الجمع بين الصلوات ( بسبب السفر ، المرض ، العواصف، الحرج)

تاريخ الإضافة 2 ديسمبر, 2022 الزيارات : 448

الجمع بين الصلوات ( بسبب السفر ، المرض ، العواصف، الحرج)

الأصل أن تصلى الصلاة في وقتها، لقوله تعالى: }إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا{ (النساء: 103).

وينتقل وقت أداء الصلاة تقديماً وتأخيراً برخصة الجمع بين الصلاتين، والإتيان بالرخصة مشروع، لقوله صلى الله عليه وسلم:( إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يكره أن تؤتى معصيته ) رواه أحمد

و( الرُّخَص ) جمع ( رُخصة ) ، وهي التسهيل والتيسير ، ويُقابلها: العزيمة .
مثال ذلك: إفطار المسافِر في نهار رمضان ؛ فالصوم فرض ، وثبتَت فيه الرُّخصة للمسافِر بدليل خاص ؛ وهو قوله تعالى: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/ 185 .
ومثاله أيضا : التيمُّم رخصة في الطهارة ، لمَن لم يجد الماء ؛ فالأصل في الطهارة المياه ، لكن رُخِّص في التيمُّم بدليل شرعي لمَن لم يجد الماء ؛ لقوله تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) المائدة/ 43 .
وأكل المَيتة للمضطر رخصة ، والأصل في أكل الميتة التحريم ، لكن أُبيحَت للضرورة ؛ لقول الله تعالى: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة/ 173.
فالشَّرع سهَّل على المسافِر في أمر الصِّيام بالفِطْر ، وسهَّل على فاقِد الماء أمرَ الطهارة بالتيمُّم ، وسهَّل على المضطر أكل الميتة ؛ لأجل العُذْر الحاصل لهم .

و نفهم من هذا الحديث: أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحِبُّ للمسلِم أن يأخذَ بالرُّخَص الشرعيَّة التي رخَّصها لعباده ، رحمةً بهم ؛ كما قال تعالى: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/ 185، فلا ينبغي للعبد أن يأنف عن قَبولِ ما أباحَه الشرعُ ووَسَّع فيه ، ويستنكف عن أن يترخص في خاصة نفسه ، حين الحاجة إلى مثل هذه الرخص ، بحدودها الشرعية ؛ فهذا ممَّا يكرَهه الله عزَّ وجلَّ ؛ كما يكرَه أن يتعدَّى الإنسانُ حدودَ الله فيأتي المعصية .

رخصة الجمع بين الصلاتين :

الجمع بين الصلاتين تأخيراً أو تقديماً جائز وهو رخصة من الرخص الشرعية .

وتعريفه: هو أن يجمع المصلي بين الظهر والعصر تقديماً في وقت الظهر، بأن يصلي العصر مع الظهر قبل حلول وقت العصر.

أو يجمع تأخيراً، بأن يؤخر الظهر حتى يخرج وقته ويصليه مع العصر في وقت العصر، ومثل الظهر والعصر المغرب والعشاء، فيجمع تقديماً وتأخيراً.

أسباب الجمع بين الصلاتين:

1- الجمع في السفر:

الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما جائز في قول أكثر أهل العلم لا فرق بين كونه نازلا أو سائرا ؛ فعن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل العشاء ثم نزل فجمع بينهما . رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن .

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء. رواه البخاري ومسلم

وروى مسلم عن ابن عمر أنه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق.

وعن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. رواه البخاري ومسلم

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. رواه مسلم

هل يُشترط للجمع نِـيّـة عند افتتاح الأولى ؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : اختلفوا في الجمع والقصر هل يشترط له نية ؟ فالجمهور لا يشترطون النية كمالك وأبى حنيفة ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ، وهو مقتضى نصوصه ، والثاني تشترط كقول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد كالخرقي وغيره ، والأول أظهر ، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه” مجموع الفتاوى ( 24 / 16 )

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي جمعا ولم يُنقل عنه أنه أمر أصحابه أو أرشدهم إلى ذلك .

النية في جمع التأخير :

يشترط في جمع التأخير أن ينوي التأخير عند دخول وقت الأولى، لأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة عن وقتها لغير عذر، فإذا ضاق وقتها ولم ينو الجمع قبل ذلك فلا يجوز أن ينـوي الجمع إذا ضاق الوقت، بل يجب عليه أن يصلي الصلاة في الحال ويصلي الثانية في وقتها .

متى يبدأ المسافر في الجمع ؟

إذا دخل على المسافر وقت الصلاة وهو مازال في بلده تقدم أنه لا يجوز له القصر، وكذلك الجمع إلا إذا خشي خروج وقت الصلاة الثانية، ولا يستطيع النزول للصلاة كالمسافر في الطائرة أو النقل الجماعي إذا سافر وقت صلاة الظهر، فله جمع العصر معها بلا قصر (يعني يصليها أربعا ).

ما الحكم إذا عاد قبل دخول وقت الثانية ؟

إذا نوى جمع التأخير ثم دخل بلده ولم يدخل وقت الثانية لا يجمع الثانية مع الأولى بل يصلي كل صلاة في وقتها إتماماً (أربع ركعات) ولو بقي وقت يسير لأن علة القصر والجمع هنا السفر وقد زال وهذا مبني على اشتراط استمرار العذر في جمع التأخير.

أما إذا نوى جمع التأخير ثم دخل البلد المسافر إليه وبقي وقت يسير ويدخل وقت الثانية فله حالات:
الأولى: إن كان في غير مسجد فالأفضل أن ينتظر حتى يدخل وقت الثانية، فيصليهما جمعاً وقصراً .

الثانية: إن كان دخل مسجداً بعد أذان الصلاة الثانية وقبل الإقامة، فيصلي الأولى قصراً ثم يصلي الثانية مع الجماعة.

الثالثة: إن كان دخل المسجد والناس يصلون الثانية دخل معهم بنية الأولى كما تقدم تفصيله في ائتمام المسافر بالمقيم.

وإذا صلى جمع تقديم وهو مسافر إلى بلده فبلغها قبل دخول وقت الثانية صح ما فعل من الجمع والقصر ؛ لأنه جمعها مع الأولى بمسوغ شرعي وهو السفر

حكم الجمع للمسافر النازل بمكان (كفندق ونحوه) :

يجوز الجمع للمسافر السائر كما في صحيح مسلم ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جدّ به السير جمع بين المغرب والعشاء )، وأما النازل (أي مسافر إلى بلد ونزل لفندق مثلا) فيجوز الجمع لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع في غزوة تبوك وهو نازل .أخرجه البخاري

وحديث أبي جحيفة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان نازلاً في الأبطح في حجة الوداع، وأنه خرج ذات يوم وعليه حلة حمراء فأمَّ الناس فصلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين» أخرجه البخاري، فظاهر هذا أنهما كانتا مجموعتين.

والخلاصة : أن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل جائز غير مستحب إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل.

( 2 ) الجمع بعرفة والمزدلفة :

اتفق العلماء على أن الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر بعرفة ، وبين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء بمزدلفة سنة لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( 3 ) الجمع في المطر :

روى الأثرم في سننه عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن أنه قال : من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء .

وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة .

وخلاصة المذاهب في ذلك أن الشافعية تجوز للمقيم الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم فقط بشرط وجود المطر عند الإحرام بالأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية .

وعند مالك أنه يجوز جمع التقديم في المسجد بين المغرب والعشاء لمطر واقع أو متوقع ، وللطين مع الظلمة إذا كان الطين كثيرا يمنع أواسط الناس من لبس النعل ، وكره الجمع بين الظهر والعصر للمطر .

وعند الحنابلة يجوز الجمع بين المغرب والعشاء فقط تقديما وتأخيرا بسبب الثلج والجليد والوحل والبرد الشديد والمطر الذي يبل الثياب .

وهذه الرخصة تختص بمن يصلي جماعة بمسجد يقصد من بعيد يتأذى بالمطر في طريقه فأما من هو بالمسجد أو يصلي في بيته جماعة أو يمشي إلى المسجد مستترا بشيء أو كان المسجد في باب داره فإنه لا يجوز له الجمع .

ما هو حد الشدة والبرودة؟

 المراد بالريح الشديدة ما خرج عن العادة، وأما الريح المعتادة فإنها لا تبيح الجمع، ولو كانت باردة، والمراد بالبرودة ما تشق على الناس.

ولو كان هناك ريح شديدة بدون برد فلا جمع؛ لأن الرياح الشديدة بدون برد ليس فيها مشقة، لكن لو فرض أن هذه الرياح الشديدة تحمل تراباً يتأثر به الإِنسان ويشق عليه، فإنها تدخل في القاعدة العامة، وهي المشقة، وحينئذٍ يجوز الجمع.

 ما ضابط البلل؟

هو الذي إذا عصر الثوب تقاطر منه الماء.

( 4 ) الجمع بسبب المرض أو العذر :

ذهب الإمام أحمد والقاضي حسين والخطابي والمتولي من الشافعية إلى جواز الجمع تقديما وتأخيرا بعذر المرض لأن المشقة فيه أشد من المطر .

قال النووي : وهو قوي في الدليل .

وفي المغني : والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف .

وتوسع الحنابلة فأجازوا الجمع تقديما وتأخيرا لأصحاب الأعذار وللخائف ؛ فأجازوه للمرضع التي يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة ، وللمستحاضة ولمن به سلس بول ، وللعاجز عن الطهارة ولمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه .

قال ابن تيمية : وأوسع المذاهب في الجمع مذهب أحمد فإنه جوز الجمع إذا كان شغل كما روى النسائي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال : يجوز الجمع أيضا للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله .

( 5 ) الجمع للحاجة :

قال النووي في شرح مسلم : ذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة .

وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك ، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي وعن أبي إسحاق المروزي وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره . اه‍

وحديث ابن عباس الذي يشير إليه ما رواه مسلم عنه قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر . قيل لابن عباس : ماذا أراد بذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته .

وروى البخاري ومسلم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا : الظهر والعصر والمغرب والعشاء .

سبعا وثمانيا : يقصد مجموع الصلاتين معا الظهر والعصر ثماني ركعات ، والمغرب والعشاء سبع ركعات .

وعند مسلم عن عبد الله بن شقيق قال : خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة قال : فجاءه رجل من بني تيم لم يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلمني بالسنة لا أم لك ! ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء . قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شئ ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته .

فائدة:

قال في المغني : وإذا أتم الصلاتين في وقت الأولى ثم زال العذر بعد فراغه منهما قبل دخول وقت الثانية أجزأته ولم تلزمه الثانية في وقتها ، لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزئة عما في ذمته وبرئت ذمته منها فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك ، ولأنه أدى فرضه حال العذر فلم يبطل بزواله بعد ذلك ، كالمتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 86 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع