قوانين السعادة
(8) الصلاة قرة عين المؤمن

ما معنى قرة العين ؟
قرة العين لها معنيان:
المعنى الأول: من القرار والثبات:
قُرَّة العين : يُشتق معنى قُرَّة العين من كلمة “قرار”، والتي تعني الهدوء، والطمأنينة، وأن ما يصيب المرء يسكن، ويستقر به قلبه وعينه ، فهي تعني السعادة والفرح الشديد والطمأنينة، أو ما يسرّ به القلب وتقرّ به العين فلا تطمح إلى ما سواه.
وقد ورد هذا المعنى في قوله جل وعلا: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الفرقان:74]، يعني: هب لنا من أولادنا ومن أقاربنا وذرياتنا ما نفرح بهم فرحًا تقر به أعيننا؛ وذلك بأن تكون أمورهم حسنةً، ويفرح بهم الإنسان فرحًا تقر به عينه
فإذا كان الإنسان خائفا أو مضطربا سنرى عينه تزوغ يمينا وشمالا، وقد ورد هذا المعنى بشأن المنافقين فقال تعالى: (فَإِذَا جاء الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كالذي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الموت) [الأحزاب: 19]. فهؤلاء تدور أعينهم هنا وهناك لا تهدأ، إما من خوف، أو من قلق، أو من اضطراب، وهذا كله ينافي قُرَّة العين.
المعنى الثاني: الدمع البارد الناتج عن السرور :
ويُقال إنّها من “القرور” وهو الدمع البارد الناتج عن السرور والفرح، وتُستخدم هذه العبارة للدعاء لشخص بأن يرى ما يفرح قلبه ويسرّه كما في قولهم “أقرّ الله عينه”، أي جعل السرور سبب دمعته الباردة، وهي نقيض دموع الحزن التي تكون حارة.
إذن: قرة العين إما بمعنى ثباتها وعدم حركتها، وثبات العين واستقرارها
وجعلت قرة عيني في الصلاة :
يقول النبي ﷺ: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة)
فكانت أسعد لحظات النبي ﷺ وهو في الصلاة (وجعلت قرة عيني في الصلاة )
والصلاة تنفرد عن باقي العبادات بأنها عبادة متكررة كل يوم … فالزكاة مرة في العام، الصيام شهر في السنة، الحج مرة في العمر، لكن الصلاة عباده متكررة كل يوم خمس صلوات.
ولو تأملنا لرأينا أن كل العبادات فرضت بواسطة جبريل فينزل بالأمر من الله ، ثم يقوم النبي ﷺ بتبليغ الصحابة، إلا الصلاة فقد رفع الله نبينا ﷺ إلى فوق سبع سماوات إلى سدرة المنتهى إذ يغشى السدرة ما يغشى، وفرض عليه الصلوات الخمس.
حكمة فرضية الصلاة ليلة الإسراء:
لما عُرِجَ به- ﷺ- رأى تعبُّد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يرقد، فجمع الله له ولأمته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد، بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص.
وأيضًا كانت فرضيتها بغير واسطة إشارة إلى عظيم منزلتها، وسموِّ مكانتها في الدين ،وكيف لا وهي عماد الدين وأساس اليقين، ومنطلق التحرُّر من كل عبودية، إلا من العبودية لله وحده، والتخلص من كل ذلٍّ، إلا لربه وخالقه ورازقه،
الصلاة معراج المؤمن:
برغم أن هذا القول ليس بحديث، إلا إنه يصف بدقة الكيفيّة التي فرضت فيها الصلاة وحال العبد في صلاته، حيث أكرم الله عزّ وجلّ عبده ونبيه محمدًا – ﷺ- بالعروج إليه، وهناك عند سدرة المنتهى فرض عليه الصلاة وحيًا مباشرًا، وهي معراج المؤمن إلى ربه، ومدَدَ متصل بين الأرض والسماء، ففي الصلاة يعرج الإنسان بروحه، ويطوي فواصل البعد بينه وبين خالقه عزّ وجلّ، ولا يشعر بهذه الرحلة إلا من يكتمل خشوعه في صلاته، وبهذا يتحقق المعنى الحقيقي للصلاة وهي الصلة بين العبد وربه.
ولما كان الإسراء والمعراج للرسول ﷺ بالجسد والروح تكريمًا للنبي ﷺ، فإن ربَّ العالمين اختصَّ أمته بأن فرض عليها الصلاة في تلك الرحلة؛ لتكون عروجًا للمسلم بروحه وقلبه، وإذا كان الرسول ﷺ قد اقترب من ربه، فإن في الصلاة قربًا من الله تعالى قال تعالى:(كلا لا تطعه وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق:19]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”.
لأنك بمجرد أن تقول الله أكبر مستقبلا القبلة فأنت بذلك قد دخلت في مناجاة مع الله عز وجل كما في الحديث الإلهي :
يقول الله عز وجل: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، وإذا قال : مالك يوم الدين ، قال : مجدني عبدي ، وقال مرة : فوض إلي عبدي ، فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) رواه مسلم.
إذن الصلاة التي فيها معنى السعادة هي الصلاة التي فيها خشوع لله عز وجل قال تعالى : ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]
قال ابن كثير (1/ 253 ) في تفسيرها: فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر ، كما قال تعالى : (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) [العنكبوت/45] .
ثم ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نعي إليه أخوه وهو في سفر ، فاسترجع ، ثم تنحى عن الطريق ، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) انتهى .
والمعنى : أي مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين، فهي أحب ما تكون إلى قلوبهم، ولعلنا نجد بعض الناس إذا صلي لا يشعر ماذا قال ولا كيف صلى ولا كيف انتهى؟ فيشعر أنها ثقيلة !! وربما تسمع بعض الناس يقول : أروح أخطف أربع ركعات الظهر!!!
فالصلاة روحها الخشوع، ولو أردت أن تتذوق الصلاة اخشع فيها وتدبر الآيات.
الفرق بين الصلاة التي فيها خشوع والصلاة التي ليس بها خشوع دقيقتين لكن الأثر كبير.
فجعلها النبي ﷺ راحة ومستراح قلوب المؤمنين وفي سورة الحجر رب العزة قال لنبينا : ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 97-98] ،لأن النبي كان بشرا ويضيق صدره بما يقولون مرة مجنون ومرة شاعر ومرة كاهن فأوصاه الله بالتسبيح والصلاة.
فإذا ضاق صدرك فتوضأ والجأ إلى الله سبحانه وتعالى.
وقال حذيفة: كان الرسول ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
حزبه الأمر: اشتد عليه.
علامات الخشوع في الصلاة
من علامات الخشوع :
- أن الخاشع في صلاته إذا انصرف منها وجد خفّة من نفسه .
- يشعر بأن أثقالا قد وضعت عنه .
- يجد نشاطا وراحة وروحا ، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ، لأنها قرّة عينه ونعيم روحه ، وجنة قلبه ، ومستراحه في الدنيا.
- يشعر كأنه كان في سجن وضيق حتى دخل فيها ، فاستراح بها ، لا منها ، فالمحبون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا ، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم : (يا بلال أرحنا بالصلاة) ولم يقل أرحنا منها، وقال : (جعلت قرة عيني بالصلاة) فمن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، كيف تقرّ عينه بدونها وكيف يطيق الصبر عنها ؟
الآن الموضة أول ما يحصل له حاجة يجري الشخص على الفيسبوك ويكتب: ادعوا لي كثيرا !!!
سؤال: هل دعوت لنفسك؟ هل توضأت وصليت ركعتين؟ كلا.
إذن ادع أنت أولا وأقبل على الله قبل طلب الدعاء من غيرك، فأنت عبد لله ارفع يديك وقل يا رب .
وعن علي رضي الله عنه، قال: “لقد رأيتُنا ليلةَ بدرٍ وما منا إنسان إلا نائمٌ، إلا رسولَ الله ﷺ، فإنه كان يصلِّي إلى شجرة، ويدعو حتى أصبح”
وعن حُميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن أمِّه أم كلثوم بنتِ عقبة بن أبي مُعَيط، رضي الله عنها، وكانت من المهاجرات الأُوَل، في قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45]، قالت: “غُشِي على عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه غشية ظنوا أن نفسَه فيها؛ فخرجت امرأتُه أمُّ كلثوم إلى المسجد لتستعينَ بما أُمِرت أن تستعين من الصبر والصلاة، قال: فلما أفاق، قال: غُشِي علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم، إنه أتاني ملكانِ في غشيتي هذه، فقالوا: انطلِقْ نُحاكِمك إلى العزيز الأمين، قال: فانطلَقا بي، قال: فلقيهما ملَكٌ آخر، فقال: أين تريدانِ؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتب لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيُمتِّع الله بَنِيه ما شاء الله، فعاش شهرًا ثم مات”
دعوت لك ملك الملوك:
وهذه قصة لأحد مشايخ السعودية والمشايخ في السعودية كانوا لوقت قريب لهم مكانة في المجتمع ولهم شفاعة مقبولة عند أولي الأمر.
فجاء أحد المصلين يبكي للشيخ قائلا : وقع علي ظلم في الشركة وبدل من أن آخذ ترقية أو آخذ مكافاة ظلمت ونقلت من المكان الذي أعمل فيه، فهل عندك واسطة – يقصد أمير أو مسؤول – تكلمه في شأني؟
فقال نعم عندي واسطة إن شاء الله في المساء أكلمه عنك.
وفي اليوم التالي ذهب الرجل لعمله فوجد المدير ينادي عليه وسمع منه قصته، وعلم أن هناك وشاية القصد منها إفساد سمعته وأنه رجل محترم وذو كفاءة ، فعوضه وأعطاه الترقية التي كان يستحقها ومكافأة .
كل هذا والرجل يقول في نفسه متعجبا : هل الشيخ أوصى الملك نفسه؟
وفي المساء ذهب الرجل إلى الشيخ فرحا مستبشرا وقال له جزاك الله عني خيرا يا شيخ جزاك الله عني خيرا حدث كذا وكذا ….
لكن بالله عليك أخبرني من هو الواسطة الذي كلمته لعلك حكيت مع الملك نفسه ؟ فقال الشيخ كلا لم أتكلم إلى الملك ولكني قلت لك: أمهلني إلى المساء فتوضأت وصليت ركعتين ودعوت لك ملك الملوك جل جلاله الله بظهر الغيب فلعلها كانت ساعة إجابة.
قصة شيخ مع الفأر:
أحد مشايخنا رحمة الله عليه حكى لنا قصة حدثت له يقول: دخلت البيت بعد العشاء فوجدت فيه جلبه وحركة، فقلت مالكم يا أولاد؟ قالوا في فأر بالشقة!!
فقال لهم : ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة[1] ، أنا متوضئ فتوضأوا، ووقف إماما فصلى ركعتين ، وبعد الصلاة سألوه ماذا نفعل؟
قال أنا جائع جدا فسخنوا الأكل، وهيا إلى العشاء، قالوا بنفس واحد والفأر؟ فقال لهم نحن قد صلينا، وبعد العشاء يحلها ربنا… أو نتفاهم مع الفأر في آخر الليل فسخنوا الأكل، وبينما هم يأكلون إذا بالفأر خارج من المطبخ يترنح ، فقد كان المسكين مختبئا في البوتاجاز فلما شغلوا النار احترق واشتد عليه الألم، فخرج يترنح، فأخذ ضربتين على رأسه، وكفى الله أهل البيت من شره.
[1] ليست حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي قول مروي عن بعض السلف الصالح مثل العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، وقد صحح بعض العلماء روايتها عنهم، وهي تمثل معنى صحيحًا تدل عليه نصوص القرآن والسنة النبوية.