شرح الأربعون النووية 22- أرأيت إذا صليت المكتوبات

تاريخ الإضافة 20 يناير, 2024 الزيارات : 834

شرح الأربعون النووية

22- أرأيت إذا صليت المكتوبات

 

عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: “أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا؛ أأدخل الجنة؟ قال: نعم”. رواه مسلم.

شرح الحديث

(أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) السؤال عن الأمور الشرعية يدل على حرص الصحابة على تعلم الخير وفهم الدين.

 (أرأيت) الاستفهام هنا بمعنى الاستخبار، ورأيت بمعنى علمت؛ أي: أخبرني بما تعلمه وتتيقنه من أمري.

(إذا صليت المكتوبات) أي: المفروضات، وهي الصلوات الخمس.

(وصمت) شهر (رمضان)

 (وأحللت الحلال، وحرمت الحرام) معنى أحللت الحلال: فعلته معتقدا حله، ومعنى حرمت الحرام: اجتنبته.

وقد ضل في هذا الباب ثلاثة أصناف :

الصنف الأول : الكفار الذين يحرمون ويحللون من تلقاء أنفسهم ليوافق أهوائهم ودينهم المحرف كما قال الله في حق الكفار الذين كانوا يغيرون تحريم الشهور: (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله)[التوبة: 37]، والمراد أنهم كانوا يقاتلون في الشهر الحرام عاما فيحلونه بذلك ويمتنعون من القتال فيه عاما فيحرمونه بذلك، أيضا حرموا على أنفسهم بعض الذبائح.

الصنف الثاني : المتصوفة الذين غلب عليهم زهدهم في الدنيا مع قلة الفقه في الدين وقلة الإتباع للسنة فحرموا على أنفسهم بعض المباحات تقشفا وقد قال الله فيهم: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا)[المائدة:87] ، ويدخل في هذه الآية كل من حرم شيئا من الطيبات والوسائل العصرية تورعا أو اشتباها وألزم الناس بذلك وأثمهم على تعاطيها أما من ترك شيئا وكرهه ليس تحريما وإنما من باب الورع والإحتياط للشبهة أو ما يترتب عليه من المفسدة أو الصد عن ذكر الله أو ترك شيئا من المباح لينكسر قلبه ويتفرغ للعبادة فهذا فعل حسن لا حرج فيه وهو مسلك أهل الورع والزهد والأفضل إن كان يقتدى به أن يباشره ولو مرة ليبين الجواز ورفع التهمة عن نفسه والحرج عن العامة.

الصنف الثالث: السفهاء والجهال الذين يحرمون أشياء على أنفسهم لأجل الخصومة أو سبق الحلف والطلاق على ألسنتهم في كل مناسبة أو الإضرار بأحد ويغلب عليهم هذا السلوك المشين ثم يذهبون لمن يجد لهم رخصة ومخرجا مما هم فيه وهذا تصرف فيه حرج وتنطع وتشبه بالمستخفين بشرع الله.

 

 (ولم أزد على ذلك شيئا؛ أأدخل الجنة؟ قال: نعم) وهذا دليل على أن من التزم أداء الفرائض وترك المحرمات دخل الجنة، وقد جاء صريحا في حديث طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: (يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا فقال أخبرني بما فرض الله علي من الصيام فقال شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا فقال أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فقال والذي أكرمك بالحق لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق). متفق عليه.

ولا يشترط في دخول الجنة الإتيان بالسنة فمن حافظ على الصلوات الخمس والزكاة ورمضان والحج واقتصر على ذلك ولم يتطوع بالنوافل دخل الجنة وكان في رتبة المقتصد من أهل الإيمان ويدخل في منزلة أهل اليمين في الجنة.

أما من أتى بالسنن وأكثر من النوافل فهو أفضل منه وأعلى منزلة في الجنة لأنه في رتبة السابق بالخيرات ويدخل في منزلة السابقين بالجنة قال الله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير).

قال ابن عباس: (السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم). فينبغي للمؤمن أن يأت بالفرائض والسنن ولا يفرط في فضلها لتكفر خطاياه وتسد خلله في الفريضة وترفع درجاته في الجنة.

اجتناب الكبائر:

أسباب الطاعات تكون مدخلة للعبد الجنة من أول وهلة إذا لم يتلبس العبد بشيء من الكبائر التي تحرمه وتمنعه من دخول الجنة كما جاء ذلك مفسرا في بعض الأحاديث كما في حديث عمرو بن مرة الجهني قال:(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا ونصب أصبعيه ما لم يعق والديه).

وكذلك كل ما ورد من الأحاديث التي توجب عدم دخول الجنة بالكبائر كالعقوق والكبر والنميمة فإذا تغشى المسلم الكبائر وأصر على السيئات ولو مع فعل الطاعات استحق الوعيد وتعرض للحساب والعقوبة ودخل النار ليمحص وتكفر سيئاته إلا أن يتغمده الله برحمة من عنده ويعفو عنه.

والحاصل أن نصوص الوعد والثواب لا تنفذ إلا بالخلو من نصوص الوعيد والعقاب فلا بد من تقييد النصوص المطلقة والعمل بنصوص الوعد ونصوص الوعيد كليهما على حد سواء والنظر إليهما باتزان واعتدال وعدم إهمال شيء منهما.  

لماذا لم يذكرالزكاة والحج؟

لعدم فرضهما إذ ذاك، فربما ورد الحديث قبل أن تفرض الزكاة أو الحج ؛ فإن الحج قد فرض في السنة الثامنة من الهجرة، والزكاة وإن كانت قد فرضت في مكة فإنها كانت عامة من غير تحديد النصاب ، ولم يأتي بيان النصاب إلا في المدينة،وكذلك أيضا يمكن أن يكون السائل فقيرا ليس عنده مال، ولهذا لم يسأل عن الزكاة.

النبي المعلم :

نتعلم هنا مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لتنوع القدرات ، إذ من المعلوم أن الناس ليسوا على شاكلة واحدة في ذلك ، بل يتفاوتون تفاوتا كبيرا ، فلئن كان في الصحابة من أمثال الصديق و الفاروق وغيرهم ، فإن منهم – في المقابل – الأعرابي في البادية ، والمرأة الضعيفة ، وكبير السن ، وغيرهم ممن هم أدنى همة وأقل طموحا من أولئك الصفوة .

 قال أبو هريرة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: “من أصبح منكم اليوم صائمًا؟”، قال أبو بكر -رضي الله عنه-: أنا، قال: “فمن تبع منكم اليوم جنازة؟”، قال أبو بكر -رضي الله عنه- أنا، قال: “فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟”، قال أبو بكر: أنا، قال: “فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟”، قال أبو بكر -رضي الله عنه-: أنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة”(رواه مسلم).

وقال-صلى الله عليه وسلم- في شأن عبد الله بن عمر: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل قال سالم: فكان عبدالله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. متفق عليه.
وقال : يا عبد الله لا تكن مثل فلان: كان يقوم الليل فترك قيام الليل متفق عليه.

وهذا درس للدعاة فإنه يجب على الدعاة إلى الله أن يفهموا طبيعة هذا الدين ؛ حتى يتمكنوا من تربية الناس على مبادئه ، ومراعاة الفروق بين الناس على حسب قوة إيمانهم أو ضعفه.

نسأل الله تعالى أن يلهمنا الخير والصواب ، والحمد لله رب العالمين .

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه: (الحق المر) كيف ندعو إلى الإسلام؟

دخلت مكتبي فتاة لم يعجبني زيّها أول ما رأيتها، غير أنى لمحت في عينها حزناً وحيرة يستدعيان الرفق بها، وجلست تبثنى شكواها وهمومها متوقعة عندى الخير!. واستمعت طويلاً، وعرفت أنها فتاة عربية تلقت تعليمها في فرنسا، لا تكاد تعرف عن الإسلام شيئاً، فشرعت أشرح حقائق، وأرد شبهات، وأجيب عن أسئلة، وأفنّد أكاذيب المبشرين والمستشرقين حتى بلغت مرادي أو كدت!

ولم يفتني فى أثناء الحديث أن أصف الحضارة الحديثة بأنها تعرض المرأة لحماً يُغري العيون الجائعة، وأنها لا تعرف ما في جو الأسرة من عفاف وجمال وسكينة… واستأذنت الفتاة طالبة أن آذن لها بالعودة، فأذنت… ودخل بعدها شاب عليه سمات التدين يقول بشدة: ما جاء بهذه الخبيثة إلى هنا؟

فأجبت: الطبيب يستقبل المرضى قبل الأصحاء، ذلك عمله!! قال: طبعاً نصحتها بالحجاب! قلت: الأمر أكبر من ذلك، هناك المهاد الذى لابد منه، هناك الإيمان بالله واليوم الآخر والسمع والطاعة لما تنزل به الوحي فى الكتاب والسنّة، والأركان التى لا يوجد الإسلام إلا بها في مجالات العبادات والأخلاق… فقاطعني قائلا: لك كله لا منع أمرها بالحجاب..

قلت في هدوء: ما يسرني أن تجيىء في ملابس راهبة، وفؤادها خال من الله الواحد، وحياتها لا تعرف الركوع والسجود، إنني علمتها الأسس التى تجعلها من تلقاء نفسها تؤثر الاحتشام على التبرج.

فحاول مقاطعتي مرة أخرى فقلت له بصرامة: أنا لا أحسن جر الإسلام من ذيله كما تفعلون، إننى أشد القواعد وأبدأ البناء بعدئذ. وأبلغ ما أريد بالحكمة..

وجاءتني الفتاة بعد أسبوعين فى ملابس أفضل، وكانت تغطي رأسها بخمار خفيف، واستأنفت أسئلتها. واستأنفت شروحي، ثم قلت لها: لماذا لا تذهبين إلى أقرب مسجد من بيتكم؟ وشعرت بندم بعد هذا السؤال. لأني تذكرت أن المساجد محظورة على النساء!

لكن الفتاة قالت: إنها تكره رجال الدين، وما تحب سماعهم! قلت: لماذا؟ قالت: قساة القلوب غلاظ الأكباد!! إنهم يعاملوننا بصلف واحتقار! ولا أدرى لماذا تذكرت (هند امرأة أبى سفيان) التي أكلت كبد حمزة رضي الله عنه ونالت من الإسلام ما نالت، إنها كانت لا تعرف رسول الله، فلما عرفته واقتربت منه وآمنت به قالت له هذه الكلمات:

(يا رسول الله : والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب أن يذلوا من أهل خبائك!! وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلى أن يعزُّوا من أهل خبائك).

إن نبع المودَّة الدافق من قلب الرسول الكريم بدَّلَ القلوب من حال إلى حال، فهل يتعلم الدعاة ذلك من نبيهم فيؤلفوا بدلاً من أن يفرقوا. ويبشروا بدلاً من أن ينفروا؟!

الفوائد من الحديث:

1- حرص الصحابة على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما ينفعهم ويقربهم إلى الله.

2- الغاية من هذه الحياة هي دخول الجنة.

3- أهمية الصلوات المكتوبات، وأنها سبب لدخول الجنة مع باقي ما ذكر في الحديث.

4- فعل الواجبات وترك المنهيات سبب لدخول الجنة.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 86 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع