كيف تسلسل الشياطين في رمضان؟

تاريخ الإضافة 15 مارس, 2024 الزيارات : 134

كيف تسلسل الشياطين في رمضان؟

مما امتاز به شهر رمضان المعظم عن غيره من الشهور الأخرى ما أكدته السنة النبوية المطهرة من أنه إذا دخل هذا الشهر المعظم صفدت الشياطين، وقد تواردت نصوص السنة المشرفة على ذلك، وأهمها:

ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين» رواه مسلم.

وما ثبت أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.

وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» رواه الترمذي، وابن ماجه في “السنن”، والحاكم في “المستدرك”.

ما المراد بالتصفيد؟ المصفد هو المغلول العنق إلى اليد.

والتصفيد إما حقيقة أو مجازا ؟

أما الحقيقة فمعناه على أقوال:

1- الذين يصفدون هم : مسترقو السمع منهم خاصة.

2- المصفد هم بعض الشياطين، وهم المردة منهم خاصة،  وأما من ليس من المردة فقد لا يصفد؛ لما أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة بلفظ:  (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن) وأخرجه النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ: (وتغل فيه مردة الشياطين)

3- أن تصفيدهم يكون عن أشياء دون أشياء.. ولناس دون ناس، ذكر ذلك النووي عن القاضي عياض في شرحه لمسلم،  فهي تصفد حقيقة، والتصفيد لا يمنع من وسوسة الشيطان فإن الشياطين قد توسوس وهي مصفدة؛ لكنها لا تقدرعلى بعض الأفعال التي لا تطيقها إلا مع الانطلاق، وليس في ذلك دليل على امتناع تصرفها جملة، يؤيده ما رواه البخاري في صحيحه عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: إن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم على رسلكما، إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا. انتهى.

وأما المجاز فتفسيره على أقوال :

1- أن هذا الشهر لبركته وثواب الأعمال فيه وغفران الذنوب تكون الشياطين فيه كالمصفدة، لأن سعيها لا يؤثر، وإغواءها لا يضر، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان، فيكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر، ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم: ( فتحت أبواب الرحمة) قال: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات، وذلك أسباب لدخول الجنة وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات.

3-أن الشيطان يضعف مع الصيام، ولا يستطيع أن يحصل على ما كان يحصل عليه في غير الصيام وخاصة في رمضان، وقد سبق الحديث : (إن الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم) متفق عليه، وقد زاد بعضهم ( فضيقوا مجاريه بالجوع ) وهذه زيادة قال الشيخ الألباني رحمه الله”لا أصل لها من شيء من كتب السنة التي وقفت عليها , و إنما هي في ” كتاب الإحياء ” للغزالي”

الخلاصة:
بناء على ذلك: فإن معنى عبارة “تصفيد الشياطين” الواردة في الحديث الشريف المسؤول عنه قد تفاوت العلماء في تفسيره على مدارك متعددة، وإن كانت في جملتها متكاملة متعاضدة، فقد يراد به أن الشياطين مغلولون ومقيدون حقيقة في هذا الشهر، وقد يكون المراد أنهم ممنوعون من إيذاء المؤمنين وإغوائهم والتزيين لهم، ويحتمل أن المراد أن الله تعالى يحفظ فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، أو يقصد به نوع مخصوص من الشياطين، وهم: مسترقو السمع منهم، أو من صفدوا هم غالب الشياطين والمردة منهم، وأما غيرهم فغير مصفد.

إذا كانت الشياطين تسلسل في رمضان فما سبب بقاء الوسواس والشرور والمعاصي في رمضان؟

والجواب من عدة أوجه:

1- إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه.

2- أن المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم، كما تقدم في بعض الروايات.

3- أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره.

4-  لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية، لأن لذلك أسبابا غير الشياطين منها:

أ- العادات القبيحة :

فالذين اعتادوا المعاصي يبقون على ما هم عليه بحكم العادة المتبعة ولو كانت الشياطين مصفدة فإن العادات تحكم، وحيث يوجد الكثير من المعاصي في رمضان فإن الدافع لها العادات والأهواء.

ب- النفس الأمارة بالسوء :

قال تعالى: ( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) [يوسف:53] و(ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) الشمس الآيتان 8،7

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأيضا فالنفوس لها وسوسة، كما قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } 

والإنسان مخلوق مزدوج الطبيعة ، مزدوج الاستعداد.فهو بطبيعة تكوينه ( من طين الأرض ومن نفخة الله فيه من روحه) مزود باستعدادات متساوية للخير والشر والهدى والضلال.

فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر،كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء، ولقد خلق الله النفس الأمارة بالسوء ليختبر مدى صدق عبوديتنا له،وجعل من أهم صفاتها الجهل والظلم والشح فهي تميل إلى الشر وتفر من الخير ، تحب الكسل ، والنوم ،والراحة ،ولا تحب المشقة وتكره التكليف.

ولقد خلقها الله تعالى بهذه الصفات لتكون بمثابة المحك الرئيسي والميدان العملي لصدق عبوديتنا له، فلولا وجودها لصرنا كالملائكة لا نعصي لله أمرا.

ولقد طالبنا الله عز وجل بجهاد أنفسنا لنفوز برضاه والجنة يقول تعالى : (وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) النازعات 41،40.

وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه و سلم ( اللهم آت نفسي تقواها و زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ) من حديث رواه مسلم عن زيد بن أرقم

وفي وصية أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ( أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك)

 

ج-  شياطين الإنس:

فكما أن هناك شيطان جني، فهناك شيطان إنسي، قال تعالى:{ الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس}6،5 سورة الناس.

وأخبر الله تعالى بأن من الإنس شياطين، قال تعالى: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن [سورة الأنعام الآية: 112

جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر: «تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن» فقلت أو للإنس شياطين؟ قال نعم ) صححه الشيخ أحمد شاكر

فمن هو شيطان الإنس ؟ هو كل من تعاون مع إبليس، في إغواء الناس، وتحبيب المنكر وتبغيض المعروف، وكل من كانت له جهود في صد الناس عن سبيل الله، وكل من دعى إلى الباطل بأي أسلوب، وتحت أي شعار، أو مذهب.

وشيطان الإنس قد يكون من أقرب الناس إليك: صديق ، زميل ، جار ، قريب.

وشيطان الجن تتعوذ بالله منه فيذهب ،أما شيطان الإنس فهو معك لا يتركك تراه بعينك، حتى قال بعض أهل العلم: بأن الشيطان الإنسي أخطر من الشيطان الجني، وأكثر ضررا، وأشد فتكا، قال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد علي من شيطان الجن، وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانا.

فشيطان الإنس يدلك على سبيل المعصية ويقربها لك ، ويذلل لك الطريق ويهيئ فيك القدرة على الفعل حتى تلين وتستجيب لفعل المعصية.

الحكمة من تصفيد الشياطين في رمضان:

ذكر العلماء من الحكم في تصفيد الشياطين في رمضان: تقليل شرهم وإغوائهم للعباد، وليمتنعوا من إيذاء المسلمين والتهويش عليهم وإفساد صومهم، وحتى لا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان، من إضلال الناس عن الحق وتثبيطهم عن الخير؛ ليقبل الناس على الطاعات ويبتعدوا عن المعاصي والشهوات في شهر رمضان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:” وما ذاك إلا لأنه في شهر رمضان تنبعث القلوب إلى الخير والأعمال الصالحة التي بها وبسببها تفتح أبواب الجنة، ويمتنع من الشرور التي بها تفتح أبواب النار، وتصفد الشياطين فلا يتمكنون أن يعملوا ما يعملونه في الإفطار؛ فإن المصفد هو المقيد، لأنهم إنما يتمكنون من بني آدم بسبب الشهوات؛ فإذا كفوا عن الشهوات صفدت الشياطين.” انتهى من “مجموع الفتاوى” (14/167) .

وقال أيضا:” ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم   إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ؛ فإن مجاري الشياطين، الذي هو الدم، ضاقت؛ وإذا ضاقت انبعثت القلوب إلى فعل الخيرات، التي بها تفتح أبواب الجنة، وإلى ترك المنكرات التي بها تفتح أبواب النار، وصفدت الشياطين فضعفت قوتهم وعملهم بتصفيدهم، فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره، ولم يقل إنهم قتلوا ولا ماتوا؛ بل قال: ” صفدت ” والمصفد من الشياطين قد يؤذي، لكن هذا أقل وأضعف مما يكون في غير رمضان؛ فهو بحسب كمال الصوم ونقصه؛ فمن كان صومه كاملا: دفع الشيطان دفعا لا يدفعه دفع الصوم الناقص؛ فهذه المناسبة ظاهرة في منع الصائم من الأكل.” انتهى من “مجموع الفتاوى” (25/246) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:” وقيل: في هذا ” إشارة إلى رفع عذر المكلف، كأنه يقال له: قد كفت الشياطين عنك؛ فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية ” انتهى من ” فتح الباري” لابن حجر (4/ 114).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:”وهذا من معونة الله للمسلمين، أن حبس عنهم عدوهم الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ولذلك تجد عند الصالحين من الرغبة في الخير والعزوف عن الشر في هذا الشهر أكثر من غيره.” انتهى من “مجالس شهر رمضان” لابن عثيمين (ص 8)، بتصرف يسير.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 44 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع