التحذير من الظلم في تقسيم الميراث
كنا في خطبة الأسبوع الماضي نشرح حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا) وتعرضنا فيما تعرضنا له من صور أكل المال الحرام مسألة المواريث، وكأننا نكأنا الجراح في هذا الموضوع، وكثرت الأسئلة والاستفسارات، ولذلك خطبتنا اليوم عن موضوع المواريث.
وموضوع المواريث موضوع متشعب وكبير لكنا سنتكلم فيه عن النقاط السلبية والمحظورات الشرعية التي يقع فيها البعض ويبرر لنفسه الظلم ويأكل حراما ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المواريث قسمة رب العالمين:
إخواني وأحبابي الكرام المواريث ليست قسمة نبي ولا قسمة عالم إنما هي قسمة رب العالمين، رب العزة ذكر الفرائض أو نصيب كل وارث، بآيات واضحة في القرآن الكريم في سورة النساء، وبين الله- عز وجل- ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَاۤءِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِیبࣰا مَّفۡرُوضࣰا﴾ [النساء 7]
وقال في آيات المواريث:
(يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ)[النساء:11] وقال تعالى : (فريضة من الله)[النساء:11] و (وصية من الله) [النساء:12] و( يبين الله لكم أن تضلوا)[النساء:176]
وحذر- سبحانه وتعالى- من أكل مال اليتيم فقال: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا ) [النساء:10]
وقال بعد أن ذكر تقسيم الميراث في آيات سورة النساء: ( تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ
نأتي إلى بعض الصور السلبية التي تحدث:
أولا/ عدم قسمة الميراث بعد وفاة الميت مباشرة:
يموت الأب مثلا ويبقى كل شيء على ما هو عليه، البيت كما هو… الأموال العقارات… كل شيء على ما هو عليه، وهنا يبدأ بعض الورثة يتململ وخاصة إذا كان فقيرا محتاجا، ويطلب من إخوته أن يقسموا الميراث، فيماطل من يماطل ويتهرب من يتهرب سنين وسنين، وتضيع الحقوق، ويكون التهرب بسبب أن بعض الورثة منتفع من هذا الوضع، هناك محل للبيع والشراء مثلا هذا المحل يدر دخلا وهو الذي يديره، فإذا حدثت قسمة فهو سيتضرر بهذا، وهناك من يقيم في البيت بزوجته وأولاده، فإذا حدثت قسمة سيتضرر بذلك فيتهرب من هذا الأمر.
والتهرب بهذا الشكل هو تضييع لحق من حقوق العباد، وأكل لمال الناس بالباطل.
وفي بعض الأسر الابن الكبير يعتقد أنه ورث أباه في كل شيء في صفاته وماله، وحتى في إخوته يفعل ما يشاء، وربما يكون هناك استضعاف إذا كان إخوته صغارا أو كن بنات.
وفي بعض البلاد -للأسف الشديد – في بلاد المسلمين يعلنون هذه الجاهلية لا نورث البنات، وهذه الجاهلية كانت موجودة قبل الإسلام لا يورثون البنات ولا الصغار، فجاء الإسلام ليبين أنصبة وفرائض المواريث للجميع رجالا ونساء، وإذا طالبت البنت بميراثها يتهمها بأنها تريد قطع الرحم ووجهي من وجهك حرام ويكون هذا بمثابة إعلان حرب عليه …. ثم يبرر قائلا: كيف تذهب أرضنا إلى غريب يقصد زوج أخته؟ وان زوجك سيضحك عليك وسيأكل مالك وكذا وكذا، وتضطر الأخت تحت ضغط الحياة وحاجتها للمال أن ترفع أمرها للقضاء، فإذا حصلت على ميراثها الحق الشرعي الذي فرضه الله كانت القطيعة بينها وبين إخوتها لأنها طالبت بفرض افترضه الله لها من ميراث أبيها.
هذه صورة لا بد وأن نعالجها يا إخواني، وهي التعجيل بقسمة الميراث بعد وفاة الميت، ممكن أن نحتمل شهرا شهرين ثلاثة، لكن سنين طويلة؟!!
بعد سنين يا إخواني العقار الذي كان بألف صار بمائة ألف، العملات تتغير قيمتها، أسعار الأشياء تعلو، مثلا عندنا بيت فيه ورثة شركاء ، فأحدهم يقوم بتخليص الحق للجميع، فلما يكون في سنة ألفين يستطيع أن يسدد عشرة آلاف لكن في سنة 2023 هذه العشرة ربما تكون خمسمائة ألف، لماذا؟ لأن الأسعار ترتفع، الأحوال تتغير، فهنا هذا أضر بنفسه، ثم بعد ذلك يريد أن يبخس إخوته حقهم ويقول أنا أخوكم أنا الذي تعبت أنا الذي سهرت أنا الذي سعيت أنا أنا أنا، وإذا كانت قيمة العقار أو الشقة تستحق، ألف يجعلها عشرة، وبداعي الحياء وبسيف الحرج ويوصي الأهل هنا وهنا وأنا أخوكم وأنا مسكين وأنا غلبان، وأنا عندي أولاد وأنا وأنا وأنا طيب يا أخي- سبحان الله-، أنت تفعل ما فيه أكل لمال غيرك بالباطل!!
أيضا مكان العقار يختلف من مدينة كبرى في وسط المدينة إلى أطرافها أو من مدينة هي العاصمة إلى مدينة في ولاية أخرى، الأسعار تتفاوت، وعقار فيه المرافق غير عقار بدون مرافق، عقار جديد غير عقار قديم، فمن هنا تأتي القسمة الظالمة أن الكبير يستأثر لنفسه بأطيب وأحسن وأنفس ما في التركة، والباقي لإخوته هذا إن رضوا، فإن لم يرضوا يلجئون للقضاء وحبال القضاء طويلة طويلة طويلة.
وتجد هذا الأخ الكبير يحج بيت الله الحرام ويقوم بعمل عمرتين في السنة وعلامة الصلاة في جبهته أربعة في ستة، وما فيش مانع يكون عنده لحية طويلة، ويأكل هذا المال ويستحل مال اخوته بهذه الصورة، التي حرمها الله- عز وجل-.
لا مانع من التصالح والتنازل بين الاخوة، لكن من الحرمة بمكان اخذ مال المسلم دون رضا نفسه، (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) و (لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه)
هذا كلام النبوة، كلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
ثانيا/ كتابة الميراث كله للبنات:
لو واحد عنده بنات فقط فمن يرث؟ الزوجة والبنات وإخوته ، فحتى يحرم اخوته من الميراث يقوم قبل موته بكتابة كل ما يملك لزوجته وبناته بيعا وشراء بعقود، فاذا جاء اخوته لأخذ نصيبهم في التركة اظهروا هذه العقود، لماذا فعلت هذا يا رجل؟ يقول والله خفت على زوجتي وبناتي من الزمن خفت ان يأكلهم اخوتي … لكنك تحايلت على شرع الله، الذي ورث هؤلاء هو الله رب العالمين، هو الله- عز وجل-، فالزوجة تأخذ الثمن والبنات لهم الثلثين وما تبقى اقل من الثلث هذا ليس شيئا كبيرا، وهذا الامر لعل الله تعالى اراده ليبقى هناك صلة بين البنات وأعمامهم، فلا تنقطع الصلة بما فعلت، فعلى المسلم أن يترك الامور لله- عز وجل- يقضي كيفما شاء.
ثالثا/ تفضيل أحد أبنائه على إخوته:
يقدم الأب أحد أبنائه على الآخر، أو أن هذا الابن كان بجانبه في حالات الشدة والمرض أو كان متزوج بأكثر من زوجة فيفاضل بين أبناء الزوجة الفلانية والزوجة الفلانية، أو أن يخص أحد بوصية أو أحد أبناء زوجته الاولى عن الثانية أو العكس فيجعل لهم عقود بيع وشراء ويورثهم ظلما وعدوانا على اخوتهم!!
هذه وصية ظالمة جائرة، والنبي- صلى الله عليه وسلم- قال (لا وصية لوارث) لا يحل حتى وان تحايلنا بالقوانين بالبيع والشراء والعقود لا يحل هذا المال هذا مال أكل بصورة حرام.
طيب الابن تعب الابن سهر الابن أنفق هذا يقدر، يكون هناك بعض الناس الحكماء يقدرون ما أنفقه على والده من علاج من نفقة عند كبره ويقدر هذا، وإذا تركه لله كان أولى، لكن ليس معنى أنه بر بابيه أكثر من إخوته أن يأخذ ثمن البر مالا، الطاعات لا يؤاجر عليها.
أنت بررت بأبيك لله أم بررته من أجل التركة؟ فلا بد وأن نستوعب هذا الأمر لأنه من الممكن أن المحبة الزائدة تجعل في قلب الأب أوفي قلب الأم فيقدم ابنه هذا او ابنته على هؤلاء ولا حول ولا قوة الا بالله فهذا ظلم ، وبالنسبة للناحية الشرعية هذا توريث باطل لأنه لا وصية لوارث كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-، الحالة الوحيدة يا إخواني أن يجتمع الورثة جميعا فيوافقون على هذه الوصية، فإذا لم يوافقوا، الوصية تعتبر مجمدة، لأن الوارث لا وصية له، الميت له أن يوصي لجهة خيرية لمسجد لمستشفى لأحد أصدقائه لأحد أقاربه الذين لا يرثون في حدود الثلث، كما نعلم، لكن لا يوصي لأحد من أولاده بأن يخصه بشيء من التركة.
رابعا/ من الأخطاء تقسيم التركة قبل الموت:
يعني الوالد باجتهاد منه يعطي الشقة الفلانية لابنه كذا البيت الفلاني لفلان الأرض الفلانية كذا، وهذا من الناحية الشرعية غير صحيح، لأن شرط التوريث موت المورث وحياة الوارث، فلا يسمى التقسيم النافذ يعني الذي ينفذ أثره بانتقال الملكية لا يسمى في حال الحياة ميراثا، والله أنا فعلت هذا حتى لا يختلفوا، هذا يعتبر وصية تنفذ لما بعد الموت، وكما قلت الله أعلم متى يموت الأب؟
الأمر الثاني أن تقدير قيمة الأشياء يختلف، وربما ترتفع القيمة من وقت إلى وقت وربما تنخفض، الأسواق عرضة لجميع الاحتمالات، وربما يحيا من يحيا ويموت من يموت، فأنت بذلك ربما تورث من لا يستحق وربما تظلم من يرث، فينبغي أن نترك القسمة كما بينها الله- عز وجل- في كتابه ولا نفعل شيئا.
في حال الحياة الأب إذا أراد أن يهادي أولاده بهدية أو الأم إذا أرادت أن تهادي فلا بأس، ويهادي الجميع يعني إذا أهدى أحد أولاده شيئا بهدية فعليه أن يهادي الجميع، هذه عن الهدية الخاصة وليس الإنفاق، الإنفاق يختلف عن الهدية، واحد ينفق على ابنه في التعليم ينفق على ابنته في الزواج، ينفق على ابنه المريض، هذا إنفاق، ليس هدية، الهدية بمعنى أنك تخصه بمال تخصه بعقار الأم تخص ابنتها بذهب هذه تسمى هدية فالأولى أو الأصل هنا العدل بين الأبناء.
والأصل في هذا قصة النعمان بن بشير لما أراد والده البشير أن يجعل له حديقة فلم ترض أمه حتى تشهد عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له أكل ولدك أعطيتهم؟ هل كل أولادك أعطيتهم حديقة؟ قال لا قال لا أشهد على جور، لا أشهد على ظلم، فبين النبي- صلى الله عليه وسلم- أن تخصيص أحد الأبناء بهدية هذا سبب لإيغار الصدور صدور إخوته فيكون فيها شيء من الغيرة أو الحسد، والإسلام يهدف إلى بقاء العلاقات قوية، متينة، بين الارحام فلا يكره بعضهم بعضا ولا يلعن بعضهم بعضا ولا يعادي بعضهم بعضا، فلا يقوم الاب بتصرف غير سليم فينشئ عداوة بين أبنائه قبل وفاته أو في حال حياته وتستمر هذه العداوة مورثة من جيل الى جيل من الآباء إلى الأحفاد وهكذا.
في مسألة تقسيم التركة في حال الحياة، حدث أمامي أكثر من قصة رجل قسم ميراثه على أبنائه وكانت النتيجة أن أودعوه في دار المسنين، هذه ليست قصة واحدة والله، هذه قصص متكررة أبناؤه ضاقوا به وبخدمته فألقوا به في دار المسنين، ومنهم والله رجل قابلته مرة فذكر لي أن ابنه طرده من البيت وقال له هات ما يثبت أن لك نصيبا في هذا البيت، وهذا من أعظم العقوق ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال وأنا الآن استسلف المبيت عند معارفي أو أصدقائي ولا أحد يتحملني في كبري الرجل جاوز الثمانين وهذا لأنه تعجل وأعطى التركة لورثته في حال حياته وصار لا يملك شيئا.
فلله حكمة في تشريعه يا إخواني، البشر يؤثر في قراراتهم الكثير، فهذا ابنك لكن هل أنت تضمن زوجته؟ هل تضمن أصهاره؟ هل تضمن أولاده؟ هل تضمن أصدقاء السوء الأب بحسن نية يقسم التركة ثم بعد ذلك يطول به العمر وتشق الخدمة والعناية به فيلقون به ويكون الرجل أما في دار مسنين وأم شريدا لا مأوى له ولا حول إلا بالله، وهناك أمهات أيضا فعلن هذا تتسول من أبنائها ثمن العلاج، تتسول من أبنائها ثمن النفقة، تتسول من أبنائها من يخدمها أو ينظف لها لأنها صارت كبيرة عجوزا لا تستطيع الحركة، ولا أحد يستجيب ولا أحد يسأل فيها، فلله الحكمة البالغة فيما شرع.
خامسا/ من الاخطاء الشائعة في بعض البلاد العربية تخصيص الذهب للبنات:
هذا أمر لا أدري ما أساسه ليس له أساس شرعي طبعا، إن الذهب حق البنات هذا غير صحيح، الذهب حق الجميع، يقوّم كل ما تركه الميت من مال أو عقارات أو منقولات أو مصوغات من ذهب أو فضة أي شيء له قيمة يقوم، يقوم أي يقدر بالمال، ثم توزع التركة، والله انت تأخذ هذا انا اترك هذا انا اتنازل عن كذا، هذه مسائل تفصيلية، لكن الأصل العام كل ما تركه الميت، من عقارات او منقولات او مصوغات أو أموال سائلة هذا يقدر ثم يوزع على الجميع وليس هناك أي أساس في دين الله- عز وجل- ان الذهب حق البنات او ان البنت تستأثر بذهب أمها هذا فضلا عن السرقات التي تحدث فهناك من تدخل على أمها في سرير الوفاة وتنزع عنها الذهب وتدعي أنها ما رأت شيئا وهي بذلك تأكل مالا حراما ولا حول ولا قوة الا بالله.
عاقبة أكل الميراث:
اخواني واحبابي الكرام الامر ليس بشيء هين، مسألة المواريث قسمة رب العالمين، وأكل الميراث ظلم وأكل لمال الناس بالباطل وغضب من الله- عز وجل-، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- (من اغتصب قيد شبر من أرض مقدار شبر فقط، طوقه من سبع أراضين يوم القيامة)
وهذا الحديث له قصة عجيبة في صحيح مسلم؛ وذلك أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد – رضي الله عنه – أنه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد – وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة -: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ قال: وما سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين”،
فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا! فقال سعيد بن زيد – رضي الله عنه -: اللهم إن كانت كاذبة؛ فعم بصرها، واقتلها في أرضها!، قال بعض الرواة: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت أخرجه مسلم.
واختم بهذه القصة لعلها تكون عظة وعبرة لمن يبرر لنفسه أكل مال الورثة بالحرام وخاصة إذا كانوا صغارا أيتاما.
انتقام الله من آكل ميراث أولاد أخيه:
يقول الدكتور محمد النابلسي : قصة أرويها كثيراً لأنني تأثرت بها، كنت أمشي في بعض أسواق دمشق، خرج من أحد المحلات رجل، واعترضني، وقال: أنت تخطب في المسجد ؟ قلت: نعم، قال لي: البارحة إنسان بأحد أسواق دمشق المغطاة بائع أقمشة سمع إطلاق رصاص، فمدّ رأسه ليرى ما الخبر، فإذا رصاصة تستقر في نخاعه الشوكي فشُلَّ فوراً، قال لي: ما ذنبه؟! أليس العمل عبادة؟ إنسان عنده عيال، عنده أولاد جاء لمحله التجاري وفتحه حتى يسترزق أين الخطأ؟ أين الذنب؟ هو في عمل في بيع وشراء؟ عمل مباح، قلت: والله أنا لا أعلم، أنا أثق أن الله عادل لكن لا أعلم هذا الجواب.
لحكمة بالغة في عندي في المسجد مدير معهد بعد عشرين يوماً قال لي أنا ساكن في الميدان أحد أحياء دمشق قال لي: لنا جار فوقنا مغتصب بيت لأولاد أخيه الأيتام وخلال ثماني سنوات رفض أن يعطيهم إياه، فشكوه إلى عالم جليل هو شيخ قراء الشام توفي رحمه الله فاستدعاه ورفض أن يعطيهم البيت بوقاحة، هذا العالم حكيم خاطب أبناء أخوته وقال لهم: يا أولادي هذا عمكم، لا يليق بكم أن تشكوه إلى القضاء، اشكوه إلى الله، هذا الكلام كان الساعة التاسعة مساءً الساعة التاسعة صباحاً هو نفسه الذي أطلّ برأسه ليرى ما الخبر فجاءت رصاصة لا تقول طائشة قل مصيبة، رصاصة مصيبة فاستقرت في عموده الفقري فشُلّ.
إخواني فمن ظن أن استيلاءه على مال اليتيم أو مال الضعيف أو مال المرأة بأي سبيل وبأي سبب من أسباب القوة أو التزوير والهيمنة فليعلم أن هناك رب مطلع لا يظلم عباده مثقال ذرة.
أقول في نهاية الخطبة:
إذا كان هناك وضع أعوج فالعوج في هذا الوضع وليس في شرع الله، العوج في هذا الوضع ليس في شرع الله، شرع الله شرع الحكيم الخبير، الذي أحاط بكل شيء علما فمن قصر فهمه عن إدراك الحكمة من تشريع أمر الله به فلا يرد الأمر على الله أو يتهم شرع الله بالقصور أو يبرر ويقول الأوضاع تغيرت تبدلت لو كان كذا لحدث كذا نقول لك هذا الأمر نص صريح واضح في كتاب الله- عز وجل-، فإن اعوج الأمر أو هناك من برره أو فسره تفسيرا خاطئا فالخلل عنده وليس في شرع الله أو دين الله، نسأل الله تعالى العفو والعافية.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الحلال الطيب وأن يبارك لنا فيه، وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب اللهم أمين.