قوانين السعادة
(12)السكينة من وسائل السعادة

تعريف السكينة :
السكينة من السكون والسكون ضد الحركة، والمقصود بها الطمأنينة والهدوء بعد الحركة والاضطراب.
والسكينة طمأنينة يضعها الله في قلب عبده المؤمن، فيثبت عند الفتن والمخاوف، ويطمئن عند القلق والاضطراب.
قال ابن القيم: “هي روح من الله يسكن إليها العبد، فيطمئن بها، وتزول عنه الوحشة والاضطراب“.
قد ينزل بأحدنا أمر شاق أو صعب ، أو يحتاج للتفكير في مرحلة صعبة أو يصاب ببعض الابتلاءات فيضطرب قلبه ، فهذه مسألة فطرية فطرنا الله تعالى عليها ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28] فمع اضطراب القلب تلجأ إلى الله فينزل الله عليك السكينة والطمأنينة فيهدأ قلبك.
الحاجة للسكينة:
فجعل الله الضعف في الإنسان ، وجبر هذا الضعف يكون باللجوء إلى الله ، فإذا وقع المسلم في ورطة أو شدة، أو سيعمل عملية جراحية ، أو عنده امتحان، أو عنده مقابله لوظيفة…. الخ، يلجأ إلى الله، لأن كل هذه الأمور تؤدي إلى القلق والتوتر.
وهذه الحالة أصيب بها كثير من الناس لأن العالم كله تحول إلى الرأسمالية التي حولت الإنسان من كيان فيه جسد وروح إلى سلعة تقدر بماذا تنتج ؟ وماذا تستهلك ؟ حتى تحول فكر الكثير من الناس أنه عبارة عن شيء له ثمن مادي بحت، بكم يعمل ؟ وكم يستهلك ؟ وماذا تبقى ؟ وكيف يزيد من دخله ؟ وكيف يزيد من متعه ؟
فتحول الإنسان بهذا الخواء إلى ما يشبه (machine) الماكينة الصماء التي لا إدراك لها ولا أحاسيس.
وكثر في الناس الحديث عن الامراض وعلاجاتها وأخطارها وظهر عند الناس الخوف الشديد من المرض ؛ فتجد الكثير يتكلمون الآن عن مرض السرطان وكأنه لمجرد ذكره يخافون أن يصيبهم.
يخافون الكلام عن الموت وكأنه بمجرد الكلام عن الموت سيموت.
يتكلمون عن خسارة العمل، يتكلمون عن المستقبل المظلم، يتكلمون عن الأولاد وفشلهم وضياعهم.
الزوجة تخاف أن يطلقها زوجها والزوج يخاف أن تكون زوجته كذا وكذا…
الفتاة تخاف أن تكون عانس، الشاب يخاف أن يفقد قوته وشبابه…… إلى غير ذلك من هذه الأمور التي تسبب الكثير من القلق والتوتر عند الإنسان.
والمؤمن في هذه الحالة جعله الله تعالى مميزا بشعوره بالسكينة.
هذا الشعور الذي لا يشترى بالمال ولا يوهب ولا يكتسب ولا يتحصل عليه بشهادة أو دراسة إنما هو محض عطاء من الله عز وجل.
قصة:
قرأت قصة عن أستاذ جامعي كتب أنه دخل مستشفى في ألمانيا وكان عنده عملية خطيرة فجاءت إليه قبل العملية امرأة ظنها ممرضة ، أدارت معه حديث وديا ، قالت من أنت؟ وكم عندك من الأولاد؟ ما موضوع العملية؟ من سيجري لك العملية؟ أنا أعرف أنه طبيب ناجح ومشهور وأجرى هذه العملية كثيرا، وهو أستاذ بروفسور في جامعة كذا، ويعمل كذا، وهناك أعراض ستزول، أنت الان تشتكي من كذا وكذا بعد العملية بساعة تبدأ تشعر بكذا، وعندما تتعافي ستشعر بالتحسن، وترجع لأولادك وتعيش حياه أطول .
المهم يقول إن أسلوبها في الكلام وإجاباتها طمأنته كثيرا وهدأته نفسيا بصورة كبيرة جدا…
بعد انتهاء العملية ونجاحها والحمد لله، وجد في الفاتورة أن لها 4 آلاف يورو فقال لماذا؟ قالوا له هذه طبيبة نفسية متخصصة في تهيئة المرضى قبل العمليات الجراحية.
فالإنسان يحتاج في الأوقات الحرجة إلى من يطمئنه، وليس لنا أعظم ولا أكرم ولا أجل من الله الذي ينزل السكينة في القلوب.
فطبيعة الإنسان عندما يتعرض لأشياء صعبة يتوتر القلب ، فهنا يتميز المؤمن عن غيره بأنه يطلب الأمان والسكينة من الله، فيبقى القلب مضطربا حتى ينزل الله السكينة فيه.
ولذلك قال : ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: 4]
وأدق وصف لمعنى السكينة :وصف أم موسى:
كلنا يعلم أن فرعون كان يقتل الأولاد ( الذكور) من بني إسرائيل فأوحى الله تعالى إليها أن تلقي بابنها في اليم، (في النهر)، وتعلم يقينا أن الله سيرده عليها، وعلى الرغم من هذا لما ألقت أم موسى بابنها في اليم يقول الله تعالى : ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: 10] إنها أم !! عندها خوف شديد على ابنها، عندها لهفة على نجاته والاطمئنان عليه.
يقول تعالى : ( لولا أن ربطنا على قلبها) فعند الشدائد القلوب تضطرب لا تستطيع الاستقامة ولا التفكير، فيأذن الله سبحانه وتعالى بربط القلب ، كأن القلب فعلا شيء متحرك، شيء ينتقل من مكانه فيربط الله تعالى عليه ، وربط الله تعالى على القلب إنما هو بالسكينة.
السكينة في الغار :
في حادث الهجرة لما قال الصديق لنبينا ﷺ: لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا ، فقال له رسول الله ﷺ : مطمئنا إياه يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 40] ربط الله على القلب وجعل فيه الطمأنينة والشعور بالهدوء والأمان.
السكينة يوم حنين :
في غزوة حنين حدث أن بعض الصحابة غرتهم كثرتهم وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة، وأعد المشركون لهم فخا حينما كانوا يمرون بين جبلين فترصدوا لهم فوق الجبال بالسهام فضربوهم ، فاضطرب المسلمون في أوائل صفوفهم وتراجعوا الى الخلف فأحدث ذلك حالة اضطراب ودهس ، وما الى غير ذلك ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: 25]
فوقف النبي ﷺ شجاعا جسورا يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ؛ حتى اجتمع عليه المسلمون مرة أخرى.
السكينة يوم الحديبية :
ويوم الحديبية لما رأى الرسول ﷺ الرؤيا وبشر صحابته بدخولهم المسجد الحرام وكان بيت الله الحرام لا يمنع منه أحد ؛ لكن منعتهم قريش كبرا وعنادا ، ثم كان الاتفاق والصلح الذي عرف بصلح الحديبية ؛ فوقع التوتر عند شروط الصلح لتعنت قريش فيها :كإرجاع من يأتي مسلمًا من قريش إليهم، وعدم دخول المسلمين مكة هذا العام ورجوعهم ثم عودتهم العام المقبل.
في ذلك الجو المشحون، أنزل الله السكينة على قلوب المؤمنين، فاطمأنت نفوسهم، وانشرحت صدورهم لقبول الصلح، رغم ما كان فيه من الشروط الظاهرة المجحفة، يقول الله تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4] ويقول : ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الفتح: 26]
فثبّتهم الله بالسكينة، فمنعتهم من الانجرار إلى العجلة أو الغضب، فكان هذا الصلح سببًا في انتشار الإسلام بعد ذلك، حتى سمى الله عز وجل صلح الحديبية بالفتح المبين، قال تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: 1]
فالسكينة في مواضع القرآن الستة التي ذكرت كانت في ساعات الابتلاء والكرب والشدة والضيق .
وذكر ابن القيم في مدارج السالكين أن شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله – كان إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة ، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه ، تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شيطانية ، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة قال : فلما اشتد علي الأمر ، قلت لأقاربي ومن حولي : اقرءوا آيات السكينة ، قال : ثم أقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي قلبة .
وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه . فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته .
كيف يكتسب المسلم السكينة؟
أولا /السكينة بذكر الله :
بين الله جل وعلا ذلك فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28] حينما يصاب الإنسان بكرب أو شدة نقول له فليطمئن قلبك بذكر الله تعالى.
لماذا قال النبي ﷺ (لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم) [1]، لماذا؟
لأنك حينما تحرك بها لسانك ويتوافق قلبك مع لسانك تكون على يقين أنه لا انتقال من حال الى حال إلا بحول الله وقوته فينزل الله تبارك وتعالى عليك السكينة ؛ فيطمئن القلب ويهدأ.
فالقلب العامر بذكر الله عز وجل ينزل الله تعالى عليه السكينة في ساعات الاحتياج وساعات الكرب والضيق.
ثانيا / السكينة بالخشوع في الصلاة:
قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45] كبيرة يعني ثقيلة، شديدة إلا على أنفس الخاشعين ، إذا أصابهم ما أصابهم وقفوا بين يدي الله ليكونوا في رحاب السكينة ؛ حتى كان نبينا المعصوم ﷺ يقول أرحنا بها يا بلال.
وكان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر،-اشتد عليه أمر- فزع الى الصلاة.
ثالثا / السكينة في بيوت الله:
أيضا تطلب السكينة في بيوت الله فهي خير مواطن السكينة .
وقد علمنا رسول الله ﷺ: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسون فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة بأجنحتها وذكرهم الله فيمن عنده. )
فتدخل بيت الله فيكفل الله لك السكينة والطمأنينة واستغفار الملائكة لك، وتشعر دائما بهدوء واتزان وطمأنينة لا تجدها في غير هذا الموطن أو لا تجدها كما تجدها في هذا الموطن.
رابعا / السكينة عند تلاوة القرآن:
ذكر لنا أسيد بن الحضير قصة تنزل السكينة حينما كان يقرأ وكان ذا صوت طيب بالقرآن كان يقرأ بسورة الكهف وكان بجانبه فرسه وقد ربطها إلى وتد فجعلت الفرس تضطرب وتتحرك كثيرا، فإذا توقف عن القراءة سكنت ، فإذا واصل القراءة اضطربت ، فقام ليرى ما الأمر ؟
فإذا بأمثال القناديل المعلقة بين السماء والارض مثل هذه الثريا التي بالمسجد رأى منها ما هو بين السماء والأرض ترتفع … فلما سأل رسول الله ﷺ أخبره أن هذه السكينة ، وأن الملائكة تنزلت عليه تستمع لكلام الله عز وجل يقول فلو بقيت على تلاوتك لرآها الناس وهم ذاهبون الى الصلاة في الصباح.
إذن فتنزل السكينة مع تنزل الملائكة مع تلاوة القرآن.
[1] سنده ضعيف قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/158): «إسناده ضعيف».وضعّفه الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 582) ورغم ضعف الحديث سندا إلا أن هذه الكلمات لها قوة في تفريج الهم فهي كلمات عظيمة تشتمل على إظهار العجز والافتقار إلى الله، والتسليم له، والاستعانة به.