شرح الدعوات ( الجوامع والكوامل )

تاريخ الإضافة 23 يوليو, 2023 الزيارات : 6841

شرح الدعوات ( الجوامع والكوامل )

عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يا عائشة، عليك بالجوامع والكوامل، قولي: اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إني أسألك مما سألك منه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك مما استعاذ منه محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته لي رشدا.) وفي رواية (وأسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قَضاءٍ قضيتَهُ لي خيرًا) رواه الإمام أحمد ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح، وصححه الألباني .

في هذا الحديثِ تخبِرُ عائشةُ رَضي اللهُ عنها: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم علَّمها هذا الدُّعاءَ فقال:

(يا عائشة، عليك بالجوامع) فهذا الدُّعاءُ مِن أجمَعِ الأدعيَةِ؛ فإنَّ فيه سؤالَ كلِّ خيرٍ، والاستعاذةَ مِن كلِّ شرٍّ، ثمَّ النَّصَّ على سؤالِ أفضَلِ الخيرِ، وهو الجنَّةُ والأعمالُ الصَّالحةُ المقرِّبةُ إليها، والاستعاذةِ مِن أعظَمِ الشَّرِّ، وهو النَّارُ والمعاصي المقرِّبةُ إليها، وهذا الدُّعاءُ يَكفي عن غيرِه، وإذا أكثَر المسلِمُ مِن الدُّعاءِ به كان على خيرٍ عَظيمٍ.

والكوامل ” من الكمال والمقصود سعة المعنى، وشموله، واحتوائه على أجلّ المقاصد، وأعلى المطالب منه، فما من خير يتمناه العبد ما علمه وما لم يعلمه في دينه ودنياه وآخرته إلا وقد دخل فيه، وما من شرٍّ يخافه العبد مما علمه، ومما لم يعلمه في دنياه وآخرته إلا وقد دخل في الاستعاذة منه، وغير ذلك أنه من دعا به فقد كفاه ما دعا به سيد الأولين والآخرين طول حياته في سرِّه وعلانيته.

“اللَّهمَّ إنِّي أسألُك مِن الخيرِ كلِّه” أعطني من جميع أنواع الخير مطلقاً في الدنيا والآخرة ما علمت منه وما لم أعلم ؛ والتي لا سبيل لاكتسابها بنفسي إلا منك، فأنت تعلم أصلح الخير لي في العاجل والآجل.

 “عاجِلِه أي: القَريبِ في وقتِه.

“وآجِلِه” أي: والبعيدِ

 “ما عَلِمتُ منه” أي: الَّذي يَكونُ في عِلمِ العبْدِ.

 “وما لم أعلَمْ” أي: والَّذي يكونُ في عِلمِ اللهِ عزَّ وجلَّ مما لا يعلمه العبد.

 وهذا الدُّعاءُ فيه تفويضُ الأمرِ إلى عِلمِ اللهِ تعالى، فيَختارُالله لعبده أفضلَه وأحسَنَه.

 “وأعوذُ بك” أي: أعتَصِمُ وأحتَمي باللهِ.

 “مِن الشَّرِّ كلِّه عاجِلِه وآجِلِه ما عَلِمتُ منه وما لم أعلَمْ” أي: اللَّهمّ أجرني واعصمني من جميع الشرور العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة الظاهرة منها والباطنة، والتي أعلم منها، والتي لا أعلمها؛ فإن الشرور إذا تكالبت على العبد أهلكته.

 هل الدعاء يرد البلاء ؟

عن سلمان الفارسي، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ) رواه الترمذيُّ بسند حسَن .

ومعناه‏‏ أن الدعاء سبب في حصول الخير ، وأن هناك أشياء مقدرة ومربوطة بأسباب ، فإذا تحقق السبب وقع المقدر ، وإذا لم يتحقق السبب لم يقع ، فإذا دعا المسلم ربه حصل له الخير ، وإذا لم يدعُ وقع به الشر .

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “والدُّعاء من أنفع الأدويةِ، وهو عدوُّ البلاء، يدافِعه ويعالجه ويمنع نزولَه، ويرفعه أو يخفِّفه إذا نزل، فالدُّعاء عدوُّ البلاء”

ويبين لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم علاقةَ الدُّعاء بالبلاء فيقول: (وإنَّ البلاء لينزِل فيتلقَّاه الدُّعاءُ، فيعتلجان إلى يوم القيامة)، وهو تفسير للمصارعة التي تَحدث في مكانٍ ما بين السَّماء والأرض؛ فالبلاء نازِل، والدُّعاء صاعِد، واللِّقاء بينهما محتوم، فلِمن الغلبة؟

ثم يقول : للدعاء مع البلاء مقامات .
أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .
الثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء ، فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه ، وإن كان ضعيفا .
الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه .

” اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك مِن خيرِ ما سألَك عبدُك ونبيُّك، وأعوذُ بك مِن شرِّ ما عاذ به عبدُك ونبيُّك”

وهذا الدعاء الجليل، يتضمن كل ما فات الإنسان من أدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم التي لم تبلغه أو لم يسمع بها، فهو يسأل كل ما سأله النبي صلى الله عليه وسلم بأوجز لفظ، وبأشمل معنى .

قوله: (وأعوذ بك من شر ما استعاذ به عبدُك ونبيُّك) وهذا كسابقه، فذاك في سؤال الخير، وهذا في الاستعاذة من الشر، ويدخل كذلك كل شر ما استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم .

 “اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك الجنَّةَ”، أي وفقني يا اللَّه إلى الأسباب القولية والفعلية الموصلة إلى الجنة، وهذا الدعاء فيه تخصيص الخير الذي سأله من قبل؛ لأن هذا الخير هو أعظمه، وأكمله، وهو الجنة، فلا خير أعظم منها إلا رضى اللَّه، والنظر إلى وجهه الكريم.

 “وما قرَّب إليها مِن قوْلٍ أو عمَلٍ”، أي: والقُدرةَ على عمَلِ الطَّاعاتِ الَّتي تكونُ سببًا في دُخولِها.

 “وأعوذُ بك مِن النَّارِ وما قرَّب إليها مِن قوْلٍ أو عمَلٍ” أي قني واعصمني من الوقوع في الأسباب الموجبة لدخول النار، سواء كانت قولية أو فعلية، وهذا الدعاء فيه تخصيص من الشر المستعاذ منه من قبل، والعياذ باللَّه، فهي أشد الشر وأخطره، فما من شر أشد منها.

وطلَبُ دخولِ الجنَّةِ والابتعادِ عن النَّارِ مَطلَبُ كلِّ مسلِمٍ وغايةُ عمَلِه، ويَنبغي أنْ يُدَندِنَ حولها كلُّ داعٍ، كما كان يُدندنُ حولها رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه رضِيَ اللهُ عنهم،كما ورد عن أبي صالح عن بعضِ أصحابِ النّبي صلى الله عليه وسلم أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لرجلٍ: ” ما تَقُولُ في الصّلاة ِ”، قالَ: أتَشَهّدُ ثم أقولُ اللهم إني أسأَلُكَ الجنّةَ وأَعوذُ بكَ منَ النّار، ولا أُحسِنُ دَنْدَنتكَ ولا دَنْدَنةَ مُعاذ، قال: “حَوْلها نُدَندِن”. هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود.

الدّندَنةُ أن تَسمَعَ منَ الرّجُلِ نَغْمةً ولا تَفهَم ما يقول، وقيلَ الدّندَنةُ الكَلامُ الخَفِيّ، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” حَولهُما نُدَندِنُ “، أي حول هذين الدُّعائَين من طَلب الجنة والاستعاذَةِ منَ النّار.

“وأسأَلُك أنْ تَجعَلَ كلَّ قضاءٍ قضَيتَه لي خيرًا”، وهذا مِن الدُّعاءِ بالرِّضا بقَضاءِ اللهِ وأن يكونَ كلُّ أمرٍ قَضاه اللهُ للمسلِمِ مَصحوبًا ومُلابِسًا للخيرِ الَّذي يُرضي المقضيَّ له؛ هذا، وفي رواية: (وَمَا قَضَيْتَ لِي مِنْ قَضَاءٍ ، فَاجْعَلْ عَاقِبَتَهُ لِي رَشَدًا)

أي أسألك يا اللَّه أن تكون عواقب كل قضاء تقضيه لي خيراً، سواء كان في السراء أو الضراء، وافق النفس أو خالفها؛ لأن كل الفوز و الغنيمة في الرضا بقضائك؛ فإنك لا تقضي للمؤمن إلا خيراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم  (عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 73 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع