ماذا كتب مايكل هارت عن الرسول في كتابه الخالدون مئة؟

ماذا كتب مايكل هارت عن الرسول ﷺ
في كتابه الخالدون مئة؟
تمهيد:
وافانا شهر ربيع الأول، شهر ميلاد الحبيب النبي ﷺ، والذي أكرمنا الله تعالى وشرفنا بأن نكون من أمته، سائلين الله سبحانه وتعالى أن نكون أهلاً لهذا الشرف، وأن يديم علينا نعمة الإسلام إلى أن نلقى الله على التوحيد، ونلقى رسول الله ﷺ على حوضه الشريف، فنشرب بيده شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
عناصر الخطبة:
أولا/ التعريف بكتاب: مئة غيروا التاريخ
ثانيا/ منهج قابل للتطبيق
ثالثا/ غير العالم بمنهجه وأخلاقه
رابعا/ لا يوجد كتابٌ يشبه القرآن في الإحكام والدقة
خامسا/ محمد أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ
أولا/ التعريف بكتاب: مئة غيروا التاريخ

تكلم الكثيرون عن شخصية رسول الله ﷺ كشخصية مؤثرة في التاريخ كله، تاريخ الإنسانية.
ولعل أشهر من ألف في هذا الموضوع مايكل هارت، الذي ألف كتاباً بعنوان
(مئة غيروا التاريخ)
أو الذي اشتهر بترجمته العربية (الخالدون مئة أعظمهم محمد ﷺ) [1]
وأريد أن أتوقف مع بعض اللمحات ونرى العظمة النبوية من زاوية أخرى لرجل ليس مسلماً.
وهذه زاوية مهمة قد تخفى على البعض منا؛ بمعنى أننا إذا أردنا الكلام عن رسول الله ﷺ ومكانته وجلاله وحبه، فهذا أمر ندركه بالعاطفة الإيمانية التي بداخل كل واحد منا.
لكن حينما نتعرض لهذا الكاتب مايكل هارت، الذي ألف كتابه القرن الماضي وتحديدا في عام 1978، وأحدث الكتاب ضجة حينما ألف، لأنه كان هناك جدل وصخب حول اختيار الشخصيات واختيار أبرز شخصية في التاريخ الإنساني كله، شخصية النبي ﷺ.
لماذا اختار مايكل هارت النبي كأعظم شخصية في التاريخ أو على رأس المئة بتعبير أدق؟
اتبع مايكل هارت أسسًا محددة في ترتيب الشخصيات ووضع شروط لاختيارها منها:
- أن تكون الشخصية حقيقية عاشت فعلًا.
- وأن تكون الشخصية غير مجهولة فهناك مجهولون عباقرة مثل أول من اخترع الكتابة لكنه مجهول.
- وأن يكون الشخص عميق الأثر.
- وأن يكون له تأثير عالمي وليس إقليمي فقط.
- بالإضافة إلى أنه استبعد كل من كان على قيد الحياة.
في مقدمة الكتاب تناول الكاتب نقاشًا دار بين الفيلسوف الفرنسي فولتير ومجموعة من المفكرين واتفقوا على أن أعظم الشخصيات في التاريخ هو إسحاق نيوتن، ووضع فولتير معياره لتحديد الشخصيات العظيمة حيث قال: (إن الذي يتحكم في عقولنا من خلال قوة الحق لا الذي يستعبدها من خلال العنف هو من ندين له بتعظيمنا).
أما عن سبب وضعه للنبي محمد أول القائمة بينما وضع نبي الله عيسى في المرتبة الثالثة، فقد قال عنه مايكل هارت:
«المثال الملفت للنظر هو ترتيبي لمحمد أعلى من المسيح، ذلك لاعتقادي أن محمدًا كان له تأثير شخصي في تشكيل الديانة الإسلامية أكثر من التأثير الذي كان للمسيح في تشكيل الديانة المسيحية»
وأتناول بعض النقاط الواردة بالكتاب وأعلق عليها إن شاء الله.
ثانيا/ منهج قابل للتطبيق
قال : إن أبرز سمة في هذا الرجل أنه طبق تعاليم مدينته فنجح دينياً ودنيوياً.
هو يقصد بهذا أن الإسلام لم يأتِ به النبي ﷺ كسائر المفكرين أو المصلحين على مر التاريخ. فربما تقرا عن أحدهم أنه كان عالماً في علم من العلوم، لكنه أخلاقياً لا يعرف عنه شيء، أو يعرف عنه أنه كان سكيراً، أو أنه كان عنده شطحات، أو أنه كان كذا.
فالنبي ﷺ جاء بمنهج قابل للتطبيق، وقام بنفسه بتطبيق هذا المنهج، وهذا معنى قول عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن ﷺ.
يعني القرآن ينزل، والنبي ﷺ يفعل كما أمره الله.
فالصحابة يسمعون القرآن، ويرونه مطبقاً، فنجح النبي ﷺ بأن يكون الإسلام منهجاً ربانياً واقعياً قابلاً للتطبيق، ليس فيه النزعة الروحانية العالية التي ظهرت عند الرهبان في النصرانية، ولا النزعة المادية الجدلية التي ظهرت في الفلسفات والمذاهب والديانات الأخرى.
إنما عاملت الإنسان كإنسان له جسد وروح، الجسد له احتياجات، والروح لها احتياجات؛ فحصل التوازن بين الأمرين.
ولما أحب بعض الصحابة الغلو في العبادة، أحدهم قال: أصوم فلا أفطر. والثاني قال: أقوم الليل فلا أرقد. والثالث قال: لا أتزوج النساء. علمهم النبي أن هذا ليس هو التدين الحق. التدين وسطية، جمع بين حاجات جسدك الفطرية الغريزية وبين عبادتك لربك.
فقال في مقدمة كلامه: (أنا أتقاكم لله وأشدكم له خشية) يعني لا أحد يزايد علي في هذا الموضوع؛ أنا الذي أرسلني الله بمنهج أقوم على تطبيقه، ومع هذا فإني أصوم وأفطر؛ أصوم بعض الأيام وأفطر بعضها، بل كان إفطاره أكثر من صيامه كما نعلم من حاله ﷺ، وأقوم وأرقد. كان ينام ويقوم في الثلث الأخير من الليل، وكان أحياناً يصلي أول الليل ثم ينام وهكذا، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
فجمع النبي ﷺ بين التطبيق للإسلام كزعيم سياسي وعسكري وموجه روحي وديني أو مرشد تربوي.
ثالثا/ غير العالم بمنهجه وأخلاقه
الملمح الثاني فيما كتبه مايكل هارت: أن الرسول ﷺ لم ينشأ في بيئة متحضرة مشهورة بالعلم أو الحضارة: قال :
“أكثر هؤلاء الذين اخترتهم وُلدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسياً وفكرياً، إلا محمداً – ﷺ ، فهو وُلد سنة 570 ميلادية في مدينة مكة؛ جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم، بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن.
أي واحد درس الفلسفة في اليونان يدرك كيف كان هناك الحكمة والفلاسفة والإغريق وكتبهم في المنطق وهذه الأمور كلها وغيرها من الحضارات وأراضي الحضارات.
لكن النبي ﷺ نشأ في بيئة فقيرة جداً، بيئة لا معالم فيها للحياة، لا زرع ولا ماء. شح في الماء وشح في الحياة، وعوامل الحياة قليلة في الجزيرة العربية لندرة المياه فكانت الحياة صعبة وشديدة؛ فبالتالي كانوا بعيدين عن المراكز الحضارية، لا علم ولا معرفة ولا وسائل للتقدم العلمي أو المعرفي ولا كل هذه الأشياء، وعلى الرغم من هذا برز النبي ﷺ بأخلاقه وتعاليمه وما جاء به من وحي السماء، وهذا هو التميز.
وأنا أقرأ هذا الكلام قلت سبحان الله هذا الرجل أدرك أن النبي كان أميًا علم العالم ، وتعجبون معي أن بعض المتعالمين على الفيسبوك الآن، وهذا بوست مشهور، يقولون إن النبي لم يكن أميًا، إنما كلمة أمي نسبة إلى أم القرى!!!
وهذا سخف نحاول به تأويل النصوص الشرعية لهذا الأمر، لأن الأمية في حق النبي ليست نقصًا، بل هي في حقه كمال.
وقد أراد الله تعالى ألا يكون هناك أي شبهة في أن النبي ﷺ تلقى علمًا من العلوم أو منهجًا أو تشريعًا أو أي شيء مما ذكر في القرآن من أي أحد.
لأن مصدر المعرفة هو العلم، والعلم يكون بالقراءة، أو التلقي من معلم؛ النبي لم يكن يقرأ ولا يكتب، ولم يكن هناك في بيئته مصدرًا للتلقي ولا للتعلم؛ إنما كان معلمه هو رب العالمين، قال تعالى: ( وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيمًا)[النساء:113]، وقال تعالى: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا)[الشورى:52]
فالنبي ﷺ أميته لا تعيبه، أميته كمال له وتنزيه لجنابه الشريف ﷺ من أن يكون تلقى علمًا من أحد أو سافر إلى البلد الفلاني أو تلقى العلم على العالم الفلاني.
كلا، النبي ﷺ نشأ في بيئته، أربعون سنة قبل البعثة، وكانوا يعرفونه بأخلاقه ولقب ﷺ بالصادق الأمين كما نعلم .
وعمل برعي الغنم ثم عمل بالتجارة هذا هو رسول الله الذي يعرفونه، فلما جاءهم بما جاءهم به علموا جميعًا أنه جاء بوحي من الله سبحانه وتعالى، قرآنًا يتلى.
وهذا أبو بكر الصديق، الذي لم يكن فيلسوفا ولا حكيم الزمان ولا محاور ولا مناظرا؛ قال له أبو جهل : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة وعاد في نفس الليلة. ماذا قال أبو بكر؟
قال: إن كان قال فقد صدق. أنا أصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء.
هو يقول إن الوحي ينزل عليه من السماء، ألا أصدقه في أنه ذهب من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؟
هذا يسمونه قياس الأولى، فإذا كان الشيء الكبير ممكنًا فمن باب أولى الشيء الأصغر ممكن، فأبو بكر الصديق قاسها بهذا الشكل: إني أصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء.
والله عز وجل أراد لنبينا ﷺ أن تبقى دلائل وإشارات نبوته على مر التاريخ،
فتجد كل فترة يكتشفون شيئًا من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:
- ظاهرة فلكية تكلم عنها القرآن الكريم.
- مراحل تطور وخلق الإنسان في بطن أمه، مراحل الجنين التي ذكرها القرآن الكريم واهتدوا إليها في نهايات القرن الثامن عشر .
- الإعجاز البياني، الإعجاز التاريخي، وهكذا تعددت أوجه الإعجاز.
قال الشيخ الشعراوي رحمه الله عليه في تفسير سورة غافر: وكان يتحدث عن اكتشاف العلماء في عصرنا لحقائق تحدث عنها القرآن: إن هؤلاء خُدام حرف واحد من حروف القرآن ، ما هو ؟ هو السين في قوله تعالى : (سنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ ) [فصلت:53] فهم يتعبون ويعيشون حياة قاسية في تقشف ليتفرغوا للبحث والدراسة للوصول إلى سر من أسرار الله في كونه .
رابعا/ لا يوجد كتابٌ يشبه القرآن في الإحكام والدقة
يقول مايكل هارت: (والقرآن الكريم نزل على الرسول – ﷺ – كاملاً، وسُجلت آياته وهو لا يزال حياً، وكان تسجيلاً في منتهى الدقة، فلم يتغيّر منه حرفٌ واحدٌ .. وليس في المسيحية شيءٌ مثل ذلك، فلا يوجد كتابٌ واحدٌ محكمٌ دقيقٌ لتعاليم المسيحية يشبه القرآن الكريم، وكان أثر القرآن الكريم في الناس بالغ العمق، ولذلك كان أثر محمد – ﷺ – على الإسلام أكثر وأعمق من الأثر الذي تركه عيسى – عليه السلام – على الديانة المسيحية)
نعم ليس هناك كتاب موجود حاليًا تستطيع أن تقول إنه بعمر القرآن ويصل حد الضبط والإتقان فيه إلى هذا الأمر.
أي إمام يخطئ في تشكيل كلمة من القرآن في المسجد، تسمع أصوات المصلين يقومون برده.
سبحان الله، لأنه صار محفوظًا في الصدور والحمد لله ويحفظه الصغير والكبير والعربي والعجمي والمبصر والأعمى.
فتجد القرآن مضبوطا ضبط إحكام وإتقان، وليس بقراءة واحدة بل بعدة قراءات، وكتب وطبع وسطر وتلي وأذيع ونشر، وصار القرآن أوسع مما تتخيل في سرعة انتشاره ووجوده ووصوله إلى العالم أجمع.
خامسا/ محمد أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ
يقول مايكل هارت: “ولما كان الرسول – ﷺ – قوة جبارة، فيمكن أن يُقال أيضا أنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ”.
ويكشف هارت؛ لماذا هو أعظم زعيم سياسي مؤكداً أن ما حدث لم يكن ليحدث لولا وجود النبي – ﷺ :
يقول هارت : ( إذا استعرضنا التاريخ .. فإننا نجد أحداثاً كثيرة من الممكن أن تقع دون أبطالها المعروفين .. مثلاً: كان من الممكن أن تستقل مستعمرات أمريكا الجنوبية عن إسبانيا دون أن يتزعم حركاتها الاستقلالية رجلٌ مثل سيمون بوليفار .. ولكن من المستحيل أن يُقال ذلك عن البدو .. وعن العرب عموماً وعن إمبراطوريتهم الواسعة، دون أن يكون هناك محمد – ﷺ .. فلم يعرف العالم كله رجلاً بهذه العظمة قبل ذلك، وما كان من الممكن أن تتحقّق كل هذه الانتصارات الباهرة بغير زعامته وهدايته وإيمان الجميع به)
أقول : ربما خفي على مايكل هارت أن سر انتشار الإسلام السريع والكبير أنه دين يدخل القلوب ؛ فلا يفرض بالقوة والوجود العسكري، لأن الوجود العسكري شكل من أشكال الهيمنة والسيطرة، لكن الهيمنة والسيطرة العسكرية الهدف منها إخضاع الناس لهذا الحكم الذي جاء، لكن لن يخضع القلوب، لن يخضع العقائد، لن يحول طريقة تفكير ومنهجية الناس، لن يغير لسانهم.
الإسلام ما دخل بلد من البلاد إلا وجعل دخول الإسلام طوعًا لا كرهًا، فتحًا لا كسرًا، عزة لا مذلة.
وفي الفتوحات الإسلامية في بلاد الروم كان فلاحو الشام يساعدون المسلمين، والمفروض أن المسلمين أعداء لهم، لكن كانوا يساعدونهم لما علموا من عدل الإسلام وأنهم سيتحررون من الظلم والإقطاع والضرائب الباهظة والعبودية وإلى غير ذلك.
فكانوا يساعدون المسلمين في الفتح ضد من يحكمونهم الرومان لما رأوا من عدالة الإسلام وعدالة ما جاء به هؤلاء.
ما فرض الإسلام كرهًا ولا فرض جبرًا على أحد، ودخل الناس في دين الله أفواجًا مختارين.
ووقف النبي ﷺ بين أهل مكة الذين قالوا عنه بالأمس القريب مجنون وشاعر وكاهن وساحر. قال: “ما تظنون أني فاعل بكم؟” قالوا: “خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم”. قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”
فدخل الناس في دين الله أفواجًا، ولكم أن تتأملوا عدد الجنود الذين دخلوا مكة فاتحين مع رسول الله ﷺ في السنة الهجرية؟ عشرة آلاف، وبعد أقل من سنة في شهر رجب سنة تسع من الهجرة في غزوة تبوك كان عدد المقاتلين ثلاثين ألفا ، إذن زاد عدد الجيش ثلاثة أضعاف في عشرة أشهر
وفي عام 10هـ ، حج مع رسول الله ﷺ قرابة المئة ألف في حجة الوداع، وعد العلماء منهم الحافظ بن حجر وغيره الصحابة الذين مات النبي عنهم بحوالي 124ألف .
كل هؤلاء لم يدخلوا الإسلام بحد السيف كما يتوهم المستشرقون وأذنابهم أو كما يذيعون، ولو أن الإسلام انتشر بحد السيف ما انتشر بهذا الشكل الكبير في هذا الزمن القياسي. اقرأوا التاريخ، اقرأوا تاريخ الدول وتاريخ الإمبراطوريات ، بل وحتى تاريخ الأديان والمذاهب؛ لن تجد دينًا ينتشر بهذا الشكل سواء بالقوة العسكرية أو بغيرها. لماذا؟
لأن الإسلام دين الله، ودين الله عز وجل كهذه الشمس للدنيا، إذا أشرقت فإنها تشرق على الدنيا كلها، فمن أراد أن يظلمها على نفسه هو حر، اختار الظلام، لكن الشمس باقية، نور الله باق، نور الله دائم سبحانه جل شأنه.
وفي الإسلام ميزة ليست في غيره، وهي أنه دين لا يميز أحدًا عن أحد، ليس في الإسلام العرق العربي مثلًا أو اللسان العربي أو الجنس الفلاني.
في الإسلام تعاملك فيه مباشرة مع رب العباد سبحانه: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” لا أعلو في الإسلام لأني جنسي عربي أو أصلي عربي أو أتكلم العربية، ولا أعلو في الإسلام لأني أكثر المسلمين مالًا أو أعلاهم شهادات وعلما، كل هذا منفي في دين الله سبحانه وتعالى هذه أمور دنيوية، وقد نفى نبينا ﷺ أن يكون التفاضل عند الله بالأنساب والأحساب والأموال؛ فقال:
“يا فاطمة بنت محمد، اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا”.
ومن هنا صار الإسلام في كل بقعة من بقاع الأرض. الإسلام الآن من اليابان إلى نهاية الدنيا شمال شرق غرب جنوب…ملايين في أفريقيا، في إندونيسيا، في ماليزيا… هذا كله ليس فتحًا عسكريًا وليس هيمنة ولا سيطرة.
أكبر الدول الإسلامية إندونيسيا الآن عدد المسلمين200 مليون تقريبا.
الهند، سبحان الله، يسمونها الدولة القارة. كم عدد المسلمين فيها؟ 195 مليون مسلم.
فانتشر الإسلام لأن هناك علاقة ينظمها بين العبد وربه مباشرة بلا وسائط وبلا قيود، من يدخل الدين يدخله وهو مقتنع تمام الاقتناع، لا يدخله عن هوى أو لأموال أو إغراءات أو ما شابه ذلك.
ولو شاء الله لجعل الناس جميعًا مسلمين، هل هذا شيء معجز أن رب العباد سبحانه يجعل الناس كلها مؤمنين، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [يونس: 99-100]
وقد خلق الله من خلقه الملائكة لا يعرفون إلا طاعته، والملائكة أضعاف أضعاف الإنس والجن، لكنه سبحانه وتعالى خلقنا معشر الجن والإنس وجعلنا مكلفين مختارين في طاعته، ثم يكون الحساب والجزاء يوم القيامة.
هذه بعض الأفكار التي أردت أن أنبه عليها، وهذه تنفعنا في خطابنا مع أولادنا في الحديث عن النبي ﷺ بغرس هذه المعاني وهذه القيم.
وحتى لو أردنا أن نتكلم مع غير المسلمين لنبين لهم شخصية رسول الله ﷺ وطبيعة هذا الدين، سنجد هذه النقاط التي تكلم من خلالها مايكل هارت عن النبي ﷺ فيها الكثير والكثير من الإقناع والأدلة.
الخلاصة:
- وضع مايكل هارت النبي محمد ﷺ في المرتبة الأولى بين مئة شخصية غيرت التاريخ، وهو ما أثار جدلاً واسعًا وقت نشر الكتاب.
- برّر هارت اختياره للنبي ﷺ بأنه كان له تأثير شخصي مباشر وكبير في تشكيل وتأسيس الدين الإسلامي، وهو تأثير يفوق التأثير الذي كان للمسيح على الديانة المسيحية، لعدم وجود كتاب واحد مُحكم ودقيق لتعاليم المسيحية مثل القرآن الكريم.
- رأى هارت أن النبي ﷺ تميز بتطبيقه العملي للدين الذي جاء به، مما جعله منهجًا واقعيًا وقابلًا للتطبيق في مختلف جوانب الحياة، وليس مجرد فكر نظري.
- أشار هارت إلى أن النبي ﷺ نشأ في بيئة بدائية ومتخلفة في مكة، بعيدة عن مراكز الحضارة والعلوم، مما يؤكد عظمته كقائد عسكري وسياسي ومصلح ديني تمكن من تغيير العالم رغم هذه الظروف.
- لاحظ هارت أن القرآن الكريم هو كتاب سماوي نزل كاملاً على النبي ﷺ وتم تسجيله بدقة متناهية، ولم يتغير منه حرف واحد، على عكس الكتب الدينية الأخرى.
- وصف هارت النبي ﷺ بأنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ، حيث يرى أنه من المستحيل أن تتأسس الإمبراطورية العربية الإسلامية العظيمة دون وجود شخصية قيادية استثنائية مثل شخصية النبي ﷺ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا خير خلف لخير سلف،
وأن يرزقنا حب نبينا ﷺ، وأن يحشرنا في زمرته.
اللهم آمين.
[1] (The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History) الاسم بالإنجليزية