قوانين السعادة
(10) القناعة سبب للسعادة

معنى القناعة:
القناعة: هي الرضا بما أعطى الله.
الدنيا دار النقص ، ودار التمام والكمال هي: الجنة.
قال تعالى في وصف أهل الجنة: (﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ [يس: 56] وقال: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: 55]﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ [الواقعة: 20])
فلا شيء يشغلهم، فلا يحمل أحدهم هم أكل ولا شرب ولا دفع إيجار آخر الشهر، ولا مصاريف عيال في المدرسة…. الخ.
وقد شاء الله ذلك النقص في الدنيا لتدور عجلة الحياة، فلو أن الناس عندهم كل شيء ما ذهبوا ولا عملوا ولا اشتغلوا، فجعل الله الدنيا دار نقص، لسعى الناس ويعملوا ويعمروا الأرض.
فسعادتك أن ترضى بما قسمه الله لك؛ فقد أعطى الله قسمة العدل: لكل واحد منا رزق مقسوم وأجل مقدور.
من أسباب ضيق الصدر أن ترى إنسانا غير راض عن حاله، غير راض عن عطاء الله له، ساخط على حياته، ساخط على رزقه، ساخط على وضعه، ساخط على كل شيء.
وقعت عيني على كلمة رائعة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول :“جعل الله السعادة والروح في الرضا واليقين وجعل الغم والحزن في السخط والجزع. “
الروح :بسكون الواو من الراحة يعني الشعور بالطمأنينة والسكينة وراحة النفس.
جعل الله السعادة والروح في الرضا واليقين، وجعل الغم ، والحزن دائما مقترن بعدم الرضا بالسخط على الحال.
فالسخط من أكبر أسباب ضيق الصدر وشعور الإنسان الدائم بالنقص وعدم الرضا عما هو فيه يؤدي حتما إلى الشعور الدائم بالاكتئاب وضيق الصدر والغم والعياذ بالله.
هل الغني هو من يملك المال فقط ؟
والعلماء يقولون أن آفة العصر الذي نعيشه هي أن الناس لما تقول فلان غني ظنوا أن الغنى هو المال فقط ، وهذا هو التصور الشائع عندنا ، لكن لو تأملنا لوجدنا أن الغنى والفقر قضية موزعة عند كل إنسان منا؛ فالمال ليس هو الغنى فقط وليس هو العطاء الإلهي الوحيد للبشر فقط.
العطاء يتنوع؛ وليس كل عطاء من الله يكون مالا فقط، فما وهبنا الله تعالى من عافية وزوجة وأولاد وأمن وراحة بال ، وقدرات في العقل كالذكاء والتفكير والحكمة، والخلق الحسن ، ومحبة الناس هذه نعم لا تقدر بمال.
لو أن إنسانا غبيا أو أحمقا يملك الملايين كم تساوي مع قلة ذكائه أو حماقته؟
سبحان الله هذا داء لا دواء له!! كما قال المتنبي:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
أيضا أدوات الحس التي أعطاها الله تعالى لنا (السمع والبصر والشم والذوق واللمس ) وغيرها من النعم التي نستشعر بها وندرك بها الوجود والعالم حولنا، بكم تقدرها؟
والنبي ﷺ أعطانا معنى رائع جدا للقناعة فماذا قال ؟
قال : “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا”. أخرجه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني.
آمنا في سربه: آمنا: نعمة الأمن والأمان نعمة عظيمة أن يكون لك بيت يؤويك فتنام وأنت آمن على نفسك وأهل بيتك، والله نعمة عظيمة لا تقدر بمال.
وهذه النعمة حرم منها ملوك ورؤساء لا ينام أحدهم بسهولة مثلك فلا بد من الحراسة ، وفوق الحراسة حراسة ، وكلما زاد ظلمه يزيد خوفه …
فأنت والحمد لله لست بظالم فتنام وقد وضعت رجلا على رجل وطلقت الدنيا بالثلاثة فلا تخاف شيئا.
سربه: يعني عيالك وزوجتك وأهل بيتك.
معافى في جسده: أي: صحيحًا سالمًا من العلل والأسقام، فتأكل وتشرب وتتنفس الحمد لله وعندك قدرة أن تمشي على رجليك الحمد لله.
قال رجل لعبد الله بن عمرو: (ألسنا من فقراء المهاجرين؟
قال: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم.
قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم.
قال: فأنت من الأغنياء.
قال: فإن لي خادمًا.قال: فأنت من الملوك.) رواه ابن أبي شيبة
ولذلك نبه العلماء على نسيان الشكر عند إلف النعمة، أن الإنسان لما يألف النعمة لا يستشعر قيمتها، لا يستشعر عظم قدر هذه النعمة التي أنعم الله عليه بها.
فجعل الله في هذا الكون الأضداد؛ يعني الشيء وضده حتى ينتبه العباد .. .. فتجد الأعمى والمبصر وتجد الذي يمشي على قدميه والذي يتحرك على كرسي متحرك أو يستعين بعكاز مثلا …فقدر الله الشيء وضده، الليل والنهار، الظلمة والنور، البياض والسواد حتى ينتبه الخلق إلى عظم نعم الله تعالى عليهم.
فالعطاء الإلهي ليس هو المال فقط… العطاء الإلهي يشمل السلامة والعافية، الذكاء، الحكمة، الغنى بالنفس، الزوجة، الأولاد، الذرية الطيبة.
أحد الإخوة حينما وقف في حر الشمس عند محطة الباص ينتظر، وجاء الباص، ومع كثرة الناس لم يصبه الدور ومعنى ذلك أنه سينتظر الباص التالي، قال فأصابني السخط على هذا الوضع، وقلت لماذا لم يرزقني الله كغيري حتى يكون عندي سيارة موديل كذا وكذا ؟!!
يقول ومع العرق والحر والضيق صرت أنطق بكلمات أستحي منها فلما أردت أن أركن إلى عمود إنارة لأنال شيئا من الراحة وجدت رجلا بجانبي مقطوع القدمين على كرسي متحرك….فبكيت حياء من الله عز وجل….. كيف أسخط على الله الذي خلقني بهذه النعمة وغيري مقطوع القدمين لا يستطيع السعي ولا يستطيع الحركة ؟!!
ببركة أذكار المساء أنجانا الله من حادث مروع:
سأحكي لكم موقفا حصل لي منذ شهرين :كنت أركب سيارة متوجها للمسجد مع أحد الإخوة ، فقلت له تعال نردد أذكار المساء ، والله كما أحكي لكم وأنا أردد معه أحد الأدعية؛ فوجئنا ونحن على الطريق السريع بسيارة تأتي من خلفنا على سرعة 160 كم أو أكثر؛ جاءت من خلفنا، وكانت سرعتنا طبيعية حوالي 100كم ، فجاءت هذه السيارة المسرعة جدا من خلفنا، ثم اتجه على شمالنا ليتجاوزنا، ثم تقدم أمامنا بسرعته العالية فاختل توازن السيارة ،وصار بيننا وبينه أقل من عشرين مترا، وصارت سيارته بعرض الطريق ونحن نرى موتا محققا؛ أقسم بالله رأينا الموت على بعد أمتار منا!!
لكن الله لطيف لما يشاء، فمن لطفه سبحانه أن تتحول هذه السيارة من عرض الطريق أمامنا لتندفع بقوة نحو المنحدر على جانب الطريق، وانقلبت حوالي عشرة قلبات …فلولا لطف الله سبحانه وتعالى لكان حادثا مروعا لنا ولمن وراءنا من السيارات على الطريق السريع.
طبعا أنا وصاحبي وقتها كنا في قمة الفزع… فقال لي بصوت مرتعش اتصل بالشرطة، أو الإسعاف فقلت له بصوت كانه يأتي من قعر بئر: شرطة يعنى ايه ؟ وكيف اتصل ؟
عقلي راح وذهب تركيزه، نسيت والله فلم أذكر ماذا يجب أن نفعل في مثل هذه الحالات!!!
وبعدها بدقائق كنا خرجنا من الطريق السريع، ونحن لم نستوعب الصدمة بعد، فقلت لصاحبي هل تذكر آخر دعاء في الاذكار كنا نقوله؟ إنه هذا الدعاء:
عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: لم يكن رسول الله ﷺ يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي : “اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.” رواه الإمام أحمد
فببركة هذا الدعاء أنجانا الله وصرف عنا هذا الحادث المروع ، والحمد لله الذي عافانا وكتب لنا السلامة.
عنده قوت يومه: أي: قدر ما يغديه ويعشيه، والطعام من نعم الله العظيمة، قال تعالى : ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 3-4]
فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها:أي : بتمامها ، والحذافير الجوانب ، وقيل الأعالي ، واحدها : حذفار أو حذفور، والمعنى : فكأنما أعطي الدنيا كلها .
من اجتمعت له هذه الخصال الثلاث في يومه، فكأنما ملك الدنيا كلها، وقد اجتمع لكثير من الناس أضعاف ما ذكر في هذا الحديث، ومع ذلك فهم منكرون لها، محتقرون ما هم فيه، فهم كما قال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [النحل: 83]:
سبحان الله هذه النعم لو أن الإنسان يستشعرها سيعرف معنى السعادة فلا يغتم ولا يهتم ؛ فمن أسباب السعادة القناعة، وأن ترى القليل من نعم الله كثيرا .
النظر إلى نصف الكوب الفارغ :
من الأسباب الباعثة على عدم الرضا: النظر إلى نصف الكوب الفارغ يعني كالمثل الذي ضربه العلماء : واحد عنده كأس ماء نصفه ملآن ونصفه فارغ. الكثير منا ينظر إلى النصف الفارغ، لو تأملت النصف الملآن لعظمت نعم الله عليك، فلا تنظر كم فقدت من نعم بل انظر كم أنعم الله عليك من نعم، كم وجدت من نعم؛ فهذه النظرة تحول دائما كل سخط وعدم قناعة إلى رضا، وتعظم نعمة الله تعالى عليك.
شاهد المرضى على الأسرّة بالمستشفيات واحمد الله على نعمة العافية.
شاهد من فقد نعمة الذرية واحمد الله على النعم .
شاهد صفوف العاطلين الذين لا يجدون عملا واحمد الله على نعمة العمل.
المشكلة أن الإنسان فينا دائما يتطلع إلى المفقود، يتطلع إلى أنه دائما عنده نقص، وبالتالي يدوم سخطه ويدوم غضبه وجزعه والعياذ بالله.
لكن حينما تنظر إلى نصف الكوب الملآن، وتحمد الله عز وجل، وتسأل الله تعالى من فضله فهذا من عظيم نعم الله عليك.
الفرق بين الرضا والقناعة والخنوع والذل :
ومن المفاهيم الخاطئة أن بعض الناس يظنون أن الرضا معناه أن الإنسان يرضى أن يكون فقيرا ذليلا، وهذا ليس هو المقصود ؛ لأن الرضا رضا بالعطاء، ولا مانع من السعي من خلال سنن الله في الكون، والأخذ بالأسباب للازدياد.
لكن أن يكون هناك شخص أرخص شيء عنده نفسه وكرامته يقول لك: ( خلينا نأكل عيش) نريد فقط أن نربي أولادنا فهو من خوف الفقر في فقر ، ومن خوف الذل في ذل ، ومن خوف المرض في مرض…
هذه ليست أخلاق الإسلام؛ فالإسلام لا يعلمنا المذلة ولا الهوان ولا يعلمنا أن يكون المسلم جبانا خاضعا ذليلا من أجل لقمة عيشه لأنه يعلم أنه ما قدر الله على فكيه أن يمضغاه فستمضغاه فليمضغه بعزة؛ أما إن رأى أن لقمته أو لقمة عياله تأتي من طريق ذل فلا حاجة فيها أبدا.
كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
أَنَا إنْ عِشْتُ لَسْتُ أعْدَمُ قُوتاً وَإذا متّ لَسْتُ أعْدَمُ قَبْرَا
همتي همَّة ُ الملوكِ ونفسي نَفْسُ حُرٍّ تَرَى الْمَذَلَّة َ كُفْرَا
فلا يليق بالمسلم أن يكون ذليلا جبانا منافقا عنده شعور دائم بالحرمان والهوان من أجل لقمة عيش، بل اطلب لقمة عيشك بعزة.
اطلب لقمة عيشك بأسبابها لأن الرزاق ليس هم البشر، الرزاق هو الله.
ولو ظن أحد من البشر أن بيده مفاتيح الرزق أو أنه يمنع عن الناس فهو واهم.
ما الفرق بين الطموح والطمع ؟
الطموح من الصفات المحمودة، ويُعتبر عكس الطمع:يقال: فلان طموح، أي عنده توقّع ورغبة شديدة في بلوغ المعالي.
والطموح هو الرغبة الصادقة في بلوغ هدف عالٍ، مع الاستعداد لبذل الجهد والتعب في سبيل تحقيقه.
الطموح أن تخطط لمستقبلك، اليوم عندك سيارة سيئة ؛ فتسأل الله أن يوسع عليك، وتشتري سيارة بدون مشاكل، أو تسكن في شقة إيجار تطمح غدا أن يكون عندك شقة تمليك أو بيت، أو تحسن دخلك بأن تتحصل على خبرة جديدة في مجال عملك ؛هذا هو الطموح.
والإنسان الطموح دائما عنده همة، وعنده سعي وأخذ بالأسباب وتدبير وتخطيط شخصية منظمة ومحبوبة لأنه عنده إنجازات وعنده سعادة بإنجازه وفوزه وانتقاله من نجاح إلى نجاح.
أما الطمع فهو تعلّق القلب بما في أيدي الناس من متاع الدنيا، وانتظار نيل ما ليس لك بحق، أو بغير سبب مشروع، وهو ضد القناعة والرضا، ويُورث الذل والهوان، لأن الطماع لا يقنع مهما كان في يده، ودائما عينه تنظر إلى ما في يد غيره، ودائما يرى النقص فيما يملك والزيادة فيما يملكه غيره، والطماع دائما حسود يستسهل أن يأكل حراما ، ويستسهل أن يظلم غيره
وتجده عالة على المجتمع يود أن يتحصل على أكبر جزء من المال أو الثروة بدون عمل.
ينظر إلى الثراء من وجه سريع حتى وإن كان حراما حتى وإن كان غصبا لغيره.
قال ابن القيم: الطمع يوقع العبد في الذل، ويُبعده عن الله، لأنه يعلّق قلبه بالمخلوقين لا بالخالق.
من ثمرات الرضا السكينة والطمأنينة :
حينما يكون المسلم راض عن الله عز وجل راض بقضاء الله سبحانه وتعالى تأتيه السكينة والطمأنينة وهذا ما عناه الرسول بقوله: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله بخير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) هذه العبارة تبين لنا الفارق بيننا وبين غيرنا من غير المسلمين (إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)
وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: لأن غير المؤمن إن أصابه الخير فرح، لكن إن أصابه الشر بالنقص أو الضر يشقى ويتعب ويسخط ويجزع.
فالفارق بين المؤمن وغيره : أن المؤمن إن أصابه الخير فمن فضل الله وعطائه، وإن أصابه الضر فهذا ابتلاء واختبار يصبر عليه .
فالمسلم في حالة العطاء يشكر الله عز وجل ، وفي حالة المنع يصبر لأن هذا اختبار من الله، ليقينه أن الله يربي عباده بالعطاء والمنع.
تربية الأبناء بالعطاء والمنع :
علماء التربية يقولون في تربية الأبناء : ينبغي أن تربي أبناءك على هذا المعنى : وهو ألا تعطيه كل ما يطلب ، إنما تعطيه بحكمة، فلما تعطيه يستشعر قدر ما أعطي ، ولما تمنع عنه يستشعر قيمة ما منع عنه.
إنما العطاء الدائم ؛ أنا لا أريد أن أحرم أولادي ؛ أنا أريد أن أعطيهم كل ما يريدون هذه تربية فاشلة؛ تنشئ جيلا مدللا لا يعرف التعب ولا الكد ولا السعي في تحصيل ما يريد فكل ما يطلبه يجده.
فالتربية السليمة تربية على العطاء والمنع…. فلا ينبغي أن نربي أبناءنا على مبدأ: إن أبانا على كل شيء قدير .
إنما يتربى على أن هناك شيء يطلبه فيجده، وشيء يسعى إليه باجتهاده، وشيء يمنع عنه لأنه فيه ضرر، أو أنه لا يصلح له، أو أنه ينبغي أن يبذل مزيد جهد إلى غير ذلك.
إذن، فالله تعالى يربينا بالعطاء والمنع يعطينا فتعظم نعمته علينا، ويمنع عنا فنصبر ونحتسب ذلك عند الله عز وجل.