قوانين السعادة
(15) الاستخارة من أسباب السعادة

عن سعد بن أبي وقاص عن النبي ﷺ قال ( من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله ، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله عز وجل ، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله ) رواه أحمد
في هذا الحديث يعلمنا الرسول ﷺ أن الاستخارة سبب من أسباب السعادة، كيف ذلك؟
أهمية الاستخارة :
الإنسان مخلوق ضعيف، بحاجة إلى إعانة الله تعالى في أموره كلها؛ وذلك لأنه لا يعلم الغيب، فلا يدري أين موطن الخير والشر فيما يستقبله من حوادث ووقائع؟
والمسلم في هذه الدنيا تعرض له أمور مباحة يتحير منها، فإذا كنت مقبلا على شيء لا تدري أهذا الشيء خير أم شر من الذي يعلم؟
الله سبحانه وتعالى؛ فأنت باستخارتك تفوض الأمر لله، وتقول اللهم اختر لي، ودبر لي الأمر فإني لا أحسن التدبير.
فتستخير للزواج من فلانة أو للسفر أو لبيع أو شراء سيارة أو بيت أو حتى الملابس …الخ.
لذا كان من حكمة الله سبحانه ورحمته بعباده أن شرع لهم الاستخارة، لأن المسلم على يقين لا يخالطه شك أن تدابير الأمور وصرفها بيد الله سبحانه وتعالى وأنه يقدر ويقضي بما شاء، في خلقه، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: 68]
الاستشارة مع الاستخارة :
إذا أراد المسلم الاستخارة في الأمور الهامة كالزواج أو السفر أو البيع أو الشراء فعليه مع الاستخارة أن يستشير غيره من أهل الخبرة والمعرفة .
كما في حديث فاطمة بنت قيس عندما خطبها معاوية وأبو جهم بن حذيفة فقال رسول الله ﷺ أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه (يقصد أنه كثير الضرب ) ، وأما معاوية فصعلوك (فقير) لا مال له ولكن انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله عز وجل فيه خيرا واغتبطت به.
على أن يكون الشخص الذي تستشيره ذا رأي وخبرة في الأمور وتأن وتجربة وعدم تسرع، وأن يكون صالحاً في دينه.
لماذا عد النبي ﷺ الاستخارة من أسباب السعادة؟
- لأنها تريح القلب من الحيرة والقلق
الإنسان بطبعه محدود العلم، يخاف أن يخطئ في الاختيار، لكن عندما يستخير الله، يشعر أن القرار لم يعد عبئًا عليه، لأن الله هو من سيختار له.
فيهدأ قلبه ويزول عنه القلق.
- لأنها تُقوّي التوكل على الله
الاستخارة تذكِّر العبد أن الله هو العليم الذي أحاط بكل شيء علما وأنه هو الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه الصحيح، فالعبد فيها يفوض ربه في اختيار الخير له ويوقن أن الخير بيد الله وحده، وهذا التوكل من أعظم أسباب الطمأنينة، قال تعالى:﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3].
- لأنها تمنع الندم بعد القرار
من استخار الله ثم مضى فيما اختار له الله، لا يندم بعد ذلك، حتى لو ظهرت له نتائج لم تعجبه في الظاهر، لأنه يعلم أن الخير فيما اختاره الله له.
أما من تصرف دون استخارة، فقد يُبتلى بالندم ويقول: لو أني فعلت كذا….
وهذا من تمام السعادة: ألا يعيش المرء في دوامة “لو” و”ليت”.
- لأنها تربي القلب على الرضا بالقضاء
الاستخارة تجعل العبد يُسلم أمره لله قبل أن يقع، ثم يرضى بعد وقوعه.
فهي تزرع في القلب عبودية عظيمة التسليم والرضا، وهذا هو لبّ السعادة.
- لأنها دليل على حياة القلب واتصاله بالله
العبد الذي يستخير في أموره كلها يعيش دائمًا في معية الله، يشعر بقربه، ويستشعر توفيقه، وهذا القرب من الله هو السعادة الحقيقية.
دعاء صلاة الاستخارة:
عن جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل :
( اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (هنا تسمي حاجتك ) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال : عاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، اللهم وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (هنا تسمي حاجتك ) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال : عاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم ارضني به . ويسمي حاجته )
وفي رواية ( ثم رضني به) رواه البخاري
فيسن لمن أراد أمرا من الأمور المباحة والتبس عليه وجه الخير فيه أن يصلي ركعتين من غير الفريضة ولو كانتا من السنن الراتبة أو تحية المسجد.
متى يكون الدعاء في صلاة الاستخارة ؟
دعاء الاستخارة يكون بعد السلام من الصلاة على الصحيح من أقوال أهل العلم وهو قول الأئمة الأربعة.
لقوله ﷺ وهو يعلم صلاة الاستخارة ودعاءها لأصحابه: “فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم…” إلى آخر الحديث .
فقوله ﷺ “ثم ليقل “ بعد أمره بصلاة ركعتين، ومن المعلوم أن حرف (ثم) يقتضي الترتيب المتراخي بين المعطوفين، فدل هذا على أن الدعاء بعد السلام.
وذهب ابن حجر إلى جواز الدعاء بعد السلام وقبله ، وهو قول ابن تيمية، إلا أنه فضّل أن يكون الدعاء قبله.
تنبيهات وفوائد :
1- إن أردت أن تستخير بعد سنة راتبة أو صلاة ضحى أو غيرها من النوافل ، فيجوز بشرط أن تنوي الاستخارة قبل الدخول في الصلاة ، أما إذا أحرمت بالصلاة فيها ولم تنو الاستخارة فلا تجزئ .
2- إذا كان هناك مانع من الصلاة – كالحيض للمرأة –فالاستخارة تكون بالدعاء دون الصلاة ، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، حيث أجازوا الاستخارة بالدعاء فقط من غير صلاة إذا تعذرت الاستخارة بالصلاة والدعاء معا.
3- إذا كنت لا تحفظ دعاء الاستخارة فاقرأه من ورقة أو كتاب ، والأولى أن تحفظه .
4- إذا استخرت فأقدم على ما أردت فعله واستمر فيه ، ولا تنتظر رؤيا في المنام أو شي من ذلك .
5- إذا لم يتبين لك الأصلح فيجوز أن تكرر الاستخارة .
6-لا تجعل هواك حاكما عليك فيما تختاره ، فلعل الأصلح لك في مخالفة ما تهوى نفسك (كالزواج من فتاة معينة أو شراء سيارة معينة ترغبها أو غير ذلك ) بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسا وإلا فلا يكون مستخيرا لله ، بل يكون غير صادق في طلب الخيرة .
7- لا يستخير أحد عن أحد ، ولكن من الممكن أن تدعو الأم لابنها أو ابنتها أن يختار الله لها الخير .
8- إذا تعددت الأشياء فهل تكفي فيها استخارة واحدة؟ أو لكل واحدة استخارة ؟ الأولى والأفضل لكل واحدة استخارة وإن جمعها فلا بأس .
ماذا يفعل بعد الاستخارة ؟
إذا صلى المسلم الاستخارة أقدم على ما ينوي فعله، فإن كان خيرا يسره الله له، وإن كان شرا صرفه الله عنه وأبعده منه .
لا رؤيا ولا أحلام :
يعتقد الكثير بأن لصلاة الاستخارة رؤيا بعدها، تكون بشارة لتنفيذ الأمر أو نحوه وهذا خطأ شائع فلا رؤيا ولا أحلام أو منامات أو غيره بل تتوكل على الله في أداء الأمر قال الله تعالي: ﴿ َإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159] فان هيأ الله لك الأمر وسددك فيه وسهله لك فهو كذلك وان أبعدك عنه فهذا قدر الله.
ولو فرض أن تعبير الرؤيا كان يدل على خير ، فإن الرؤى الصالحة مبشرات ، لكن لا يعتمد عليها ، بل ينبغي التحري والسؤال عن المتقدم للخطبة مثلا، والتأكد من سلامة دينه وأخلاقه، وغيرها مما يهم التعرف عليه في شأنه ، فإذا تحققنا من هذه الأمور ، تكون الرؤيا الصالحة هي بمثابة التبشير ، والتفاؤل بالخير من هذا الإقدام.