(5) أركان الصيام

تاريخ الإضافة 5 يناير, 2025 الزيارات : 4877

(5) أركان الصيام

للصيام ركنان تتركب منهما حقيقته:

الركن الأول: الامساك عن المفطرات:

 من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقول الله تعالى ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]

والمراد بالخيط الابيض، والخيط الاسود بياض النهار وسواد الليل.

لما رواه البخاري ومسلم: أن عدي بن حاتم قال: لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار.

ونعني بالأول: الإمساك عن شهوات الطعام والشراب والمباشرة وما في حكمها طوال يوم الصوم.

والمراد بما في حكم الطعام والشراب: الشهوات التي اعتادها بعض الناس وإن لم تكن طعامًا، ولا شرابًا، مثل التدخين، الذي يراه المبتلون به أهم من الأكل والشرب، فهو ممنوع في الصوم سواء كان عن طريق السيجارة، أو الشيشة، أو غيرها، وهذا بإجماع علماء المسلمين في أقطار الأرض، لأنه من أشد الشهوات التي يجب فطام الأنفس عنها في الصيام.

ويدخل في حكم الأكل والشرب: كل ما يتناول قصدًا بالفم، ويصل إلى المعدة، وإن لم يكن مشتهي ولا مستلذًا به، مثل أنواع الأدوية التي تتناول بالفم شربًا أو امتصاصًا، أو ابتلاعًا، وهذا أمر مجمع عليه.

وإذا كان المسلم في حاجة حقيقية إلى شيء من هذه الأدوية، فهو مريض يسعه أن يفطر بإذن الشارع نفسه، ولا حرج عليه ولا جناح.

كما يدخل في حكم المباشرة: إنزال المني بطريق اختياري كالاستمناء والنظر المتعمد المتكرر والتلذذ باللمس والقبلة والعناق ونحوها، مما يعتبر مقدمات للاتصال الجنسي، فإذا أنزل بإحدى هذه الطرق أفطر.

الركن الثاني: النية: 

النية في الصيام وفي كل عبادة فريضة لا بد منها.

والمراد بالنية هنا: أن يقوم بالعبادة امتثالاً لأمر الله تعالى، وتقربًا إليه.

فقد يمسك بعض الناس عن الطعام والشراب من الفجر إلى المغرب، ولما هو أكثر، ولكن بقصد الرياضة ونقص الوزن وما شابه ذلك.

وقد يمسك آخرون احتجاجًا علي أمر معين، وتهديدًا بالقتل البطيء للنفس كما يفعل ذلك كثيرًا المضربون عن الطعام في السجون والمعتقلات، وغيرها.

فهؤلاء ليسوا صائمين الصيام الشرعي، لأنهم لم ينووا ولم يقصدوا بإمساكهم وجوعهم وحرمانهم وجه الله تعالى، وابتغاء مثوبته.

ولا يقبل الله عبادة إلا بنية.

لقول الله تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ٥﴾ [البينة: 5]

وقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. وقال في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي) متفق عليه

فمن ترك الطعام والشهوة من أجل شيء غير الله تعالى، فلم يصم الصيام الشرعي.

التلفظ بالنية

والنية محلها القلب، لأنها عقد القلب على الفعل.

والتلفظ باللسان ليس مطلوبًا، ولم يأت في نصوص الشرع ما يدل على طلب التلفظ بها، لا في الصوم، ولا في الصلاة، ولا في الزكاة، إلا ما جاء في شأن الحج والعمرة.

والإنسان في شؤونه الدنيوية لا يتلفظ بما يونية، فيقول: نويت السفر إلى بلد كذا، أو نويت أن آكل كذا وكذا…. إلخ فكذلك أمور الدين.

ولهذا لا تُعد النية مشكلة بالنسبة للمسلم الملتزم بالصيام فهو بطبيعته ناوٍ له، مصمم عليه، ولو كلفته ألا يونية ما استطاع.

ومن دلائل نيته قيامه للسحور، وتهيئته له وإن لم يقم، وإعداده ما يلزم لفطور الغد، وترتيبه أعماله ومواعيده على وفق ظروف الصيام.

فلا داعي للإكثار من الكلام عن النية فهي حاضرة وقائمة لدى كل مسلم معتاد على الصوم.

إنما الذي يحتاج إليها هو من كان له عذر يبيح له الفطر، كالمريض والمسافر فيصوم حينًا، ويفطر حينًا، فإذا صام يحتاج إلى تجديد النية، ليتميز يوم صومه عن يوم فطره.

متى يجب إنشاء نية الصيام؟

في هذه المسألة للفقهاء:

القول الأول: قول جمهور الفقهاء على أن الواجب هو تبييت النية من الليل، أي إيقاعها في جزء من الليل قبل طلوع الفجر.

واستدلوا بحديث ابن عمر عن حفصة مرفوعًا: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له رواه أحمد وأصحاب السنن.

ومعنى يجمع: أي يعزم. يقال: (أجمعت) الأمر، إذا عزمت عليه.

القول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة جواز صوم رمضان بنية من الليل، وإلى نصف النهار (وقت الظهر)

وقالوا: بأن الحديث السابق مختلف في رفعه ووقفه وحسبنا أن البخاري وأبا داود والنسائي والترمذي وابن أبي حاتم صححوا وقفه (ذكر ذلك الحافظ في التلخيص المطبوع مع المجموع -304/6).

فلا يصلح إذن للاستدلال على وجوب تبييت النية.

حكم تجديد النية في كل يوم من رمضان

اختلف أهل العلم في اشتراط تجديد النية في كل يوم من رمضان على قولين:

القول الأول: يشترط تجديد النية لكل يوم من رمضان، وهو مذهب الجمهور: الحنفية، والشافعية، والحنابلة

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) فالنية يجب تجديدها لكل يوم؛ لأنه عبادة مستقلة مسقطة لفرض وقتها.

القول الثاني: أن ما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله، فإذا انقطع التتابع لعذر يبيحه، ثم عاد إلى الصوم؛ فإن عليه أن يجدد النية، وهو مذهب المالكية، وقول زفر من الحنفية، واختاره ابن عثيمين

وذلك لأن الصوم المتتابع كالعبادة الواحدة، من حيث ارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التفريق بينها؛ ولذا تكفي النية الواحدة، كما أن النية إذا لم تقع في كل ليلة حقيقة، فهي واقعة حكما؛ لأن الأصل عدم قطع النية

حكم تبييت النية في صوم القضاء

ما ذكر في صيام رمضان هو ما يذكر في صيام القضاء؛ فلا تصح نية قضاء رمضان بعد الفجر عند الجمهور؛ خلافا للحنفية ومثل القضاء النذر الذي لم يحدد له يوم معين، وكذلك صيام الكفارات.

حكم تبييت النية في صيام التطوع

وأما صوم التطوع؛ فقد اختلف أهل العلم في اشتراط تبييت النية له على قولين:
الأول: قول الجمهور وهو عدم اشتراط ذلك.

وإنما اشترطوا ألا يكون قد حصل منافٍ للصوم من لدن طلوع الفجر إلى وقت إنشاء نية الصوم.

 واستدلوا بحديث عائشة في صحيح مسلم والسنن قالت: دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذن صائم. ثم أتانا يوماً آخر فقلنا يا رسول الله: أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل.

القول الثاني: اشتراط تبييت النية في الفرض والنفل على حد السواء، وهو قول المالكية:

ودليلهم ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وأصحاب السنن عن أم المؤمنين حفصة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له.

وقد سبق ترجيح أن هذا الحديث موقوف، أي من قول الصحابي وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

وقت النية من النهار في صيام التطوع

يجوز لمن أراد الصيام أن ينوي صيام التطوع أثناء النهار، سواء قبل الزوال أو بعده، إذا لم يتناول شيئا من المفطرات بعد الفجر، وهذا مذهب الحنابلة، وقول عند الشافعية، وقول طائفة من السلف واختاره ابن تيمية، وابن عثيمين

لعموم ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذا صائم) ولأنه لما كان الليل محلا للنية في صوم الفريضة، واستوى حكم جميعه، ثم كان النهار محلا للنية في صوم التطوع؛ وجب أن يستوي حكم جميعه.

وبناء عليه من أنشأ نية الصوم أثناء النهار؛ فإنه يكتب له ثواب ما صامه، من حين نوى الصيام فحسب، وهذا مذهب الحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين، لأن الإمساك كان في أول النهار بغير نية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فكيف يثاب على إمساك لم يقصده ولم ينوه؟ وإنما يثاب فيما ابتغى به وجه الله تعالى.

متى يلزم الإمساك؟ وحكم من كان الإناء في يده عند سماع الأذان؟

الواجب في الصوم الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس. قال الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)

وعليه: فمن علم طلوع الفجر الصادق بالمشاهدة، أو بإخبار غيره، لزمه الإمساك.

ومن سمع الأذان، لزمه الإمساك فور سماعه، إن كان المؤذن يؤذن على الوقت، ليس متقدما عليه.

واستثنى بعض العلماء ما لو كان الإناء في يد الإنسان عند سماع الأذان فله أن يشرب منه حاجته؛ لما روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) قال الألباني في صحيح أبي داود: إسناده حسن صحيح.

وغالب المؤذنين اليوم يعتمدون على الساعات والتقاويم، لا على رؤية الفجر، وهذا لا يعتبر يقينا في أن الفجر قد طلع، فمن أكل حينئذ، فصومه صحيح، لأنه لم يتيقن طلوع الفجر، والأولى والأحوط أن يمسك عن المفطرات عند سماع الأذان عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه)


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 9 يناير, 2025 عدد الزوار : 13996 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين