8- ما يستحب للصائم واغتنام أيام رمضان في الذكر والطاعة والجود

تاريخ الإضافة 9 مارس, 2024 الزيارات : 5570

(8)ما يستحب للصائم

تعجيل الإفطار

يستحب للصائم تعجيل الإفطار، فقد رغب في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله وفعله.

ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” متفق عليه

وإنما أحب التعجيل لما فيه من التيسير على الناس، وكره التأخير لما فيه من شبهة التنطع والغلو في الدين، والتشبه بأهل الأديان الأخرى الذين كانوا يغلون في دينهم.

فعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ” لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون” رواه أبو داود

ومعنى التعجيل: أنه بمجرد غياب قرص الشمس من الأفق يفطر.

وفي الحديث الصحيح: “إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم” متفق عليه

ويكفيه في ذلك أن يغلب على ظنه غروبها، فالظن الغالب يكفي في هذه الأمور، كما في القبلة وغيرها، وقد أفطر المسلمون في عهده عليه الصلاة والسلام، وهو معهم، ثم طلعت الشمس.

وكان من سنته العملية عليه الصلاة والسلام:

ما رواه أنس خادمه: (أنه كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء )رواه أحمد

وقال عليه الصلاة والسلام: “من وجد التمر فليفطر عليه، ومن لم يجد التمر، فليفطر على الماء، فإن الماء طهور” رواه عبد الرزاق

والبلاد التي لا يوجد فيها الرطب أو التمر، يغني عنها بعض الفواكه الأخرى أو شيء من الحلو.

وينبغي أن يلزم الاعتدال في تناول الطعام، فلا يسرف ويكثر إلى حد التخمة، فيُضَيِّع حكمة الصيام الصحية، كما يفعله كثير من الصائمين.

السحور وتأخيره

ومما سنَّه النبي صلى الله عليه وسلم للصائم أن يتسحر، وأن يؤخر السحور.

السحور: ما يؤكل في السحر، أي بعد منتصف الليل إلى الفجر، وأراد بذلك أن يكون قوة للصائم على احتمال الصيام، وجوعه وظمئه، وخصوصًا عندما يطول النهار.

ولذا قال: “تسحروا فإن في السحور بركة” متفق عليه

وفيه تمييز كذلك لصيام المسلمين عن غيرهم، وفي الصحيح: “فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر” مسلم

والأصل في السحور أن يكون طعامًا يؤكل، ولو شيئًا من التمر، وإلا فأدنى ما يكفي شربة من ماء.

روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: “السحور كله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين”  حسنه الألباني

ومن بركة السحور:

أنه – بجوار ما يهيئه للمسلم من وجبة مادية – يهييء له وجبة روحية، بما يكسبه المسلم من ذكر واستغفار ودعاء، في هذا الوقت المبارك، وقت السحر الذي تنزل فيه الرحمات، عسى أن يكون من المستغفرين بالأسحار.

ومن السنة تأخير السحور، تقليلاً لمدة الجوع والحرمان، قال زيد بن ثابت: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، فسأله أنس: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين آية )متفق عليه

وقوله تعالى: (فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) تفيد جواز الأكل إلى أن يتبين الفجر.

ومن شك هل طلع الفجر أم لا، جاز له أن يأكل ويشرب حتى يستيقن، وهكذا قال حبر الأمة ابن عباس: كل ما شككت حتى تستيقن.

ونقله أبو داود عن الإمام أحمد: أنه يأكل حتى يستيقن طلوعه.

عن أبي هريرة مرفوعًا: “إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه” رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم

وعن عائشة: أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم: فإنه لا يؤذن، حتى يطلع الفجر” (البخاري في الصوم).

ومن هنا نعلم أن الأمر في وقت الفجر، ليس بالدقيقة والثانية، كما عليه الناس اليوم، ففي الأمر سعة ومرونة وسماحة، كما كان عليه الكثير من السلف الصالح من الصحابة والتابعين.

وما تَعَوَّدَه كثير من المسلمين من الإمساك مدة قبل الفجر من قبيل الاحتياط مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكتابة ذلك في الصحف والتقاويم والإمساكيات مما ينبغي أن يُنكر.

قال الحافظ ابن حجر: (من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس. وقد جرَّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت – زعموا – فأخَّروا الفطور وعجَّلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر الشر، والله المستعان)! (فتح الباري -102/5 ط. الحلبي).

السحور للصائم

السحور ليس شرطًا في الصيام، وإنما هو سنة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فعلها وأمر بها، وقال: ” تسحروا، فإن في السحور بركة ” (متفق عليه من حديث أنس)

فيُسن السحور ويسن تأخيره، لأنه مما يقوي المسلم الصيام، ويخفف عنه مشقة الصوم ؛ لأنه يقلل مدة الجوع والعطش، وقد جاء هذا الدين بالميسرات، التي تيسر على الناس عباداتهم، وترغبهم فيها، ومن ذلك تعجيل الفطور وتأخير السحور، فيسن للمسلم الصائم أن يقوم إلى السحور ويتسحر ولو بالقليل ولو بتمرة أو شربة ماء، عملاً بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

وفي السحور فائدة أخرى روحية، وهي التنبه والاستيقاظ قبل الفجر، ساعة السحور التي يتجلى الله فيها لعباده، فيجيب من دعا، ويغفر لمن استغفر، ويتقبل ممن عمل صالحًا . وما أعظم الفرق بين من يقضي هذا الوقت ذاكرًا تاليًا، ومن يمر عليه راقدًا نائمًا.

السحور عند أذان الفجر

إذا تأكد أن أذان الفجر في موعده المضبوط، حسب التقويم المحلي للبلد الذي يصوم فيه، وجب عليه أن يترك الأكل والشرب فور سماعه الأذان، بل لو كان في فمه طعام وجب عليه أن يلفظه حتى يصح صومه .

أما إذا كان يعرف أن الأذان قبل موعده بدقائق، أو على الأقل يشك في ذلك فمن حقه أن يأكل أو يشرب حتى يستيقن من طلوع الفجر.

وهذا ميسور الآن بواسطة التقويم (الإمساكيات) والساعات الدقيقة التي لا يخلو منها بيت.

قال رجل لابن عباس رضي الله عنه: إني أتسحر، فإذا شككت أمسكت.

قال ابن عباس: كل، ما شككت، حتى لا تشك.

وقال الإمام أحمد: إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه.

وقال النووي: وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر: والدليل على ذلك أن الله تعالى أباح الأكل والشرب في ليلة الصيام إلى غاية هي تبين الفجر، والشاك لم يتبين له الفجر، قال تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر). (البقرة: 187).

ومن هنا نتبين أن الإمساك مدة من الزمن قبل الفجر بصفة دائمة لم يرد به كتاب ولا سنة وهو لون من الغلو في الدين، وينافي ما جاء في السنة من استحباب تأخير السحور . والله أعلم.

التنزه عن اللغو والرفث والجهل والسبِّ :

وينبغي للصائم أن يزداد حرصًا على التنزه عن اللغو والرفث والصخب والجهل، والسب والشتم.

وهذا شأن المؤمنين في كل وقت وحال، كما قال تعالى في وصف المؤمنين المفلحين: (والذين هم عن اللغو معرضون) (المؤمنون: 3) وفي وصف عباد الرحمن: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (الفرقان: 63) ولكن هذا آكد في حال الصيام.

وقد قال عليه الصلاة والسلام: “الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب (وفي رواية: ولا يجهل) فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم” متفق عليه ، وفي رواية: مرتين.

والرفث: الكلام المتعلق بالنساء وأمور الجنس، وقيل: الفحش في الكلام عامة. والصخب: الصياح ورفع الأصوات، شأن الجهال، وهذا معنى (ولا يجهل).

ومن أدب الصائم أن يدفع السيئة بالحسنة، وأن يقول لمن سبَّه أو شتمه: إني صائم، يقول ذلك بقلبه ولسانه، يخاطب بذلك نفسه ليلجمها بلجام التقوى، ويخاطب بذلك شاتمه ليكفَّ شره، ويُطفئ غضبه بماء الحلم والدفع بالتي هي أحسن.

وأولى بالتَّنزُّه من اللغو والرفث والصخب: الكذب والزور، والغيبة والنميمة ونحوها من آفات اللسان، التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

والصيام المقبول حقًا هو الذي يصوم فيه اللسان والجوارح، عن معصية الله كما يصوم البطن عن الطعام والشراب، والفرج عن مباشرة النساء.

يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث” رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وقال أيضًا: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ” رواه النسائي

وإن وقت الصائم لأغلى وأنفس من أن ينفق في هذه المهلكات، التي إن لم تبطل الصيام – كما قاله جماعة من السلف – ذهبت بأجره كله أو بعضه.

اغتنام أيام رمضان في الذكر والطاعة والجود

رمضان موسم من مواسم الخير، تضاعف فيه الحسنات، وترجى فيه المغفرة، وتزداد فيه الرغبة في الخير، والمحروم حقًا من حرم في هذا الشهر رحمة الله عز وجل.

وإنما تُنال رحمة الله تعالى بالإقبال عليه، والاجتهاد في ذكره وشكره، وحسن عبادته.

وقد ابتُلينا ببعض المسلمين الذين يقضون النهار في منام، والليل في طعام ويضيعون فرصة التزود من هذا الشهر الكريم.

في الحديث الصحيح: “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” (متفق عليه عن أبي هريرة، اللؤلؤ والمرجان -656).

وفي طريق لعبد الرزاق وغيره: “وينادي فيه مناد: يا باغي الخير، هَلُمّ، ويا باغي الشر أقصر”

ومن ألوان الطاعة في هذا الشهر:

الإكثار من ذكر الله تعالى، والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن الكريم، والحرص على الصلاة في الجماعة.

وهذا مُستحب للمسلم في كل وقت، ولكنه في رمضان أكثر استحبابًا، حتى لا يتسرب منه الشهر الكريم يومًا بعد يوم، دون أن ينال حظه فيه من المغفرة والعتق من النار، ولله كل ليلة فيه عتقاء من النار.

وقد روى كعب بن عجرة وغيره: (أن جبريل عليه السلام دعا على من أدرك رمضان فلم يغفر له، وأمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم )رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي

ومن أهم ما ينبغي للصائم الحرص عليه في رمضان: الجود وفعل الخير، وبذل المعروف للناس، وإطعام الطعام.

فهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة (رواه البخاري في الصوم وفي بدء الوحي).

ومن هنا اعتاد المسلمون من قديم مد الموائد لتفطير الصائمين في رمضان، لما فيها من الثواب الجزيل.

الدعاء طوال النهار وخصوصًا عند الإفطار

يستحب للصائم أن يرطب لسانه بذكر الله ودعائه طوال يوم صومه، فإن الصوم يجعله في حالة روحية تقربه من الله تعالى، وتجعله في مظنة الاستجابة لدعائه.

والذكر والدعاء مطلوب من الصائم طوال نهاره، ولكنه مطلوب بصورة خاصة عند الإفطار.

وأولى ما يقوله الصائم عند فطره ما رواه ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر: “ذهب الظمأ وابتلّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى” (رواه أبو داود، والدارقطني وحسن إسناده

والعمل بهذا الخبر أولي من خبر أنس وابن عباس أنه كان يقول: “اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم” )رواه الدارقطني، لأن سنده ضعيف.

ويدعو عند الإفطار بما أحب لدينه ودنياه وآخرته، لنفسه ولذويه وللمسلمين فهو وقت تُرجى فيه الإجابة. فقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو: “أن للصائم عند فطره دعوة ما ترد” رواه ابن ماجة وذكر البوصيري في الزوائد: أن إسناده صحيح

وكان عبد الله بن عمرو يجمع بنيه عند الإفطار ويدعو قائلا: اللهم أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي.

وروى أبو هريرة: “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم” رواه الترمذي وحسنه

وفي رواية: “والصائم حتى يفطر”.

 نقلا عن كتاب تيسير فقه الصيام باختصار للشيخ يوسف القرضاوي 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 354 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم