(4)إفطار أصحاب الأعذار
المسافر والمريض والكبير والحامل والمرضع
كيفية قضاء رمضان وتقدير الفدية
أولا/ المسافر:
شرعية الفطر للمسافر:
قال تعالى: (ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فأكد القرآن أن المريض والمسافر يفطران ويقضيان عدة من أيام أخر، بعدد الأيام التي أفطراها.
وفي الصحيحين: عن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر متفق عليه
وفي رواية لمسلم: أنه قال: يا رسول الله، أجد مني قوة على الصوم في السفر فهل على جناح؟ فقال: (هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)
وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، أفطر، فأفطر الناس. متفق عليه
وعن أنس بن مالك: (كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر. ولا المفطر على الصائم) متفق عليه
مسافة السفر ومتى يفطر المسافر؟
المشهور في فقه المذاهب الآن أن مسافة السفر نحو (80) كيلو مترًا.
حكم فطر المسافر إذا سافر أثناء نهار رمضان
كان الصحابة حين ينشئون السفر، يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويخبرون أن ذلك سنته وهديه صلى الله عليه وسلم.
يقول محمد بن كعب: (أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا، وقد رحلت له راحلته وقد لبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنّة؟ قال: سنّة، ثم ركب) أخرجه الترمذي
وهو مذهب الحنابلة، وقول المزني من الشافعية، وقول طائفة من السلف، واختاره ابن المنذر، وابن عثيمين لعموم قوله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) [البقرة: 184]
فمن كان مريضا أو على سفر فأفطر، فعدة من أيام أخر، وهذا قد صار على سفر؛ فيصدق عليه أنه ممن رخص له بالفطر، فيفطر
وكما أن السفر أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما، فكما يبيح المرض الفطر أثناء النهار، فكذلك السفر.
أيهما أفضل للمسافر: الصوم أم الفطر؟
قال عمر بن عبد العزيز: أفضلهما أيسرهما عليه.
فمن كان يسهل عليه الصيام. والناس صائمون، ويشق عليه أن يقضي بعد ذلك، حيث يصوم والناس مفطرون، فالصوم في حقه أفضل، ومن شق عليه الصيام الآن كالمسافر في البر، ونحو ذلك، وسهل عليه القضاء، فالفطر له أفضل.
ثانيا/ المريض:
حكم إفطار المريض وما الواجب عليه:
أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض، مرضا عارضا ؛ لقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185)
ولكن ما المرض المبيح للفطر؟
إنه المرض الذي يزيده الصوم، أو يؤخر الشفاء على صاحبه، أو يجعله يتجشم مشقة شديدة، بحيث لا يستطيع أن يقوم بعمله الذي يتعيش منه ويرتزق منه، فمثل هذا المرض هو الذي يبيح الفطر، وذلك، أن الأمراض تختلف، فمنها مالا أثر للصوم فيه، كوجع الضرس وجرح الأصبع والدمل الصغير وما شابههما.
ومنها ما يكون الصوم علاجًا له، كمعظم أمراض البطن، من التخمة، والإسهال، وغيرها فلا يجوز الفطر لهذه الأمراض، لأن الصوم لا يضر صاحبها، بل ينفعه.
إذن المريض له أحوال:
الأول: ألا يتأثّر بالصوم، مثل الزكام اليسير، أو الصداع اليسير، ووجع الضرس، وما أشبه ذلك، فهذا لا يحلّ له أن يُفطر، وإن كان بعض العلماء يقول: يحلّ له للآية (ومن كان مريضاً) [البقرة/185]، ولكننا نقول: إن هذا الحكم معلّل بعلّة وهي أن يكون الفطر أرفق به، فحينئذ نقول له: الفطر أفضل، أما إذا كان لا يتأثّر فإنّه لا يجوز له الفطر ويجب عليه الصوم.
والحال الثاني: إذا كان يشقّ عليه الصوم، ولا يضرّه، فهذا يكره له أن يصوم، ويُسنّ له أن يُفطر.
الحال الثالث: إذا كان يشقّ عليه الصوم ويضرّه، كرجل مصاب بمرض الكلى أو مرض السكّر، وما أشبه ذلك ويضرّه الصوم، فالصوم عليه حرام، وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين والمرضى الذين يشقّ عليهم الصوم وربّما يضرّهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا، فنقول: إن هؤلاء قد أخطأوا حيث لم يقبلوا كرم الله عز وجل، ولم يقبلوا رخصته، وأضرّوا بأنفسهم، والله عز وجل يقول: (ولا تقتلوا انفسكم) [النساء/29]
هل يجوز للمريض أن يتصدق بدل الأيام التي أفطرها وهو مريض؟
المرض نوعان: مرض مؤقت يرجى الشفاء منه وهذا لا يجوز فيه فدية ولا صدقة، بل لابد من قضائه كما قال تعالى: (فعدة من أيام أخر)
أما المرض المزمن فحكم صاحبه كحكم الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا كان المرض لا يرجى أن يزول عنه، ويعرف ذلك بالتجربة أو بإخبار الأطباء فعليه الفدية: إطعام مسكين.
وعند بعض الأئمة – كأبي حنيفة – يجوز له أن يدفع القيمة نقودًا إلى من يرى من الضعفاء والفقراء والمحتاجين. لمشروع للمريض الإفطار في شهر رمضان إذا كان الصوم يضرّه أو يشقّ عليه، أو كان يحتاج إلى علاج في النهار بأنواع الحبوب والأشربة ونحوها مما يؤكل ويشرب، لقول الله سبحانه (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته) وفي رواية أخرى (كما يحبّ أن تؤتى عزائمه)
ثالثا/ إفطار الكبير والمريض الذي لا يرجى شفاؤه:
يجوز للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ويشق عليه مشقة شديدة، ومثله المرأة العجوز طبعًا، يجوز لهما أن يفطرا في رمضان، ومثلهما كل مريض لا يرجى شفاؤه من مرضه، وهو المريض مرضًا مزمنًا، الذي قرر الأطباء أنه مستعص على العلاج، أو أنه مزمن معه، يجوز له أن يفطر، وهؤلاء إذا أفطروا عليهم فدية طعام مسكين عن كل يوم، رخصة من الله وتيسيرًا.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: رخص للشيخ الكبير أن يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه (رواه الدارقطني والحاكم وصححاه)
وروى البخاري عنه قريبًا من هذا: أن في الشيخ الكبير ونحوه نزل قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له) (البقرة: 184) أي من زاد عن طعام المسكين فهو أفضل وأبقى له عند الله.
فالشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يرجى برؤه من مرضه، كل هؤلاء لهم أن يفطروا ويتصدقوا عن كل يوم طعام مسكين.
ما حكم قضاء صاحب المرض الذي لا يرجى برؤه إذا عافاه الله؟
إذا أطعم صاحب المرض الذي لا يرجى برؤه عن كل يوم مسكيناً، ثم عافاه الله، فلا يلزمه القضاء؛ لأنه أدى ما عليه، وبرئت ذمته بذلك.
رابعا/ الحامل والمرضع:
أجمع الفقهاء على أن من حق كل منهما (الحامل والمرضع) أن تفطر، وفي هذا جاء حديث: إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم (رواه النسائي وابن ماجه).
ولكن ماذا عليهما، بعد أن تفطرا؟
أتعاملان معاملة المريض العادي، فيجب عليهما قضاء عدة من أيام أخر بعد أن تنتهي حالة الحمل والإرضاع؟
أم تعاملان معاملة الشيخ الكبير والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يرجى برؤه فتفديان وتطعمان عن كل يوم مسكينًا، أو تعفيان من الفدية أيضا؟
أم يختلف حكم الحامل عن حكم المرضع، وحكم من تخاف على نفسها، ومن تخاف على ولدها؟
وبناء على ذلك فقد اختلف العلماء في حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا على ثلاثة أقوال:
القول الأول: عليهما القضاء فقط، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وقال به من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
القول الثاني: إن خافتا على أنفسهما فعليهما القضاء فقط، وإن خافتا على ولديهما فعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد. وحكاه الجصاص عن ابن عمر رضي الله عنهما.
القول الثالث: عليهما الإطعام فقط، ولا قضاء عليهما. وقال به من الصحابة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وحكاه ابن قدامة في “المغني” (3/37) عن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما.
روى عبد الرزاق في مصنفه: أن ابن عمر سئل عن امرأة أتي عليها رمضان وهي حامل؟ قال: تفطر وتطعم كل يوم مسكينًا.
وروي عن ابن عباس: أنه كان يأمر وليدة له حبلى، أن تفطر في شهر رمضان، وقال: أنت بمنزلة الكبير لا يطيق الصيام، فأفطري، وأطعمي عن كل يوم نصف صاع من حنطة.
وعن سعيد بن جبير قال: تفطر الحامل التي في شهرها، والمرضع التي تخاف على ولدها، تفطران، وتطعم كل واحدة منهما، كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما.
قال الشيخ القرضاوي -رحمه الله- والذي أرجحه هو الأخذ بمذهب ابن عمر وابن عباس في شأن المرأة التي يتوالى عليها الحمل والإرضاع، وتكاد تكون في رمضان، إما حاملا، وإما مرضعا.
وهكذا كان كثير من النساء في الأزمنة الماضية، فمن الرحمة بمثل هذه المرأة ألا تكلف القضاء وتكتفي بالفدية، وفي هذا خير للمساكين وأهل الحاجة.
أما المرأة التي تتباعد فترات حملها، كما هو الشأن في معظم نساء زمننا في معظم المجتمعات الإسلامية، وخصوصًا في المدن.
والتي قد لا تعاني الحمل والإرضاع، في حياتها إلا مرتين أو ثلاثًا، فالأرجح أن تقضي كما هو رأي الجمهور.
إذ الحكم مبني على مراعاة التخفيف، ورفع المشقة الزائدة، فإذا لم توجد ارتفع الحكم معها، إذ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
هل يصح للمرأة الحامل أن تفطر في رمضان إذا خافت على جنينها أن يموت؟
نعم.. لها أن تفطر.. بل إذا تأكد هذا الخوف أو قرره لها طبيب مسلم ثقة في طبه ودينه، يجب عليها أن تفطر حتى لا يموت الطفل، وقد قال تعالى :(ولا تقتلوا أولادكم) (الأنعام: 151، والإسراء: 31)، وقد جاء عن ابن عباس أيضًا أن الحامل والمرضع ممن جاء فيهم (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).
وإذا كانت الحامل والمرضع تخافان على أنفسهما فأكثر العلماء على أن لهما الفطر وعليهما القضاء فحسب.. وهما في هذه الحالة بمنزلة المريض.
أما إذا خافت الحامل أو خافت المرضع على الجنين أو على الولد، نفس هذه الحالة اختلف العلماء بعد أن أجازوا لها الفطر بالإجماع هل عليها القضاء أم عليها الإطعام تطعم عن كل يوم مسكينًا، أم عليها القضاء والإطعام معًا، اختلفوا في ذلك
فابن عمر وابن عباس يجيزان لها الإطعام
وأكثر العلماء على أن عليها القضاء
والبعض جعل عليها القضاء والإطعام
وقد يبدو لي أن الإطعام وحده جائز دون القضاء، بالنسبة لامرأة يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فهي في سنة حامل، وفي سنة مرضع، وفي السنة التي بعدها حامل.. وهكذا.. يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فإذا كلفناها قضاء كل الأيام التي أفطرتها للحمل أو للإرضاع معناها أنه يجب عليها أن تصوم عدة سنوات متصلة بعد ذلك، وفي هذا عسر، والله لا يريد بعباده العسر.
خامسا/ من غلبه الجوع والعطش وخاف الهلاك
ومن أصحاب الأعذار من يجب عليه الفطر وجوبًا، ولا يكون مجرد رخصة.
قال العلماء: من غلبه الجوع والعطش فخاف الهلاك لزمه الفطر، وإن كان صحيحًا مقيمًا، لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (النساء: 29ويلزم القضاء كالمريض
حكم أصحاب الأعمال الشاقة وأن الأصل هو وجوب الصوم عليهم، فإن استطاعوا أن يجعلوا عملهم بالليل فعلوا وإلا فليبحثوا عن عمل لا يشق عليهم الصوم معه، فإن لم يكن لهم بد من هذا العمل فالواجب عليهم أن يبيتوا نية الصوم فلا يفطروا فإن تضرروا بالصوم فلهم أن يفطروا بقدر ما يدفعون به الضرر عن أنفسهم، ثم عليهم قضاء ما يفطرونه من الأيام عند قدرتهم على ذلك.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن صيام شهر رمضان فرض على كل مكلف وركن من أركان الإسلام ، فعلى كل مكلف أن يحرص على صيامه تحقيقا لما فرض الله عليه ، رجاء ثوابه وخوفا من عقابه دون أن ينسى نصيبه من الدنيا ، ودون أن يؤثر دنياه على أخراه ، وإذا تعارض أداء ما فرضه الله عليه من العبادات مع عمله لدنياه وجب عليه أن ينسق بينهما حتى يتمكن من القيام بهما جميعا ، ففي المثال المذكور في السؤال يجعل الليل وقت عمله لدنياه، فإن لم يتيسر ذلك أخذ إجازة من عمله شهر رمضان ولو بدون مرتب ، فإن لم يتيسر ذلك بحث عن عمل آخر يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين ولا يؤثر جانب دنياه على جانب آخرته ، فالعمل كثير ، وطرق كسب المال ليست قاصرة على مثل ذلك النوع من الأعمال الشاقة ، ولن يعدم المسلم وجها من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام بما فرضه الله عليه من العبادة بإذن الله، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا . {الطلاق:2، 3}.
فإذا لم يتيسر له شيء من ذلك كله واضطر إلى مثل ما ذكر في السؤال من العمل الشاق صام حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج، ثم يمسك، وعليه القضاء في أيام يسهل عليه فيها الصيام. انتهى.
كيفية قضاء رمضان
ومن كان عليه صيام أيام من رمضان، أفطر فيه بعذر، كالمريض والمسافر والحائض، والنفساء، ومن شق عليه الصوم، مشقة شديدة، فأفطر، والحامل والمرضع، عند من يرى عليهما القضاء، فينبغي له أن يبادر بقضاء ما فاته بعدد الأيام التي أفطر فيها، تبرئة لذمته، ومسارعة إلى أداء الواجب، واستباقًا للخيرات.
أما المريض والمسافر فقضاؤهما ثابت بالقرآن: (فعدة من أيام أخر) وأما قضاء الحائض والنفساء، فهو ثابت بالسنة، عن عائشة: كنا نحيض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
ولا يأثم بالتأخير مادام في نيته القضاء لأن وجوب القضاء على التراخي، حتى كان له أن يتطوع قبله على الصحيح.
ويدل على ذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون علىَّ الصيام من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان) متفق عليه
وكذلك من أفطر بغير عذر من باب أولى، كمن أفسد صومه عامدًا، بما يوجب الكفارة، كالجماع، أو بما لا يوجب الكفارة، كالأكل أو الشرب، عند أكثر الفقهاء فعليه القضاء أيضًا، كما بينا ذلك في موضعه.
ويجوز أن يكون قضاء رمضان متتابعًا وهو أفضل، أو أن يقضيه مفرقًا، وهو قول جمهور السلف والخلف.
لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه فيه، فأما بعد انقضاء رمضان، فالمراد صيام عدة ما أفطر، ولهذا قال تعالى: (فعدة من أيام أخر) ولم يشترط فيها تتابعا.. بل قال بعدها: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ومن أفطر في قضاء رمضان متعمدًا ولو بالجماع فلا كفارة عليه، وإنما عليه يوم مكان يوم، وذلك لأن الأداء متعين بزمان له حرمة خاصة، فالفطر انتهاك له، بخلاف القضاء، فالأيام متساوية بالنسبة إليه.
ما حكم من أفطر أثناء صيام القضاء؟
من كان يصوم صيام قضاء، وأفطر لعذر معين، كأن يكون دعي إلى طعام ، أو لسبب آخر ، فالواجب عليه قضاء ما أفطره دون إثم أو ذنب.
فإن أفطر بلا عذر كان خلاف الأولى ، ولا يجب عليه إلا صيام يوم قضاء لليوم الذي أفطره .
وكذلك الحال فيمن أفطر وكان صائما صيام تطوع ، استحب له صيام يوم مكانه ، وقيل بالوجوب ، والاستحباب أظهر وأرجح.
عن أم هانئ : أن رسول الله ﷺ دخل عليها فدعا بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت ، فقالت : يا رسول الله أما إني كنت صائمة ؟ فقال رسول الله ﷺ: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ) رواه أحمد والترمذي .
قال ابن المنير : ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى : { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } [محمد:33]
وقال ابن عبد البر : من احتج في هذا بقوله تعالى : . { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } فهو جاهل بأقوال أهل العلم ، فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال : لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله .
وقال آخرون : لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر ، ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يفرض الله عليه ، ولا أوجب على نفسه بنذر أو غيره لامتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك.
ما حكم تأخير قضاء رمضان حتى يدخل رمضان الثاني؟
اتفق الأئمة على أنه يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضي تلك الأيام قبل مجيء رمضان التالي.
واستدلوا على ذلك بما ورد عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري ومسلم
قال الحافظ ابن حجر: وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ اهـ
فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون التأخير بعذر، كما لو كان مريضاً واستمرَّ به المرض حتى دخل رمضان التالي، فهذا لا إثم عليه في التأخير لأنه معذور. وليس عليه إلا القضاء فقط. فيقضي عدد الأيام التي أفطرها.
الحال الثانية: أن يكون تأخير القضاء بدون عذر، كما لو تمكن من القضاء، ولكنه لم يقض حتى دخل رمضان التالي.
فهذا آثم بتأخير القضاء بدون عذر، واتفق الأئمة على أن عليه القضاء، ولكن اختلفوا هل يجب مع القضاء أن يطعم عن كل يوم مسكيناً أو لا؟
فذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد أن عليه الإطعام، واستدلوا بأن ذلك قد ورد عن بعض الصحابة كأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم.
وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يجب مع القضاء إطعام، واستدل بأن الله تعالى لم يأمر مَنْ أفطر من رمضان إلا بالقضاء فقط ولم يذكر الإطعام، قال الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185.
وهذا القول الثاني اختاره الإمام البخاري رحمه الله، قال في صحيحه:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ -يعني: النخعي-: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ. ثم قال البخاري: وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهو يقرر عدم وجوب الإطعام: وأما أقوال الصحابة فإن في حجتها نظراً إذا خالفت ظاهر القرآن، وهنا إيجاب الإطعام مخالف لظاهر القرآن، لأن الله تعالى لم يوجب إلا عدة من أيام أخر، ولم يوجب أكثر من ذلك، وعليه فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل تبرأ به الذمة، على أن ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم يمكن أن يحمل على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب، فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يلزمه أكثر من الصيام إلا أنه يأثم بالتأخير. اهـ الشرح الممتع (6/451).
وعلى هذا فالواجب هو القضاء فقط، والأخذ بما جاء عن الصحابة على سبيل الاستحباب، لا الوجوب، فهو نوع من جبر التقصير بالصدقة، وهو أمر مندوب إليه، أما الوجوب فيحتاج إلى نص من المعصوم ولم يوجد.
ما حكم قضاء ما فات من رمضان في شعبان؟
قضاء رمضان واجب وجوب موسع، وقد كانت تفعل ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه، فقد كانت كثيرًا ما يفوتها بعض أيام من رمضان، فتقضيها في شعبان.. وذلك لا حرج فيه، وإن كان هناك اشتباه لدى بعض الناس في هذا الأمر، فهذا لا أساس له من الشرع.. إذ كل الشهور يمكن أن تكون محلاً لقضاء ما فات من رمضان.
ولكن هب أن إنسانًا كان مريضًا في شهر رمضان الماضي، وحتى الآن، وقد وافاه رمضان التالي وهو على حاله من المرض، لا يستطيع قضاء ما فاته إلا بمشقة شديدة وحرج وإعنات.
ومثل هذا يبقى ما فاته من صيام رمضان دينًا مؤجلاً عليه إلى ما بعد رمضان، حين يستعيد صحته ومقدرته على الصيام، ولا حرج عليه في ذلك، فالله تعالى ختم آية الصوم بقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). (البقرة: 185).
ما حكم من مات وعليه صيام؟
إذا مات المريض أو المسافر، وهما على حالهما من المرض والسفر، لم يلزمهما القضاء، لعدم إدراكهما عدة من أيام أخر.
وإن صح المريض، وأقام المسافر، ثم ماتا، لزمهما القضاء بقدر الصحة والإقامة لإدراكهما العدة بهذا المقدار.
