حكم الهجرة والإقامة ببلاد الغرب
مفهوم الهجرة :
الهجرة الانتقال من بلد لآخر، أو من أرض إلى أرض.
أنواع الهجرات:
1- الهجرة من أجل الدين:
وهذه من أشرف الهجرات، وهي الهجرة الواجبة التي تكون فرارا بالدين عندما يكون هناك تضييق أو أذى على المسلم في أرض أو يمنع من إقامه شعائر دينه فهذا يجب عليه أن ينتقل لأرض يتمكن فيها من إقامة دينه وإعلان شعائره ، وهذا الذي حدث لنبينا صلى الله عليه وسلم عندما هاجر وأصحابه الكرام من مكة أحب البلاد إلى الله وأحبها إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج من أذى أهلها له هو وأصحابه، ويؤسس الدولة الكبيرة التي دامت لقرون من الصين شرقا إلى المحيط الاطلسي غربا.
2- الهجرة من أجل الدنيا :
طلبا لسعة الرزق وطيب العيش والأمن والحرية وهذا من المباحات والله سبحانه قال: ﴿هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولࣰا فَٱمۡشُوا۟ فِی مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَیۡهِ ٱلنُّشُورُ﴾ [الملك :15] وقال: ﴿یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ أَرۡضِی وَ ٰسِعَةࣱ فَإِیَّـٰیَ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [العنكبوت :56]
إذن فالأرض كلها مفتوحة للسفر والانتقال سواء للدراسة أوللتجارة أو لطلب الأمن أولطلب التعليم الجيد لك أو لأولادك… إلى غير ذلك من هذه الأسباب.
توضيح لحديث : (إنما الأعمال بالنيات):
في الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما الأعمال بالنيات وإن لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)
فقوله: (ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها) شخص هاجر لغرض أن يتزوج بامرأة أو لغرض إصابة الدنيا، هل هذا حرام؟ كلنا أو أغلبنا جاء إلى كندا بهذه النية أقصد لسعة الرزق، وطلبا للأمان، ولتأمين مستقبل نفسه أو أولاده .
هل معنى ذلك أن هذه الهجرة غير نافعة؟ كلا، المقصود هنا في موضوع النية أن رجلا هاجر ظاهره أنه هاجر إلى الله ورسوله، ولكن نيته أنه هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فالرسول- صلى الله عليه وسلم- ذم هذا الفعل من هاجر وظاهره أنه هاجر لله ورسوله وباطنه أنه هاجر لدنيا أو لزوجة ينكحها، وإلا فنحن عندنا آيات القرآن الكريم في موضوع الهجرة والانتقال والسعي للتجارة قال تعالى: ﴿ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ ﴾ [المزمل: 20] وقوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ﴾ [الملك: 15] إلى غير ذلك من الآيات.
إذن المذموم هنا أنه أعلن هجرته لله ورسوله وأبطن أنه يهاجر من أجل الدنيا أو من أجل زوجة يتزوجها في هذا البلد، فالمعنى: لو أني مهاجر من بلد الى بلد في سبيل التجارة، أو سعة الرزق أو العمل أو ما شابه ذلك هذا ليس حرام هذا جائز ومباح.
واحد هاجر من بلد إلى بلد ليتزوج بامرأة وتوطن مدينة امرأته هذا جائز، ومباح لا شيء فيه.
حكم اقامة المسلم في بلد غير إسلامي
يكثر الحديث حول شرعية إقامة المسلم في بلد غير إسلامي، بين مانع لها شرعاً ومؤثم لفاعلها، وبين مجيز لا يرى بأساً ولا حرجاً. وسنعرض كل رأي مع أدلته.
الرأي الأول: ذهب المالكية، وابن حزم ، إلى أنه لا يجوز اقامة المسلم في غير ديار الإسلام، سواء أمن الفتنة، أم لا. واستدل هؤلاء بأدلة منها:
أ- قوله تعالى: (ِإنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ) [سورة النساء97:99.]
قالوا: فجعلت الآية من ظلم الإنسان لنفسه قبوله العيش في كنف الذل، مع قدرته على الإنتقال إلى أرض أخرى، يجد فيها حريته وأمنه وأسباب عيشه، ولم تستثن من الوعيد الذي ينتظر هؤلاء إلا العاجزين، الذين لا قدرة لهم ولا حيلة.
ب- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا برئ من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين”رواه أبو داود واختلف في صحته وضعفه.
قالوا : وفي الحديث دلالة على وجوب ترك ديار المشركين إلى ديار الإسلام.
ج- قالوا: أن المسلم الذي يقيم في بلاد الكفر، يعرض نفسه للفتن ورؤية المنكرات، حيث الإباحية التي تحميها القوانين، كما أن هناك كثيراً من الشعائر لا يستطيع المسلم أن يقوم بها في هذه البلاد.
الرأي الثاني: وإليه ذهب جمهور الفقهاء من: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وكثير من العلماء المعاصرين منهم الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور وهبة الزحيلي، وهم يرون جواز الإقامة في البلاد الغير إسلامية؛ إذا استطاع المسلم إقامة شعائر دينه وحافظ على هويته. واستدلوا بالإدلة التالية:
أ- قوله تعالى” {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105. قالوا والآية صريحة في أن الأرض لأهل الإيمان والتقى يقيمون عليها حيث شاءوا.
ب- حديث فديك وكان قد أسلم، وأراد أن يهاجر، فطلب منه قومه -وهم كفار- أن يبقى معهم، واشترطوا له أنهم لن يتعرضوا لدينه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر هلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “يا فديك أقم الصلاة وأهجر السوء واسكن من أرض قومك حيث شئت”.صحيح ابن حبان
وفي الحديث دلالة على جواز اقامة المسلم في غير بلاد الإسلام إذا استطاع أن يقيم شعائر دينه.
ج- حديث أبي يحي مولى آل الزبير بن العوام عن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيراً فأقم”رواه أحمد وضعفه الألباني
وفي هذا الحديث دلالة على أن المسلم حيثما وجد ما ينفعه أقام، دون النظر إلى كون البلاد اسلامية، أو غير إسلامية، فالبلاد كما عبر الحديث بلاد الله.
د- هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة، وبقاؤهم فيها حتى رجوعهم إلى المدينة، ولم يكن يحكم الحبشة أيُّ نظام إسلامي، وكذلك بقاء النجاشي ملك الحبشة بها بعد ما أسلم حتى مات، وصلى عليه الرسول بالمدينة صلاة الغائب.
عن أبي موسى الأشعري قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال: بضعة، وإما قال: ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، قال: فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا ها هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، قال: فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، قال: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا أو قال: أعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر، وأصحابه قسم لهم معهم. قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا -يعني لأهل السفينة-: نحن سبقناكم بالهجرة، قال: فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها: فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه البحرية هذه، فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم. فغضبت وقالت كلمة كذبت يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان”. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بردة: فقالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني. قال البخاري: قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا، قال: “فما قلت له؟”. قالت: قلت له كذا وكذا. قال: “ليس بأحق بي منكم.” رواه البخاري ومسلم
الرأي المختار:
مرّ العالم الإسلامي بأزمات ونكبات ومحن أدت إلى هجرة كثير من المسلمين من بلادهم إما فراراً بدينهم وإما طلباً للعلم وإما بحثاً عن لقمة العيش ، واستقر هؤلاء في البلاد التي هاجروا إليها وارتبطت حياتهم بها بل تعاقبت أجيال في بعض البلدان فهناك الجيل الثالث والرابع ولا يستطيع هؤلاء العودة إلى موطنهم الأصلي لأسباب تختلف من إنسان لآخر .
ولذلك يبقى رأي القائلين بجواز الإقامة أقرب إلى تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، خاصة وأن جمهور الفقهاء، وكثير من العلماء المعاصرين، يرون ذلك.
ويؤيد هذا الرأي ويعضده:
أ- أن الآية التي أستدل بها القائلون بعدم الجواز ليست نصاً صريحاً في منع إقامة المسلم في بلاد غير إسلامية على الإطلاق، ولكن غاية ما في الأمر كما ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره : (أن الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع).
ب- حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين) قال عنه الحافظ ابن حجر: وهذا محمول على من لا يأمن على دينه.
ولذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن أسلم أن يقيم بين قومه إن استطاع إقامة شعائر دينه، كما في حديث فديك،كما أن هذا الحديث له معنى آخر ذكر العلامة يوسف القرضاوي وهو أنه صلى الله عليه وسلم برئ من ديته إذا قتله المسلمون خطأ لأنه أقام بين المشركين المحاربين للإسلام فحكمه حكمهم فإذا قتل خطئاً فلا يتحمل الرسول ولا المسلمون ديته.
وأصل الحديث كما في رواية جرير بن عبداللَّه البجلي قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل، وقال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين» والحديث سنده ضعيف ، ولو ثبت فإن سبب وروده مفسر لمعناه، وهو أن أناساً أسلموا ومكثوا مع قومهم الكفار ولم يهاجروا إلى بلد الإسلام، حتى إذا وقعت مواجهة بين المسلمين وأولئك الكفار لم يتميز أمر أولئك المسلمين من بين سائر قومهم الكفار، فيقتلهم المسلمون في المعركة لعدم معرفتهم بهم حيث لم تميزهم علامة، فالبراءة منهم من جهة أن المسلمين لو قتلوهم فلا تبعة عليهم بذلك، وهذا المعنى لا وجود له اليوم، فتنزيل هذا الحديث على الواقع ممتنع، واقتطاع طائفة من الناس طرفاً من الحديث دون سائره وسببه من أكبر الآفات المفسدة للفهم الصحيح، نسأل اللَّه أن يلهمنا الهدى والصواب.
تنبيه:
هذا الاختيار للقول الثاني من أقوال أهل العلم، إذا كان المسلم قادراً على أداء شعائر دينه، محافظاً على هويته، مربياً لأبنائه وبناته، التربية الإسلامية، له رسالة هادفة يقوم عليها، أما إذا خاف على نفسه، أو أولاده، الفتن ولم يأمن الضياع والذوبان، فإن عليه أن يعد عدة الرحيل، إما إلى بلد إسلامي، أو بلد أقل فتنة، فالبلاد الغير إسلامية لا شك تتفاوت فيما بينها فيما يتعرض له المسلم من فتن وذوبان.
تواجد المسلمين سبب لانتشار الإسلام:
تواجد المسلمين في أكثر من مكان وأكثر من بقعة كان سببا لانتشار الاسلام بأخلاقهم ومعاملاتهم وصدقهم وأمانتهم .
وأنا أعرف عشرات القصص لأخوات مسلمات محجبات حجابهن فقط كان دعوة للإسلام ، وأرى بعض الناجحين والنابهين من المسلمين في أماكن كثيرة بحسن أخلاقهم ونجاحهم وحسن معاملتهم كانوا سببا لدخول وهداية أناس كثيرين في الإسلام.
هل سيكفر أولادنا؟
في الفتوى المشهورة المتداولة ولا أدري ما هو مصدرها يقولون إن أولادك فيما بعد سيكونون إيمانهم ضعيف … ثم الجيل التالي سيكونون كفارا مرتدين ….الخ هذه الأوهام.
ولماذا هذه الجبرية؟
من الذي وضع هذه الفرضية الجبرية وكأننا مجبورون على إخراج ذرية كافرة وأنى لوالدين أن يكونا مسؤولان عن ثلاثة أجيال لم تولد بعد؟
والقصص التي تروى في هذا الشأن نستطيع أن نحكي عن قصص مماثلة بل وأعنف وأشد حدثت وتحدث في بلاد الإسلام .
هل تظنون ونحن في عصر السماوات المفتوحة والانترنت ووسائل التواصل أن الإلحاد أو شرب المخدرات أو الوقوع في المذاهب الضالة هو بمعزل عن البلاد الإسلامية ؛ فكل شيء الآن متاح وسهل الوصول إليه.
فنحن نحتاج سواء كنا مقيمين ببلد مسلم أو غربي أن نحافظ على أولادنا وأن نقوي فيهم الانتماء لهذا الدين وأن يحملوا الأمانة ويؤدونها لمن بعدهم كما ينبغي.
وتعتز ابنتنا بحجابها وتفخر به ولا تشعر بالخجل أو بالنقص أمام مثيلاتها، ويعتز ابننا بدينه وباسمه ويعتز بصلاته.
نريد جيلا يفهم معنى الإسلام الحق ؛ لا نريد نسخا مقلدة ورثت الإسلام وهي لا تفهم منه شيئا.
نريد أن يكون أبناؤنا عناصر نجاح للمجتمعات التي يعيشون فيها .
وأختم بهذه القصة:
أحد الإخوة المصلين معنا هنا من المغرب قال لي: لما جئت إلى هذا البلد كانت هذه الفتوى منتشرة عندنا : هل تذهب إلى بلاد الكفر وأولادك من بعدك سوف يرتدون عن الإسلام وأولاد أولادك سيعبدون الأصنام ويشربون الخمر؟
يقول : وكان ابني وقتها عمره أربع سنوات…فقلت أبقى هنا بكندا سنتين ثلاثة أجمع الدراهم وأبني دارا بالمغرب والحمد لله رب العالمين.
يقول: سبحان الله كان المسجد الوحيد في المنطقة التي أعيش فيها هو مسجد (ICQ) وكنا في رمضان فلبست العباءة المغربية ورحت لأصلي العشاء والتراويح وبينما أنا واقف عند الإشارة رأيت شخصا يناديني من داخل سيارته بالفرنسية ( à la mosquée) يقصد هل أنت ذاهب إلى المسجد؟
قلت: نعم، فركبت معه السيارة فقال الشاب : السلام عليكم يا عمي فقلت مستفهما: السلام عليكم يا عمي؟ أأنت مسلم؟ أي نعم أنا مغربي!!!
قال: أنت ولدت في المغرب وجئت هنا؟
قال لا أنا مولود هنا؟ فقلت متعجبا: مولود هنا!!! ما كفرت؟ فتبسم قائلا: لا لم أكفرأنا مسلم والحمد لله.
ومن هذا الذي بجوارك؟
قال: هذا أخي الأصغر، فقلت : أمسلم هو أيضا؟ أي نعم يا عمي مسلم.
فقال سبحان الله أنت مسلم ومولود هنا وما زلت مسلما؟
قال: يا عمي أنا ذاهب معك إلى المسجد.
يقول فبدأت الفكرة تتغير عندي شيئا فشيئا .
فسألته هل تقرأ هنا؟ (يقصد هل تدرس؟)
أي نعم أدرس هنا وأتكلم الانجليزية والفرنسية، لكن بالبيت أتكلم بالدراجة المغربية أبي وأمي في البيت لا يتكلمون إلا بالدارجة المغربية، ولو تكلمنا بالفرنسية يعمل أبي حاله كأنه لم يسمع.
قال: فبدأت أفكر هل معنى ذلك أن الأولاد من الممكن أن يشبوا ويكبروا ولا يصيروا كفار ولا يعبدون اللات ولا العزى؟!!!
يقول: بعد رمضان إذا بإمام المسجد يقول للإخوة المصلين ابقوا قليلا بأماكنكم هناك شخص سيعلن إسلامه؛ قال: فبقيت مكاني وأنا فرحان من هذا المشهد، فوقف شخص من الكاميرون وبدأ يردد كلمات الشهادة، وبينما هو يردد كلمات الشهادة إذا بي ألمح بجواره هذا الشاب الذي ركبت معه برمضان ، فذهبت إليه مسرعا وقلت: هل تعرف هذا الشاب الذي أسلم؟
قال هذا زميلي في الدراسة وقد سألني كثيرا عن الإسلام وكنت أجيبه فقررأن يعلن إسلامه.
فقلت : ما شاء الله تبارك الله عليك أيضا كنت سببا في إسلامه الله يرحم والديك.
الشاهد من هذه القصة: لماذا وضعنا أنفسنا في قالب جبري أو سلبي ؟
لماذا نركز على الفشل والكفر والجانب المظلم فقط وننسى أن هناك نماذج ناجحة وإيجابية وفعالة ؟
كم عدد المسلمين في الهند؟ يقدّر المسلمون في الهند بنحو 200 مليون نسمة.
كم عدد المسلمين في الجمهوريات الاسلامية التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي؟ تقدر مصادر عدد المسلمين بـ60-70 مليونا.
كم عدد المسلمين في أوروبا كلها؟ حوالي 53 مليون.
كم عدد المسلمين في أمريكا؟ 3.5 مليون.
فهل يجب على هذه الملايين كلها الهجرة؟ وإذا هاجروا فإلى أين يذهبون؟
كلمة أخيرة: لماذا الشعور الدائم بالغربة؟
قابلت الكثيرين هنا طالت بهم سنين الغربة عشرين أو قرابة الثلاثين ، ومع هذا فإنهم يظلون يعتقدون أن غربتهم عن أوطانهم مؤقتة، ولا بد من العودة إلى أوطانهم يوماً ما للاستمتاع بالحياة، ولاشك أنه شعور جميل، لكنه أقرب إلى الكذب على النفس وتعليلها بالآمال الزائفة منه إلى الحقيقة فكم من المغتربين قضوا نحبهم في بلاد الغربة ، وكم منهم ظل يؤجل العودة إلى مسقط الرأس حتى غزا الشيب رأسه وصار جدا له أحفاد دون أن يعود في النهاية، وهذا الشعور بحد ذاته كفيل بإحباط أية محاولة لبناء أي مشروع هادف أو تخطيط لمستقبل .
بل إن بعض المفاهيم السائدة هنا تدعو للمنافسة في هذه الحالة السلبية المقيتة كتعبير عن الارتباط والوفاء للوطن الأم، لكن من الناحية العملية هو لم يقدم شيئا لا لوطنه الأول ولا لوطنه الثاني !!!
فلا بد من مفارقة هذا الشعور والاندماج الإيجابي هنا من خلال المشاركة الفعالة في المجتمع مع الحفاظ على هويتنا التي نعتز ونفخر بها .