قوانين السعادة
12-السكينة من وسائل السعادة
قانون اليوم الذي سنتعرض له هو: ( السكينة)
تعريف السكينة :
السكينة من السكون والسكون ضد الحركة ، والمعنى هنا أن الإنسان حينما يأتيه أمر شاق أو صعب ، أو تفكير في مرحلة صعبة أو يصاب ببعض الابتلاءات يضطرب قلبه ، هذه مسألة فطرية فطرنا الله تعالى عليها (وخلق الإنسان ضعيفا) فمع اضطراب القلب تلجأ إلى الله فينزل الله عليك السكينة والطمأنينة فيهدأ قلبك.
الحاجة للسكينة:
فجعل الله الضعف في الإنسان ، وجبر هذا الضعف يكون باللجوء إلى الله ، فإذا وقع المسلم في ورطة أو شدة أو سيعمل عملية جراحية أو عنده امتحان أو عنده مقابله لوظيفة…. الخ، يلجأ إلى الله لأن كل هذه الأمور تؤدي إلى القلق والتوتر، وهذه الحالة صارت بعد أن تحول الإنسان من كيان فيه جسد وروح إلى سلعة تقدر بماذا تنتج ؟ وماذا تستهلك ؟
حتى تحول فكر الكثير من الناس أنه عبارة عن شيء له ثمن مادي بحت، بكم يعمل ؟ وكم يستهلك ؟ وماذا تبقى ؟ وكيف يزيد من دخله ؟ وكيف يزيد من متعه ؟
حتى تحول الإنسان بهذا الخواء إلى ما يشبه (machine) الماكينة الصماء التي لا إدراك لها ولا أحاسيس.
وكثر في الناس الحديث عن الامراض وعلاجاتها وأخطارها وظهر عند الناس الخوف الشديد من المرض ؛ فتجد الكثير يتكلمون الآن عن مرض السرطان وكأنه لمجرد ذكره يخافون أن يصيبهم.
يخافون الكلام عن الموت وكأنه بمجرد الكلام عن الموت سيموت.
يتكلمون عن خسارة العمل، يتكلمون عن المستقبل المظلم، يتكلمون عن الأولاد وفشلهم وضياعهم.
الزوجة تخاف أن يطلقها زوجها والزوج يخاف أن تكون زوجته كذا وكذا…
الفتاة تخاف أن تكون عانس، الشاب يخاف أن يفقد قوته وشبابه…… إلى غير ذلك من هذه الأمور التي تسبب الكثير من القلق والتوتر عند الإنسان.
والمؤمن في هذه الحالة جعله الله تعالى مميزا بشعوره بالسكينة.
هذا الشعور الذي لا يشترى بالمال ولا يوهب ولا يكتسب ولا يتحصل عليه بشهادة أو دراسة إنما هو محض عطاء من الله عز وجل.
قصة:
أحد المشاهير كتب أنه دخل مستشفى في ألمانيا وكان عنده عملية خطيرة فجاءت إليه قبل العملية امرأة ظنها ممرضة ، أدارت معه حديث وديا ، قالت من أنت وكم عندك من الأولاد ما موضوع العملية من سيجري لك العملية أنا أعرف أنه طبيب ناجح ومشهور وأجرى هذه العملية كثيرا، وهو أستاذ بروفسور في جامعة كذا ويعمل كذا وهناك أعراض ستزول أنت الان تشتكي من كذا وكذا بعد العملية بساعة تبدأ تشعر بكذا وعندما تتعافي ستشعر بالتحسن وترجع لأولادك وتعيش حياه أطول ….
المهم يقول إن أسلوبها في الكلام وإجاباتها طمأنته كثيرا وهدأته نفسيا بصورة كبيرة جدا… بعد انتهاء العملية ونجاحها والحمد لله، وجد في الفاتورة أن لها 4 آلاف يورو فقال لماذا؟ قالوا له هذه طبيبة نفسية متخصصة في تهيئة المرضى قبل العمليات الجراحية.
الشاهد أن الإنسان أشد ما يكون في الأوقات الحرجة يحتاج إلى من يطمئنه وليس لنا أعظم ولا أكرم ولا أجل من الله الذي ينزل السكينة في القلوب.
فطبيعة الإنسان عندما يتعرض لأشياء صعبة يتوتر القلب ، فهنا يتميز المؤمن عن غيره بأنه يطلب الأمان والسكينة من الله، فيبقى القلب مضطربا حتى ينزل الله السكينة فيه.
ولذلك قال ﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا مَّعَ إِیمَـٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا﴾ [الفتح :4]
وأدق وصف لمعنى السكينة :
وصف أم موسى:
كلنا يعلم أن فرعون كان يقتل الأولاد ( الذكور) من بني إسرائيل فأوحى الله تعالى إليها أن تلقي بابنها في اليم، (في النهر)، وتعلم يقينا أن الله سيرده عليها، وعلى الرغم من هذا لما ألقت أم موسى بابنها في اليم يقول الله تعالى : (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) إنها أم !! عندها خوف شديد على ابنها، عندها لهفة على نجاته والاطمئنان عليه.
يقول تعالى : ( لولا أن ربطنا على قلبها) فعند الشدائد القلوب تضطرب لا تستطيع الاستقامة ولا التفكير، فيأذن الله سبحانه وتعالى بربط القلب ، كأن القلب فعلا شيء متحرك، شيء ينتقل من مكانه فيربط الله تعالى عليه ، وربط الله تعالى على القلب إنما هو بالسكينة…. سبحان الله، سبحان الله العظيم.
السكينة في الغار :
في حادث الهجرة لما قال الصديق لنبينا صلى الله عليه وسلم : لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا ، فقال له رسول الله : مطمئنا إياه يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما (فأنزل الله سكينته عليه) ربط الله على القلب وجعل فيه الطمأنينة والشعور بالهدوء والأمان.
السكينة يوم حنين :
في غزوة حنين حدث أن بعض الصحابة غرتهم كثرتهم وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة، وأعد المشركون لهم فخا حينما كانوا يمرون بين جبلين فترصدوا لهم فوق الجبال بالسهام فضربوهم ، فاضطرب المسلمون في أوائل صفوفهم وتراجعوا الى الخلف فأحدث ذلك حالة اضطراب ودهس ، وما الى غير ذلك ، (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) فوقف النبي شجاعا جسورا يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ؛ حتى اجتمع عليه المسلمون مرة أخرى.
السكينة يوم الحديبية :
ويوم الحديبية لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا وبشر صحابته بدخولهم المسجد الحرام وكان بيت الله الحرام لا يمنع منه أحد في هذا الوقت فسبحان الله منعتهم قريش كبرا وعنادا ، وكان الاتفاق والصلح الذي عرف بصلح الحديبية.
يقول الله تعالى : (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) ويقول : (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها)
فالسكينة في مواضع القرآن الستة التي ذكرت كانت في ساعة الابتلاء، في ساعة الكرب في ساعة الشدة والضيق .
حتى أن ابن القيم في مدارج السالكين ذكر أن شيخ الاسلام ابن تيمية كان إذا اشتدت به الأمور يقرأ آيات السكينة ، هذه الآيات يتلوها مذكرا بها نفسه فيجعل الله تعالى في قلبه اطمئنانا ، قال وجربتها بنفسي فرأيت من ذلك أمرا عجيبا أن الله تعالى يجعل بها راحة القلب وطمأنينته. هذا معنى كلام ابن القيم.
الشاهد يا إخواني أن السكينة تكون في الشدائد عند اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، لأن السكينة من عند الله عز وجل.
كيف يكتسب المسلم السكينة؟
أولا /السكينة بذكر الله :
بين الله جل وعلا ذلك فقال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) حينما يصاب الإنسان بكرب أو شدة نقول له فليطمئن قلبك بذكر الله تعالى.
لماذا قال النبي أن لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم، لماذا؟ لأنك حينما تحرك بها لسانك ويتوافق قلبك مع لسانك تكون على يقين أنه لا انتقال من حال الى حال إلا بحول الله وقوته فينزل الله عليك السكينة (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ …) فيطمئن القلب ويهدأ سبحان الله.
فالقلب العامر بذكر الله عز وجل ينزل الله تعالى عليه السكينة في ساعات الاحتياج وساعات الكرب والضيق سبحان الله.
ثانيا / السكينة بالخشوع في الصلاة:
علمنا رب العزة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وقال أيضا (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا ) أي الصلاة (لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) كبيرة يعني ثقيلة، شديدة إلا على أنفس الخاشعين ، إذا أصابهم ما أصابهم وقفوا بين يدي الله ليكونوا في رحاب السكينة ؛ حتى كان نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم يقول أرحنا بها يا بلال.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر،-اشتد عليه أمر- فزع الى الصلاة.
ثالثا / السكينة في بيوت الله:
أيضا تطلب السكينة في بيوت الله فهي خير مواطن السكينة كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسون فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة بأجنحتها وذكرهم الله فيمن عنده. ) فتدخل إلى بيت الله فيكفل الله لك السكينة والطمأنينة واستغفار الملائكة لك.
تشعر دائما بهدوء واتزان وطمأنينة لا تجدها في غير هذا الموطن أو لا تجدها كما تجدها في هذا الموطن.
رابعا / السكينة عند تلاوة القرآن:
ذكر لنا أسيد بن الحضير قصة تنزل السكينة حينما كان يقرأ وكان ذا صوت طيب بالقرآن كان يقرأ بسورة الكهف وكان بجانبه فرسه وقد ربطها إلى وتد فجعلت الفرس تضطرب وتتحرك كثيرا، فإذا توقف عن القراءة سكنت ، فإذا واصل القراءة اضطربت ، فقام ليرى ما الأمر ؟ فإذا بأمثال القناديل المعلقة بين السماء والارض مثل هذه الثريا التي بالمسجد رأى منها ما هو بين السماء والأرض ترتفع … فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أن هذه السكينة ، وأن الملائكة تنزلت عليه تستمع لكلام الله عز وجل يقول فلو بقيت على تلاوتك لرآها الناس وهم ذاهبون الى الصلاة في الصباح.
إذن فتنزل السكينة مع تنزل الملائكة مع تلاوة القرآن.