12- صيام الست من شوال

تاريخ الإضافة 9 مارس, 2024 الزيارات : 12482

12- صيام الست من شوال

من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ، ومضاعفة الحسنات ، فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بينأنواع العبادات والقربات ، فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات ، وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ، ولم يجعل الله حداً لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله يقول جل وعلا : {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }( الحجر 92)

ومما منَّ الله به على عباده بعد انقضاء شهر الصيام والقيام ، ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام منشوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما

رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ) .

وفي رواية لابن ماجة عن ثوبان أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ) .

وقد ذكر أهل العلم عدة فوائد ومعانٍ لصيام هذه الأيام الست :(من كلام ابن رجب الحنبلي )

منها أن العبد يستكمل بصيامها أجر صيام الدهر كله ،وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها فشهر رمضان يعدل عشرة أشهر ، وهذه الست تعدل شهرين ،وقد ثبت ذلك في حديث ثوبان المتقدم عند ابن ماجة وثبت أيضاً في حديث ذكره أبو الشيخ في الثواب ، وصححه الألباني في صحيح الجامع : ( جعل الله الحسنة بعشر أمثالها الشهربعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة ) .

ومنها أن صيام النفل قبل وبعد الفريضة يكمل به ما يحصل في الفرض من خلل و نقص ، فإن الفرائض تجبر وتكملبالنوافل يوم القيامة ، كما ثبت ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم- من وجوه متعددة .

ومن الفوائد أيضاً أن معاودة الصيام بعد رمضان من علامات القبول ، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده ، كما قال بعضهم : ثواب الحسنة الحسنةبعدها ، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى .

ومنها أن معاودة الصيام بعد الفطر فيه شكر لله جل وعلا على نعمته بإتمام صيام رمضان ومغفرة الذنوب والعتق من النار ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده أنيشكروه على هذه النعم العظيمة فقال سبحانه : {و لتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون }( البقرة 185)

فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيامرمضان ، وإعانته عليه ، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له عقب ذلك .

ومن الفوائد كذلك المداومة على فعل الخيرات ، وعدم انقطاع الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربهفي رمضان بانقضاء الشهر ، ولا شك أن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليها صاحبها ،وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملاً أثبته ، وسئلت عائشة رضي الله عنهاعن عمله عليه الصلاة والسلام فقالت : (كان عمله ديمة(دائم )).

فعودُ المؤمن إلى الصيام بعد فطره دليل على مداومته على فعل الخير ، وعدم انقطاعه عن العمل الصالح ، إلى غير ذلك من الفوائد والمعاني العظيمة .

وهذه الست ليس لها وقت محدد من شوال ، بل يصومها المسلم في أي جزء من أجزاء الشهر ، فيأوله ، أو في أثنائه أو في آخره ، وله كذلك أن يصومها متتابعة أو مفرقة .

ولكن الأفضل أن يبادِر إلى صيامها عقب عيد الفطر مباشرة ، وأن تكون متتابعة – كما نص على ذلك أهل العلم – لأن ذلك أبلغ في تحقيق الإتباع الذي جاء في قوله – صلى الله عليه وسلم – ( ثم أتبعه ) ، كما أنه من المسابقة إلى الخيرات والمسارعة في الطاعات الذي جاءت النصوص بالترغيب فيه والثناء على فاعله ، وهو أيضاً من الحزم ، فإن الفُرص لا ينبغي أن تفوت ، والمرء لا يدري ما يعرض له من شواغل وقواطعتحول بينه وبين العمل ، فإن أخرها أو فرَّقها على الشهر حصلت الفضيلة أيضاً .

هل يجوز تقديم صيام الست من شوال على قضاء رمضان؟

من كان عليه قضاء من رمضان فلا حرج عليه أن يصوم ستاً من شوال ثم يؤخر قضاء رمضان، وذلك لحديث أم المؤمنين عائشة الثابت في الصحيح أنها قالت:

( إن كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان،لمكان رسول الله مني )

فقد كانت تصوم الست، وكانت تصوم عرفة، كما ثبت في الموطأ، وكانت تصوم يوم عاشوراء، ولذلك قالوا: إنه يجوز تأخير القضاء.

ومَنَعَ بعض العلماء، واحتجوا بأنه كيف يَتَنَفَّل وعليه الفرض؟

وهذا مردود؛ لأن التَّنَفُّل مع وجود الخطاب بالفرض فيه تفصيل: فإن كان الوقت واسعاً لفعل الفرض والنافلة ساغ إيقاع النفل قبل الفرض بدليل: أنك تصلي راتبة الظهر قبل صلاة الظهر وأنت مخاطب بصلاة الظهر، فإن الإنسان إذا دخل عليه وقت الظهر وزالت الشمس وجب عليه أن يصلي الظهر، ومع ذلك يؤخرها فيصلي الراتبة، ثم يصلي بعدها الظهر، فتنفل قبل فعل الفرض بإذن الشرع، فدل على أن النافلة قد تقع قبل الفرض بإذن الشرع، فلما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة أن تؤخر القضاء دل على أن الوقت موسع.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان ثم أتبعه ) فهذا خارج مخرج الغالب، والقاعدة: (أن النص إذا خرج مخرج الغالب لم يعتبر مفهومُه). فليس لقائل أن يقول: إن مَن عليه قضاء فلا يصم رمضان.

ولذلك: الذي تميل إليه النفس ويقوى: أنه يصوم الست، ولا حرج أن يقدِّمها على قضائه من رمضان.

وهذا هو الصحيح، فإن المرأة النفساء قد يمر بها رمضان كلُّه وهي مفطرة، وتريد الفضل، فتصوم الست، ثم تؤخر قضاء رمضان إلى أن يتيسر لها.

الجمع بين نية القضاء والست من شوال

هذه المسألة تعرف عند أهل العلم بمسألة التشريك ( الجمع بين عبادتين بنية واحدة)

يقول الشيخ ابن عثيمين : وحكمه أنه إذا كان في الوسائل أو مما يتداخل صح، وحصل المطلوب من العبادتين، كما لواغتسل الجنب يوم الجمعة للجمعة ولرفع الجنابة، فإن جنابتة ترتفع ويحصل له ثواب غسلالجمعة.

وإن كانت إحدى العبادتين غير مقصودة، والأخرى مقصودة بذاتها صح الجمع ولايقدح ذلك في العبادة كتحية المسجد مع فرض أو سنة أخرى، فتحية المسجد غير مقصودةبذاتها، وإنما المقصود هو شغل المكان بالصلاة، وقد حصل.

وأما الجمع بين عبادتين مقصودتين بذاتهما كالظهر وراتبته، أو كصيام فرض أداءً أو قضاء كفارة كان أو نذراً،مع صيام مستحب كست من شوال فلا يصح التشريك، لأن كل عبادة مستقلة عن الأخرى مقصودةبذاتها لا تندرج تحت العبادة الأخرى.

فصيام شهر رمضان، ومثله قضاؤه مقصود لذاته،وصيام ست من شوال مقصود لذاته لأنهما معا كصيام الدهر، كما صح في الحديث، فلا يصحالتداخل والجمع بينهما بنية واحدة.

ومن صام يوم عرفة ، أو يوم عاشوراء ونوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة ، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء ، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان ، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان .

نسأل الله أن يعيننا على طاعته ، وأن يوفقنا لمرضاته ، وأن يجعلنا من المقبولين في شهر رمضان إنه جواد كريم.

 

هل تصام أيام عيد الفطر الثاني والثالث أم أن من الفقه تأخيرها ؟

تفصيل رائع من الفقيه محمد بن محمد المختار الشنقيطي – حفظه الله .عن صيام الست من شوال .

قال الشيخ – حفظه الله :-
الأفضل الذي تطمئن إليه النفس، أن الإنسان يترك أيام العيد للفرح والسرور .
ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أيام منى:
(إنها أيام أكل وشرب)، كما جاء في حديث عبد الله بن حذافة :
(فلا تصوموها) ، فإذا كانت أيام منى الثلاثة لقربها من يوم العيد أخذت هذا الحكم، فإن أيام الفطر لا تبعد فهي قريبة.

ولذلك تجد الناس يتضايقون إذا زارهم الإنسان في أيام العيد فعرضوا عليه ضيافتهم، وأحبوا أن يصيب من طعامهم فقال: إني صائم، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما دعاه الأنصاري لإصابة طعامه ومعه بعض أصحابه، فقام فتنحى عن القوم وقال: إني صائم، أي: نافلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخاك قد تكلّف لك فأفطر وصم غيره).

فحينما يدخل الضيف في أيام العيد، خاصة في اليوم الثاني والثالث، فإن الإنسان يأنس ويرتاح إذا رأى ضيفه يصيب من ضيافته، كونه يبادر مباشرة في اليوم الثاني والثالث بالصيام لا يخلو من نظر .

فالأفضل والأكمل أن يطيب الإنسان خواطر الناس، وقد تقع في هذا اليوم الثاني والثالث بعض الولائم، وقد يكون صاحب الوليمة له حق على الإنسان كأعمامه وأخواله، وقد يكون هناك ضيف عليهم فيحبون أن يكون الإنسان موجوداً يشاركهم في ضيافتهم.

فمثل هذه الأمور من مراعاة صلة الرحم وإدخال السرور على القرابة لا شك أن فيها فضيلة أفضل من النافلة.والقاعدة تقول:
(أنه إذا تعارضت الفضيلتان المتساويتان وكانت إحداهما يمكن تداركها في وقت غير الوقت الذي تزاحم فيه الأخرى، أُخرت التي يمكن تداركها) .
فضلاً عن أن صلة الرحم لاشك أنها من أفضل القربات .

فصيام ست من شوال وسّع الشرع فيه على العباد، وجعله مطلقاً من شوال كله، فأي يوم من شوال يجزئ ما عدا يوم العيد.

بناءً على ذلك فلا وجه لأن يضيق الإنسان على نفسه في صلة رحمه، وإدخال السرور على قرابته ومن يزورهم في يوم العيد، فيؤخر هذه الست إلى ما بعد الأيام القريبة من العيد؛ لأن الناس تحتاجها لإدخال السرور وإكرام الضيف، ولا شك أن مراعاة ذلك لا يخلو الإنسان فيه من حصول الأجر، الذي قد يفوق بعض الطاعات كما لا يخفى.

من شرح زاد المستقنع_ باب: صوم التطوع


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1033 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع