الفرح بطاعة الله وعلامات قبول العمل الصالح
يفرح الناس في هذه الدنيا لأسباب كثيرة، فمنهم من يفرح إذا ترقى في وظيفته وعمله، ومنهم من يفرح إذا جاءته زيادة في راتبه أو ربح في تجارته، ومنهم من يفرح إذا رزق بمولود… ، وكل هذه أسباب مشروعة للفرح إذا لم تؤد إلى كبر أو بطر، لكن أعظم أسباب الفرح عند الصالحين حين يوفقون في أمر من أمور الآخرة ويزدادون قربا من الله تعالى بزيادة في علم أو عمل صالح.
قال الله تعالى:”يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”سورة يونس57-58.
قال العلامة السعدي رحمه الله تعليقاً على هذه الآية: “فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين
لا نسبة بينها وبين جميع ما في الدنيا مما هو مضمحلٌ زائلٌ عن قريب ، وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته ؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها وشكرها لله تعالى ، وقوتها ، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما ، وهذا فرحٌ محمود؛ بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل فإن هذا مذموم كما قال تعالى عن قوم قارون عندما قالوا له:(لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين)”.أ.هـ
هذا هو الفرح الحقيقي
فالفرح الحقيقي هو الفرح بطاعة الله وبفضله ، فالفرح بالطاعة، ومواسم العبادة كقدوم رمضان، والحج ، والفرح بيوم عرفة، والفرح بالأضحية، والفرح بختم القرآن، والفرح بالتوفيق للصدقة، هذا هو الفرح الحقيقي فعلا ، فالمؤمن الحق ما بين فرح بطاعة وأمنية بقبولها، فيفرح إذا جاء موسمها ويرجو ربه أن يقبلها منه إذا قام بها.
فكما فرحوا في الدنيا بطاعة الله تعالى سيفرحون إن شاء الله بثوابها يوم لا ينفع مال ولا بنون، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فرح الصائمين بثواب صيامهم: “للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك .
وهذا الفرح أعني فرح المؤمن بالطاعة من علامات الإيمان الصحيح ، وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن) حديث صحيح: رواه أحمد.
والمتأمل في الشريعة يرى أنها ربطت الفرح بالطاعات، فكان عيد الفطر بعد الفراغ من صيام رمضان وقيامه، وكان عيد الأضحى عقب أداء مناسك الحج.
كراهية المعصية:
قال تعالى : “وَلكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ” فمن تحلى بسكينة الإيمان ألقى الله في قلبه كراهية المعاصي والذنوب، فإن الإيمان حينما يعمر القلب يطرد منه التعلق بالمعاصي والآثام.
والمؤمن دومًا يرى المعصية خزيًا في الدنيا وذلة، يراها كآبة وضيق صدر، يراها تبعده عن الله تعالى، بخلاف قليل الإيمان؛ فإنه يرى المعصية متعة ومكسبًا له .
والطاعة تورث القلب نوراً وإشراقاً يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح كما أن المعاصي تورث ظلمة تظهر في الوجه والجوارح.
كما قال ابن عباس ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمة في القلب ، ووهناً في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق.
وروي عن ذي النون المصري ؛ أنه قيل: له متى أحب ربي؟
قال: إذا كان ما يبغضه أمر عندك من الصبر.
يعني: إذا كانت المعاصي كريهة عندك؛ كل المعاصي؛ ولو كانت تهواها النفس؛ ولو كانت تميل إليها وتحبها؛ فإن علامة المؤمن أن يكره المعاصي، أن يكره الله إليه الفسوق والمعاصي؛ بحيث إنها تنفر منها نفسه.
وقال بعض السلف : (لو انشرح الصدر بشيء ضاق بضده ) يعني لو انشرح الصدرللطاعة ضاق بالمعصية ، ولو انشرح لسماع الغناء الحرام فانه سوف يضيق بتلاوة القران ، ومن أحبت التبرج والسفور ضاقت بالحجاب ، ومن أحب الفضيلة ضاق بالرذيلة …. وهكذا
وقال الشافعي –رحمه الله -:
أحب الصالحين ولست منهم —– عسى أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي —– وإن كنا سواء في البضاعة
الفرح بالمعاصي من سيم النفاق :
ومفهوم المخالفة من كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن) أن من فرح بالمعصية وساءته الطاعة فهذا من علامات النفاق فقد كان المنافقون زمن رسول الله يتثاقلون عن الطاعة وينفرون منها ويتخلفون عنها بالأعذار الكاذبة .
قال تعالى: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) التوبة
وقال تعالى : (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)التوبة
تفسير قول الله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)[القصص:76]
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله : هذه الآية في قصة قارون (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) والمراد بذلك الفرح الذي يصحبه الكبر والبغي على الناس والعدوان والبطر، هذا المنهي عنه، فرح البطر والكبر، أما الفرح بنصر الله وبرحمته ونعمه وإحسانه فهذا مشروع؛ كما قال الله عز وجل: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58) سورة يونس.
فالمؤمن يفرح أن الله هداه إلى الإسلام، وأن الله أعانه على صلاة الجماعة، وأن الله أعانه على بر والديه وصلة أرحامه، وأعانه على فعل الخير هذا مشروع، ينبغي له أن يفرح بذلك، ويسر بذلك، بل يجب عليه أن يفرح بذلك ويغتبط بهذا، ويحمد الله على ذلك.
أما الفرح المذموم فهو الفرح الذي يصحبه الكبر والتعاظم والبطر واحتقار الناس، هذا هو المذموم.
إذن فحق لنا أن نفرح بما أنعم الله علينا من صيام شهر رمضان وقيامه وإدراك ليلة القدر ، وختم القرآن والصدقة والتآخي في الله والصبر على طاعة الله ، لكن يأتي السؤال الهام :
ما علامات قبول العمل الصالح ؟
1- المداومة على العمل الصالح :
وقد أَمَرَ- سُبحَانَهُ نبيه المصطفى بِاستِدَامَةِ العِبَادَةِ حَتَّى يَأتِيَهُ المَوتُ ، فقَالَ – سُبحَانَهُ-: ﴿ وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ ﴾ وَقَالَ عَن عِيسَى – عَلَيهِ السَّلامُ-: ﴿ وَأَوصَاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيًّا ﴾
وإذا تقبل الله عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده ، كما قال بعض السلف : “من علامات قبول الطاعة تجدد الطاعة بعدها ، ومن شؤم المعصية تجدد المعصية بعدها ”
فإِذَا رَضِيَ اللهَ عَنِ العَبدِ وَفَّقَهُ إِلى عَمَلِ الطَّاعَةِ بَعدَ الطَّاعَةِ وَسَهَّلَ عَلَيهِ فِعلَهَا، وَحفظه مِنَ المَعصِيَةِ وَهَوَّنَ عَلَيهِ تَركَهَا.
وقد وصف الله أهل الجنة بأنهم: “عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُون ” سورة المعارج23؛ ولذلك من صام لله أو قام لله واحتسب الأجر حري به أن يقبل على النافلة لا ينقطع.
وسئل النبي عليه الصلاة والسلام: “أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (أدومه وإن قل) رواه مسلم
وَقَد أَمَرَ بِذَلِكَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – بَعضَ صَحَابَتِهِ الكِرَامِ :
ثَبَتَ في الصَّحِيحَينِ عَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: “يَا عَبدَاللهِ، لا تَكُنْ مِثلَ فُلانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ”.
التدرج في العبادة
الكثير منا يبدأ بعد رمضان وعنده مقاييس مثالية فهو يريد أن يحافظ على كل ما كان يفعله في رمضان من صيام وقيام ، يريد صيام يوم ويوم وصلاة إحدى عشر ركعة قيام والصلاة بجزء من القرآن ….. وحتى يستطيع ذلك يسوّف ويسوّف حتى يمر عليه العام إلى رمضان التالي دون أن يصنع شيئا !!!!
وهذا على مبدأ إما كل شيء أو لا شيء ، وهذا التصور خطأ لأن ما لا يدرك كله لا يترك كله ،والنفس تحتاج إلى مداراة وتدرج حتى تحب نفسك الطاعة وأوقاتها ، ومن الافضل ان يجعل كل منا له برنامجا مناسبا يحاول أن يلتزم به في حياته اليومية ؛ بحيث يحاسب نفسه كلما قصر ويمكن ان يجتهد المرء فيه بحسب استطاعته …، ضع خطة متدرجة حتى تحب العبادة وتترقى فيها وتتحول لسعادة وفرح ولذة ، وثق تماما أن العبادة ليست عقوبة ولا عذاب ، فلا يلزمك أن تصلي حتى تتورم قدماك ولا أن تسجد مثل السلف ولا أن تركع مثلهم حتى يسقط أنفك – أعنى الاطالة – ولا يلزمك أن يقف الطير على ظهرك وأنت ساجد ، وليس فرضا عليك ان تعيش حياتك مرعوب وانك لما تسمع آيات العذاب يغمى عليك ولا انك تترك الدنيا ومباحاتها …. هذه مرحلة متقدمة .
لكن حتى تصل لهذه الدرجة عامل نفسك بالمكر والمداراة ، فكثير مثلا لا يقيم الليل لأنه غير جاهز يصلي بجزء وهذا تصوره المثالي عن قيام الليل ولذلك يظل منتظرا طويلا حتى يكون مستعدا لتنفيذه وبعد ذلك سيقيم الليل ما المانع لو بدأت بالقيام بعشر آيات (سورتي الفلق والناس 11 آية) فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”:من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين،ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) رواه ابو داود.
وكم يوما سوف أصوم في الأسبوع او في الشهر ؟ ابدأ بصيام يوم ثم الثلاثة البيض ، صم في الشتاء حيث النهار قصير .
الورد اليومي من القرآن الكريم : ابدأ بصفحة لكن واظب عليها ثم ربع …وهكذا
خطورة المبالغة في الترغيب والترهيب :
للأسف عنى بعض الوعاظ بذكر بعض الأمثلة في الترغيب والترهيب على سبيل المبالغة بروايات أغلبها غير صحيح ، وإن صح فهو مخالف لخير الهدي وأفضله وأتمه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والاشكالية أن الترويج لهذه الطفرات يصعب على الناس دينهم ويوحي إليهم أن هذا الأمر شبه مستحيل فأين نحن من هؤلاء ؟
بل الذين أرادوا أن يشددوا على أنفسهم في العبادة، نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف منهم موقفاً شديداً، كما في قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عبادته: {فكأنهم تقالُّوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: لا أتزوج النساء، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني }.
وعن ابن عباس قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه”. فهذا يدل على سماحة ويسر الشريعة.
ومن ذلك :
1- زعمهم أن عمر بعد أن ولي الخلافة لا ينام نهاراً ولا ليلاً فقيل له في ذلك فقال (إذا نمت نهاراً ضيعت رعيتي وإذا نمت ليلاً ضيعت نفسي فجعلت النهار لرعيتي وجعلت الليل لربي ) وهذا كله كذب ومن المبالغات التي لا تصح فكيف لعمر أن يخالف هدي رسول الله الذي قال (وأقوم وأرقد) وهل يعقل أن عمر ظل طوال فترة الخلافة لا ينام .
2- ومن هذا الباب زعمهم أن أبا حنيفة ظل أربعين سنة يصلى العشاء بوضوء الفجر ، وهذا كذب لا أصل له ولو صح لكان مخالفا أيضا لهدي رسول الله الذي قال (وأقوم وأرقد)
3- ومن المبالغات قولهم في الترغيب في تلاوة القرآن في رمضان :كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة وفي كل شهر ثلاثين ختمة ، وأبو حنيفة كان له ختمة بالليل وختمة بالنهار وختمة داخل الصلاة وختمة خارجها
فهذه الآثار مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يلتفت إليها كثيراً لنهيه عليه السلام عبدالله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، يقول عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً حَتَّى قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ . رواه البخاري .
وقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
فأعدلُ شيءٍ وأحسنُه عدمُ ختمِه في أقلَّ من ثلاث.. وكلما زادت سرعتُك في القراءة.. قلَّ تدبرُك له، وللمقارنة: مصحف الشيخ الشريم -والمسجلُ من صلاة التراويح- استغرق أكثر من ست عشرة ساعة مع أنه يقرأ حدرًا(بسرعة) ولكي يختم مرتين بهذه السرعة.. يحتاج ثلاثًا وثلاثين ساعة تقريبًا.. واليومُ أربعٌ وعشرون ساعةً! لكن مع الصلوات والواجبات الأخرى أنَّى يمكن ختمُه مرتين إلا إذا كانت القراءةُ هذًّا كَهَذِّ الشِّعر! وختمُه مرةً واحدة في اليوم أيضًا صعبٌ مع التدبر إن لم يكن مستحيلًا.
ولا يصح الاستدلال بالبركة ، فالبركة حقا إنما تكون مع من قرأ القرآن بتدبر وفقهٍ كما قال سبحانه وتعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).وأكرر خير الهدي هدي رسول الله .
2- استشعار حلاوة الإيمان والطاعة والعبادة:
من علامات قبول الأعمال الصالحة تذوق حلاوة الإيمان ، وفي الحديث: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه)[رواه البخاري .
فحلاوة الإيمان شيء يذاق يحس به؛ لأنه غذاء القلوب، وعلامة على صحة القلب، هذا نتيجة الصلة بالله، هذا ثواب معجل في الدنيا.
إن لذة الطاعة لا تعادلها لذة وحلاوة الإيمان لا تعادلها حلاوة وعز الطاعة لا يعادله عز ، كما أن مرارة المعصية لا تعادلها مرارة وشؤم الذنب لا يعادله شؤم ، وذل المعصية لا يعادله ذل.
وحب الطاعة هو أن تحب طاعة الله تعالى وتستمتع بها، وتشعر بالطمأنينة والهدوء فيها؛ كالنبي صلى الله عليه وسلم، حينما قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يقول لبلال: (أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها)
والمسلم عندما يذوق حلاوة الإيمان ،تراه ينشط للطاعة ويسارع بالخيرات ، وينشرح صدره لها ، يرفع شعار (وعجلت إليك رب لترضى) فلا تجده كسولا ولا مكرها على طاعة ولا يتعلق بالأماني الكاذبة فلسان حاله (إذا عرف الآمر سهلت الأوامر).
وحلاوة الإيمان لا تباع ولا تستجدى ، يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا (لقاتلونا)عليه بالسيوف.
3-الجمع بين العمل الصالح والخوف من عدم القبول:
سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : ” وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ” قالت يا رسول الله أو هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات)[رواه الترمذي].
والله وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن، أولئك يحسنون ويخافون ألا يقبل منهم، وهؤلاء يسيئون وهم آمنون من مكر الله.
احذر العُجب
والعجب هو الزهو بالنفس ، واستعظام الأعمال والركون إليها ، وإضافتها إلى النفس مع نسيان إضافتها إلى المُنعم سبحانه وتعالى .
جاء في الفتح لابن حجر : قال القرطبي : [ إعجاب المرء بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال ، مع نسيان نعمة الله ، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم .
4– عبادة السر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل”.
ليجعل كل منا له خبيئة من عمل صالح لم يطلع عليه بشر!
والخبيئة من العمل هي أن يجعل المرء بينه وبين الله طاعة لايطلع عليها أحد حتى اهله
الى ان يلاقي ربه ويجدها في صحيفته فيسر بها بأذن الله تعالى .
وقد حث العلماء والصالحون على عمل الخير في الخفاء، فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال:اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ”.
والخبيئة من العمل الصالح ,,هو العمل الصالح المختبئ يعني المختفي،
والزبير رضي الله عنه هنا ينبهنا إلى أمر نغفل عنه.
وهو المعادلة بين الأفعال رجاء المغفرة؛ فكما ان لكل إنسان عمل سيئ يفعله في السر، فأولى له أن يكون له عمل صالح يفعله في السر أيضا لعل الله سبحانه أن يغفر له الآخر.