تفسير سورة الحجرات (2)الأدب مع رسول الله

تاريخ الإضافة 6 يونيو, 2025 الزيارات : 26467

(2) الأدب مع رسول الله

الفصل الأول

الأدب مع الله ورسوله

قال الحق تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ  وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى  لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 1-5]

تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1]

سبب نزول الآية :

هذه الآيات نزلت في أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما –

عن ابن أبي مليكة قال: (كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي الله عنه ، وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر – رضي الله عنهما -: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله – تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) [الحجرات: من الآية2]) رواه البخاري.

ومن الواضح أن هذا السبب نزلت فيه الآيتان الأولى والثانية من السورة .

(يا أيها الذين آمنوا) قال ابن مسعود إذا سمعت الله يقول: ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ ؛ فأصغ لها سمعك ؛ فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.[1]

(لا تقدموا) أصلها لا تتقدموا حذفت إحدى التاءين تخفيفا، والمراد: لا تسبقوا الله ورسوله بقول أو بفعل، وفيه تشبيه لمن يتعجل في إصدار حكم من أحكام الدين بغير استناد إلى حكم الله ورسوله، بحالة من يتقدم بين يدي سيده أو رئيسه، بأن يسير أمامه في الطريق، أو على يمينه أو شماله ، وهذا في العادة مستهجن.

(واتقوا الله) أي اتخذوا وقاية من عذاب الله – عز وجل – وهذا لا يتحقق إلا إذا قام الإنسان بفعل الأوامر وترك النواهي.

( إن الله سميع عليم ) هذه الجملة تحذير لنا أن نقع فيما نهانا عنه من التقدم بين يدي الله ورسوله، أو أن نخالف ما أمر به من تقواه .

(سميع ) أي سميع لما تقولون (عليم) أي عليم بما تقولون وما تفعلون؛ لأن العلم أشمل وأعم، إذ إن السمع يتعلق بالمسموعات، والعلم يتعلق بالمعلومات، والله تعالى محيط بكل شيء علما، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

والمعنى : لا تتقدموا بهذه الآراء التي تختلفون فيها ﴿ بين يدي الله ورسوله﴾ قبل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم رأيه.

ولذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: (بم تحكم؟ قال: بكتاب الله تعالى، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال: ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم) [2]

هل هذا الأدب خاص بحياة النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الصحيح أنه ليس خاصا بحياته صلى الله عليه وسلم، بل لا يجوز لأحد أن يتقدم برأي أو بأمر في مسألة إذا كان فيها نص، من كتاب الله تعالى، أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يقول: هذا رأي استحسنته ، والاجتهاد يكون لفهم النص (أي كلام الله وكلام رسوله) لا لرد النص ،وإذا لم تستوعب عقولنا الفهم الصحيح للنص نتهم عقولنا ولا نتهم النص .

وكذلك أيضا لا تقدموا حكمكم ولا رأيكم قبل أن تعرضوا الأمر على شرع الله تعالى .

فمن يدعي مخالفة شيء من الشرع للعقل فإما أن يكون هذا الأمر ليس من الشرع، أو أن يكون العقل فاسدا ، قال تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سبأ: 6] وقال تعالى : ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الرعد: 19] ، فمن زين له عقله أن في الشرع خللا ونقصا فهو أعمى فاسد العقل وإن ظن أنه مفكر .

تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: 2]

 (ولا تجهروا له بالقول) أي لا تخاطبوه: يا محمد، يا محمد، ولكن يا نبي الله، ويا رسول الله، توقيرا له وتعظيما. [3]

  وما ذكره العلماء هو في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أما بعد وفاته فالأدب عند الكلام عنه فلا يقال قال محمد؛ حيث إن ذلك من الجفاء وسوء الأدب وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا .

(لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) لا تجعلوا أصواتكم أَعلى من صوته.

( تحبط ) أى: إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده صلى الله عليه وسلم خشية أن يغضب من ذلك، فيغضب الله لغضبه، فيحبط الله عمل من أغضبه وهو لا يدرى.

ومعنى الآية : لا تجهروا بالكلام الذي فيه شيء من الجفاء أو نحو ذلك؛ كما يجهر بعضكم لبعض، بل غضوا أصواتكم عنده، ولا ترفعوا صوتكم؛ فإن في ذلك شيئا من الجفاء، وشيئا من غلظ الطبع، فكانوا إذا تكلم أحدهم لا يكاد يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حرصا منهم على التأدب، وخوفا من حبوط الأعمال.

قال ابن كثير: «وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما، فجاء فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا. وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام، لأنه محترم حيا وفي قبره صلوات الله وسلامه عليه دائما»[4]

قصة ثابت بن قيس:

ولما نزلت هذه الآية: ﴿ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ كان ثابت بن قيس بن شماس – رضي الله عنه – جهوري الصوت، فتغيب في بيته وصار لا يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فافتقده الرسول صلى الله عليه وسلم وسأل عنه فأخبروه أنه في بيته منذ نزلت الآية، فأرسل إليه رسولا يسأله، فقال: إن الله تعالى يقول: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصوتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } وإنه قد حبط عمله، وإنه من أهل النار، فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم فحضر، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، وقال: « أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟ »  قال : بلى رضيت.[5]

 فقتل – رضي الله عنه – شهيدا في وقعة اليمامة، وعاش حميدا، وسيدخل الجنة بشهادة الرسول – عليه الصلاة والسلام –

وبعد أن استشهد ثابت في المعركة، مر به واحد من المسلمين الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام ورأى على جثمان ثابت درعه الثمينة، فظن أن من حقه أن يأخذها لنفسه، فأخذها!!

 وبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه ؛فقال له: اني أوصيك بوصية، فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه؛ إني لما استشهدت بالأمس، مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي.. وإن منزله في أقصى الناس، وفرسه يستن في طوله، أي في لجامه وشكيمته وقد كفأ على الدرع برمة، وفوق البرمة رحل.. فأت خالدا، فمره أن يبعث فيأخذها.. فإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله أبي بكر، فقل له: إن علي من الدين كذا كذا. فليقم بسداده. فلما استيقظ الرجل من نومه، أتى خالد بن الوليد، فقص عليه رؤياه.. فأرسل خالد من يأتي بالدرع، فوجدها كما وصف ثابت تماما.

ولما رجع المسلمون الى المدينة، قص المسلم على الخليفة الرؤيا، فأنجز وصية ثابت. [6]

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الحجرات: 3]

قال ابن عباس – رضي الله عنهما -:لما نزل قوله: ( لا ترفعوا أصواتكم ) تألي أبو بكر ألا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار، فأنزل الله في أبي بكر: (إن الذين يغضون أصواتهم ….. )

تألي أبو بكر :حلف يمينا.

كأخي السرار : كصاحب السرار أي يكلمه بصوت منخفض .

﴿ امتحن الله قلوبهم ﴾ الامتحان : الاختبار أو بمعنى خلص، فكما أن امتحان الذهب بالنار يخلصه من شوائب أي معدن آخر.

إذا: قلوبهم أصبحت أوعية للتقوى، وليس في قلوبهم شيء آخر قط غيرها، فطهرت ونقت، وتعطرت واستقبلت التقوى في تربة خصبة خالصة لا تشوبها شوائب أخرى.

﴿ للتقوى ﴾ أي: لتقوى الله تعالى؛ فلما امتحنها ظهر أنها ممتلئة بالتقوى، ودل على ذلك غضهم أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدهم الله في هذه الآيات بقوله :

(لهم مغفرة وأجر عظيم ﴾ المغفرة: ستر الذنوب، وإزالة أثرها.

والأجر: الثواب الذي يحصل عليه المؤمن مقابل عمل عمله.

قوله – تعالى -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 4-5]

سبب نزولها:

قال ابن كثير: ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه فيما أورده غير واحد، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد يا محمد، فلم يجبه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حمدي لزين وإن ذمي لشين، فقال ذاك الله عز وجل .

والظاهر أنهم كانوا مجموعة وليس شخصا واحدا، وكان الأعراب ذوى خشونة وجفاء في أخلاقهم وطباعهم قبل أن يدخلوا الإِسلام فيرقق طباعهم ويحسن أخلاقهم، وكان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام القائلة – أي: نصف النهار – فجاء وفد من أعراب بني تميم يفادون أسراهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه من وراء الحجرات أن يخرج إليهم دون أن ينتظروه حتى يخرج من حجرته، فأنزل الله عليه تلك الآية.

﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ﴾ والحجرات جمع حجرة، وهي الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها، فأصل كلمة الحجرة من الحجر والحجر المنع، وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حجرت عليه.

{ أكثرهم لا يعقلون} قال ابن عثيمين: «يعني ليس عندهم عقل، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد؛ لأن العقل عقلان: عقل رشد، وعقل تكليف، فأما عقل الرشد فضده السفه، وأما عقل التكليف فضده الجنون، فمثلاً: إذا قلنا: يشترط لصحة الوضوء أن يكون المتوضئ عاقلاً مميزاً، فالمراد بالعقل هنا عقل التكليف، وإذا قلنا: يشترط للتصرف في المال أن يكون المتصرف عاقلاً، أي عقل رشد، يحسن التصرف، فالمراد بقوله هنا: {أكثرهم لا يعقلون} أي عقل رشد؛ لأنهم لو كانوا لا يعقلون عقل تكليف لم يكن عليهم لوم ولا ذم، لأن المجنون فاقد العقل لا يلحقه لوم ولا ذم، وهذا واضح»[7]

﴿ ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ﴾ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمَّات نفسه، وذلك حقٌّ له، فمن سوء الأدب إزعاجه وقت راحته، وعلى من أراد لقاءه أن ينتظره حتى يخرج.

لكن هؤلاء ما صبروا؛ بل أخذوا يصيحون، ويكررون: يا محمد ؛ اخرج، يا محمد اخرج إلينا؛ يكررون ذلك؛ فدل ذلك على أن عندهم شيئا من الجفاء؛ لأنهم نشئوا في البوادي وفي البراري.

وفي الحديث: « إذا استأذن أحدكم ثلاث مرات فلم يؤذن له؛ فلينصرف »[8] فيمكن أن هؤلاء كرروا الاستئذان: يا محمد يا محمد ، وهم يستأذنونه ويقولون: اخرج إلينا؛ فلذلك ما صبروا.

﴿ والله غفور رحيم ﴾ وعدهم بالمغفرة مع ما حصل منهم من هذا الجفاء، وذلك دليل على أن الله تعالى تسبق رحمته غضبه ؛ كتب على نفسه : « إن رحمتي غلبت غضبي »

وجوب الأدب مع العلماء

وهذا الأدب قد وعاه السلف حيث تجاوزوا به شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل شيخ وعالم من العلماء، احتراما لهم، حيث إنهم يحملون ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سنته.

لقد كثر المتعالمون في عصرنا، وأصبحت تجد شابا حدثا يتصدر لنقد العلماء وتجريحهم والتطاول عليهم ،وهذا أمر خطير، لأن جرح العالم ليس جرحا شخصيا، كأي رجل ، ولكنه جرح بليغ الأثر، يتعدى الحدود الشخصية، إلى رد ما يحمله العالم من الحق.

ولذلك استغل المشركون من قريش هذا الأمر، فلم يطعنوا في الإسلام أولا، بل طعنوا في شخص الرسول، صلى الله عليه وسلم لأنهم يعلمون – يقينا – أنهم إن استطاعوا أن يشوهوا صورة الرسول صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس، فلن يقبلوا ما يقوله من الحق.

إذن، فالذي يجرح العالم يجرح العلم الذي معه.

ومن جرح هذا العلم، فقد جرح إرث النبي، صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك فهو يطعن في الإسلام من حيث لا يشعر.

فيجب علينا أن نحفظ للعلماء مكانتهم، وفاعليتهم في قيادة الأمة، وأن نتأدب معهم .

ونحن نعلم أنه لا معصوم إلا من عصم الله وهم الأنبياء والملائكة ؛ وعلى ذلك فيجب أن ندرك أن العالم معرض للخطأ، فنعذره حين يجتهد فيخطئ، ولا نذهب نتلمس أخطاء العلماء ونحصيها عليهم.

وندرك أن الخلاف موجود ؛لذلك يجب أن تتسع صدورنا للخلاف بين العلماء فلكل واحد منهم فهمه، ولكل واحد اطلاعه على الأدلة، ولكل واحد نظرته في ملابسات الأمور، فمن الطبيعي أن يوجد الخلاف بينهم

وينبغي أن نعرف أن عدم الأخذ بقول العالم، وأن مناقشته، والصدع ببيان الحق، يختلف تماما عن الطعن في العلماء

فالفرق بين الأمرين عظيم جدا، يجوز لنا ألا نأخذ بالفتوى، إذا لم توافق الدليل، لكن لا يجوز لنا الطعن في العلماء.

أهم ما يستفاد من الآيات الكريمة

  1. وجوب التزام الأدب مع الله ورسوله في القول والفعل والحكم.
  2. لا يجوز إصدار حكم أو رأي قبل معرفة حكم الله ورسوله فيه.
  3. التحذير من تقديم العقول والآراء على النصوص الشرعية.
  4. وجوب تقوى الله في التعامل مع الأحكام الشرعية.
  5. الله تعالى سميع لأقوالنا، عليم بنيّاتنا وأعمالنا، فلا يخفى عليه شيء.
  6. وجوب خفض الصوت عند مخاطبة النبي ﷺ، توقيرًا وتعظيمًا.
  7. رفع الصوت عند النبي قد يؤدي إلى حبوط الأعمال دون شعور الإنسان.
  8. الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على صدق الإيمان وحياة القلب.
  9. هذا الأدب بعد وفاته ﷺ بعدم تقديم الهوى على النص الشرعي.
  10. يجب تعظيم النبي لفظًا ومعنىً، حيًا وميتًا، وذكره باللقب النبوي اللائق.
  11. هذا الأدب يشمل احترام العلماء والدعاة الذين يحملون ميراث النبوة.
  12. مناداة النبي باسمه أو بصوت مرتفع فيه جفاء وسوء أدب.
  13. بعض التصرفات قد تكشف ضعف العقل والرشد في السلوك.
  14. يجب التفريق بين النقد العلمي والوقوع في العلماء وسبهم والطعن في دينهم.

[1] من علامات السور المدنية أن يكون فيها: ﴿ يا أيها الذين آمنوا )

[2] رواه أحمد وقال ابن كثير إنه جيد الإسناد وضعفه الألباني .

[3] ومن كرامته صلى الله عليه وسلم أن الله- تعالى- لم يخاطبه في كتابه باسمه، وإنما خاطبه باللقب، كقوله- سبحانه-: يا أيها النبي. يا أيها الرسول. يا أيها المدثر. مع أنه- سبحانه- قد نادى غيره من الأنبياء بأسمائهم، كقوله- تعالى-: وقلنا يا آدم. وقوله- عز وجل: وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. …الخ.

[4] «تفسير ابن كثير – ط العلمية» (7/ 343)

[5] رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي حاتم، وابن كثير، وصححه الألباني وغيره

[6] قصة وصية ثابت بن قيس في المنام بعد استشهاده رواها ابن عبد البر في الاستيعاب (1/205)، وذكرها ابن حجر في الإصابة (1/259)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (1/291)، وقال عنها: “مشهور في الحكايات، ولا يُعوَّل عليه”، وهي مرسلة بلا إسناد متصل، ولا تصح سندًا. وقد ذكرتها هنا من باب الاستئناس فقط.

[7] «تفسير العثيمين: الحجرات – الحديد» (ص21)

[8] ومن هذا الأدب نعلم أنه ينبغي ألا ينادى الناس بعضهم بعضًا من وراء مساكنهم، وأن لا يستأذنوا في أوقات الراحة، وينبغي أن يكون الاستئذان بالقرع الخفيف على الباب، وقد قام مقامه الضغط على زر الجرس، فإذا فتح للطارق سلم على من فتح له. أي: قال له: السلام عليك، ولا يدخل البيت إلا بإذن ممن له حق الإذن.

تعليق واحد



اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14108 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع