“لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ… ” خطبة مفرغة
نعيش في هذا اللقاء مع قول الحق جل وعلا –( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )- [آل عمران/164] هذه منة الله عز وجل على عباده المؤمنين بنعمة إرسال نبي الرحمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي جعله الله للقرآن تاليا ، وللأنفس مزكيا ، وهذه الآية فيها الكثير من الفوائد والفرائد (الفرائد هي الجواهر النفيسة) فتعالوا بنا نتوقف عندها في هذا اللقاء .
معنى منّة الله على المؤمنين :
قال تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين ) منّ هذا الفعل أصله في اللغة بمعنى قطع ونقرأ في القرآن قوله تعالى -( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون )- [فصلت/8] أي غير مقطوع ، فمن أعطى الفقير حتى يغنيه نقول أنه منّ عليه أي قطع حاجته ، وهذا المنّ لا يليق إلا بالله جل وعلا، لأني كبشر عطائي محدود ، وأغلب من يعطي يعطي بمقابل فأنا أعطيك اليوم لتعطيني غدا ، أو من أجل صداقة أو محبة أو قرابة ، حتى من يعطي لله عز وجل فإنما يعطي ابتغاء الأجر من الله -سبحانه وتعالى – وهو عطاء محدود ولا يكفي لسد كل حاجات الإنسان ؛ لكن الله الكريم جل وعلا إذا أعطى أعطى بلا مقابل وإذا أعطى أغنى فيقطع عن الإنسان حاجته وفقره ، ولذلك فإن المنة لا تكون إلا لله -سبحانه وتعالى – ومن أسمائه -سبحانه وتعالى – (المنان) الذي يمن على عباده بالعطايا والنعم قال تعالى : -( وما بكم من نعمة فمن الله )- [النحل/53]
وقد نهانا الله عز وجل أن نمن على أحد بعطاء أعطيناه حتى لا يكون بذلك أذى له ، لأنك إذا مننت فإنما تمن بما ليس لك تمن بما أعطاك الله ، وتؤذي بما تمن لمن أحسنت إليه قال تعالى : -( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى )- [البقرة/264]
وقد فقه الأعرابي حينما سألوه لمن هذه الغنم ؟ قال هي لله في يدي .
فالمالك لكل شيء هو الله ، والله مالك كل شيء وما ملك، فلله المنة وله الفضل في كل عطاء وفي كل نعمة ، قال تعالى : -( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين )- [الحجرات/17] فالمنان جل وعلا عطاؤه بلا مقابل ،بلا حدود ، عطاء يغني ، عطاء لا ينقطع -سبحانه وتعالى – ومن مننه العظيمة النعمة التي أكرمنا بها ألا وهي بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- منّ الله علينا بأن جعلنا من هذه الأمة ومن اتباع الصادق المعصوم -صلى الله عليه وسلم-
رسولا من أنفسهم:
( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )- [آل عمران/164] من أنفسهم بشرا مثلهم تتحقق به القدوة الكاملة ، لم يأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من السماء ملكا رسولا ولم يسقط على الناس من كوكب آخر ،إنما هو رسول يعرفهم ويعرفونه ،عاش بينهم أربعين سنة قبل البعثة يلقبونه بالصادق الأمين ، لم ينقبوا في تاريخه أو لم يبذلوا جهدا كبيرا لتفحص سيرته قبل الأربعين قبل أن يوحى إليه إنما هو من أنفسهم ولذلك كانت عبارة القرآن في العديد من المواضع -( وما صاحبكم بمجنون )- [التكوير/22] و -( ما ضل صاحبكم وما غوى )- [النجم/2] يلقب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصاحب ، سبحان الله العظيم !!! فهو صاحبهم الذي طالت حياته فيكم وصحبته لكم تعرفونه وتعرفون أهله وأصله فهو من أنفسهم بشر تقتدون به ليس ملكا معصوما أو له قدرات ملائكية لا يستطيع البشر أن يقتدوا به ، فالملائكة منهم من هو قائم يسبح الله ومنهم من هو راكع ومنهم من هو ساجد -( يسبحون الليل والنهار لا يفترون )- [الأنبياء/20] أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه بشر مثلنا يصيبه ما يصيب البشر من الألم ويصح ويمرض ويجوع ويعطش ويشبع ويرتوي.
ولما جاء الثلاثة إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: ” أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني” ورغب عن الشيء : تركه .
فمن أعرض عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليس على سنته .
إذن رسولا من أنفسهم، ولذلك حتى لما بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقالوا فيه ما قالوا كانوا هم أدرى الناس بكذب ما يدّعون عليه ، قالوا إنه مجنون وهم يعلمون أنه كان من أعقلهم وأحكمهم ، وقالوا جاء بالقرآن من عند نفسه وأنه افترى هذا القرآن فهم يعلمون أنه الصادق الأمين -صلى الله عليه وسلم- ، وقالوا عنه كاهن وهم يعلمون أن كلامه ليس سجع الكهان ، لما قالوا عنه أنه شاعر هم يعلمون أن القرآن ليس فيه أوزان الشعر ولا قوافي الشعر ،إنما هو كلام رب العالمين ،ولذلك سبحان الله بعد سنوات طويلة لمارجع النبي إلى مكة وفتحها ، وأصبح أهل مكة بين يديه بإشارة واحدة منه يقتل من يقتل ممن يستحق القتل من هؤلاء ، قال لهم ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم !!!
هؤلاء هم الذين كانوا من عدة سنوات يقولون ساحر وكاهن وشاعر ، فهم يعرفون النبي ويعرفون أصله وفصله .
ولذلك في حديث طويل لأبي سفيان في حوار له مع هرقل عظيم الروم لما أرسل النبي له رسالة يدعوه فيها للإسلام سأل هرقل أبا سفيان عدة أسئلة منها :قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟
قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.
قَالَ هرقل: فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا
قال: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟
قُلْتُ: لاَ.
فقال هرقل لَمْ يَكُنْ لِيَترك الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ .
ولذلك لما قالوا للصديق يريدون تشكيكه في حادث الإسراء إن صاحبك يزعم كذا وكذا قال أبو بكر : إن كان قال فقد صدق . خلصت القصة انتهت الحكاية لأنه ما جربنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذبا أبدا .
والنبي لما وقف على جبل أبي قبيس ليجهر بالدعوة بعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية قال: يا معشر قريش ، أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ ؟ ” قالوا : نعم ؟ ما جربنا عليك كذبا قط . هذا كلامهم ما جربنا عليك كذبا قط .
وصف خديجة لأخلاق النبي قبل البعثة:
وانظروا لأخلاق النبي قبل البعثة لما أوحى الله تعالى إليه، ورأى النبي جبريل أول مرة لم يكن يدري ما جبريل ولا الوحي ولا الرسالة ، فذهب فزعا إلى خديجة رضي الله عنها فأخبَرَها الخبر وقال: (لقد خشيتُ على نفسي!)، والإنسان لو تجمل على الدنيا كلها لا يستطيع أن يتجمل على زوجته فهي أدرى وأخبر الناس بحاله ، فقالت له رضي الله عنها: “كلَّا! والله لن يخزيك الله أبدًا؛وتروى لن يحزنك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق””
تَحمِل الكَلَّ: أي تتحمَّل مؤونة الكَلِّ، وهو الضعيف واليتيم وذو العيال، فتُنفِق عليه، وتقوم على حاجته.
تَكسِب المعدوم: أي تكسب المالَ وتبذُل من هذا المال للمحتاج أو المعدوم (المعدم).
تقري الضيف: والقِرى هو ما يُقدَّم للضيف من طعام وشراب، أي: أنت تكرم الضيف.
تعين على نوائب الحق: النوائب جمع نائبة، وهي الحادثة أو المصيبة، أي تُعين الناس فيما يصيبهم من خير أو شر.
فهي رأت من زوجها هذه الأخلاق الكريمة ، وهذا كله قبل البعثة تدري من هو محمد وما أخلاقه فقالت مقسمة : كلَّا! والله لن يخزيك الله أبدًا ، ولذلك خديجة -رضي الله عنها- كانت أول من آمن به -صلى الله عليه وسلم-
زيد بن حارثة :
واعجبوا معي لهذه القصة زيد بن حارثة دائما ما نقرأ في تعريفه مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلمة مولى في اللغة من ألفاظ الأضداد تطلق على السيد وعلى العبد ،لأن العبد يخدم سيده والسيد مسؤول عن عبده ، فيسمى السيد مولى ويسمى العبد مولى .
المهم زيد بن حارثة مولى رسول الله لماذا لقب بهذا اللقب ؟
زيد بن حارثة كان حرا في ديار قومه بني كلب أحد بطون قضاعة،فذهبت أمه لزيارة لأهلها،فأغارت قبيلة على أهلها وأخذ زيد أسيرا فباعوه في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام ثم أهداه لعمته خديجة بنت خويلد ، فلما تزوجها النبي محمد وهبته له.
ثم مر زمن، وحج أناس من قبيلته كلب، فرأوه فعرفهم وعرفوه، ثم عادوا وأخبروا أباه بمكانه، فخرج أبوه وعمه يفتدونه، والتقوا بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وطلبوا فدائه، فدعاهما إلى تخيير زيد نفسه إن شاء بقي، وإن شاء عاد مع أهله دون مقابل.
ثم دعاه النبي ، وخيره فقال زيد: «ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني بمكان الأب والأم»، فتعجّب أبوه وعمه وقالا: «ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!»، قال: «نعم. إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي اختار عليه أحدًا أبدًا»، فلما رأي النبي محمد منه ذلك، خرج به إلى الحِجْرعند الكعبة، وقال: «يامعشر قريش اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني» فصار زيد يُدعي «زيد بن محمد»،ثم حرم التبني كما نعلم فيما بعد .
الشاهد : أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا يعرفونه ويعرفون أخلاقه والإنسان فينا ربما يتجمل أمام الناس بطريقة كلامه بأفعاله ، لكن لن يستطيع أن يتماسك أربعين سنة في وسط أهله بين زوجته بين خدمه ، سبحان الله العظيم!!! فهذا كلام زوجته ثم كلام صاحبه ثم كلام خادمه فهو من أنفسكم تعرفونه وتعرفون أخلاقه .
-( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )- [آل عمران/164]بالمناسبة ذكر الإمام القرطبي قراءة من أنفسهم بفتح الفاء لكنها شاذة ، ومعناها من أشرافهم ، من أشراف قريش .
يتلو عليهم آياته :
-( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته )- [آل عمران/164] التلاوة قراءة القرآن وتسمى القراءة تلاوة لأنها آية تتبعها آية ، وهكذا فلتتابع وتوالي القراءة سميت قراءة القرآن تلاوة فهو أول مهامه أن يتلو آيات الله المنزلة عليه .
المهمة الثانية ( ويزكيهم )
ما معنى التزكية ؟
التزكية في اللغة مصدر زكى الشيء يزكيه، ولها معنيان:
المعنى الأول : التطهير.
والمعنى الثاني : هو الزيادة، والنماء.
،فتزكية النفس شاملة لأمرين :
أ – تطهيرها من الصفات القبيحة.
ب – تنميتها بالأوصاف الحميدة
فمعنى ويزكيهم أنه -صلى الله عليه وسلم- قام بهدم بناء الجاهلية في النفوس وتربيتها على أخلاق الإسلام ، هدم النبي -صلى الله عليه وسلم- بناء الجاهلية في النفوس والمجتمع من حوله حجرا حجرا وهذا أصعب ما يكون ،ثم أقام بناء الإسلام وربى رجالا .
والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يثبت أنه ألف كتبا إنما ربى رجالا جعل منهجه منهجا متحركا متجسدا في صحابته الكرام الذين نشرف بذكر سيرهم واتباع آثارهم وحبهم ، ربى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجالا غاية في المثالية حتى يكونوا قدوات حتى لا يأتي أحد ليقول إن منهج محمد مستحيل التحقق ، هذا رسول الله جاء قدوة فاقتدى به أصحابه وورثوا المنهج لمن بعدهم وورثه التابعون إلى من بعدهم وهكذا إلى يومنا هذا وما زال ميراث وتربية رسول الله تتوارث جيلا بعد جيل ، ولذلك من الخطأ البين الخوض في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو استباحة سبهم أو لعنهم أو انتقاصهم لأن في ذلك معنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحسن تربية أصحابه ، وأنه لم يحسن الاختيار أو كان حوله مجموعة كذا وكذا …. وحاش لله أن يحيط الله نبيه بما زعموا في صحابته ، إنما كانوا رضوان الله عليهم أطهر قلوبا وأبر أعمالا ، وفي هذا الوقت وهذا الزمان اصطفاهم الله تعالى وجعلهم وزراء نبيه .
لا تسبوا أصحابي:
خالد بن الوليد صحابي أسلم سنة 7 هـ حصل شيء مما يكون بين الناس، بين الصحابيين الجليلين: عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، وكان عبد الرحمن بن عوف ممن أسلم قبل صلح الحديبية، وخالد بن الوليد ممن أسلم بعده، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه)
المُد هو ملء كفي الرجل المعتدل من طعام ، والنصيف يعني النصف، والمعنى: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مُدًّا ولا نصف مُدّ.
وفي ذلك إشارة لسبقهم ودرجتهم ومكانتهم وفضلهم عند الله سبحانه وتعالى ، فجعل الله لنبينا تزكية للأنفس بما يتلو من آيات فطهر الأنفس من العادات الجاهلية ، كان عندهم الكبر والظلم والقهر والاعتداء والإغارة وقطع الأرحام واستذلال الضعيف ووأد البنات وشرب الخمر …..الخ
صفات جاهلية كثيرة كل هذا هدم وانتهى إلى غير رجعة وأقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بناء الإسلام وكان يربي ويعلم ويراجع.
أبو ذر لما قال لبلال في ساعة غضب يا ابن السوداء نبهه قائلا إنك امرؤ فيك جاهلية ، فرجع عنها -رضي الله عنه-
وقد بلغ الأمر أن المجتمع لما استقام استقامت الأمور كلها واستقامت الموازين فرأينا عمر -رضي الله عنه- يقول عن بلال مولى أبي بكر : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا ، يقصد بلالا -رضي الله عنه-
الشاهد أن من مهام رسول الله أنه يتلو آيات الله ويزكي الأنفس يربيها وينقيها ومع هذا تجد هذا الخير الكثير الذي جعله الله بركة على العالمين ، صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انطلقوا في الأرض كلها كان الرجل منهم بأمة ، زكى النبي وربى وعلم حتى رأينا هذا الإسلام الذي انتشر في ربوع الأرض مشارقها ومغاربها ، بفضل الله -سبحانه وتعالى – ثم بجهود هؤلاء الأطهار الأبرار ، والمنهج باق للتزكية ، القرآن الكريم معنا بين أيدينا نتزكى بتلاوته ونتزكى بفهمه ونتزكى بالعمل به ، لذلك كان النبي من دعائه يقول :” اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها “
خير احتفال بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكراه:
وهنا أقول : إن خير احتفال بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكراه أن تزكي نفسك ، ماذا فيّ من الصفات السيئة والرديئة ؟ فحبا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأحاول أن أدفع عن نفسي هذه الصفة السيئة .
هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب الغضبان الشديد الغضب ؟ كلا ، إذن فحبي لرسول الله سيدفعني أن أترك الغضب ، يأتيه رجل فيقول أوصني ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ ، فَرَدَّدَ مِرَارًا ، كُلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ فَيَقُولُ : لاَ تَغْضَبْ، حتى قال له أما تفقه لا تغضب ولك الجنة .
هذه تزكية ،أنت عيبك الوحيد الغضب اترك الغضب ستترك الكثير من الصفات السيئة ، وفي رواية : قال الرجل ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله.
أنا عندي مسألة الغيبة لا أستطيع أن أمسك لساني لما تأتي سيرة شخص أقع في الغيبة فحبا في رسول الله سأنقي نفسي من هذه الصفة السيئة ،أنا فيّ بعض الكبر سأحاول أن أنقي نفسي من هذه الصفة السيئة ، أنا متكاسل عن صلاة الفجر !!!عن تلاوة القرآن !!!عن كذا وكذا …..
زكي نفسك ، نقها ، نمها ،قال تعالى : -( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها [الشمس9 /10]
فهذاخير احتفال برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى : -( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )- [آل عمران/31] فكان من مهام رسول الله تزكية الأنفس.
قال تعالى : -( ويعلمهم الكتاب والحكمة ):
الكتاب هو القرآن ، لكن ما الفرق بين التلاوة والتعليم ؟
التلاوة قراءة القرآن ، والتعليم أن يتلو ويفهّم المعاني وكيف يطبقونها، من الممكن أن يكون القرآن نصا يتبرك الناس به كما يفعل كثير من المسلمين ، ولا علاقة لهم بالقرآن تطبيقا وعملا ،فالنبي تلا القرآن وعلّم كيف يطبق هذا الأمر ، رآه الصحابة وهو يطبق -( كتب عليكم الصيام )- [البقرة/183] ورأوه وهو يطبق -( وأقيموا الصلاة )- [البقرة/43] فقال لهم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ورآوه وهو يطبق -( وأتموا الحج والعمرة لله )- [البقرة/196] فكان يقول : خذوا عن مناسككم ، إذن فهي تلاوة وتعليم كيف تطبق آيات القرآن الكريم .
ما هي الحكمة ؟
والحكمة هي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وللأسف البعض يأتي فيقول – وهذه من الحاجات العجيبة في زماننا -يقول نؤمن بالقرآن ولا نؤمن بالسنة !!! فمن أين لك أو كيف علمت بالصلوات الخمس ؟ الصبح ركعتان والظهروالعصر أربع والمغرب ثلاثة والعشاء أربع؟ من أين علمت تفاصيل مقادير الزكاة وأنصبتها ؟ تفاصيل الحج ومناسكه ؟
فلا ينبغي لأحد أبدا أن يقول أنا آخذ بالقرآن وادع السنة لأن هذا كفر بهذه الآية -( ويعلمهم الكتاب والحكمة )- [آل عمران/164]
وقال تعالى لزوجات نبينا : -( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا )- [الأحزاب/34]
فالحكمة هي السنة التي أوحى الله تعالى بها لنبينا -صلى الله عليه وسلم- وأخبر النبي بما علمه ربه ولذلك عندنا الاستدلال الشرعي لأي حكم يكون من النبعين الصافيين : الكتاب والسنة .
والصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لَعَنَ اللهُ النامصة والمتنمصة بَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ النامصة والمتنمصة ؟
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ
فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ؟
فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لوجَدْتِيهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]
( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ):
أي من قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم- كانوا في ضلال واضح .
اللهم اجزه عنا خير ما جازيت به نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته.
اللهم أحينا على ملته وأمتنا على سنته وانفعنا يوم القيامة بشفاعته واحشرنا إلى الجنة في زمرته.
اللهم كما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.