدينه وعرضه “

ثانيا / أنواعه :

1- الورع عما حرم الله عز وجل ورعٌ واجب ، لأن الله حرم كذا، فأنا أتورع عن فعله .

2- أما ما هو دائرٌ بين الحل والحرمة فإن الورع فيه مستحب .

ما معنى دائرٌ بين الحل والحرمة؟

هذا هو موضوعنا .

ما أسباب ورود الشبهة ؟

1-  إما جهل بالحكم .

2- وإما أن المسألة جديدة محل اجتهاد واخذ ورد بين أهل العلم .

3- وإما أن المسألة فيها شبهة الحرام أو غلبة الحرام.

بالنسبة للجهل فعلاجه العلم ، يعني أنا جاهل بحكم كذا فاسأل اسأل أهل الذكر ، كما علمنا الله سبحانه وتعالى، وديننا والحمد لله دينٌ ليس فيه غموض، ولا أسرار ديننا واضحٌ بين ، والقواعد الإجمالية للشريعة مبينة وموضحة ، فعلاج الجهل أن تسأل أهل العلم .

تجد بعض الناس إذا قلت له اسأل شيخ يقول: لك لا أنا لا أحب أن أسأل المشايخ ، خلاص اسأل مهندس، اسأل طبيب، اسأل  محامي سبحان الله !!!

يعني أنت تتكلم عن مسألة شرعية حلال وحرام إلى من تتجه؟

تتجه إلى أهل العلم ، أهل التخصص ، مثل المريض يذهب ليسأل الطبيب ، ومثل من عنده مشكلة في بيته يسأل المهندس المختص …. الخ .

قول بعض الناس: أنا لا أحب أن أسأل المشايخ!!! لا احب أن أذهب للمشايخ!!! أنا لا أثق في المشايخ !!!

أو يكون شيخه مستر جوجل يبحث عليه، ويتنقل ما بين المواقع موقعاً موقعا، وطبعاً الأمور تختلف، والأوضاع تختلف من بلد إلى بلد ، ومن فتوى إلى فتوى،  ومن عالمٍ إلى عالم، فينتقي أطيبها وأحبها إلى نفسه، لا في نية ورع ، ولا نية حلال وحرام، إنما يقول : هذه الفتوى تروق لي يا أخي ، يروق  لك في الفاكهة … في الحلوى …. إنما لا يروق لك مسألة حلال وحرام؟!

هذا شرع ودين !!!

وأنا قلت هذا الكلام الأسبوع الماضي أن البعض منا إذا أفتى الشيخ الذي يستمع إليه بفتوى توافق هواه يفرح ويرضي  على هذا الشيخ ويمدحه ويثني عليه،  أما اذا سمع الشيخ يفتي بفتوى لا توافق هواه على طول يتهم الشيخ أنه متشدد أو أنه متساهل طبعاً حسب الفتوى ونوعها،  متشدد أو متساهل،  أو أنه لا يعرف شيء،  أو أنا أعلم منه بهذا الأمر…. إلى آخر ذلك من هذه الأمور.

والتشديد كما قلت ليس منهج السلف والتساهل في الدين وتمييع الدين والبحث عن الفتاوى المائعة لا يمت إلى الحق بصلة.

يا إخواني من أراد أن يستفتي لدينه فليتحرَ ما يتحرى لبدنه، كما تتحرى طبيبا كفؤا لجسمك  وعلاجا بالأدوية وعلاجا للأمراض  تحرَ لدينك ، أنظر من تستفتي  وعن من تأخذ العلم ، لا بد من الثقة ، ولابد من العلم ، وألا يكون هذا العالم متهماً في دينه ولا في ورعه ، ولا في تقواه …. إلى غير ذلك ؛ فعلاج الجهل سؤال أهل الذكر.

هنا مسألة يكثر السؤال عنها : هل لا بد أن يكون المسلم على مذهب فقهي معين ؟

وهل يجوز أن ينتقل بين المذاهب؟

يا إخواني الأصل هو الكتاب والسنة هذا هو الأصل ، أما المذاهب الفقهية فهي مدارس لتعلم العلم ، يعني أنا لا أقول ديني مالكي أو حنبلي أو شافعي هذا ليس دينك، دينك الإسلام ،أما المدرسة الشافعية أو المالكية ، هذه مدارس فقهية والمدارس الفقهية أكثر من أربعة لكن اشتهر عندنا الأئمة الأربعة رحمة الله على جميع علمائنا فهنا فارقٌ بين من  يتتبع الرخص في المذاهب أو يتتبع الرخص على ألسنة العلماء لهوي يتبعه أو لمصلحة يريدها .

فمن يريد الحق ، يبحث عن الحق، والأصل اتباع الحق وليس اتباع المذهب.

ولذلك العلماء الأجلاء كلهم قالوا هذا الكلام :

  • كل الخلق يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
  • إذا رأيتم قولي يخالف قول رسول الله فخذوا بقول رسول الله واضربوا بقولي عرض الحائط ، فالأصل في هذا قول الله تعالى:  ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم  فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) النساء 59، عند الاختلاف نرجع إلى الأصل إلى النبعين الصافيين الكتاب والسنة.

الأمر الثاني عند اختلاف الفقهاء وخاصةً في المسائل الاجتهادية ينبغي علينا أن نقلد عالما نثق في علمه،  وكل علم فيه متخصصين،  فحينما يقول الشيخ فلان وهو قامة من قامات العلم أن هذا الأمر جائز للأسباب التالية،  أو حرام للأسباب التالية ، فهذا الكلام لا يأتي من فراغ يا إخواني ، حينما يقول: الأمر كذا وكذا ، هذا جاء بعد بحث وبعد مناقشة ، وتنقيح للأدلة فأنت حينما تقلده في هذا الأمر أنت على صواب .

 ماذا نفعل عند تضارب الفتاوى ؟

حينما تتضارب الفتاوى اسمع فتوى هنا وفتوى هناك،  إلى غير ذلك ماذا نفعل ؟

أقول لك اذا قلدت عالما في فتوى والعالم هنا كما قلت من تثق في علمه لا تأثم في ذلك كما قال الإمام النووي رحمه الله المختلف فيه لا أنكار فيه.

 وسبب الاختلاف في الفتاوى خاصةً في المسائل العصرية هو : تكييف الدليل مع الواقع يعني هذه مسائل كثيرة جداً جدت يا إخواني، مسائل عصرية لم تكن في زمن علمائنا الأوائل.

 ونحن الآن في ظاهرة المجامع الفقهية ، وهذه من الظواهر الطيبة في عصرنا أن المسائل الاجتهادية الجديدة لا يفتي فيها عالم واحد إنما مجمع فقهي،  فيه علماء الشريعة ويستدعون إليهم المتخصصين في المجالات المختلفة التي يبحثونها ويفتون فيها.

أخطر شيء في هذا العصر أن بعض المدارس الفقهية يصدرون الحكم أولاً ثم يدللون عليه ، وذلك لأن الاتجاه العام أو السياسي أو الرسمي أن هذا الموضوع حرام !!!

إذن على الشيخ أن يضع في الأول كلمة حرام ثم يدلل عليها ، وهذا في كل مناهج البحث شيء خاطئ أنتم أهل فطنة وخبرة في هذا المجال ما في باحث يضع نتيجة دون أن يكون لها مقدمات ،الأساس هو :

أبحث أولا وأجمع وأنقح وأصفي ، وأعمل عملية فلترة للأقوال ، ثم أصل إلى نتيجة .

إنما واحد وضع القاعدة الأساسية التي سينطلق منها أن هذا الأمر حرام،  ثم يدلل عليها؟!!

أو وضع القاعدة الأساسية حلال ثم يدلل عليها هذا غير صحيح.

الإنصاف الان في المسائل الاجتهادية أن نقول أن المسألة فيها رأي كذا ورأي كذا والأدلة كذا والترجيح كذا.

هذا هو الفقه الصحيح،  أما أن واحد يأتي في مسألة اجتهادية ليقول: في الأساس إنها حرام ويدلل على التحريم!!

أو حلال ويدلل على أنها حلال بأسباب !!

هذا غير صحيح… هذا علمياً ليس بالبحث النزيه،  ولا يدل على أن هذا المفتي أنفه قد شمت رائحة الفقه.

سبحان الله كما قال العلماء: من لم يعرف الاختلاف لم تشم أنفه رائحة الفقه،  ومسألة الرأي الواحد في المسائل الاجتهادية مدرسة غير صحيحة،  لأن الله لو أراد لأنزل قرأناً يتلى في هذه الأمور فصارت من القطعيات ، لكن أراد الله توسعةً على عباده أن يجعل هذه الأمور مما يتسع فيها الاختلاف والاجتهاد والرؤى،  لحكمةٍ يعلمها الله، وفتح النبي باب الاجتهاد وقال أن المجتهد المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد.

أضف إلى هذه المسألة مسائل أخرى منها مثلاً :

أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان يعني  ممكن أنا أفتيك بقال الله وقال رسول الله ، ثم أسقطهاعلي الواقع لكن الواقع يا أخي تغير، الواقع اختلف اضرب لذلك مثلاً :

 ما حكم الحصول على جنسية أجنبية ؟

علماء الجزائر في زمن الاحتلال -الاحتلال الفرنسي -كانوا يفتون بكفر من حصل على الجنسية  الفرنسية ،وأنه خائنٌ للوطن هذا كان ظرفا موجودا في واقع وتاريخ معين ومرحلة تاريخية معينة،  وكان هذا باجماع علماء الجزائر وقتها أما وقد صرنا إلى زماننا هذا فجواز السفر لا يعني إلا وسيلة من وسائل الانتقال من… إلى …..

لا يتعلق لا بخيانة وطن ولا برضا بمحتل ولا أي شيء من هذا القبيل.

إذن فالأمر اختلف لا يتعلق هنا بولاء وجيش وخدمة عسكرية وخيانة للوطن الأمر يتعلق بوثيقة للسفر والانتقال فالفتوى اختلفت .

مثال ثان / الزواج من الكتابية :

عندنا قول الله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) أحل الله لنا الزواج من كتابية ،لكن هنا مثلاً إذا حدث نزاع بينك وبين الزوجة الكتابية ما مصير الأولاد وما مصير دينهم؟

 المحكمة هنا تقرر أنه ليس من حق أحد الوالدين أن يفرض أو يعلم أبناءه دينا حتى يصل إلى سن البلوغ، فيما أظن خمسة عشر عاماً،  يعني لا تأخذه للمسجد ، ولا تأخذه الزوجة للكنيسة ، لا تعلمهم الصلاة ولا القرأن ولا تعلمه الزوجة أي شيء من تعاليم دينها.

 هذا يسمونه في الفتوى فقه المآل (مايصير إليه الأمر مستقبلا) إذن فمن أراد أن يتزوج بكتابية فليضع نصب عينيه هذه المسألة وهذا الواقع .

مثال آخر/ لماذا لحم الدجاج حلال والبقر حرام ؟

وهذه مسألة الإخوة يكثرون السؤال عنها مسألة اللحوم هنا 

 قلت في فتوى معروفة بأن الدجاج كله حلال، وأن لحم الأبقار فيه شبهة التحريم كبيرة، فالبعض يخلط ويقول لماذا قلتم عن الدجاج حلال وعن لحم الأبقار حرام يا أخي هنا المسألة اختلفت نسبة الوفاة في الدجاج واحد في الألف ، وهذه نسبة لا تجعل الاتجاه للتحريم مطلقاً لأنها لا تكاد تذكر ، بالإضافة إلى أن القانون يفرض على المسالخ عزل الدجاجة التي ماتت قبل توزيعها للبيع، أما بالنسبة للأبقار فالعلاقة ليست علاقة هي ذبيحة كتابي ولا غير كتابي ، لو فرضنا أن الذي يذبح مسلم ما هو الذي يدور هنا؟ الذي يحدث في المسالخ التي ليست بحلال لا تعلق لافتة حلال يضربون العجل بالخرطوش في رأسه ، هذه العملية كما يقول القائمين على هذه المسالخ(مكان الذبح) قد تؤدي إلى الوفاة بنسبة من أربعين لستين بالمائة، يعني من بين عشرة عجول أربعة إلى ستة ، وهذه نسبة كبيرة في التحريم، المسألة هنا ليست ذبيحة الكتابي حلال ولا حرام ، ذبيحة الكتابي حلال بنص كتاب الله ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) إنما الكلام هنا علي مسألة تفرعت منها، وهي كيفية الذبح، هل تذبح وهي فيها حياة ؟ أم تذبح وقد ماتت بالفعل فتكون ميتة ؟ هذا تحرير للأمر وتوضيح.

إذن لا يكفي أن أقول : قال الله (وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم) ثم أتغافل عن أن هذا الكتابي أو كما قلت لو جئنا بمسلم وليس كتابي وذبحها وهي ميتة فلن يضيف شديداً الميتة حرام لا يجوز أكلها .

نفس الكلام (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم )نعم هذا كلام الله عز وجل لكن ما يؤول إليه الأمر يحتاج إلى وقفةٍ وتأن أين تذهب بأولادك عند الطلاق اذا حدث؟ أو عند الانفصال ؟ أي دينٍ يكون عليه أولادك هكذا لابد أن الأمور تنظر بهذا الشكل فأنا لو سألت عالم في الشرق أو في الغرب أو في بلادنا وقلت له ما حكم كذا؟

سيقول قال الله وقال رسوله لكن أين هذا على الواقع الذي نعيشه ونحياه هنا.

 فعندك الكثير من المسائل متداخلة بشكل عجيب جداً ، ومنظومة الربا هي المهيمنة على الاقتصاد العالمي كله ، في جميع أنحاء العالم ، قد ترتفع، وقد تنخفض ، لكن هذه المسألة أدت إلى شيوع الكثير من المعاملات التي فيها شروط فاسدة، وشروط تخل بالعقد ، أو أمور تؤدي إلى الحرج البالغ علينا كمسلمين.

يعني أنت حينما تتكلم عن عقد شركة الكهرباء معك أو شركة الهاتف والزيادات عند بلوغ الدين إلى مرحلة معينة بطاقات الائتمان والسحب على المكشوف هذه الأمور كلها مسائل عصرية جديدة قد يختلف فيها الواقع عن بلادنا العربية إلى واقعنا هنا ، قد يفتي العالِم في المغرب ، أو في مصر، أو غيرها بحرمة معاملة لأن الظروف المحيطة التي يشاهدها ويعاصرها المفتي واضحة بالتحريم ، أما حينما يكون الوقع هنا مختلف ، والمسائل هنا الواقع فيها متغاير ، لابد وأن تكون النظرة نظرة أخرى والحكم حكم آخر.

بطاقات الائتمان (credit cards):

 حينما يقوم المسلم بعمل كارت من هذه الكروت، ويسحب على المكشوف ؛ يعني ليس عنده رصيد يغطي هذا السحب واحد دخله ألفين والفاتورة المتوقعة عشرة هذا ماذا نقول له؟ هذا لا شك أنه فعل حراماً لكن هل فعله اضطراراً، أم مختاراً ، أم إسرافا، هل وقع في ورطة ومشكلة ولم يستطع الفكاك عنها؟ 

 وأنتم تعلمون أن هذه الشركات تفرض أو تجعل الفائدة الربوية من تسعة عشر ونصف إلى ما هو أعلى من ذلك، تصل إلى اثنين وعشرين في بعض الشركات اثنين وعشرين بالمئة نسبة عالية جداً ، وهذا الذي يدفعهم إلى الترويج الكبير لها .

هل أنت تستطيع أن تسحب ببطاقة الائتمان وعندك ما يكفي للسداد حتى لا تقع في الشرط وهو الفائدة الربوية ؟

هذه مسألة مهمة ربما تكون هذه المعاملة في بلادنا العربية ليست رائجة ولا منتشرة ، وربما كثير من الناس في غنىً عنها لأنهم لا يحتاجون إليها، فلو قلنا للناس في بلادنا العربية هذه المعاملة لا تتعاملون بها لأن بها شرطا فاسدا وهو حصول الفائدة الربوية عند التاخر في السداد  يكون افضل،  لكن هنا الأمور مشتبكة ببعضها أنت الآن ستدخل إلى عصر الفلوس فيه تكاد تكون شيء من التراث ، المعاملات كلها ستتم بالتحويلات والكروت الذكية ، وما شابه ذلك فأنت هنا في وضع مشتبك يحتاج منك إلى هذا الأمر نفس الكلام في شركة الهاتف ، نفس الكلام في شركة الكهرباء؛ وهو أنك إذا تأخرت تفرض عليك غرامة هذه الغرامة من الناحية الشرعية هي فائدة ربوية لأنها زيادة على الدين ، هل معنى ذلك أن ألغي الانتفاع بهذه الشركة؟

هنا ننتقل من الحكم إلى الفتوى ما الفارق بين الأمرين ؟

الحكم هو نصٌ قطعيٌ في المسألة كقوله تعالى “وأحل الله البيع وحرم الربا ” الفتوى تكون في بعض الحالات قد نلجأ للحاجة أو للضرورة إلى هذا الأمر، وقد حدث هذا في زمان نبينا صلى الله عليه وسلم حينما أذن لعبد الرحمن بن عوف أن يلبس الحرير حينما أصيب بالجرب كان عنده مرض جلدي لا يستطيع أن يلبس أي ملابس فأذن له النبي بلبس الحرير والحرير حرامٌ على الرجال الحرير حلالٌ للنساء ، لكن افتى له رسول الله بأن ينتقل من الأصل الحرام إلى الجواز عند الضرورة الملجئة .

قديماً قبل اختراع الأسنان البلاتين كان العلماء يفتون بجواز الأسنان من الذهب لأن الأسنان من معدن آخر غير الذهب والفضة  كانت تحدث التهابات ونتن وصديد ….. فكانت الفتوى باستعمال أسنان الذهب والفضة ليس ترفا ولا إسرافا إنما للضرورة الملجئة ، والآن قد صار في عصرنا بدائل صارت البدائل هي الأشيع وهي الأرخص من استعمال أسنان الذهب والفضة فلم نعد في حاجة لهذه الفتوى لأنه لا ضرورة لها الآن.

نفس الكلام  اسمع لبعض الإخوة يقول الشيخ فلان أحل الربا !!! كيف يا أخي أحل الربا ؟ 

يقول : لقد قال الشيخ بجواز شراء البيت من خلال البنك .

يا أخي من أحل الحرام فقد كفر ، هذا كلام غير صحيح ، هناك فتوى ، وهناك حكم ، أنا وأنت كمسلمين نعتقد أن الربا حرام لا شك في ذلك ، لكن هنالك فتوي (بما أن إذن ) في مقدمات واحد اثنان ثلاثة حدث أمر كذا وكذا وكذا فبالتالي يحدث كذا .

الذي يحدث -حتى نتكلم بواقعية- أن بعض الإخوة يقول والله الشيخ فلان حللها !!!

يا أخي حرام عليك من أحلّ الحرام هذا يخرجه من الملة ، ما لأحد سلطة في دين الله أن يحلل حراما أو يحرم حلالا ﴿قُل أَرَأَيتُم ما أنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِن رِزقٍ فَجَعَلتُم مِنهُ حَرامًا وحلالا قُل آللَّهُ أَذِنَ لَكُم أَم عَلَى اللَّهِ تَفتَرونَ﴾ [يونس: ٥٩]

لكن هناك شروط وضوابط لاستعمال هذه المسألة يعني  حينما يسألني بعض الإخوة عن شراء البيت من خلال البنك بالمعاملة الربوية (Mortgage) اسأله كم عندك من الأولاد؟

يقول أنا لم أتزوج،  أنا متزوج حديثاً ، طيب ما الضرورة الملجئة هنا ؟ أو أنا جئت هنا مؤقتاً للدراسة وسأعود إذن ما هي الضرورة الملجئة ؟

فلابد من ضبط الفتوى بدليلها وضوابطها ؛ واحد اثنان ثلاثة ، فليس هناك حكمٌ عام للعلماء جميعاً بأن اللجوء إلى المعاملة الفلانية يعني سمة عامة لجميع المسلمين المقيمين في كندا مثلا ، لا  في ضوابط ، هل أنت تستطيع أن تلجأ إلى عالمٍ تثق في علمه ، وتستطيع أن تتحقق حتى لا يكون في المسألة هوى ،  هل هذه الضوابط متحققة فيك ؟ هنا تكون الفتوى.

إنما واحد لم يتزوج أو واحد تزوج وليس عنده أولاد ويريد أن يلجأ للفتوى للأخذ بهذه الفتوى، وهي لا تنطبق عليه ثم يبرر ويقول : والله العلماء أباحوها ، لا يا أخي ما أباحوها هكذا إلا بشروطها وضوابطها .

مقاطع الحلال والحرام على الواتس اب :

 البعض يتأثر جداً بالمقاطع التي تنتشر عبر الواتس اب ، والوسائل الأخرى ، واحد بعث لي مقطع يأتون بالكتاكيت (الفروج ) ويلقون به في المكينة فتقوم بفرم الكتاكيت وتخرج من الجهة الأخرى لحم مفروم ، وشير في الخير!!

  طيب سؤال يا أخي أين هذا المكان؟ أي مصنع أي شركة أي بلد هذا المقطع؟ أي قناة ؟

ولا شيء مجموعة مجاهيل في بعض طب معناها إيه؟

لا تشتري أبداً أي لحم مفروم لأنه بيكون بهذه الطريقة ، سبحان الله العظيم!!

وبعض الشركات تقوم بدعاية مضادة ، وهذا كثير جداً في زماننا ، وكل شيء بالفلوس، اشتهر عند الإخوة مقاطع لأشخاص مجاهيل أو لأسماء مجاهيل أن الكولا والبيبسي حرام لأن فيها شحم خنزير، أو مواد مش عارف كذا أو كذا، وتسمع عن بعض الأمور أن المادة الفلانية أو المنتج الفلاني فيه ماده  مسرطنة، الموضوع الفلاني………..

يا أخي يا أخي واحدة واحدة هل هذا الأمر صادر عن مكان علمي من جهة مختصة نثق فيها لا تنسى أن هناك مضاربات تجارية الخبر القصير الذي يتجاوز عدة أسطر ممكن يكون المقابل أمامه ملايين ، والخسارة الناتجة عنه للشركة التي يقومون بالدعاية المضادة ضدها مليارات ، تتكلم عن أسهم وبورصة ، وأسعار عالمية ، واقتصاد رائج في الكرة الأرضية كلها.

وطبعاً أنا لا أقصد دعاية للكولا والبيبسي  لكن أقصد لشهرتها،  بين الفترة والأخرى يخرج واحد ويقول هذه فيها وفيها وفيها. من  أين لك بهذه المعلومات؟ هل قمت بالتحليل في معهد أو في مختبر علمي مختص وصدر عن هذا المعهد نتيجة واضحة؟ الأطباء يقولون : إن اقصى ما فيها أن الإكثار منها بسبب السكريات وبعض المُحليات التي تقوم بتحلية الطعم الإكثار منها خطر على الصحة مثل أي واحد يكثر من الحلوى أو يكثر من طعام معين ؛ فالأطباء ينبهونه الإكثار من أكل هذا الطعام سيؤدي إلى مرض كذا وكذا وكذا.

 خلق الله الكون في توازن ، أنت تريد أن تتعفف عنها لا تحبها هذه  مسألة ، إنما حلال وحرام فلا تقع فيها .

من السهل أن أقول لك أثبت مجموعة من العلماء في جامعة كذا باليابان أن الأمر الفلاني فيه مواد مسرطنة، وقال العالم …. كذا ……. ، وأنشر شير في الخير !!

يا أخي هذا حلال وحرام لا تتكلم عن شيء بالحرمة إلا باليقين .

دعونا من هذا الورع الباهت بنشر هذه المقاطع دون أن يعرف مصادرها ، ولا التأكد منها ، ولا معرفتها .

في مسائل كثيرة جداً منتشرة هنا بين الإخوة لكن أرى الوقت جرى سريعاً مسائل مشتهرة ويكررون إرسالها لا علاقة لها بكندا ولا وجود لها في كندا ثم بعد ذلك شير في  الخير.

من صاحب المقطع الذي يصور هذا ما تعرف مين ،من الشخص الذي يتكلم ما نعرف مين ،  المهم هو أنه ينشر المقطع ويدلل على أن الأمر الفلاني حرام ، لا يجوز ، سؤال من أنت؟ من أين لك بهذا الكلام؟ أين صورت؟ ما مدى المصداقية؟

أنت في زمن صارت الرؤوس تتغير في مقطع الفيديو، يعني الشخص نفسه يتغير، ربما يكون المتكلم امرأة والمصور في الأساس رجل أو العكس،  صار تلاعب كبير جداً.

ثم الغرض الأساسي في الموضوع مضاربة شركات ، ليس لها علاقة بالحلال ولا بالحرام .

إخواني لا أريد الإطالة فاعلم أن هناك من يرتبط بعمل هذا اليوم لكن أقول ليست المسألة السرعة في إصدار الحكم بالتحليل أو التحريم كل علم من العلوم له مختصين، نرجع إليهم ولا يلزم أن كل شيء الشيخ يفتي فيه ، في أمور محتاجة طبيب في معمل في مختبر ، باحث تقني ، محاسب ، محامي، ناس عندها أهل تخصص ، هو الذي يفتي في هذه المسألة، هو الذي نرجع إليه في هذه المسألة ، ليست مسألة الشيخ فلان عارف كل حاجة !! وفاهم كل حاجة !! والشيخ فلان قال حرام إذن هي حرام ، هؤلاء هم كبار العلماء

يا أخي أبى الله الكمال إلا لذاته والعصمة إلا لأنبيائه ، أما أنا وأنت فنحن نصيب ونخطئ ، لا يتنزل علينا الوحي من السماء لنقول  قول الشيخ فلان قول الفصل في المسألة أبداً أبداً

سامحوني على الاسترسال من خمسين سنة تقريباً كان العلماء -وهذا موجود في الكتب- يفتون بأن التدخين جائز وبعضهم كأن يقول أنه مكروه !! مكروه لماذا؟

 قالوا : لأن فيه إنفاق للمال وتضييع للمال فقط.

يعني لو واحد فقير وعنده أولاده أولى بالفلوس ، أما لو غني خلاص عدت المسألة وكان في من المشايخ من يدخن ، لأنهم كانوا يرون المسألة بهذا الشكل.

الأن في عام 2019  لم يعد لدى أحد لا شيخ ولا طبيب شك ولو ذره أن السجائر فيها منفعة بل فيها ضرر كبير ، وتؤدي إلى مصائب وأمراض وسرطان ووفاة …. إلى آخره.

إذن المسألة صارت قطعية ، التحريم هنا قطعي، لا يحل للمسلم أن يفتي نفسه وهو يشرب السيجار أنه مكروه ، أنت تخادع نفسك وأنا قلت هذا الكلام من قبل : من كان مريضاً بالسكر وقال له الطبيب نسبة السكر مرتفعة عندك ولو ارتفعت أكثر من ذلك ربما يؤدي إلى كذا وكذا …. يحرم في حقه أكل الحلوى ، أو أي شيء فيه سكر ، واحد مريض بالقلب وعنده كذا في الشرايين والطبيب قال له: لو فعلت كذا أو أكلت كذا سيؤدي إلى الوفاة ، يحرم عليه هذا الفعل .

أنت جسدك هذا أمانة قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )النساء 29

  فلا ينبغي يا إخواني أن تكون الأمور هكذا مرسلة كلمات تقال وتتردد بدون أدلة وكما نتثبت لدنيانا نتثبت لديننا.

هذا ما تعلمناه في شرعنا وهذا ما تعلمناه من علمائنا، نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضاه.

ولا أريد الإطالة أكثر من ذلك ، فقد طال بنا الوقت وأخشى المشقة عليكم فنرجئ بقية الكلام إلى الأسبوع القادم الله إن شاء الله .

نتوجه إلى سبحانه وتعالى بقلوبٍ خاشعة ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا المصطفى المختار وعلى اله وصحبه الأطهار وسلم تسليما كثيرا.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1035 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع