قوانين السعادة (5)كن حكيما لا تتهور

تاريخ الإضافة 5 أكتوبر, 2025 الزيارات : 353

قوانين السعادة

(5) كن حكيما لا تتهور

معنى الحكمة :

الحكمة ليس معناها أن تكون فيلسوفا تقول الحكم كما يظن البعض لأول وهلة ،إنما الحكمة هي الإصابة في القول والفعل.

يعني ألا يكون الإنسان متهورا أو عنده سرعة وعجلة وطيش في الأمور.

الإنسان من طبعه العجلة :

الله جل وعلا وصف الإنسان أنه عجول (…وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) [الإسراء 11]، ومعنى عجولا يعني من طبعه العجلة، السرعة، يريد الأمر بمنتهى السرعة، إذا اشتهى أمرا يريده، فديننا يعلمنا أن المسلم يغالب هذا الطبع بالحكمة، والتأني والنظر في الأمور، حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، فمن الحكمة التأني ، والأناة من الرحمن ، والعجلة من الشيطان.

وكم من الناس أتعسوا أنفسهم بالعجلة والتهور؟ وكم من الناس خربت بيوتهم باستعجال الأمور وعدم الحكمة بالتهور ؟

ولذلك رب العالمين قال (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ومَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا …)[ البقرة: 269]

الحكمة والسعادة في الحياة اليومية

  • في التعامل مع الناس: الحكيم يزن كلماته وأفعاله، فلا يندم على ما قال ولا يجرح مشاعر الآخرين، فينعم براحة البال.
  • في مواجهة المصاعب: الحكيم ينظر إلى الشدائد على أنها دروس، فلا ينهار ولا ييأس، بل يخرج منها أقوى.
  • في اتخاذ القرارات: الحكيم يوازن بين الدنيا والآخرة، بين العاجل والآجل، فيعيش حياة متوازنة تحقق له الطمأنينة.

أنواع الحكمة :

الحكمة نوعان:

  • وهبي من الله.
  • كسبي يكون بالتعلم .

 فأما ما هو من الله فهذا أمر ينعم الله به على من شاء كما ذكر في بعض الآيات عن الأنبياء أن الله تعالى آتاه الحكم ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 22]

 و ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: 12]

 فالحكم هنا العلم الذي يحكم به الأشياء فيمنع من حدوث الضد.

 وهناك آيات كثيرة في هذا المعنى أن الله هو الذي ينعم على الأنبياء بنعمة الحكمة والعلم.

والأخوة اللبنانيين يسمون الطبيب “حكيم ” لأنه بطبه أو بعلمه يمنع انتشار المرض .

أما نحن فكيف نكتسب الحكمة؟ اكتساب الحكمة يأتي بعدة أمور :

 أولها : تقوى الله سبحانه وتعالى

وما علاقة التقوى بالحكمة؟

الحكمة من معانيها أن ترى الأمور ببصيرة، أي ترى الأمور على حقيقتها دون أن يكون هناك غشاوة تمنع من الرؤية الحقيقية وحتى ترى الأمور ببصيرة تحتاج إلى أن تكون من أهل الطاعة والتقوى.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد: 28]

فيجعل الله لك بالتقوى بصيرة وانكشاف للأمور، فتكون الرؤية واضحة، لا غشاوة ولا غبش ولا وقوع في فتنة ولا انشغال ببدعة ولا شيء من هذه الأمراض والحمد لله.

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال: 29]

 أي برهانا واضحا ظاهرا تفرقون به بين الحق والباطل.

ثانيها : تجارب الحياة

 فحكمة الشيوخ -أقصد كبار السن – غير حكمة الشباب ، فكلما كبر الإنسان كلما ازداد عقله وازدادت خبرته ومعرفته بالحياة ، والأيام والليالي والمواقف والأحداث تعلم الإنسان بما فيه الكفاية.

ولما تستمع لشخص عنده ستين سنة، تجد عنده تجربة في الحياة وحكمة وبصيرة بخلاف ما تستمع لابن العشرين مثلا؛ فتجارب الحياة جزء كبير أو معلم كبير للحكمة.

ثالثها / مجالسة أهل الحكمة 

أيضا من أسباب اكتساب الحكمة أن تجالس أهل الحكمة، فمجالسة الصالحين، ومجالسة العلماء، ومجالسة من ينتقون الكلام، هؤلاء يجعلونك ممن تكتسب الحكمة…. فالطبائع تعدي، ومجالسة الناس تجعل في الإنسان تأثرا ، كما قالت العرب قديما: الصاحب ساحب، ومن جالس جانس.

من يجالس أهل الإيمان يغلب على لسانه هذه الرؤية واللسان الطيب ومن يجالس أهل المعصية يغلب على لسانه اللغو والرفث والكذب …. فالطبائع تعدي.

وكان عمر بن الخطاب يقول: إن من طيبات الدنيا أن تجالس أقواما ينتقون الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.

هذه أهم أسباب اكتساب الحكمة:

  • تقوى الله فيحقق الله لك البصيرة.
  • خبرات وتجارب الحياة.
  • مجالسة الحكماء والعلماء ومن عندهم البصيرة.

الحكمة في الدعوة إلى الله عزو جل

قال تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل: 125]

هذا سبيل الله؛ لكن الدعوة إليه بطيش أو تهور قد تؤدي إلى النفور كما قال النبي ﷺ: “إن منكم منفرين”.

 قد تجد بعض الدعاة لا يقصد تنفير الناس ولا صدهم عن سبيل الله ؛ إنما أراد أن يدعو الناس إلى الله ، لكن بدون حكمة .

قال الشيخ الشعراوي- رحمه الله-: النصيحة مرة وثقيلة على النفس ، وكثير من الأنفس لا تتقبل النصيحة لثقلها ومرارتها، وحينما يكون الدواء مرا، فإنه يوضع في كبسولة جيلاتينية ، فأول ما تبتلعها لا تشعر بمرارتها بل وربما يضيفون لها مذاق بطعم السكر، حتى تستطيع بلعها،  لكن الفائدة في الدواء المر الذي بداخلها ؛ فكذلك النصيحة غلفها بالسكر، غلفها بالبسمة ، بالكلمة الطيبة، فيكون الذي أمامك أسرع في الاستجابة وأدعى لقبوله كلامك.

الحكمة في الألفاظ والكلمات 

من نعم الله على العبد أن يرزقه حلاوة اللسان، والحكمة في الكلام إذا تكلم وفي السكوت إذا سكت، فإذا تكلم تكلم بالخير وإذا سكت سكت للخير، كما في الحديث “ رَحِمَ اللهُ امْرءًا تَكلَّمَ فغَنِمَ، أو سَكتَ فسَلِمَ

و “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”.

و “إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ مِن رضوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها درجاتٍ، وإنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جهنَّمَ”.

سبب إسلام خالد بن الوليد:

الرسول ﷺ ذكر عنده خالد بن الوليد، وكان لا يزال على الشرك فقال: قد كنت أظن أن لخالد عقلا سيأتي به.

وكان له أخ اسمه عمارة سبقه بالإسلام، فأرسل عمارة بالكلمة لأخيه خالد فشرح الله صدره للإسلام ، وجاء المدينة سنة 7هـ ليعلن إسلامه.

قصة ابن مسعود مع المغني زاذان :

كان هناك مغنيا اسمه زاذان، وذات مرة سمع عبد الله بن مسعود صوته فقال ما أجمل هذا الصوت لو كان بكتاب الله عز وجل!!

فسبحان الله العظيم بلغت الكلمة زاذان المغني، فوقعت في قلبه موقعا فتاب إلى الله وكسر آلات الطرب وفارق مجالس اللهو وصار من أهل القرآن فعلا.

ولما سئل العباس عم النبي ﷺ أنت أكبر أم النبي؟ قال هو أكبر مني وأنا ولدت قبله.

وكان عمر بن الخطاب ذات مرة مقبلا على قوم أشعلوا نارا في الليل يستدفئون بها فقال السلام عليكم يا أهل الضوء.

كره أن يقول يا أهل النار.

ورحم الله الإمام الذهبي له كتاب اسمه (سير أعلام النبلاء ) كان يؤرخ فيه للعلماء والناس في زمانه فمما قال :(وله بعض السيئات تغمر في بحر حسناته.)

فرمز للسيئات بالشيء الذي لا يذكر ورمز للحسنات بالبحر إشارة إلى الخير الكثير سبحان الله.

على النقيض: بعض الناس لا يجيدون الكلام ولا يعرفون كيف يتكلمون:

أحدهم كان يزور مريضا فقال له مم تشتكي؟ قال عندي كذا وكذا، قال نفس المرض الذي مات به أبي.

وهذا آخر كان يزور أحد الناس عنده ألم في الركبة وأجرى عملية جراحية، قال سمعت أجدادنا يقولون : وداء الركبتين ليس له طبيب!

في أي شركة تعمل ؟ شركة كذا. أنا سمعت أنها ستفلس !!

أين ستلد زوجتك ؟ في المستشفى الفلاني . أنا سمعت أنهم يقتلون الأطفال.

وهذا مزاج سوداوي عجيب تراه في بعض الناس لا يرى إلا الصورة السوداء القاتمة .

الخلاصة

من أراد السعادة الدائمة، فليحرص على التحلي بالحكمة؛ فهي مصباح يهدي القلب والعقل، وميزان يزن به الإنسان دنياه وآخرته.

فمن ملك الحكمة، ملك راحة النفس وسعادة القلب.

Visited 26 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14312 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر