فقه الطهارة: 7- ما يجب وما يستحب له الوضوء

تاريخ الإضافة 7 أكتوبر, 2023 الزيارات : 12835

فقه الطهارة: 7- ما يجب وما يستحب له الوضوء

 يجب الوضوء لأمور ثلاثة:وضوء-المسلم
(الأول) الصلاة مطلقا:

 اتفق الفقهاء على أن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر؛ وفي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).

لكن وقع الخلاف في الطواف ومس المصحف وحمله :

أولا الطَّوافُ:

اختلف الفقهاء في اشتراط الطهارة من الحدث للطواف على ثلاثة أقوال :

القول الأول : الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف. وهو المشهور من مذهب المالكية ، والشافعية ، والحنابلة.

القول الثاني : الطهارة واجبة، ويصح الطواف بدونها، وتجبر بدم. وهو الراجح عند الحنفية ، ورواية عن أحمد.

القول الثالث  : الطهارة من الحدث الأصغر سنة. وهو قول ابن حزم واختيار ابن تيمية .

الأدلة :

الأول : قَول جمهورِ العلماء :يَحْرُمَ على المُحْدِثِ الطَّوافُ بالبيتِ، سواء كان هذا الطَّواف نُسُكاً في حَجٍّ، أو عُمْرَةٍ أو تَطَوُّعاً، والدَّليل على ذلك:
1
ـ أنه ثَبَتَ عنِ النبيِّ (أنَّه حين أراد الطَّواف تَوَضَّأ ثمَّ طاف) والحديث متفق عليه.
2
ـ حديث صفيَّة لمَّا قيل له: إِنَّ صَفِيَّة قد حاضَتْ، وظنَّ أنها لم تَطُفْ للإِفاضة فقال: «أحابستنا هي؟». متفق عليه والحائِضُ معلوم أنَّها غيرُ طاهِرٍ.
3
ـ حديث عائشة أنَّ النبيَّ قال لها حين حاضت: «افعلي ما يفعل الحاجُّ غيرَ أنْ لا تطوفي بالبيت» متفق عليه .
4
ـ قوله : «الطَّواف بالبيت صلاة؛ إِلا أنَّ الله أباح فيه الكلام؛ فلا تَكلَّموا فيه إِلا بخير» الترمذى.

الثاني :قول ابن تيمية وابن حزم وأبو حنيفة إِنَّ الطَّوافَ لا تُشْتَرطُ له الطَّهارة، ولا يَحْرُمُ على المُحْدِثِ أنْ يَطُوفَ، وإِنَّما الطَّهارة فيه أَكْمَل.
واسْتَدَلُّوا : بأنَّ الأَصْلَ بَراءة الذِّمَّة حتى يقوم دليلٌ على تحريمِ هذا الفِعْل إِلاَّ بهذا الشَّرط، ولا دليلَ على ذلك، ولمْ يَقُل النبيُّ يوماً من الدَّهْر: لا يقبل الله طَوَافاً بغيرِ طهور، أو: لا تطوفوا حتى تطَّهَّروا.
وإِذا كان كذلك فلا نُلْزِم الناس بأمرٍ لم يكن لنا فيه دليلٌ بَيِّنٌ على إِلزامهم، ولا سيَّما في الأحوالِ الحرِجَة كما لو انتقضَ الوُضُوءُ في الزَّحْمَةِ الشَّديدةِ في أيَّامِ الموسِمِ، فَيَلْزمه على هذا القَوْلِ إِعَادَةُ الوُضُوء، والطَّوافِ مِنْ جديد.
وأجابوا عن أدلَّة الجمهور بما يلي :

أنَّ فِعْلَ النبيِّ المجرَّد لا يدلُّ على الوُجُوبِ، بل يَدلُّ على أنَّه الأفضل، ولا نِزاع في أنَّ الطَّوافَ على طَهَارة أفضل؛ وإِنَّما النِّزاع في كَوْنِ الطَّهارة شَرْطاً لصِحَّة الطَّواف.

وأمَّا حديث عائشة: «افْعَلي ما يفعل الحاجُّ …» إلى آخره، وقوله في صفيَّة: «أحابِسَتنا هي؟». فالحائض إِنما مُنِعَتْ مِنَ الطَّواف بالبيت، لأنَّ الحيض سَبَبٌ لمنْعِها من المُكْثِ في المسجد، والطَّواف مُكْثٌ.

وأيضاً : فالحيض حَدَثٌ أكبر، فلا يُسْتَدلُّ بهذا على أنَّ المحدِثَ حَدَثاً أصغرَ لا يجوزُ لَهُ الطَّواف بالبيت، وأنتم توافقون على أنَّ المحدِثَ حدثاً أصغر يجوز له المُكْثُ في المسجد، ولا يجوز للحائض أن تَمْكُثَ، فَمَنَاطُ حُكْمِ المنْعِ عندنا هو المُكْثُ في المسجد.
وأمَّا حديث : «الطَّواف بالبيت صلاة» فَيُجَاب عنه:
1
ـ أنَّه موقوفٌ على ابن عباس، ولا يَصِحُّ رفعه للنبي .
2
ـ أنَّه مُنْتَقَضٌ، لأنَّنا إِذا أخذنا بِلَفْظِهِ، فإِنَّه على القواعِد الأصوليَّة يقتضي أنَّ جميعَ أحكام الصَّلاة تَثْبُتُ للطَّواف إِلاَّ الكلام، لأن مِنَ القواعد الأصولية:
أنَّ الاستثناء مِعيار العُمُوم، أي: إِذا جاء شيء عام ثم استثني منه، فكلُّ الأفراد يتضمَّنه العموم، إلا ما اسْتُثْنِيَ، وإِذَا نظرنا إلى الطَّواف وجدناه يُخالِفُ الصَّلاة في غَالِبِ الأحكام غير الكلام، فهو يجوز فيه الأكلُ، والشُّربُ، ولا يجب فيه تكبير ولا تسليم، ولا قراءة، ولا يبطل بالفعل ونحوه، وكلامه يكون مُحْكَماً لا يمكن أن يَنْتَقِضَ، فلمّا انْتَقَضَ بهذه الأمور ووجدنا هذه الاستثناءات علمنا أنَّ هذا لا يصحُّ من قول الرسول .
وهذا أحد الأوجه التي يُسْتَدَلُّ بها على ضَعْفِ الحديث مرفوعاً، وهو أن يكون متخلخلاً، لا يمكن أن يَصْدُرَ من النبيِّ
.

وهذا كلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى 21/161/ 157باختصار )

وأما الطواف فلا يجوز للحائض بالنص، والإجماع‏،وأما الحدث ففيه نزاع بين السلف، وقد ذكر عبد الله بن الإمام أحمد في المناسك بإسناده عن النخعى، وحماد بن أبي سليمان‏:‏ أنه يجوز الطواف مع الحدث الأصغر، وقد قيل إن هذا قول الحنفية، أو بعضهم‏…….‏ وأما الطواف فلا أعرف الساعة فيه نقلا خاصًا عن الصحابة، لكن إذا جاز سجود التلاوة مع الحدث، فالطواف أولى، كما قاله من قاله من التابعين‏.‏…..

وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء ……..والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلا، فإنه لم ينقل أحد عن النبي لا بإسناد صحيح، ولا ضعيف، أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عُمَرَا متعددة، والناس يعتمرون معه، فلو كان الوضوء فرضًا للطواف لبينه النبي بيانًا عامًا، ولو بينه لنقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ‏.‏ وهذا وحده لا يدل على الوجوب، فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال‏:‏‏(‏إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر‏)‏ فيتيمم لرد السلام‏.‏
وقد ثبت عنه في الصحيح أنه لما خرج من الخلاء وأكل وهو محدث قيل له‏:‏ ألا تتوضأ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ما أردت صلاة فأتوضأ‏)‏‏.‏
يدل على أنه لم يجب عليه الوضوء إلا إذا أراد صلاة، وأن وضوءه لما سوى ذلك مستحب ليس بواجب‏.‏ وقوله :‏ ‏(‏ما أردت صلاة فأتوضأ‏)‏ ليس إنكارًا للوضوء لغير الصلاة، لكن إنكار لإيجاب الوضوء لغير الصلاة؛ فإن بعض الحاضرين قال له‏:‏ ألا تتوضأ‏؟‏ فكأن هذا القائل ظن وجوب الوضوء للأكل، فقال ‏:‏ ‏(‏ما أردت صلاة فأتوضأ‏)‏ فبين له أنه إنما فرض الله الوضوء على من قام إلى الصلاة‏.‏

والحديث الذي يروى‏:‏ ‏(‏الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير‏)‏، قد رواه النسائي، وهو يروى موقوفًا ومرفوعًا، وأهل المعرفة بالحديث لا يصححونه إلا موقوفًا ويجعلونه من كلام ابن عباس لا يثبتون رفعه، وبكل حال فلا حجة فيه؛ لأنه ليس المراد به أن الطواف نوع من الصلاة كصلاة العيد، والجنائز؛ ولا أنه مثل الصلاة مطلقًا، فإن الطواف يباح فيه الكلام بالنص والإجماع، ولا تسليم فيه، ولا يبطله الضحك والقهقهة، ولا تجب فيه القراءة باتفاق المسلمين، فليس هو مثل الجنازة، فإن الجنازة فيها تكبير وتسليم، فتفتح بالتكبير، وتختم بالتسليم‏.‏
وهذا حد الصلاة التي أمر فيها بالوضوء، كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم‏)‏، والطواف ليس له تحريم، ولا تحليل، وإن كبر في أوله، فكما يكبر على الصفا والمروة، وعند رمى الجمار، من غير أن يكون ذلك تحريمًا، …..ولا يعرف نزاعًا بين العلماء أن الطواف لا يبطل بالكلام والأكل والشرب والقهقهة، كما لا يبطل غيره من مناسك الحج بذلك‏.‏ وكما لا يبطل الاعتكاف بذلك‏.‏

مسُّ المُصْحَفِ وحمله  :

اختلف العلماء في من يريد مس المصحف هل يشترط أن يكون على طهارة من الحدث أم لا.

الأول : يحرم على المحدث مس المصحف. وهو مذهب الأئمة الأربعة .

الثاني : تستحب له الطهارة، ولا تجب ، وهو مذهب الظاهرية ، واختيار ابن المنذر من الشافعية .

الأدلة :
الأول : قَول الأئمة الأربعة :يحرم على المحدِث(حدثاً أصغر أو أكبر) مسُّ المصحف ،واستدلوا بالآتي:
1-
قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ *تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الواقعة] .
وجه الدِّلالة : أنَّ الضَّمير في قوله: «لا يمسُّه» يعود على القرآن، لأن الآيات سِيقت للتَّحدُّث عنه بدليل قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة] والمنزَّل هو هذا القرآن، والمُطَهَّر: هو الذي أتى بالوُضُوء والغُسُل من الجنابة، بدليل قوله: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]
2-
ما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبيُّ إلى أهل اليمن وفيه: «… ألا يمسَّ القرآن إلا طاهر…».
والطَّاهر : هو المُتطهِّرُ طهارة حسِّيَّة من الحَدَث بالوُضُوء أو الغُسُل، لأن المؤمن طهارته معنوية كاملة، والمصحف لا يمسُّه غالباً إلا المؤمنون، فلما قال: «إلا طاهر» عُلم أنها طهارة غير الطَّهارة المعنوية، بل المراد الطَّهارة من الحَدَث، ويَدُلُّ لهذا قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] أي طهارة حسِّيَّة؛ لأنه قال ذلك في آية الوضوء والغُسل.

3- من النَّظر الصَّحيح: أنَّه ليس في الوجود كلام أشرف من كلام الله، فإذا أَوْجَبَ الله الطَّهارة للطَّواف في بيته، فالطَّهارة لِتِلاوَةِ كتابه الذي تَكَلَّم به من باب أولى، لأننا نَنْطق بكلام الله خارجاً من أفواهنا، فَمُمَاسَّتنا لهذا الكلام الذي هو أشرف من البناء يقتضي أن نكون طاهِرِين؛ كما أن طوافنا حول الكعبة يقتضي أن نكون طاهرين، فتعظيماً واحتراماً لكتاب الله يجب أن نكون على طهارة.

الثاني : قَول الظاهرية ، واختيار ابن المنذر من الشافعية والشوكاني ووافقهم الألباني في( تمام المنة ) : لا يحرم على المُحْدِثِ أن يَمَسَّ المصحف
واستدلُّوا:

1- بأن الأصل براءة الذِّمة، فلا نُؤَثِّم عباد الله بفعل شيء لم يَثْبُتْ به النَّص.

2- ذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس أنه يرى جواز مس المصحف للمحدث حدثاً أصغر، وذكر معه جماعة من التابعين كالشعبي وغيره .

3-القياس على قراءة القرآن، فإذا كانت قراءة القرآن من دون مس جائزة بالإجماع، فكذلك مسه من باب أولى؛ لأننا قد تُعِبدنا بقراءة القرآن، ولم نتعبد بمجرد مسه بدون قراءة، قال النووي في المجموع: “أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث، والأفضل أن يتطهر لها.

وأجابوا عن أدلَّة الجمهور:
أما الآية فلا دلالة فيها، لأن الضَّمير في قوله: «لا يمسُّه» يعود إلى «الكتاب المكنون»، والكتاب المكنون يُحْتَمَلُ أن المرادَ به اللوحُ المحفوظ، ويُحْتَملُ أن المرادَ به الكتب التي بأيدي الملائكة. فإن الله تعالى قال: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ *فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ *فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ *مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ *بِأَيْدِي سَفَرَةٍ *كِرَامٍ بَرَرَةٍ *} [عبس] ، وهذه الآية تفسير لآية الواقعة، فقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ *} كقوله: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *}.وقوله: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ }، كقوله: {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ }.
والقرآنُ يُفسِّر بعضه بعضاً، ولو كان المراد ما ذَكَرَ الجمهور لقال: «لا يمسُّه إلا المطَّهِّرون» بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة، يعني: المتطهرين، وفرق بين «المطهَّر» اسم مفعول، وبين «المتطهِّر» اسم فاعل، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] . وأما قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فهو عائدٌ على القرآن، لأن الكلام فيه، ولا مانع من تداخل الضَّمائر، وعود بعضها إلى غير المتحدَّث عنه ، ما دامت القرينة موجودة.
ثم على احتمال تساوي الأمرين فالقاعدة عند العلماء إنه إِذا وُجِدَ الاحتمال بَطلَ الاستدلال ، فيسقط الاستدلال بهذه الآية، فنرجع إلى براءة الذِّمة.

وأما بالنسبة لحديث عمرو بن حزم: فهو ضعيف، لأنه مُرسَل، والمرسل من أقسام الضَّعيف، والضَّعيف لا يُحْتَجُّ به في إثبات الأحكام؛ فضلاً عن إِثبات حُكْمٍ يُلْحِقُ بالمسلمين المشَقَّة العظيمة في تكليف عباد الله ألا يقرؤوا كتابه إلا وهو متوضؤون.
وإذا فرضنا صِحَّتَهُ بناء على شُهْرَتِهِ فإنه كُتِبَ إلى أهل اليَمَنِ، ولم يكونوا مسلمين في ذلك الوقت، فَكَوْنُهُ لِغَيْرِ المسلمين يكون قرينة أنَّ المراد بالطَّاهر هو المؤمِن ، فإن كلمةَ «طاهر» تَحْتَمِلُ أن يكونَ طاهرَ القلب من الشِّرك، أو طاهر البَدَنِ من النَّجَاسَة، أو طاهراً من الحدث الأصغر؛ أو الأكبر، فهذه أربعة احتمالات، والدَّليل إِذا احتمل احتمالين بَطلَ الاستدلال به، فكيف إِذا احتمل أربعة؟
وكذا فإِن الطَّاهر يُطْلَقُ على المؤمن لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] ، وهذا فيه إثبات النَّجاسة للمُشرك.
وقال : «إِنَّ المؤمنَ لا يَنْجُس» وهذا فيه نَفْيُ النَّجاسة عن المؤمن، ونفي النَّقيضِ يستلزم ثبوت نقيضه، لأنَّه ليس هناك إِلا طَهَارة أو نَجَاسة، فلا دلالة فيه على أن من مَسَّ المصْحَفِ لا يكون إِلا من مُتَوضِّئ.