ومعنى اللزوم هنا أنه أصبح في ذمته، وتبرأ ذمته بأحد أمرين:
- إما بصيام وليه عنه، لحديث عائشة في الصحيحين مرفوعا: من مات وعليه صيام، صام عنه وليه متفق عليه
فصيام الولي عن الميت من باب البر به لا الوجوب عليه، ويؤيد ذلك ما رواه الشيخان، عن ابن عباس: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفاقيه عنها؟ قال: نعم فدين الله أحق أن يقضى
ومن المعلوم أن الإنسان ليس مُطالبًا بقضاء دين غيره إلا من باب البر والصلة، لأن الأصل براءة الذمم، وأن المكلف غير ملزم بأداء ما يثبت في ذمة غيره.
فالصحيح جواز الصيام عن الميت لا وجوبه، وبه تبرأ ذمة الميت.
- وإما بالإطعام عنه، أي بإخراج طعام مسكين من تركته وجوبًا، عن كل يوم فاته لأنه دَيْن لله، تعلق بتركته، ودَيْن الله أحق أن يقضى.
متى يجوز إخراج كفارة الإفطار في رمضان وكيف نقدرها؟
اختلف العلماء في حكم تعجيل فدية الشيخ الكبير العاجز عن الصوم والمريض مرض مزمن من أول الشهر أو وسطه، وإخراجها عما تبقى من الشهر كله، وذلك على قولين:
القول الأول: جواز التعجيل مطلقا في أول الشهر الفضيل، وليس قبله، وهو مذهب الحنفية
القول الثاني: لا يجوز تعجيل فدية يومين فأكثر، ويجوز تعجيل فدية يوم واحد فقط. وهو مذهب الشافعية.
وأقرب القولين في ذلك: هو القول الأول، الذي يجيز إخراج الفدية من أول شهر رمضان، فالفدية بدل مخفّف يجب على الكبير والمريض المزمن، والمناسب في البدل هو التخفيف والتيسير، وليس التقييد والتشديد.
وبناء عليه فإنه يجوز أن يدفع كفارة الأيام مقدمًا في أول الشهر، ويجوز أن يؤخرها في آخر الشهر، ويجوز في وسط الشهر، كما أنه يجوز أن يدفعها جملة واحدة، ويجوز أن يدفعها متفرقة انتهى.
اختلف الفقهاء في آخر وقت تدفع فيه فدية الهرم الكبير العاجز عن الصيام، وذلك على قولين:
القول الأول: الوقت على التراخي، ولا يُحد بآخر شهر رمضان، ولا حرج أن يخرج الفدية الواجبة عليه بعد شهر رمضان الفضيل.
وذلك لقول الله عز وجل: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. ولم يذكر وقتا محددا. فثبتت الفدية في الذمة واجبا متراخيا على السعة. لو أداه فيما يتطاول من السنين بعد ذلك: فلا حرج عليه.
وهو ما نص عليه فقهاء الحنفية والشافعية.
القول الثاني: أن الفدية واجب فوري، لا يجوز تأخيره. وهو مذهب الحنابلة.
والأظهر في ذلك، إن شاء الله: هو القول الأول؛ لما تدل عليه ظاهر الآية الكريمة، والتحديد بوقت لا بد له من دليل، ولا دليل هنا على التقييد.
وبهذا يظهر أن مذهب الحنفية في هذا الباب هو الأقرب في كلتا المسألتين، وهو التوسع في دفع الفدية، سواء أول الشهر، أو آخره، أو بعده.
تقدير الفدية:
يكون على حسب تقدير وجبة وسط لا مرتفعة الثمن ولا رخيصة على حسب معيشة الشخص الذي سنخرج عنه الفدية
وهي تتراوح ما بين 10$ إلى 20$ بكندا، وكل واحد أدرى بحاله ما بين عسر ويسر.
هل تستأذن زوجها في قضاء رمضان؟
يجب على الزوجة أن تستأذن زوجها في صيام النافلة، ولا يجب عليها أن تستأذنه في صيام رمضان، أما قضاء رمضان فإنه صيام واجب ووقته موسع فأشبه صيام رمضان من وجه وصيام النافلة من وجه آخر وهو عدم تعيين وقته، فيجب عليها استئذان زوجها إذا كان الوقت واسعا كما هو الحال هذه الايام، أما إذا كان ضيقا بحيث لم يبقَ على دخول رمضان إلا أيام بعدد أيام ما عليها من قضاء فلا يجب عليها أن تستأذنه.