(7)صلاة التراويح
قيام ليالي رمضان وصلاة التراويح :
فرض الله تعالى صيام أيام رمضان، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام لياليه. عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه” متفق عليه
ومعنى (إيمانًا): أي تصديقًا بوعد الله تعالى، ومعنى (احتسابًا): أي طلبًا لوجه الله تعالى وثوابه.
ومن صلى التراويح كما ينبغي فقد قام رمضان.
والتراويح
هي تلك الصلاة المأثورة التي يؤديها المسلمون جماعة في المسجد، بعد صلاة العشاء.
وقد سَنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين صلى بأصحابه ليلتين، أو ثلاثًا ثم تركها خشية أن تفرض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا، فصلاها الصحابة فرادى، حتى جمعهم عمر على الصلاة خلف أبي بن كعب.
فعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة (أي من رمضان) من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلُّوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله.. حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر، أقبل على الناس فتشهد ثم قال: “أما بعد، فإنه لم يخف علّي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها” متفق عليه
وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، أي يصلون فرادى، وكذلك في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر.
روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه! والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يعنى آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله (رواه البخاري في كتاب التراويح).
وقول عمر: (نعمت البدعة هذه) لا يعني بها (البدعة الدينية) التي يراد بها استحداث أمر في الدين لايندرج تحت أصل شرعي، إنما يراد بها المعنى اللغوي للبدعة، باعتبار أنها أمر لم يكن في عهده، ولا عهد أبي بكر من قبل.
ولكنه وافق الهدي النبوي، حيث قرر النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة أصحابه وراءه ثلاث ليال في المسجد، ولولا خشية افتراضها عليهم وعجزهم عنها، لاستمر في الصلاة بهم، وقد زالت هذه الخشية، بإكمال الدين وانقطاع الوحي، واستقرار الشرع، وكان عمر مسددًا في عمله هذا، لما فيه من مظهر الوحدة، واجتماع الكلمة ولأن الاجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلين، ولا سيما إذا كان حسن القراءة.
ولهذا ذهب الجمهور إلى سنية صلاة التراويح في الجماعة.
ومن قال من العلماء قديمًا بأن الصلاة في البيوت أفضل، فهذا فيمن كان يصلي لنفسه ويطيل كثيرًا، ولا يجد صلاة جماعة تشبع نهمه.
أما إذا وجد هذه الجماعة، فالأولى أن يصلي مع المسلمين، ليكثر جماعتهم وليقوى بهم، ويقووا به.
ولذا قال بعض الشافعية: من كان يحفظ القرآن، ولا يخاف من الكسل، ولا تختل الجماعة في المسجد، بتخلفه، فصلاته في الجماعة والبيت سواء، فمن فقد بعض ذلك فصلاته في الجماعة أفضل .
ومثل ذلك ما يقال في شأن صلاة التراويح للنساء، وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل، فهذا لو كن يحفظن القرآن، ولا يكسلن عن الصلاة إذا جلسن في البيت.
ولكن المُشاهد أن المرأة إذا لم تذهب إلى المسجد فهيهات أن تصلي، ولو صلت فستكون صلاة كنقر الديكة.
على أنها في المسجد تسمع القرآن، والموعظة الحسنة، وتلتقي بالمسلمات الصالحات، فيتعاون على البر والتقوى، وفي هذا خير كثير.
ولم تذكر رواية البخاري عدد الركعات التي كان يصلى بها أبي بن كعب، وقد اختلف في ذلك ما بين إحدى عشرة، وثلاث عشرة، وإحدى وعشرين.
أي مع الوتر قال الحافظ: ويحتمل أن يكون ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث يطيل القراءة تقل الركعات وبالعكس.
وقد ورد أنهم كانوا يقرأون بالسور الطوال، ويقومون على العصي من طول القيام.
وفي إمارة عمر بن عبد العزيز بالمدينة، كانوا يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث.
قال مالك: وهو الأمر القديم عندنا.
وقال الشافعي: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين، وفي مكة بثلاث وعشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق.
وعنه قال: إن أطالوا القيام وأقلوا السجود (أي عدد الركعات) فحسن، وإن أكثروا السجود وأخفوا القراءة، فحسن، والأول أحب إليَّ.
وصلى بعض السلف أربعين غير الوتر (انظر في هذا كله: فتح الباري -157/5 ط. الحلبي).
ولا تضييق في ذلك كما قال الإمام الشافعي، ولا ينبغي أن ينكر بعض الناس على بعض في ذلك، مادامت الصلاة تأخذ حقها من الطمأنينة والخشوع.
فمن صلى بإحدى عشرة، فقد اهتدى بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قالت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره، على إحدى عشرة ركعة (رواه البخاري وغيره).
وعن جابر: أنه عليه الصلاة والسلام – صلى بهم ثماني ركعات، ثم أوتر أي بثلاث.
ومن صلى بثلاث وعشرين، فله أسوة بما كان في عهد عمر، كما رواه غير واحد، وقد أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.
ومن صلى بتسع وثلاثين أو إحدى وأربعين، فله أسوة بما كان عليه العمل في المدينة في خير قرون الأمة، وقد شاهده إمام دار الهجرة، وقال: وعلى هذا العمل من بضع ومائة سنة.
والصلاة خير موضوع، ولم يرد تحديد العدد في رمضان – ولا في غيره بمقدار معين.
فلا معني لإنكار بعض العلماء المعاصرين على من صلى عشرين أنه خالف السنة، والهدي النبوي، أو من صلى ثمانيا أنه خالف المأثور عن سلف الأمة وخلفها.
وإن كان الأحب إليَّ هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله لا يرضى له إلا الأفضل، وذلك (إحدى عشرة ركعة) بالوتر مع تطويل القراءة والصلاة.
والذي يجب إنكاره من الجميع تلك الصلاة التي تُؤدَّى في بعض مساجد المسلمين وكأنما يلهب ظهورهم سوط يسوقهم إلى الفراغ منها وهى (20 ركعة) في أقل من ثلث ساعة!! والله تعالى يقول: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون: 1،2).
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلمات جامعة نافعة في بيان مشروعية صلاة التراويح بأي من الأعداد المروية فيها، قال رضي الله عنه:
(ثبت أن أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في رمضان، ويوتر بثلاث فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة، لأنه قام بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكر.
واستحب آخرون تسعًا وثلاثين ركعة، بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم.
وقالت طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، واضطربوا في الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين.
والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما نصَّ على ذلك الإمام أحمد، وأنه لا يوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيه عددًا، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يطيل القيام بالليل، حتى قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة: أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران، فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات.
وأبي بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة، لم يمكن أن يطيل بهم القيام فكثر الركعات، ليكون ذلك عوضًا عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام، فكثروا الركعات، حتى بلغت تسعًا وثلاثين).
أما أي هذه الأعداد أفضل؟ فقد قال شيخ الإسلام:
(ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين و أوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ فكيفما قام بهم في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن.
والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره، فهو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين أفضل فهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشرين وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يزاد ولا ينقص منه فقد أخطأ) أ.هـ..
خروج المرأة لصلاة التراويح :
صلاة التراويح ليست واجبة على النساء ولا على الرجال، وإنما هي سنة لها منزلتها وثوابها العظيم عند الله . روى الشيخان عن أبي هريرة قال: يأمرهم بعزيمة ثم يقول: ” من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله ما تقدم من ذنبه “.
من صلى التراويح بخشوع واطمئنان مؤمنًا محتسبًا، وصلى الصبح في وقتها، فقد قام رمضان واستحق مثوبة القائمين.
وهذا يشمل الرجال والنساء جميعًا . إلا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها بالمسجد، ما لم يكن وراء ذهابها إلى المسجد فائدة أخرى غير مجرد الصلاة، مثل سماع موعظة دينية، أو درس من دروس العلم، أو سماع القرآن من قارئ خاشع مجيد . فيكون الذهاب إلى المسجد لهذه الغاية أفضل وأولى . وبخاصة أن معظم الرجال في عصرنا لا يفقهون نساءهم في الدين، ولعلهم لو أرادوا لم يجدوا عندهم القدرة على الموعظة والتثقيف، فلم يبق إلا المسجد مصدرًا لذلك فينبغي أن تتاح لها هذه الفرصة، ولا يحال بينها وبين بيوت الله . ولا سيما أن كثيرًا من المسلمات إذا بقين في بيوتهن لا يجدن الرغبة أو العزيمة التي تعينهن على أداء صلاة التراويح منفردات بخلاف ذلك في المسجد والجماعة.
على أن خروج المرأة من بيتها – ولو إلى المسجد – يجب أن يكون بإذن الزوج، فهو راعي البيت، والمسئول عن الأسرة، وطاعته واجبة ما لم يأمر بترك فريضة، أو اقتراف معصية فلا سمع له إذن ولا طاعة.
وليس من حق الرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى المسجد إذا رغبت في ذلك إلا لمانع معتبر .
فقد روى مسلم عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ” .
والمانع المعتبر شرعًا: أن يكون الزوج مريضًا مثلاً، وفي حاجة إلى بقائها بجواره تخدمه وتقوم بحاجته .
أو يكون لها أطفال صغار يتضررون من تركهم وحدهم في البيت مدة الصلاة وليس معهم من يرعاهم، ونحو ذلك من الموانع والأعذار المعقولة.
وإذا كان الأولاد يحدثون ضجيجًا في المسجد، ويشوشون على المصلين بكثرة بكائهم وصراخهم، فلا ينبغي أن تصطحبهم معها فترة الصلاة .
فإن ذلك وإن جاز في صلوات الفرائض اليومية لقصر مدتها ينبغي أن يمنع في صلاة التراويح لطول مدتها، وعدم صبر الأطفال عن أمهاتهم هذه المدة التي قد تزيد على الساعة.
وأما حديث النساء في المساجد، فشأنه شان حديث الرجال، ولا يجوز أن يرتفع الصوت به لغير حاجة .
وبخاصة الأحاديث في أمور الدنيا، فلم تجعل المساجد لهذا، إنما جعلت للعبادة أو العلم.
فعلى المسلمة الحريصة على دينها أن تلتزم الصمت في بيت الله، حتى لا تشوش على المصلين أو على درس العلم، فإذا احتاجت إلى الكلام، فليكن ذلك بصوت خافت وبقدر الحاجة، ولا تخرج عن الوقار والاحتشام في كلامها ولبسها ومشيتها.
وأحب أن أقول هنا كلمة منصفة: إن بعض الرجال يسرفون إسرافًا شديدًا في الغيرة على جنس النساء، والتضييق عليهن، فلا يؤيدون فكرة ذهاب المرأة إلى المسجد بحال، برغم الحواجز الخشبية العالية التي تفصل بين الرجال والنساء، والتي لم يكن لها وجود في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته، والتي تمنع النساء من معرفة تحركات الإمام إلا بالصوت والسماع، ولا غرو أن ترى بعض هؤلاء الرجال يسمحون لأنفسهم في المسجد بالكلام والأحاديث، ولا يسمح أحدهم لامرأة أن تهمس في أذن جارتها بكلمة ولو في شأن ديني، وهذا مبعثه التزمت وعدم الإنصاف، والغيرة المذمومة التي جاء بها الحديث: ” إن من الغيرة ما يبغضه الله ورسوله “، وهي: الغيرة في غير ريبة.
لقد فتحت الحياة الحديثة الأبواب للمرأة . فخرجت من بيتها إلى المدرسة والجامعة والسوق وغيرها، وبقيت محرومة من خير البقاع وأفضل الأماكن وهو المسجد .
وإني أنادي بلا تحرج: أن أفسحوا للنساء في بيوت الله، ليشهدن الخير، ويسمعن الموعظة ويتفقهن في الدين، ولا بأس أن يكون من وراء ذلك ترويح عنهن في غير معصية ولا ريبة، ما دمن يخرجن محتشمات متوقرات بعيدات عن مظاهر التبرج الممقوت.
الإسراع في صلاة التراويح :
ثبت في الصحيحين عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ” .
فالله سبحانه وتعالى شرع في رمضان في نهاره الصيام، وشرع على لسان رسوله في ليله القيام، وجعل هذا القيام سببًا للتطهر من الذنوب والخطايا .. ولكن القيام الذي تغفر به الذنوب، وتغسل فيه الأدناس، هو الذي يؤديه المسلم كاملاً بشروطه وأركانه وآدابه وحدوده .
وقد علمنا أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة كقراءة الفاتحة، وكالركوع وكالسجود .. فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – حينما أساء بعض الناس الصلاة أمامه ولم يؤد لها حقها من الاطمئنان، قال له: ” ارجع فصل، فإنك لم تصل ” .. ثم علمه كيف تكون الصلاة المقبولة فقال له: ” اركع حتى تطمئن راكعًا، واعتدل حتى تطمئن قائمًا، واسجد حتى تطمئن ساجدًا، واجلس بين السجدتين حتى تطمئن جالسًا وهكذا “رواه الشيخان
فالطمأنينة في جميع هذه الأركان شرط لابد منه، وحدّ الطمأنينة المشروطة قد اختلف فيه العلماء :
فمنهم من جعل أدناه أن يكون مقدار تسبيحة كأن يقول: سبحان ربي الأعلى مثلاً . وبعضهم – كالإمام شيخ الإسلام ابن تيمية اشترط أن يكون مقدار الطمأنينة في الركوع والسجود نحو ثلاث تسبيحات، فقد جاء في السنة أن التسبيح ثلاث، وذلك أدناه فلابد أن تطمئن بمقدار ثلاث تسبيحات … ويقول الله عز وجل: (قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون). (المؤمنون: 1، 2).
والخشوع نوعان : خشوع بدن، وخشوع قلب.
فخشوع البدن: أن يطمئن البدن ولا يعبث ولا يلتفت المرء تلفت الثعلب .. ولا ينقر الركعات والسجدات نقر الديكة، وإنما يؤديها بأركانها وحدودها كما شرعها الله عز وجل ..
لابد إذن من خشوع البدن .. ولابد من خشوع القلب ..
وخشوع القلب: معناه استحضار عظمة الله عز وجل، وذلك بالتأمل في معاني الآيات التي تُتلى، وبتذكر الآخرة، وبتذكر أن المصلي بين يدي الله عز وجل .. وأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: ” قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) . قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) . قال الله عز وجل: أثنى علىَّ عبدي . وإذا قال: (مالك يوم الدين) . قال الله تعالى: مجّدني عبدي . وإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين)، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم) . قال الله تعالى: هذا لعبدي . ولعبدي ما سأل “. (رواه مسلم).
فالله سبحانه وتعالى ليس بمعزل عن المصلي، ولكنه يجيبه، فلابد أن يتجاوب المسلم المصلي مع الله عز وجل، وأن يستحضر قلبه في كل حركة من حركات الصلاة، وفي كل وقت من أوقاتها، وفي كل ركن من أركانها، فالذين يصلون وكل همهم أن يفرغوا من الصلاة، وأن يتخلصوا منها، وأن يلقوها كأنها عبء فوق ظهورهم، فإنها ليست هذه هي الصلاة المطلوبة .
وكثير من الناس يصلون في رمضان العشرين والثلاث والعشرين ركعة في دقائق معدودات، كل همه أن يخطف الصلاة خطفًا، وأن ينتهي منها في أسرع وقت ممكن … لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها .. فهذه كما ورد في الحديث: ” تعرج إلى السماء وهي سوداء مظلمة تقول لصاحبها: ضيَّعك الله كما ضيَّعتني ” .
والصلاة الخاشعة المطمئنة تعرج إلى السماء بيضاء ناصعة تقول لصاحبها: حفظك الله كما حفظتني.
ونصيحتي لكثير من الأئمة والمصلين الذين يصلون هذا العدد بغير إتقان ولا خشوع ولا حضور قلب ولا سكون بدن، أن يصلوا ثماني ركعات مطمئنة خاشعة متقنة خير من هذه العشرين، فليست العبرة بالكم والكثرة، ولكنّ العبرة بالكيف والنوع … العبرة في الصلاة نفسها .. هل هي صلاة الخاشعين ؟ أم هي صلاة الخطافين ؟
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المؤمنين الخاشعين.
نقلا عن كتاب تيسير فقه الصيام باختصار للشيخ يوسف القرضاوي