الخلاصة :

أكثر المسلمين لا يحفظون القرآن، وإذا منعناهم من مس المصحف إلا على طهارة فإن طائفة كبيرة قد تحجم عن قراءته إما عجزاً في تحصيل الطهارة أو قد لا يكون الماء في المتناول وإن لم يكن معدوماً، وما دامت الأدلة ليست بالقوية، وهي معارضة لأدلة أخرى، وحرصاً على تيسير قراءة القرآن لعموم المسلمين في كل الأوقات، فإن النفس قد يكون فيها حرج في إيجاب مثل هذا؛ نعم الطهارة عبادة عظيمة، وهي تكفر السيئات، وهي عبادة مقصودة لذاتها، كما أنها مشروعة بالإجماع لذكر الله، بل حرص الرسول – صلى الله عليه وسلم – ألا يرد السلام إلا على طهارة، ولكن مع ذلك، فإن الجزم بالإيجاب أمر ليس بالسهل، ويخشى الإنسان أن يكون قد ضيق أمراً فيه سعة.


                                        ما يستحب له الوضوء 

يستحب الوضوء ويندب في الأحوال الآتية:
(1) عند ذكر الله عزوجل:

لحديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه (أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ فرد عليه، وقال: (إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على الطهارة) ، قال قتادة (فكان الحسن من أجل هذا يكره أن يقرأ أو يذكر الله عز وجل حتى يطهر) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وعن أبي جهيم بن الحارث رضي الله عنه .

وأيضا  (أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل (موضع يقرب من المدينة) فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى أقبل على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام) رواه أحمد والبخاري ومسلم ، وهذا على سبيل الافضلية والندب، وإلا فذكر الله عز وجل يجوز للمتطهر والمحدث والجنب والقائم والقاعد، والماشي والمضطجع بدون كراهة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) رواه الخمسة إلا النسائي.

(2) عند النوم:

لما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن، ثم قل اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به،) قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت: (اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت: ورسولك، قال: لا … ونبيك الذي أرسلت) رواه أحمد والبخاري والترمذي

(3) يستحب الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل :

لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال يا رسول الله أينام أحدنا جنبا؟ قال: (نعم إذا توضأ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب، غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة) رواه الجماعة.

وكذلك إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو يعاود الجماع، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ) ، وعن عمار بن ياسر (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام، أن يتوضأ وضوءه للصلاة) ، رواه أحمد والترمذي وصححه، وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ) رواه الجماعة إلا البخاري، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وزادوا (فإنه أنشط للعود) .

(4) قبل الغسل:

سواء كان واجبا أو مستحبا: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة) ، الحديث رواه الجماعة.

(5) يندب من أكل ما مسته النار:

لحديث إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال: مررت بأبي هريرة وهو يتوضأ فقال: أتدري مم أتوضأ؟ من أثوار أقط (قطع من اللبن الجامد) أكلتها، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار) ، رواه أحمد ومسلم ، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار) ، رواه أحمد ومسلم .

والأمر بالوضوء محمول على الندب لحديث عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فأكل منها فأكل منها فدعى إلى الصلاة فقام وطرح السكين وصلى ولم يتوضأ) متفق عليه

(6)
تجديد الوضوء لكل صلاة:

لحديث بريدة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر.يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله! فقال: (عمدا فعلته يا عمر) رواه أحمد ومسلم وغيرهما، وابن عمرو بن عامر الأنصاري رضي الله عنه قال، كان أنس بن مالك يقول: (كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قال: قلت: فأنتم كيف كنتم تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث) ، رواه أحمد والبخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك) رواه أحمد بسند حسن.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 241 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم

جديد الموقع