قوانين السعادة
(13)السعادة في تجنب الفتن

عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، قالها النبي ثلاثا ) رواه أبو داوود في سننه
ما معنى الحديث :
من أسباب السعادة أن يرزقك الله سبحانه وتعالى التوفيق في الطاعة، ويجنبك الوقوع في الفتن.
ما هي الفتن؟
الفتن مصدرها في نوعين:
- فتن الشهوات.
- وفتن الشبهات.
وكلاهما مذكور في القرآن، قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]، فهذا مرض الشهوة.
وقال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا} [البقرة: 10]، وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 125]، فهذا مرض الشبهة، وهو أشد من مرض الشهوة، ففتنة الشُّبْهَة أخطر؛ لأنها إذا تمكنت في القلب قل أن ينجو منها أحد، لاعتقاده أنه على الصواب والمخالف هو المخطئ.
أولا/ فتن الشهوات
الشهوات لغةً:جمع “شهوة”، وهي: ميل النفس إلى ما تُحبّه وتميل إليه من متاع الدنيا، كالمال والنساء والطعام والمنصب ونحو ذلك.
واصطلاحًا:هي: ما يبتلي الله به عباده من الميل إلى المعاصي بسبب رغبات النفس وملذّاتها، مما يصرفهم عن طاعة الله واتباع أمره.
وتدخل فيها: فتنة النساء، فتنة المال، فتنة الجاه، والمنصب، التعلق بالدنيا وزينتها، حب الراحة والكسل عن العبادات.
قال تعالى : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذٰلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ([آل عمران: 14]
وفتنة الشهوات سببها تقديم الهوى على طاعة الله ومرضاته، كمن يقع في العشق المحرم، ومن يتلذذ بشرب المسكرات، أو يجمع الأموال بالربا.
يقول ابن القيم: دخل الناس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكًا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه .[1]
وقيل: الشهوة هي توقان النفس وميل الطباع إلى المشتهى وليست من قبيل الإرادة، قال الراغب الأصفهاني: أصل الشهوة نزوع النفس إلى ما تريده،
فالشهوات أغراض متعلقة بحاجة الجسد تفصح عنها النفس راغبة فيها، والمسلم لا يشبع إلا شهواته الصادقة بالحلال، ومن لم يراع الحلال والحرام في إشباع شهواته، أو سعى خلف الشهوات الكاذبة؛ فهو ممن يتبع الشهوات الذين ذمهم الله تعالى بقوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)} [مريم: 59- 60].
ثانيا/ فتنة الشبهات
الشُّبْهَة لغة هي: الالتباس والاختلاط، ومحلها العقل وطريقة التفكير وليس الجسد ورغبات النفس.
وفي الاصطلاح: التباس الحق بالباطل واختلاطه حتى لا يتبين.
وإنما سميت الشبهة شبهة، لأنها تشبه الحق والباطل، ليست بحق واضح، ولا باطل لا شك فيه، هي بين ذلك .
وقد عرفها ابن القيم رحمه الله فقال: الشُّبهة: وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق. [2]
والشبهة نوعان: عارضةٌ ومفتعَلة.
أما العارضة؛ فما يعترض العقل من فهمٍ لبعض مسائل الدين، وجلاؤها بالعلم أو بسؤال أهل العلم، ومنه قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
وأما المفتعلة؛ فما يثيره أعداء الدين من المسائل بقصد تشويه عقول المسلمين حول مسائل الايمان والشريعة، وعلاجها يكون أولًا بتجنب الاستماع إلى من في قلوبهم زيغ، وثانيًا بتدبر القرآن الكريم؛ ففيه الإجابة عن كل شبهة تثار حول الايمان والدين، قال الله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33]، وقال أيضًا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
والشبهة والاشتباه ما كان دون الدليل والقرينة الصحيحة، لهذا لا تصلح أن تكون دليلًا على الشيء، أو يبنى عليها حكم أو تصور، وإذا اختلط الدليل بشبهة فلا يُعتدُّ به إلا بزوالها.
والشبهة في الشرع: ما التبس أمره فلا يدرى أحلال هو أم حرام، وحق هو أم باطل، ومن الورع تركه حتى يتبين الحكم الصحيح فيه، وهو الذي أمرنا نبينا ﷺ باجتنابه بقوله: «الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات: كراع يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» أخرجه البخاري
ما الفرق بين الشهوات والشبهات؟
الشبهة يتدين بها صاحبها، وتبقى في نفسه، وتترسخ في فكره وقناعته، بخلاف الشهوة التي تطرأ وتزول، ويقر مقترفها في خاصة نفسه بقبحها وحرمتها، ولكن غلبه هواه ونفسه الأمارة بالسوء، وهو قد يندم ويتوب ويستغفر ويأتي بالحسنات المكفرة.. الصلاة إلى الصلاة مكفرات، رمضان إلى رمضان مكفرات، العمرة مكفرة، الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
قال ابن القيم رحمه الله: الفتنةُ نوعان: فتنة الشبهات -وهي أعظم الفتنتين-، وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما.
ففتنةُ الشبهات من ضعفِ البصيرة وقلَّة العلم، ولا سيَّما إذا اقترنَ بذلك فسادُ القصد وحصولُ الهوى، فهنالك الفتنةُ العُظمى والمصيبةُ الكبرى، فقل ما شئتَ في ضلالِ سيءِ القصد الحاكم عليه الهوى لا الهُدى، مع ضعف بصيرته وقلَّة علمه بما بعثَ اللهُ به رسولَه، فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23]
وقد أخبر الله سبحانه أن اتباعَ الهوى يُضِلُّ عن سبيل الله؛ فقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
وهذه الفتنة مآلُها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنةُ المنافقين وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم.
ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد إتباع الرسول وتحكيمه في دق الدين وجله، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقهِ وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، وما يثبته لله من الصفات والأفعال والأسماء وما ينفيه عنه، كما يتلقى عنه وجوب الصلوات وأوقاتها وأعدادها، ومقادير نصب الزكاة ومستحقيها، ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة، وصوم رمضان؛ فلا يجعلُه رسولًا في شيءٍ دون شيءٍ من أمور الدين؛ بل هو رسول في كل شيءٍ تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل، لا يُتلقَّى إلا عنه، ولا يُؤخَذ إلا منه.
وأما النوع الثاني من الفتنة: ففتنةُ الشهوات، وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتَيْن في قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ} [التوبة: 69]
أي: تمتَّعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخَلاَق: هو النصيبُ المُقدَّر، ثم قال: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}، فهذا الخوضُ بالباطل، وهو الشُّبُهات.
فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصُلُ به فسادُ القلوب والأديان من الاستمتاعِ بالخَلاقِ والخوض بالباطل؛ لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلُّم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح؛ فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسقُ الأعمال..
وأصلُ كل فتنةٍ إنما هو من تقديم الرأيِ على الشرع، والهوى على العقل؛ فالأولُ: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصلُ فتنة الشهوة.
ففتنةُ الشُّبُهات تُدفَع باليقين، وفتنةُ الشهوات تُدفَعُ بالصبر، ولذلك جعل سبحانه إمامةَ الدين منوطةً بهذين الأمرين؛ فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فدلَّ على أنه بالصبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين.
فبكمال العقل والصبر تُدفَعُ فتنةُ الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تُدفَعُ فتنةُ الشُّبهة، والله المستعان. [3]
علاج فتن الشبهات والشهوات
أولا / علاج فتنة الشبهات:
1- عدم الاستماع للشبهات أو مجالسة أصحابها:
فإذا كانت الشبهة من جليس سوء فابتعد عنه وإياك أن تجلس معه؛ لأن الله أمرك أن تقوم إذا ذكر الله بما لا يليق به في مجالس الظالمين {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]؛ فلا يجوز للإنسان أن يجلس في المجالس التي تثار فيها الشبه ويضعف فيها الإيمان، ومثل ذلك القنوات والمواقع والصفحات التي تعرض الشبهات .
وهذه الفتنة صارت شرا مستطيرا في زماننا ؛ فكل من أحب أن يشتهر يلقي بشبهة على أسماع الناس وصار الموضوع (أكل عيش)
شخص عمله: ملحد- والعياذ بالله- كنا قديما نسمع عن شخص يعمل مهندس دكتور مدرس ؛ أما الآن في مهنة جديدة اسمها ملحد يخرج على القنوات وعلى وسائل التواصل ويروج للإلحاد.
وآخر اسمه مفكر إسلامي؛ وهو لا يعرف شيئا عن الإسلام، ولم يفهم في الاسلام، فيخرج يشكك في الإسلام، وفي آيات القران وفي السنة المطهرة، وهؤلاء هم الذين تفسح لهم المجالات الإعلامية ليعرفوا ويسمع لهم.
وتبلغ الجرأة ببعضهم مبلغا كبيرا لم نكن نسمع به من قبل فيقول: أنا غير مقتنع بهذه الآية، أنا غير مقتنع بهذا الحديث، أنا أرفض هذه الآية، أنا أرفض هذا الحديث!! كلام والعياذ بالله يخرج من الملة.
وقد قال الله في شأن بعض المنافقين (سماعون للكذب) فإذا عرض لك مقطعا من هذه المقاطع فلا تكمله لأنه مضيعة للوقت، وفتنة؛ بل إن كثيرا ممن سلكوا طريق الإلحاد كانت البداية طريق الشبهات، وتأمل معي قول الحق تبارك وتعالى: “وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا” (سورة الإسراء: 73-74).
هذا رسول الله ﷺ !! والله يقول له (لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) ولذلك لا تظن نفسك وأنت تسمع هذه الشبهات أنك ستنجو؛ لأن هذه الشبهات والعياذ بالله لها غبار يصيب قلب المؤمن، وأنت لست معصوم، قد يُقذف في قلبك بالشبهة فلا تخرج منه فتقع في الضلالة.
نسأل الله العفو والعافية.
وأذكر أن أحد علمائنا قال لي: “وأنت تذكر الشبهة لا تعرضها بالتفصيل، لأنك ستجد قلوبا تتلقفها، وذكّر الناس بالأصل وهو الدين الواضح، الصراط المستقيم.
وقال ابن القيم: قال لي شيخ الإسلام، وقد جعلت أورد عليه إيرادًا بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بِها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمرُّ الشبهات بظاهرها ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه، ويدفعُها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها، صار مقرًّا للشبهات، -أو كما قال-، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك . [4]
2- علاج ضعف الإيمان:
فالشبهات ترد على الإنسان بضعف إيمانه، فعليك أن تأخذ بالأسباب التي تزيد في الإيمان، ومن أعظم ذلك تلاوة القرآن وتدبره، أن تختار لتلاوة كتاب الله أنسب الأوقات، وأن تقبل على كلام الله وأنت تحس كأن الله يخاطبك، وكأن الله يناديك، وكأن الله يوصيك، فإذا استشعرت بهذا الشعور دخلت الآية إلى سويداء قلبك وتغلغلت إلى جنانك وكان لها أطيب الأثر على جوارحك وأركانك، وكف الله بها عنك الوساوس والشكوك، القرآن فيه الحجج وفيه الآيات، وهذه الحجج والآيات تقوي القلب، وتجعل فيه الحصانة والقوة من هذه الشبهات التي ترد على القلب.
3-سؤال الله أن يصرفها عنه:
فعلى المؤمن أن يدعو الله أن يصرفها عنه، وأن يثبته على الإيمان الذي يحول بينه وبين هذه الشبهات، وأن يستعيذ بالله جل وعلا، لأن الله يقول في كتابه: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36]، فأمر الله بالاستعاذة إذا حصلت الشبهة، فأكثر من الاستعاذة فإن الله يعيذ من استعاذ.
والرسول ﷺ قال: (تعوذوا بالله من الفتن) اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدعو: (اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.)
4- العلم الشرعي الصحيح:
والله عز وجل أمتن على عباده بنعم كثيرة، ومن أفضل وأعظم ما يمنَ الله تعالى به على عبده هو العلم النافع، لأن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا؛ وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر، وضابط العلم النافع هو ما أزال عن القلب شيئين:
الأول: الشبهة، والثاني: الشهوة.
لأن الشبهات تورث الشك، وأما الشهوات فتورث درن القلب وقسوة القلب، وتثبط البدن عن الطاعات.
إذا أزال العلم النافع الشبهة والشهوة حل محل الأول اليقين الذي هو ضد الشك، وحل محل الثاني الإيمان التام الذي يوصل العبد لكل مطلوب المثمر للأعمال الصالحة.
وكلما ازداد الإنسان علمًا حصل له كمال اليقين وكمال الإرادة وكمال الخشية قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: 28]
وإذا كان العلم بهذه المنزلة وبهذه المثابة فإنه ينبغي للإنسان أن يحرص على طلبه، وأن يستزيد من طلب العلم، ولذلك لم يسأل النبي ﷺ المزيد من شيء إلا من العلم قال الله عز وجل: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]
5- الرجوع لعلمائنا الثقات:
فنحن عندنا النص من القرآن أو السنة ودلالة النص ، ما دلالة كلام الله أو كلام رسول الله؟
فإذا جاء من يقول: قال الله تعالى وقال رسول الله، نقول له: تعال لنرى ماذا قال علماء التفسير، وماذا قال علماء الحديث، وماذا قال فقهاؤنا الأعلام؛ فنرد الأمر إلى علمائنا.
والإسلام علمنا احترام التخصص فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [الأنبياء:7]
في مسألة صحية اسأل الأطباء، وفي مسألة قانونية اسمع لمحامي، ولو مسألة في الضرائب اسمع لمحاسب، وهكذا لو مسألة شرعية اسمع لعالم .
وفي الحديث عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعا بلفظ : ( إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) صححه الألباني في ” صحيح سنن أبي داود ” .
والمقصود بالأئمة المضلين : الأئمة المتبوعون الذين يضلون الناس عن سبيل الله ، فيدخل في ذلك : الحكام الفسدة ، والعلماء الفجرة ، والعباد الجهلة .
ومعنى الحديث : أن الأئمة المضلين من أشد ما يخاف النبي ﷺ على أمته ، حتى إنهم أخوف عنده على أمته من الدجال؛ لأن الدجال كذاب أعور ويقول أنا ربكم ومكتوب بين عينيه كافر يقرأها كل مسلم قارئ وغير قارئ ، فشكله يخبر عن كذبه، لكن إذا كان الدجال شيخا بلحية أو شيخا معمما بلقب أستاذ دكتور بروفسور علامة الخ هذه الألقاب، وهو إمام ضال مضل فهذا فتنته أشر من فتنة المسيح الدجال.
6- تلقى الأخبار الإلهية باليقين:
أخبرنا الله عن نفسه، وجنته وناره، والبعث، والملائكة، والجن.. فهل أحد أصدق من الله تعالى؟ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115]، صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام، لا مبدل لكلمات الله.
فعلينا أن نتلقى الأخبار الإلهية باليقين، واليقين هو منتهى درجات التصديق، أي أن يستيقن القلب ويثبت ويطمئن على هذا الكلام أنه حق، فالله يقول في القرآن الكريم: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23] (الحق) البعث.
ويقول في آية أخرى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس: 53]، إنه حق: أي البعث.
ويقول: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7]، إن كان مستحيلًا بالنسبة لكم فهو يسير عند الله.
ثانيا/ علاج فتنة الشهوات
1- البعد عن أسبابها:
كل الأسباب التي تثير الشهوة ابتعد عنها، غض البصر عن الحرام، وعن استماع الفحش والآثام، وابتعد عن أماكن الفتن؛ فإن ذلك يعصم الله به قلبك، فإن الإنسان إذا حفظ سمعه وبصره صانه الله عن الشهوات، ولم يجد الشيطان عليه سبيلًا أن يعلق قلبه بها.
2- علاج ضعف الإيمان:
خذ بالأسباب التي تزيد في إيمانك حتى تقوى على البعد من الشهوات، وفي الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فأسالوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الحاكم.
3- تقوى الله عزوجل:
وبتقوى الله تعالى تنزاح الشهوات، فاستحضار مراقبة المولى عز وجل، ومخافة الله عز وجل، وكل ما يمكن أن تجمعه كلمة تقوى الله هي علاج الشهوات
4- أن نتسلح بسلاح الصبر:
الصبر على أوامر الله، والصبر عن المحرمات، والشجاعة كما يقولون: صبر ساعة، اصبر قليلًا، فأنت لو لم تصبر على مر التعلم لا يمكن أن تنجح، ولو لم تصبر على تعب السعي لا يمكن أن تجمع المال الذي يغنيك عن ذل السؤال، إذن لماذا لا تصبر على الدين؟
تصبر على كل شيء إلا على الدين، فلا بد من الصبر، ولهذا فإن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، ولا دين لمن لا صبر له، كما أنه لا حياة لمن لا رأس له.
وقد ذكر الله تعالى في القرآن الصبر في أكثر من تسعين موضعًا، وأمر الله به، وأمر به الرسول، يقول الله للرسول: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]، {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 96]، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]
5- الاستعاذة بالله من الفتن:
فإن الاستعاذة من مضلات الفتن مشروعة ، كما في حديث زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي “ﷺ: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال. رواه مسلم.
وسيدنا عمر كان يدعو اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
الخلاصة :
- السعيد من جنب الفتن.
- اعتصم بالكتاب والسنة.
- اغلق أذنك عن سماع الفتن والشبهات فربما تسمع الشبهة فتسبب لديك وسواس وشك وتظل هكذا حائرا لا تستطيع لها جوابا.
- رد الأمر للعلماء العاملين العالمين بالكتاب والسنة.
- الدعاء أن يثبتك الله على الحق.
فمن أراد السعادة والسلامة لدينه ودنياه وآخرته فليتجنب الفتن.
[1] الفوائد لابن القيم (ص: 58).
[2] مفتاح دار السعادة (1/ 140).
[3] إغاثة اللهفان (2/ 165- 167).
[4] مفتاح دار السعادة (1/ 140).