كيف نفوز بليلة القدر ؟
أولا / تفسير سورة القدر
قال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5))
الحديث في هذه السورة عن تلكم الليلة العظيمة هذه الليلة التي شرَّفها الله وكرَّمها، لأنه أنزل فيها أعظم كتاب، أنزل فيها الكتاب الخالد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنزل فيها القرآن، قانون السماء لهداية الأرض، ودستور الخالق لإصلاح الخلق .
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} الضمير هنا يعود إلى الله عز وجل، والهاء في قوله {أَنزَلْنَاهُ} ضمير المفعول به وهي الهاء يعود إلى القرآن وإن لم يسبق له ذكر؛ لأن هذا أمر معلوم.
وسبب ذكر الله تعالى نفسه بضمير الجمع الدال على العظمة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} لأن إنزال القرآن دال على صفات عديدة لله منها القدرة والعلم والحكمة والرحمة فالفعل إذا دل على مجموعة من الصفات جاء بصيغة الجمع كقوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)لكن إذا تكلم الله عن ذاته جاء الكلام على صيغة الإفراد كما في قوله (إنني أنا الله ) فلم يقل نحن الله لأن ذاته جل جلاله واحدة .
لكن ما معنى إنزاله في ليلة القدر؟
الصحيح أن معناها: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر.
لماذا سميت بليلة القدر :
1. القدر هو الشرف كما يقال (فلان ذو قدر عظيم) أي ذو شرف كبير
2. المراد بالقدر التقدير، لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 3، 4
أي تقدّر في تلك الليلة مقاديرالخلائق على مدى العام ، فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداءوالأشقياء والعزيز والذليل والجدب والقحط وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة.
والمقصود بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر -والله أعلم – أنها تنقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ ، قال ابن عباس ” أن الرجل يُرى يفرش الفرش ويزرع الزرع وأنه لفي الأموات ” أي انه كتب في ليلة القدر أنه من الأموات .
وقيل أن المعنى أن المقادير تبين في هذه الليلة للملائكة .
والصحيح أنه شامل للمعنيين، فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم، وشرف كبير، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك.
ثم قال جل وعلا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} الاستفهام للتعظيم والتفخيم والمعني لا أحد أدراك أو أعلمك من قبل عن ليلة القدر .
فيكون المعنى : ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها.
ثم بين هذا بقوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وهذه الجملة كالجواب للاستفهام الذي سبقها، وهو قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} الجواب: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}
وهو ما يعادل 83 سنة و4 أشهر لكن الظاهر -والله أعلم – أن العدد لا يفيد التحديد إنما هو يفيد التكثير.
لكن لماذا أختيرت الألف بالذات ؟
لأن الله سبحانه كان يخاطب العرب بعقولهم وقد كانوا يعتقدون أن الألف نهاية الأرقام فإذا زادوا عليها كرروا الرقم فيقولون ألف ألف … وهكذا ، ولذلك لا نجد ترجمة في اللغة العربية للأرقام الحديثة كالمليون والمليار ، فكأن الحق سبحانه أراد أن يخبرنا أن ليلة القدر وثوابها خير من أكبر شيء يعرفون به مقاييس الأعداد فهي خير الزمان كله مهما طال .
والليلة خير من آلاف الشهور في حياة البشر ، فكم من آلاف الشهور وآلاف السنين قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تتركه هذه الليلة المباركة من آثار وتحولات .
والمراد بالخيرية هنا ثواب العمل فيها، وما ينزل الله تعالى فيها من الخير والبركة على هذه الأمة،ولذلك كان من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه كما في الحديث الصحيح .
قال جويبر: قلت للضحاك: أرأيت النفساء والحائض والمسافر والنائم لهم في ليلة القدر نصيب ؟ قال: نعم كل من تقبل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر.
ومعنى إيمانًا واحتسابًا :
إيماناً : تصديقاً بثواب اللّه أو أنه حق،والإيمان بحقيقة هذا الثواب .
واحتساباً : طالباً الأجر من الله، لا رياء .
ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة فقال: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} أصله تتنزل حذفت إحدى التاءين تخفيفا في النطق ، أي تنزل شيئًا فشيئًا؛ لأن الملائكة سكان السموات، والسموات سبع فتتنزل الملائكة إلى الأرض شيئًا فشيئًا حتى تملأ الأرض، ونزول الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والخير والبركة، ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك دليلًا على أن هذا المكان الذي امتنعت الملائكة من دخوله قد يخلو من الخير والبركة كالمكان الذي فيه كلب أو تمثال، فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة، ونزولهم خير وبركة.
ولنتأمل قوله تعالى : “تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر “
قال الله عن الملائكة في هذه الآية (تنزل) في حين قال عن الملائكة عند لحظة موت عباد الله الصالحين (تتنزل)
“إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا…. ” في نزولهم في ليلة القدر قال(تنزل)
وفي نزولهم عند الموت قال : (تتنزل)
فما الفرق؟
نزول الملائكة في ليلة القدر نزول لايتكرر في أي ليلة أخرى من السنة وليس له مثيل أبداً .
أما نزول الملائكة عند الموت فهو يتكرر في كل لحظة وفي كل يوم، لأن الموت سنة كونية إلهية، لذلك زاد في الفعل حرف (ت) لتعبر عن التكرار والتتابع.
{وَالرُّوحُ} هو جبريل عليه السلام خصه الله بالذكر لشرفه وفضله .
قدم الله نزول الملائكة على نزول الروح ؟ فقال تنزل الملائكة والروح
ولم يقل تنزل الروح والملائكة مع أن الروح الأمين (جبريل) عليه السلام أعظم قدراً عن سائر الملائكة،
لماذا؟
هذا التأخير زيادة في شرف جبريل عليه السلام !!
فكأن الملائكة تحيط بجبريل كالحاشية في موكب عجيب مهيب لكبر قدره عند الله تعالى.
وقوله تعالى: {بِإِذْنِ رَبِّهِم} أي بأمره.“بإذن ربهم” لا تنزل هذه الملائكة والروح إلا بإذن من الله
يقول أهل التفسير :إن الملائكة تشتاق لرؤية أهل القيام والصيام والطاعة وتريد السلام عليهم فتستأذن ربها في النزول حتى يأذن لها فتنزل جماعات جماعات تمتلئ بها الأرض .
“من كل أمر” توافق هذه العبارة ما جاء في سورة الدخان “فيها يفرق كل أمر حكيم”
وقد أجمع العلماء أن في هذه الليلة تنزل الملائكة بأقدار العباد وما كتبه الله في اللوح المحفوظ لهذا العام من رزق وتوفيق وحياة أو موت و سعادة أو شقاء .
وقوله: {مِّن كُلِّ أَمْرٍ} {مِنْ} بمعنى الباء أي بكل أمر مما يأمرهم الله به.
{سَلامٌ هِيَ} الجملة هنا مكونة من مبتدأ وخبر، والخبر فيها مقدم، والتقدير: ”هي سلام” أي هذه الليلة سلام، ووصفها الله تعالى بالسلام، لكثرة من يسلم فيها من الآثام وعقوباتها ووقوع مغفرة الله لعباده، كما في قول النبي – صلى الله عليه وسلّم – : (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، ومغفرة الذنوب لا شك أنها سلامة من وبائها وعقوباتها.
{حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي تتنزل الملائكة في هذه الليلة حتى مطلع الفجر، أي إلى مطلع الفجر، وإذا طلع الفجر انتهت ليلة القدر.
ملحوظة : لم يرد في فضل سورة القدر ولا سبب نزولها حديث يصح
ثانيا/ لماذا أخفى الله عنا ليلة القدر؟
ليلة القدر ليست ليلة بعينها محددة وإنما أبهمها الله عز وجل ، ولله حكمة بالغة في إخفائها عنا، فلو تيقنا أي ليلة هي لتراخت العزائم طوال رمضان، واكتفت بإحياء تلك الليلة، فكان إخفاؤها حافزًا للعمل في الشهركله، ومضاعفته في العشر الأواخر منه، وبهذا يظهر الصادق في طلبها من المتكاسل ، لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليال من أجل أن يدركها، والمتكاسل يكسل أن يقوم عشر ليال من أجل ليلة واحدة، بالإضافة لكثرة الثواب بكثرة الأعمال؛ لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب.
ثالثا / تحري ليلة القدر :
ليلة القدر نتحراها في الليالي الوترية (وبالأخص في السبع الأواخر )كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة منها :
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ” متفق عليه .
وعن عبادة بن الصامت قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى ـ تخاصم ـ رجلان من المسلمين فقال : ” خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان ، فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ” أخرجه البخاري .
وفي هذا الحديث دليل على شؤم الخصام والتنازع ، وبخاصة في الدِّين وأنه سبب في رفع الخير وخفائه .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ” رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” أرى رؤياكم في العشر الأواخر ، فاطلبوها في الوتر منها ” أخرجه مسلم .
وعن أبي بكرة : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” التمسوها في تسع بقين ، أو سبع بقين ، أو خمس بقين ، أو ثلاث بقين ، أو آخر ليلة ” وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان صلاته في سائر السنة ، فإذا دخل العشر اجتهد ” أخرجه أحمد والترمذي وصححه
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أرى رؤياكم قد تواطأت ـ توافقت ـ في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ” متفق عليه .
ومن استقراء النصوص الواردة يتبين لنا أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في الوتر ، ولكن غالبا ما تكون ليلة سبع وعشرين كما قال ابن تيمية وهو ما يبدو من استقراء الواقع أيضا ، وهي تتنقل كل عام فقد تكون (مثلًا) في هذا العام ليلة سبع وعشرين، وفي العام الثاني ليلة إحدى وعشرين، وفي العام الثالث ليلة خمس وعشرين وهكذا..… والأدلة على ذلك ما يلي :
وقوعها ليلة الحادي والعشرين :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” وقد أُريت هذه الليلة ثم أُنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين ” ، فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد ـ خر من سقفه ـ في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طيناً وماءً ” متفق عليه .
وقوعها ليلة الثالث والعشرين :
عن عبدالله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ، وإذا بي أسجد صبيحتها في ماء وطين ” قال : فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين ، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف ، وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه ” أخرجه مسلم وأحمد
وقوعها ليلة خمس وعشرين :
وذلك لأن القرآن الكريم نزل في هذه الليلة الكريمة وقد قال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر)كما صح بذلك الحديث :
عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَع ِرضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالإِنْجِيلُ لِثَلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) . رواه أحمد وحسنه الألباني
ومعنى قوله (لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) أي لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ يوما فيكون النزول ليلة خمس وعشرين لأن الليلة تسبق اليوم .
وقوعها ليلة السابع والعشرين :
عن أبي بن كعب يقول : ” والله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، وهي ليلة سبع وعشرين ” أخرجه مسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من كان متحرياً فليتحرها ليلة سبع وعشرين ، يعني ليلة القدر ” أخرجه أحمد بسند صحيح
والظاهر أن ذلك كان في عام بعينه لا كل الأعوام بدليل الأحاديث السابقة .
وقال ابن عباس : دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فسألهم عن ليلة القدر ، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر .
قال ابن عباس : فقلت لعمر : إني لأعلم أي ليلة القدر هي ؟
فقال عمر : أي ليلة هي ؟
فقلت سابعة تمضي – أو : سابعة تبقى – من العشر الأواخر .
فقال عمر : ومن أين علمت ذلك ؟
قال ابن عباس : فقلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيام ، وإن الشهر يدور على سبع ، وخلق الإنسان من سبع ، ويأكل من سبع ، ويسجد على سبع ، والطواف بالبيت سبع ، ورمي الجمار سبع . . . لأشياء ذكرها . فقال عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنا له .
وكان قتادة يزيد عن ابن عباس في قوله : ويأكل من سبع ، قال : هو قول الله تعالى : ( فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا …….) عبس : 27 ، 28
لكن كونها ليلة سبع وعشرين أمر غالب والله أعلم وليس دائماً وقد تتبعت ذلك بنفسي عدة سنوات .
وقد استنبط طائفة من المتأخرين من القرآن أنها ليلة سبع وعشرين من موضعين بسورة القدر :
أحدهما: أن الله تعالى كرر ذكر (ليلة القدر) في سورة القدر في ثلاثة مواضع منها و(ليلة القدر) حروفها تسع حروف والتسع إذا ضربت في ثلاثة فهي سبع وعشرون.
والثاني: أنه قال: (سلام هي) فكلمة (هي) هي الكلمة السابعة والعشرون من السورة فإن كلماتها كلها ثلاثون كلمة !!!!
قال ابن عطية: هذا من ملح التفسير لا من متين العلم
وقوعها ليلة تسع وعشرين :
عن عبادة بن الصامت : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” في رمضان ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، فإنها في وتر إحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين ، أو سبع وعشرين ،أو تسع وعشرين“.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : ” إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى”
الخلاصة :
مما سبق ذكره من الأحاديث يتضح لنا أن ليلة القدر لا يعلم بوقتها أحد ، فهي ليلة متنقلة ، ولقد أخفى الله تعالى علمها ، حتى يجتهد الناس في طلبها ،وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ، ويأمر أصحابه بتحريها ، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر الأواخر من رمضان رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وكان يشد المئزر وذلك كناية عن جده واجتهاده عليه الصلاة والسلام في العبادة في تلك الليالي ، واعتزاله النساء فيها ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ، أحيا ليله ، وأيقظ أهله ، وشد المئزر ” أخرجه البخاري ومسلم
، وفي رواية : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ” .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول لأصحابه : ” قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، كتب الله عليكم صيامه ، فيه تفتَّح أبواب الجنة ، وتغلق أبواب الجحيم ، وتغل الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم ” أخرجه أحمد والنسائي
فعلى المسلم أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم ، فيجتهد في العبادة ، ويكثر من الطاعة ، رجاء مغفرة الله تعالى له ، ويحث أهله ويرغبهم في قيام هذه الليالي للاستزاده من العبادة ، وكثرة الطاعة وفعل الخير .
رابعا / العلامات التي تعرف بها ليلة القدر :
وقد ورد لليلة القدر علامات، أكثرها لا يظهر إلا بعد أن تمضى منها :
العلامة الأولى : أن الشمس تطلع صبيحتها بيضاء لا شُعاع لها كالقمر عندما يكون بدرا
كما في صحيح مسلم من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنهأن النبيأخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها بيضاء لا شُعاع لها .
وفسر سر ذلك بعض العلماء بأن الملائكة الصاعدة من الأرض إلى السماء تحجب شعاع الشمس بأجنحتها فتكون علامة من علامات ليلة القدر ، وقد رأيت هذه العلامة مرات كثيرة فينظر الناظر إلى الشمس دون أن يشعر بأذى في عينه وسبحان الله العظيم.
الثانية : ليلة الجو فيها معتدل :
عن ابن عباس أن النبي قال : ( ليلة القدر ليلة طلقة ، لا حارة ولا باردة ،تُصبحالشمس يومها حمراء ضعيفة ) صحيح ابن خزيمة.
العلامة الثالثة : ليلة مضيئة لا شهاب فيها :
أن السماء ليلتها تكون صافية كأن فيها قمرا ساطعا , كما تكون ساكنة , صاحية , لا حر فيها ولا برد .
عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي قال : ( ليلة القدر ليلة بلجة ” أي مضيئة ” ، لا حارة ولاباردة ،لا يرمى فيها بنجم ” أي لا ترسل فيها الشهب ” ) رواه الطبراني بسند حسن
العلامة الرابعة : أن تكون ليلة ممطرة كما سبق في الأحاديث .
وليس هناك تناقض لاختلاف هذه العلامات وذلك لاختلاف المناخ باختلاف البلاد ومناخها ولتقلب رمضان بين الصيف والشتاء فأحيانا تكون باردة ممطرة وأحيانا تكون معتدلة .
العلامة الخامسة : الطمأنينة :
أي طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر من المؤمن ، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي .
العلامةالسادسة :أن الإنسان يجد في القيام لذة وخشوعا أكثر مما في غيرها من الليالي .
ولا يلزم أن يعلم المسلم أي ليلة هي وإنما العبرة بالاجتهاد والإخلاص ، سواء علم بها أم لم يعلم ، وقد يكون بعض الذين لم يعلموا بها أفضل عند الله تعالى وأعظم درجة ومنزلة ممن عرفوا تلك الليلة وذلك لاجتهادهم .
ونقل ابن رجب في لطائف المعارف : إن وقع في ليلة من أوتار العشر ليلة جمعة، فهي أرجى من غيرها.
خامسا / كيف نحيي ليلة القدر :
سبق حديث عائشة (وأحيا ليله )وكلمة يحيي الليل دليل على أن الليل الذي ليس فيه طاعة لله ليل ميت، فالأزمنة فيها ما هو حي وما هو ميت والأمكنة فيها ما هو حي وما هو ميت، البيت الذي لا يذكر الله فيه بيت ميت وبيت خرب والبيت الذي يذكر فيه اسم الله بيت حي وبيت عامر والإنسان الذي يذكر الله تعالى ولا ينساه ويعمل بطاعته إنسان حي والإنسان الآخر إنسان ميت.
فنحن نحيي هذه الليلة بكل أنواع الطاعات والعبادات ومنها :
1- صلاة العشاء والفجر في جماعة :
لحديث (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله .)
2- قيام الليل :
الحرص على صلاة التراويح وصلاة التهجد ، فقد ثبت عن النبي أنه قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة، وقد كان النبي يتهجد في ليالي رمضان ويقرأ قراءة مرتلة لا يمرّ بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر. وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها.
3- تلاوة القرآن .
4- ذكر الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده،وأحب الكلام إلى الله أربع : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
5- الصدقة :
وقد وصف سيدنا عبد الله بن عباس النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يأتي جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم “أجود بالخير من الريح مرسلة”.
6- الدعاء :
قال سفيان الثوري: الدعاء في تلك الليلة أحب إليّ من الصلاة.
ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسنا
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول ؟ قال : قولي : ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)رواه أحمد ، والترمذي