سنن الفطــرة
الإسلام دين الفطرة التي قال الله فيها : (فِطْرَتَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) وتتمثل هذه الفطرة في طهارة المسلم ظاهراً وباطناً.
فـأمـا طهارة الباطن فهـي متعلقة بالقلب وتعني تطهير النفس من الشرك ، وإخــلاص العـبادة لله.
وأما طـهـارة الـظـاهر فهي الفطرة العملية التي تشتمل على كل ما كان متعلقاً بجمال المظهر عند المسلم ، لما في ذلك من ملاءمة للفطرة السوية التي خلقه الله عليها .
يقول ابن الجوزي : “كان النبي صلى الله عليه وسلم أنظف الناس وأطيب الناس”
ومن كلام الحكماء : من نظف ثوبه قلّ همه ، ومن طاب ريحه زاد عقله ، ومن طال ظفره قصرت يده .
ما المقصود بسُنن الفطرة ؟
الفطرة أصل الخلقة التي خلق الله الناس عليها ، والتي يكمُل المرء بها حتى يكون على أجمل الهيئات.
وسنن الفطرة : هي الخصال التي إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله الناس عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرف صورة .
وقد ورد ذكرها في أحاديث نبوية مُتعددة منها :
( 1 ) عن أبي هريرة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” خمسٌ من الفطرة : الاستحداد، وُالختانُ ، وقصُّ الشارب ، ونتف الإبطِ ، وتقليم الأظفار ” رواه الجماعة .
( 2) عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عشرٌ من الفطرة : قصُّ الشارب، وإعفاءُ اللحية ، والسِّواك ، والاستنشاقُ بالماء ، وقصّ الأظفار ، وغسل البراجِم ، ونتفُ الإبط ، وحلقُ العانة ، وانتقاص الماء ” يعني الاستنجاء بالماء . قال زكريا : قال مصعب بن شيبة : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ) رواه أبو داود
وقال القاضي عياض : لعل العاشرة الختان لأنه مذكور في حديث الفطرة خمس
ولقد نبه ابن حجر إلى أنه يتحصل من مجموع ما ورد من آثار صحيحة في خصال الفطرة أنها خمسة عشر خصلة وهي الختان والسواك و الاستحداد وتقليم الأظافر ونتف الإبط وقص الشارب وإعفاء اللحية والانتضاح وغسل البراجم والمضمضة والاستنشاق والاستنثار والاستنجاء وفرق الشعر وغسل الجمعة .
والآن نبين سنن الفطرة بشيء من التفصيل :
1- الختان:
وهو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، لئلا يجتمع فيها الوسخ، وليتمكن من الاستبراء من البول، ولئلا تنقص لذة الجماع، هذا بالنسبة إلى الرجل.
وأما المرأة فيقطع الجزء الأعلى من الفرج بالنسبة لها المسمى البظر.
وهو سنة قديمة.فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعدما أتت عليه ثمانون سنة، واختتن بالقدوم) رواه البخاري
و (الْقَدُوم) هو آلة النجار . وقيل : هو مكان بالشام ، قال الحافظ ابن حجر : وَالرَّاجِح أَنَّ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث الآلَة , فَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن رَبَاح قَالَ : “أُمِرَ إِبْرَاهِيم بِالْخِتَانِ , فَاخْتَتَنَ بِقَدُّوم فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ عَجِلْت قَبْل أَنْ نَأْمُرك بِآلَتِهِ ، فَقَالَ : يَا رَبّ كَرِهْت أَنْ أُؤَخِّر أَمْرك”
هذا ، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الختان على قولين :
الأول : قول الشافعية والحنابلة واجب للذكر والأنثى
الثاني : قول الحنفية والمالكية : سنة للرجل ،مكرمة للمرأة.
قال ابن قدامة في المغني: فأما الختان فواجب على الرجال ، ومَكْرُمَة في حق النساء ، وليس بواجب عليهن وهذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :وأقرب الأقوال : أنه واجب في حق الرجال ، سنة في حق النساء
قال : ووجه التفريق بينهما: أنه في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة،لأنه إذا بقيت هذه الجلدة فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع ، وصار سبباً في الاحتراق والالتهاب كلما تحرك ، أو عصر هذه الجلدة خرج البول وتنجس بذلك.
وأما في حق المرأة : فغاية فائدته : أنه يقلل من غلمتها ( شهوتها )، وهذا طلب كمال ، وليس من باب إزالة الأذى .
وقت الختان : يرى الشافعية والحنابلة استحبابه للذكر يوم السابع،وقد ورد في ذلك حديث ضعيف ؛ لكن من الناحية الطبية فالتبكير به أفضل للمولود حيث يكون الألم أخف ، بعكس لو أُخر ذلك ، فعندها يكون الألم أشد بالإضافة إلى سرعة نمو المولود مما يؤدي إلى التئام الجرح سريعا ،أما بالنسبة للأنثى فيكون قرب البلوغ .
لماذا يعاد بنوآدم يوم القيامة غرلا ؟
ورد في الحديث عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي قال :
” إنكم ملاقوا الله حفاةً عراةً مشاةً غرلاً يوم القيامة ” أخرجه البخاري ومسلم
والأغرل :هو غير المختون .
والمعنى : أنهم يحشرون كما خلقوا دون نقص ، حتى الغرلة تكون فيهم ، بخلاف حالهم في الدنيا قال تعالى: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } الأنبياء : 104
أي أنهم خلقوا غير مختونين ثم ختنوا ، ثم يعودون يوم القيامة كما خلقوا،فما الحكمة في ذلك ؟
يجيب على ذلك ابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث قال كما فى تحفة المودود صـ 157: لما وعد الله سبحانه وهو صادق الوعد الذى لا يخلف وعده أنه يعيد الخلق كما بدأهم أول مرة ، كان من صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأ عليها من تمام أعضائه وكمالها.
قال تعالى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ )الأنبياء:104
وقال تعالى : (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ )الأعراف :29
وأيضا فإن الختان إنما شرع فى الدنيا لتكميل الطهارة والتنزه من البول.
وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون فليس هناك نجاسة تصيب الغرلة فيحتاج إلى التحرز منها ، والقلفة تمنع لذة الجماع ولا تعوقه.
هذا إن قدر استمرارهم على تلك الحالة التى بعثوا عليها ؛ فإنهم يبعثون حفاة عراة غرلاً، ثم يكسون ويمد خلقهم ويزاد فيه بعد ذلك. يزاد في خلق أهل الجنة وأهل النار ، وإلا فوقت قيامهم من القبور يكونون على صورتهم التي كانوا عليها فى الدنيا ، وعلى صفاتهم وهيئاتهم وأحوالهم ، فيُبعث كل عبد على ما مات عليه ، ثم ينشئهم الله سبحانه كما يشاء.
فائدة:
ذكر الشيخ سيد سابق في الختان في الهامش أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شئ .
قال الألباني في تمام المنة معلقا :ليس هذا على إطلاقه ، فقد صح قوله صلى الله عليه وسلم لبعض الختانات في المدينة: (اخفضي ولا تنهكي ، فإنه أنضر للوجه ، وأحظى للزوج) رواه أبو داود ، والبزار ، والطبراني .
وله طرق وشواهد عن جمع من الصحابة خرجتها في ” الصحيحة ، وبينت فيه أن ختن النساء كان معروفا عند السلف خلافا لبعض من لا علم بالآثار عنده،اهـ
والحديث قد روي بألفاظ عدَّة، متقاربة في المعنى منها : (أَشِمِّي ولا تَنهَكِي، فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج )ومعنى “أَشِمِّي”: مأخوذ من إشمام الرائحة، أي الاكتفاء بأدنى شيء.
ومعنى “لا تَنهَكِي”: من النَّهك، وهو المبالغة في كلِّ شيء، ينهاها عن التجاوز والإسراف في القطع.
قال في (النهاية) في تفسير “لا تَنهَكِي”: أي لا تأخذي من البظر كثيرا، شبَّه القطع اليسير بإشمام الرائحة، والنَّهك بالمبالغة فيه.
وإن مما يؤكد ذلك كله الحديث المشهور : ” إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ”
قال الإمام أحمد رحمه الله : ” وفي هذا دليل على أن النساء كن يختن ” .. وما ذكره بعضهم من تأويل(إذا التقى الختانان) بأن المراد ختان الرجل، وإنما ثُنِّي على التغليب المعروف في اللغة مثل) الأبوين (للأب والأم ) والعمرين (لأبي بكر وعمر، ونحوهما ليس بظاهر، ويردُّه رواية مسلم في صحيحه “إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل”. فلم يجئ بلفظ التثنية.
هل ختان البنات يؤدي إلى البرود الجنسي ؟
إن البرود الجنسي له أسباب كثيرة ، وإن هذا الادعاء ليس مبنيّاً على إحصائيات صحيحة بين المختتنات وغير المختتنات ، إلا أن يكون الختان فرعونيّاً وهو الذي يُستأصل فيه البظر بكامله مع الشفرين، وهذا بالفعل يؤدي إلى البرود الجنسي لكنه مخالف للختان الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( لا تنهكي ) أي : لا تستأصلي ، وهذه وحدها آية تنطق عن نفسها ، فلم يكن الطب قد أظهر شيئا عن هذا العضو الحساس [ البظر ] ولا التشريح أبان عن الأعصاب التي فيه .
فتاوى بعض العلماء:
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن المرأة : هل تختتن أم لا ؟
فأجاب : الحمد لله ، نعم ، تختتن ، وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك ، قال رسول الله للخافضة وهي الخاتنة : (أشمي ولا تنهكي ، فإنه أبهى للوجه ، وأحظى لها عند الزوج) يعني : لا تبالغي في القطع ، وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القُلْفَة ، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء [يعني : غير مختتنة] كانت مغتلمة شديدة الشهوة ، ولهذا يقال في المشاتمة : يا بن القلفاء فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر .
ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين . وإذا حصلت المبالغة في الختان ضعفت الشهوة فلا يكمل مقصود الرجل ، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال . مجموع الفتاوى (21 /114)
فتوى الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق – رحمه الله – :
” اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره ، وأنه أمر محمود ، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا ـ قول بمنع الختان للرجال أو النساء أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى ، إذا هو تم على الوجه الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً . . . ” ثم قال : ” وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات ـ موضوع البحث ـ من فطرة الإسلام ، وطريقته على الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره ، ولو كان طبيباً ، لأن الطب علم ، والعلم متطور ، تتحرك نظرياته دائماً “
وفي فتوى للشيخ عطية صقر -الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر-رحمه الله –
وبعد ، فإن الصيحات التي تنادى بحُرمة ختان البنات صيحات مخالفة للشريعة ؛ لأنه لم يرد نص صريح في القرآن والسنة ولا قول للفقهاء بحرمته فختانهن دائر بين الوجوب والندب، وإذا كانت القاعدة الفقهية تقول : حكم الحاكم يرفع الخلاف فإنه في هذه المسألة له أن يحكم بالوجوب أو الندب ، ولا يصح أن يحكم بالحرمة ، حتى لا يخالف الشريعة التي هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد التي ينص دستورها على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة . ومن الجائز أن يشرِّع تحفُّظاتٍ لحسن أداء الواجب والمندوب بحيث لا تتعارض مع المقرَّرات الدينية، وكلام الأطباء وغيرهم ليس قطعيًّا،فما زالت الكشوف العلمية مفتَّحة الأبواب تتنفس كل يوم عن جديد يُغير نظرتنا إلى القديم ” انتهى بتصرف يسير.
فتوى الشيخ يوسف القرضاوي :
إن الذي يقرأ أقوال الفقهاء في ذلك، داخل المذاهب وخارجها، يتبيَّن له: أنه لا يوجد بينها اتفاق على حكم محدَّد بالنسبة لخفاض الأنثى أو ختانها؛فهناك مَن قال بالوجوب،وهناك مَن قال بالاستحباب ،وهناك مَن قال بأنه سنة للرجال مكرُمة للنساء ؛ فلا إجماع في المسألة إذن.
ولكن يمكن أن نخرج من هذا الخلاف بإجماع الكلِّ على الجواز.
إذ الجواز دون الاستحباب، ودون الوجوب، أعني أن مَن يقول بالوجوب أو بالاستحباب لا ينفي الجواز.
والقول بأنه “مكرُمة” قريب من الجواز، لأن معنى المكرُمة: أنه أمر كريم مستحسَن عُرفا، فمَن قال به قال بالجواز.
والخلاصة: أن أحدا من الفقهاء لم يقُل: إنه حرام أو مكروه تحريما أو تنزيها،وهذا يدلُّ على المشروعية والجواز في الجملة عند الجميع، وأن هذا الإجماع الضمني من الفقهاء من جميع المذاهب والمدارس الفقهية وخارجها: دليل على أن مَن فعل هذا الختان، على ما جاء به الحديث، (الذي حسَّنه قوم وضعَّفه آخرون)، الذي نصح الخاتنة بالإشمام وعدم النَّهك والإسراف: لا جُناح عليه، ولم يقترف عملا محرَّما.
فلا ينبغي إذن التشنيع على كل مَن قام بختان بناته (أو خفاضهن) على الوجه الشرعي، الذي جاء به الحديث، ولا يجوز تسمية ذلك بأنه (جريمة وحشية) تُرتكب في القرن الحادي العشرين! إلا ما كان منها متجاوزا للحدود الشرعية المتَّفق عليها، وهي تتمثَّل في ثلاثة أشياء:
الأول: تجاوز الإشمام إلى النَّهك، أي الاستئصال والمبالغة في القطع، التي تحرِم المرأة من لذَّة مشروعة بغير مبرِّر، وهو ما يتمثَّل فيما يسمونه (الخفاض الفرعوني).
الثاني: أن يباشر هذا الختان الجاهلات من القابلات وأمثالهن، وإنما يجب أن يقوم بذلك الطبيبات المختصَّات الثقات، فإن عُدمن قام بذلك الطبيب المسلم الثقة عند الضرورة.
الثالث: أن تكون الأدوات المستخدمة مُعقَّمة وسليمة، وملائمة للعملية المطلوبة، وأن يكون المكان ملائما، كالعيادات والمستشفيات والمراكز الصحية. فلا يجوز استخدام الأدوات البدائية، وبطريقة بدائية، كما يحدث في الأرياف ونحوها.
فإذا روعيت هذه الأمور الثلاثة: لم نستطع أن نصف ختان الإناث بأنه حرام، ولا بأنه جريمة وحشية، ولا سيما إذا اقتضته حاجة قرَّرها الطبيب المختصُّ الذي يُرجع إليه في مثل هذا الأمر.اهـ
2- من سنن الفطرة : حلق العانة:
أو الاستحداد (كما في الرواية الأخرى) وهو على وزن: استفعال، من الحديد، والمراد به استعمال الموسى (الشفرة) في حلق شعر العانة، ويجزئ مع الحلق بالموسي استعمال المقص ،أو كريم مزيل الشعر وما شابه ذلك .
وشعر العانة هو الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذا الشعر الذي حول فرج المرأة.
واختلفوا في الشعر النابت حول حلقة الدبر هل هو داخل أم لا ؟
فبعض الفقهاء قال بأنه لا دليل على وجوب ذلك أو استحبابه، والبعض قال بالقياس على شعر العانة وأنه داخل فيه لأنها منطقة كثيرة التعرق والاحتكاك ببعضها البعض،و إن لم يحلق شعرها تراكمت عليه مفرزات العرق، فتنتن وتصدر عنها روائح كريهة .
وهذا الأمر من باب قوله صلى الله عليه وسلم ( وسكت عن أشياء رحمة بكم ) فالأمر ربما يكون مستحسنا فقط لكن لا يدخل في دائرة الوجوب .
هل يجوز أن تحلق امرأة لامرأة أخري العانة كما يحدث للعروس ليلة زفافها ؟
هذا من المحرَّمات،ومن القبائح ، ولا يليق بالمسلمة فعله من غير ضرورة ، وقد وردت النصوص بتحريم اطلاع الرجل على عورة الرجل، والمرأة على عورة المرأة ، وقد أجمع العلماء على هذا التحريم
عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ ) رواه مسلم .
وكما قال : ( احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك ، قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يراها ، قلت : فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : فالله أحق أن يستحيى منه ) ، ( ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد ) وبناء على ما سبق فلا يجوز اطلاع أحد على عورة أحد غير الزوج وزوجته إلا للضرورة التي تقدر بقدرها .
هل للحامل أن تستعين بأحد في حلق شعر العانة قبل الولادة لعدم قدرتها على ذلك بمفردها ؟
الحنابلة أدخلوا إزالة شعر العانة لمن لا يحسنها في الضرورات التي تبيح رؤيتها لهذا الغرض، ولكن بإمكانها أن يتولى زوجها ذلك ،أو تستعين بمرآة مثلا ، فإن تعذر ذلك – وما أحسبه متعذرا- ولم يمكنها القيام بنفسها بإزالة هذا الشعر فلا بأس أن تترخص بمذهب الحنابلة فتتولى إحدى النساء القيام بهذه المهمة للضرورة.
امرأة كبيرة في السن فوق الثمانين ضعيفة الجسم والبصر تعيش مع خادمة ومتوفى زوجها فهل يجوز أن تحلق لها الخادمة شعر العانة ؟
نعم ، يجوز للخادمة أن تحلق لها شعر العانة،للحاجة إلى ذلك، وقد نص على ذلك الحنابلة ، فمن ابتلي بخدمة مريض أو مريضة في وضوء ، أو استنجاء أو غيرهما ، فحكمه حكم الطبيب في النظر والمس ، وكذا لو حلق عانةَ مَنْ لا يحسن حلق عانته .
3- من سنن الفطرة : نتف الإبط:
نتف شعر الإبط لا الحلق؛ لأن النتف يضعف الشعر فيقل التعرق تحت الآباط وبالتالي تقل الرائحة الكريه، ويجوز الحلق أو غيره لمن لا يقدر على النتف لشدة الألم، ويجوز استخدام المراهم المزيلة للشعر .
ويُذكر أن يونس بن عبد الأعلى دخل على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه فلما سأله عن ذلك قال علمت أن السنة النتف ولكني لا أقوى على الوجع .
4- من سنن الفطرة : تقليم الأظفار:
وهو تفعيل من القلم وهو القطع وجاء في بعض الروايات بلفظ (قص الأظفار).
والتقليم إزالة ما يزيد عن الشيء ليكون صالحاً لأداء مهمته ،وتقليم الأظفار يعمل على إزالة الجيوب التي تكون بين الأنامل والأظفار، وهذه الجيوب تختبئ فيها الأوساخ ومسببات الأمراض والعدوى بها والتي يصعب تنظيفها، والأظافر الطويلة قد تكون مصدراً للعدوى بكثير من الأمراض التي تنتقل عن طريق الفم والملامسة بالمصافحة أو تقديم الطعام والشراب .
وتطويل الأظافر مكروه إن لم يكن محرماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت في تقليم الأظافر ألا تترك فوق أربعين يوماً
ومما يزيد الحال سوءاً هو استخدام النساء لـ(المانوكير) على الأظافر رغم أنه يكون طبقة عازلة تمنع من صحة الوضوء والغسل ،أو لصق الأظافر الصناعية مما قد يؤدي في النهاية إلى هشاشة الأظافر ، ومن الغرائب أن هؤلاء الذين يدّعون المدنية والحضارة يبقون هذه الأظافر مع أنها تحمل الأوساخ والأقذار وتوجب أن يكون الإنسان متشبهاً بالوحوش التي تحتاج للمخالب للهجوم على فريستها .
وفي هذا يقول الشاعر :
قل للجميلة أطالت أظفارها *** إني لخوف كد ت أمضي هارباً
إن المخالب للوحوش نخالها *** فمتى رأينا للظباء مخالبــــــــــاً
بالأمس قصصت شعرك غيلة *** وحولت عن وضع الطبيعة حاجباً
وغداً نراك حولت ثغرك إلى *** القفا ونقلت أنفك رغم أنفك جانباً
هل تركيب الأظافر والرموش جائز أم لا ؟
لا يجوز تركيب الرموش لأنه في حكم وصل الشعر ، وتركيب الأظافر الطويلة على هيئة أظافر الوحوش هو مما جاءنا من طريق الكفار والشريعة قد جاءت بقص الأظافر لا بتطويلها فلماذا نخالف شريعتنا ؟ !! نسأل الله الهداية.
هل صحيح أن من يقص أظفاره أو يحلق شعره يجب عليه دفنه ؟
يشرع تقليم الأظافر، ولا حرج في رميها ولا يجب دفنها فإن ألقاها في الزبالة أو دفنها فلا بأس بذلك .
وقد ورد فيه حديث ضعيف جدا ؛ فيجوز رميها في القمامة أو البالوعة أو دفنها وإذا خشي الشخص من وقوعها في أيدي السحرة فإنه يتخلص منها في مكان لا يصلون إليه فيه ، والله تعالى أعلم.
5- من سنن الفطرة : قص الشارب أو إحفاؤه:
وبكل منهما وردت روايات صحيحة، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) رواه الشيخان
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (خمس من الفطرة: (الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر) رواه الجماعة
فلا يتعين منهما شئ وبأيهما تتحقق السنة، فإن المقصود أن لا يطول الشارب حتى يتعلق به الطعام والشراب ولا يجتمع فيه الاوساخ.
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) رواه أحمد والنسائي، والترمذي وصححه.
ويستحب الاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب أو إحفاؤه كل أسبوع استكمالا للنظافة واسترواحا للنفس، فإن بقاء بعض الشعور في الجسم يولد فيها ضيقا وكآبة، وقد رخص ترك هذه الأشياء إلى الأربعين، ولا عذر لتركه بعد ذلك، لحديث أنس رضي الله عنه قال: (وقت لنا النبي صلى الله عليه وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا يترك أكثر من أربعين ليلة) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
6- من سنن الفطرة : إعفاء اللحية :
للعلماء في إعفاء اللحية قولان : الأول:قال المالكية والحنابلة بحرمة حلقها .
الثاني :يكره حلقها تحريماً عند الحنفية ويكره تنزيهاً عند الشافعية ، كما قال النووي ، ونظراً لأهمية الموضوع نناقش حكم اللحية تفصيلا .
هل الأمر في مخالفة المشركين للوجوب أم للندب؟
يقول ابن تيمية رحمه الله في في معرض حديثه عن مخالفة الكفار في الهدي الظاهر يقول : إن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية:ففيها شرعت المخالفة وإذا ظهرت الموافقة والمخالفة لهم باختلاف الزمان ظهر حقيقة الأحاديث من هذا)(اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم 176 -177)
ويقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله تعالى :
من المسائل الفقهية الفرعيَّة: موضوع اللحية، حيث تَكاثر الخلاف حولها بين الإعْفاء والحلْق، حتى اتَّخذ بعض الناس إعفاء اللحية شعارًا يُعرف به المؤمن من غيره.
والحق أن الفقهاء اتفقوا على أن إعفاء اللحية، وعدم حلْقها مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت له لِحيةٌ يُعنَى بتنظيفها وتخليلها، وتمشيطها، وتهذيبها لتكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة.
وقد تابع الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما كان يفعله وما يختاره، وقد وردت أحاديثُ نبوية شريفة تُرغِّب في الإبقاء على اللحية، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، كالأحاديث المُرغِّبة في السواك، وقصِّ الأظافر، واستنشاق الماء..
وممَّا اتفق الفقهاء عليه أيضًا أن إعْفاء اللحية مَطلوب، لكنهم اختلفوا في تكييف هذا الإعفاء، هل يكون من الواجبات أو مِن المندوبات ؟
وقد اختار فريق منهم الوجوب، وأقوى ما تمسَّكوا به ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خالِفُوا المُشركينَ، ووَفِّرُوا اللِّحى، واحْفُوا الشوارب”.
وما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “احْفُوا الشوارِبَ واعْفُوا اللِّحَى”.
حيث قالوا: إن توفيرها مأمور به، والأصل في الأمر أن يكون للوجوب إلا لصارفٍ يَصْرِفُهُ عنه، ولا يُوجد هذا الصارف، كما أن مُخالفة المشركين واجبةٌ، والنتيجة أن توفير اللحْية، أيْ: إعفاءها واجبٌ
وذهب فريقٌ آخر إلى القول بأن إعفاء اللحية سُنَّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وحلْقها مَكروه، وليس بحرام، ولا يُعَدُّ مِن الكبائر، وقد استندوا في ذلك إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“عشْرٌ مِن الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحْية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصُّ الأظفار، وغسْل البراجِم (البراجم: مَفاصل الأصابع من ظهر الكف “. ونَتْفُ الإبِط، وحلْق العانَة، وانتقاص الماء (أي الاستنجاء). قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المَضمضة.
حيث أفاد الحديث أن إعفاء اللحية من السُنَن والمَندوبات المَرغوب فيها إذ كل ما نصَّ عليه من السُنَن العادية.
وقد عقَّب القائلون بوُجوب إعفاء اللحية على القائلين بأنه مِن سُنَنِ الإسلام ومَندوباته ـ بأن إعفاء اللحية جاء فيه نصٌّ خاصٌّ أخرجها عن الندْب إلى الوُجوب، وهو الحديث المذكور سابقًا “خالِفوا المُشركين..”.
وردَّ أصحاب الرأي القائل بالسُنَّة والندْب بأن الأمر بمُخالفة المُشركين لا يتعيَّن أن يكون للوُجوب، فلو كانت كلُّ مُخالفةٍ لهم مُحتَّمة لتحتَّم صبْغ الشعر الذي وَرَدَ فيه حديث الجماعة: “إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم”. رواه البخاري ومسلم
مع إجماع السلف على عدم وُجوب صبْغ الشعر، فقد صبَغ بعض الصحابة، ولم يصبغ البعض الآخر كما قال ابن حجر في فتح الباري
لمَّا كان ذلك كان القول بأن إعفاء اللحية أمر مَرغوب فيه، وأنه من سُنَن الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها مقبولاً، وكان مَن أعفَى لحْيته مُثابًا، ويُؤجَر على ذلك، ومَن حلَقها، فقد فعل مَكروهًا، لا يأثَمُ بفِعله هذا اعتبارًا لأدلة هذا الفريق.
ويقول الشيخ عطية صقر- رحمه الله رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف :
اللحية هي الشعر النابت على الذقن خاصة، وهي مجمع اللحيين، وهما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلي، والعارضان هما صفحتا الخد.
وإعفاء اللحية (أي تركها بدون حلق) فرط فيه جماعة وأفرطوا في عيب الآخرين، كما أفرط في التمسك بإعفائها جماعة وفرطوا في احترام الآخرين.
والدين لا يقر مسلك الطرفين، ذلك أن القدر المتفق عليه بين الفقهاء أن إعفاءها مطلوب، لكنهم اختلفوا في درجة الطلب مع مراعاة علة الحكم وهي مخالفة المشركين، فقال جماعة بوجوب إعفائها، وقال جماعة بالندب، ومعلوم أن الواجب ما يثاب المرء على فعله ويعاقب على تركه، والمندوب ما يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه.
فالقائلون بوجوب إعفائها استدلوا بحديث الصحيحين “خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب” واللحى بكسر اللام –وقد تضم- جمع لحية؛ فحملوا الأمر هنا على الوجوب.
والقائلون بندب إعفائها استندوا إلى حديث مسلم “عشرة من الفطرة:، قص الشارب وإعفاء اللحية…..الخ
فقالوا: إن إعفاء اللحية شأنه شأن الأمور المذكورة في الحديث، وليست كلها واجبة، كالسواك والاستنشاق وقص الأظافر،
فلماذا لا يكون إعفاؤها مندوبًا؟
ولا يحتج عليهم بأن إعفاء اللحية ورد فيه أمر مخصوص معلل بمخالفة المشركين، وهذه المخالفة تصرف الأمر للوجوب ولا يحتج عليهم بذلك لأن الأمر عندهم في الحديث هو للندب لا للوجوب، ومخالفة المشركين لا تصرف الأمر للوجوب، لأنه لو كانت كل مخالفة للمشركين واجبة لوجب صبغ الشعر الذي ورد فيه الحديث الذي رواه الجماعة “إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم” وقد أجمع السلف على عدم وجوب صبغ الشعر، فقد صبغ بعض ولم يصبغ بعض آخر كما قاله ابن حجر في فتح الباري. فالأمر هو للإرشاد فقط، وهو لا يفيد الوجوب في كل حال.
وفي شرح النووي لصحيح مسلم “ج14 ص80” ما نصه:
قال القاضي عياض قال الطبراني: الصواب أن الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة، والنهي لمن له شمط فقط.
قال: واختلاف السلف في فصل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع، ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه في ذلك. ا هـ.
ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحية ما قيل في الصبغ من عدم الخروج على المألوف من عرف أهل البلد لكان أولى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها مما ليس فيه قربة ولا يحصل منه ضرر للشخص ولا لغيره –لو تركت لظروف الإنسان وتقديره ونيته ما كان في ذلك بأس.
جاء في كتاب نهج البلاغة “ج2 ص141″ سئل علي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود” فقال: إنما قال النبي ذلك والدين قل، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما يختار .
جاء في فتاوى الشيخ محمود شلتوت “ص 210” أن الأمر كما يكون للوجوب يكون لمجرد الإرشاد إلى ما هو أفضل، وأن مشابهة المخالفين في الدين إنما تحرم فيما يقصد فيه التشبه من خصالهم الدينية، أما مجرد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأس بها ولا كراهة ولا حرمة. ثم قال: الحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية –ومنها حلق اللحى- من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة. ا هـ.
ثم يختم فتواه قائلا :
هذه هي الآراء، ولكل مسلم أن يختار منها ما يطمئن إليه قلبه، وإن كنت أرى أن أدلة الطلب قوية وأن القول بالوجوب هو قول جمهور الفقهاء فهو أرجح، وعليه فمن أعفى لحيته يطمئن إلى ثوابه، ومن حلقها لا يجزم بعقابه.
وأنصح بعدم التعصب وحدة الخلاف في هذا الموضوع. إلى الدرجة التي تكون فيها مقاطعة وخصام واحتقار وعدم اقتداء في الصلاة، فالحرمة ليس مجمعًا عليها من الفقهاء، وليست بالقدر الذي حرمت به السرقة والربا والرشوة وما إلى ذلك من الأمور التي يجب أن نوجه إليها اهتمامنا لنطهر أنفسنا ومجتمعنا منها، ولندخر قوانا الفكرية والعصبية والنفسية للوقت الذي ينادينا فيه ديننا للنهوض بأهله وتخليصهم من تحكم العدو فيهم، فذلك جهاد لا ينقطع إلى يوم القيامة.اهـ
الاضطرار لحلق اللحية :
هناك من يأخذ بسنية اللحية وتوكيدها أو جوبها ولكن قد تَعرض له ظروف أو واجبات تدفعه إلى حلقها كأن يضار بسببها في معيشته وعمله وهو ملزم بالنفقة على بيته وأولاده فيصيبهم الضرر لذلك، فهنا يتعارض واجبان أو أن تتعارض مع القيام بمهام الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف النهى عن المنكر في بعض البلدان، لطبيعة المجتمع والنظم القائمة والوسائل المتاحة لتبليغ الدعوة وهنا أيضاً يتعارض واجبان.
وفى مثل هذه الحالة أو غيرها مقرر في الأصول أنه إذا تعارض واجبان قدم أوجبهما، ولا شك أن الأوجب هو ما أجمع العلماء على وجوبه دون خلاف كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والعمل لإقامة الدين ودولة الإسلام وكذلك النفقة على النفس والأولاد والأهل، والأقل وجوباً ما كان مختلفاً فيه بين الوجوب والتوكيد والاستحسان والندب والإرشاد والعرف.
وقد روى ابن كثير في تاريخه في فتح بيت المقدس أن صلاح الدين أمر جنوده أن يحلقوا لحاهم ويغيروا من ثيابهم وهيئتهم لخداع العدو ولمصلحة المسلمين ولم ينكر عليه أحد مع العلم بأن صلاح الدين كان عالماً محدثاً وكان في عصره مئات العلماء والأئمة ولم يؤثر عن أحدهم إنكار ذلك، بل ابن كثير يسوق هذا الخبر سياق المشيد بحكمة صلاح الدين وحسن تصرفه.
بل قديماً طلب النبي من نعيم بن مسعود كتم خبر إسلامه لمصلحة الدعوة، وفى القرآن (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه رجلاً أن يقول ربى الله…) الآية.
ولا شك أن كتم الإسلام والإيمان أشد من كتم مظهر من مظاهرهما بل سمح النبي لمحمد بن مسلمة وصحبه أن يذكروه ببعض سوء حين أمرهم بقتل كعب الأشراف اليهودي، وذلك من أجل أن يتمكنوا منه.
الخلاصة :
نخرج من هذا بأن إعفاء اللحية أو حلقها من الأمور المختلف فيها- كما تقدم- ولذلك فمن أطلق لحيته أخذاً برأي من قال بوجوب إطلاقها- جزاه الله على فعله إحساناً ولكن لا يجوز له أن ينكر على من أخذ بالآراء الفقهية الأخرى أو رميه بالفسق أو الابتداع .
ما طول اللحية ؟
طولها ليس فيه نص يوجب حدًّا معيناً؛ لأن التوجيه في الحديث إلي مطلق الترك.
ومعلوم أن من ترك لحيته، ولو شيئا يسيراً؛ فهو يقع في مفهوم مطلقي اللحية، إلا أنه ثبت أن لحية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كانت على عادة أهل زمانه عظيمة وافرة، وكذلك كانت لحى أصحابه، وقد ورد أن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) كان إذا فرغ من موسم الحج قبض بيده على لحيته، ثم أخذ ما زاد عن ذلك
،وقال الغزالي (الطول المفرط يشوه الخلقة ) والشرع لم يقصد إلى تشويه خلقة الناس ،والله جميل يحب الجمال .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: قال القاضي عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحريفها [هكذا بالحاء والراء ولعله محرف عن تحليقها-قاله القرضاوي -].
وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وجزها.
وقد اختلف السلف في ذلك فمنهم من لم يحد بحد بل قال: لا يتركها إلى حد الشهرة ويأخذ منها وكره مالك طولها جدًا ومنهم من حد بما زاد على القبضة فيزال ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة.
و قال ابن عبد البر ( التمهيد 24/145 ) : اختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية، فكره ذلك قوم ، وأجازه آخرون.
وممن نقل عنه أخذ ما زاد على القبضة عبد الله بن عمر
وأبو هريرة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل وخلق من السلف .
حكم شعر الخدين :
اللحية في الأصل ما نبت على اللحي (العظم في جانبي الوجه)
و فيها وجهان: من أهل العلم من يقيدها بهذا الموضع، ولذلك يجيز أخذ ما نبت على الخد والرقبة لأن هذا ليس من اللحية.
وهناك وجه ثان يقول: إن ما قارب الشيء أخذ حكمه، واللحية تشمل في الأصل ما نبت على اللحي، وما نبت على الوجنة آخذٌ حكم اللحية؛ لأن ما قارب الشيء فهو آخذ حكمه، لكن لا ينكر على من أخذ من شعر خده أو أخذ من جهة رقبته؛ لأن له وجهاً، وهناك من أهل العلم ومن أجلاء أهل العلم من يقول بهذا القول، خاصة وأن ظاهر اللغة فيه وجه لهذا.
7- من سنن الفطرة : غسل البراجم :
البراجم جمع ” برجمة ” وهي المفصل الظاهر من مفاصل الأصابع وقيل الباطن منها . ورجح النووي أن البراجم جميعاً هي مفاصل الأصابع كلها وهي التي تجتمع فيها الأوساخ .
وقال الغزالي : ” كانت العرب لا تغسل اليدين عقب الطعام فيجتمع في تلك الغضون وسخ فأمر بغسلها ” .
وقد أدخل العلماء في هذا الباب كل العقد التي تكون مجمعاً للوسخ سواء كانت في ظهور الأصابع أوفي باطنها ، في اليدين أو في القدمين ، وألحقوا بها ما يجتمع من الوسخ في معاطن الأذن وغيرها.
ولذا فقد جاءت السنة المطهرة فأمرت بتعهد هذه الأماكن بالغسل والتنظيف فأمر النبي بتخليل الأصابع في الوضوء ، وتدليك البدن وخاصة في الثنيات وتعهدها بإيصال الماء إليها أثناء الغسل حتى تتم نظافة البدن والتي هي في الحقيقة جزء لا يتجزأ من طهارة المسلم وعبادته .
-8 من سنن الفطرة : انتقاص الماء :
ويقصد به الاستنجاء بعد قضاء الحاجة وقد سبق بيانه في (آداب قضاء الحاجة )
9،10 – من سنن الفطرة : السِّواك ، والاستنشاقُ بالماء :
وسيأتي بيانهما في الوضوء إن شاء الله
11- من سنن الفطرة : فرق الشعر :
وقد جاء في حديث ابن عباس (فرق الشعر من الفطرة)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد ( قيل أي بعد الفتح أي لما آمن أهل مكة)رواه البخاري ومسلم
حكم إطالة شعر الرأس للرجل:
من العلماء من قال أن إطالة الشعر وتربيته للرجال سنة عبادية.
ومنهم من قال أن ذلك من باب السنن الاعتيادية التي لا يؤجر على فعلها ولا يأثم بتركها .
إذ السنن إما عادية : وهي الجبلية التي فعلها النبي كبشر كحبه الدباء (القرع) وعدم أكله للضب .
وسنة عبادية وهي التي ثبت فيها ندب وفضل خاص كالسواك مثلا .
لكن كره مالك ،وأحمد حلق الرأس كله لغير النسك ،وقال أبو بكر بن العربي : الشعر على الرأس زينة وحلقه بدعة ، وقال غيرهم بالجواز لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (احلقه كله أو دعه كله )
إكرام الشعر :
وينبغي على المسلم إكرام شعر رأسه إذا وفر وترك بأن يدهن ويسرح ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان له شعر فليكرمه ) رواه أبو داود
وعن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته ، ففعل ثم رجع ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان ) رواه مالك .
ثائر الرأس : أي شعث غير مدهون ولا مرجل
وعن أبي قتادة رضي الله عنه ( أنه كان له جمة ضخمة . فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يحسن إليها ، وأن يترجل كل يوم ) . رواه النسائي
ورواه مالك في الموطأ بلفظ : ( قلت : يا رسول الله إن لي جمة أفأرجلها ؟ قال ( نعم وأكرمها ) فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله صلى الله عليه وسلم ( وأكرمها ) .
الجمة : الشعر إذا طال على الكتف ،واللِمة :الشعر إذا ألمّ بالأذن (حاذاها)
حكم القزع :
القزع :جمع قزعة وهو السحاب المتفرق في السماء ، والمقصود به هنا حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه فيكره ذلك ، لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع ، فقيل لنافع : ما القزع ؟ قال : أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه ) متفق عليه
قال الشوكاني : وفيه تشويه للخلقة وهو من زي اليهود.
لا يجوز للمرأة حلق شعر رأسها:
وكان من عادة النساء في الجاهلية أن تحلق شعر رأسها جزعاً عند المصيبة كفقد قريب ونحو ذلك، فهذا من الكبائر، ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: “برئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة “.
الصلق : رفع الصوت عند المصيبة (العويل)
ولحديث عليّ(نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) رواه الترمذي
ولكن إذا أرادت المرأة قص شعر رأسها تتجمل به لزوجها ؛ فالظاهر أن لها ذلك ؛ فقد ثبت في صحيح مسلم ” وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة”وهي ما وصل من الشعر شحمة الأذن.
ونقل النووي عن القاضي عياض قوله عن هذا الحديث: المعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون والذوائب، ولعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعلن هذا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفاً لمؤونة رؤوسهن.
وهو كما قال رحمه الله، إلا أن الحديث دليل على جواز الأخذ من الرأس، ولو كان محرماً لما فعلنه رضي الله عنهن حتى بعد وفاته .
حكم الوصل بشعر الآدمي: اتفق الأئمة الأربعة والظاهرية على تحريم وصل شعر المرأة بشعر آدمي، بقصد التجميل والتحسين، سواء أكان الشعر الذي تصل به شعرها أم شعر زوجها أم شعر محرمها أم أخرى غيرها؛ لعموم الأحاديث الواردة في النهي عن الوصل؛ ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه.
-حكم وصل الشعر بغير شعر الآدمي:
اختلف الفقهاء في حكمه على النحو التالي:
1– ذهب المالكية والحنابلة والظاهرية إلى أن الوصل بشعر غير الآدمي من صوف وشعر حيوان ووبر حرام، وقال مالك: لا ينبغي أن تصل المرأة شعرها بشعر ولا غيره.
واستدلوا على ذلك بعموم الأحاديث السابقة، ولأن فيه تدليساً وإبهاماً بكثرة الشعر وتغييراً لخلق الله ،وقد استثنى المالكية من ذلك ربط الشعر بالخرق وخيوط الحرير الملونة، مما لا يشبه الشعر، فليس بمنهي عنه لأنه ليس بوصل ولا في مقصود الوصل.
2- ذهب الحنفية إلى أن الوصل بغير شعر الآدمي، كالصوف والوبر وشعر الماعز والخرق – مباح، لعدم التزوير ولعدم استعمال جزء من الآدمي، وهما علة التحريم عندهم.
3 – وذهب الشافعية إلى تفصيل القول في الوصل بغير شعر الآدمي، فقالوا:
إن وصلت المرأة شعرها بشعر غير آدمي، فإما أن يكون طاهراً أو نجساً:
فإن كان نجساً كشعر ميتة وشعر مالا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته، فهو حرام، لحرمة استعمال النجس في الصلاة وخارجها وإن كان طاهراً فينظر:
إن كانت الواصلة ليست متزوجة فهو حرام أيضاً، وإن كانت متزوجة فيجوز الوصل بإذن الزوج فقط .
هذا بالنسبة لما يشبه شعر الآدمي من الوبر والصوف، أما خيوط الحرير الملونة ونحوها فليس بمنهي عنه لعدم وجود التدليس.
الرأي الراجح: من خلال الاستعراض لآراء الفقهاء في المسألة المطروحة وأدلتهم – تبين لنا: أن هناك قدراً مشتركاً بين هذه الآراء في تحديد المعنى الذي من أجله حرم الوصل، ألا وهو ما يشتمل عليه الوصل من التدليس بالعيب والغش والخداع والتزوير، وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي أن يكون الرأي الراجح في وصل المرأة بغير شعر الآدمي على النحو التالي:
1- إذا كان الموصول بشعر المرأة يشبه الشعر الطبيعي، حتى يظن الناظر إليه أنه شعر طبيعي، يحرم الوصل سواء أكان شعراً أم صوفا أم وبرا أم خيوطا، صناعية أم غير ذلك؛ لأن علة التحريم قد تحققت فيه.
2 – أما إذا كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي، بحيث يدرك الناظر إليه لأول وهلة أنه غير طبيعي، فلا يحرم الوصل، سواء أكان شعراً أم صوفاً أم وبراً ، وذلك لعدم تضمنه علة التحريم، وهي التدليس.
3 – ضفر شعر المرأة بالخرق الملونة وغيرها هو ظاهر في أنه ليس من شعرها لا يعد وصلاً ولا يدخل في النهي.
ما حكم لبس الشعر الصناعي الذي تلبسه بعض النساء الآن ويُسمى باروكة ؟
يجيب الدكتور يوسف القرضاوي
جاء الإسلام يحارب نزعة التقشف المتزمتة التي عرفت بها بعض الأديان والنحل، ودعا إلى التزين والتجمل في توازن واعتدال، منكرا على الذين يحرمون زينة الله التي أخرج لعباده. لهذا جعل أخذ الزينة من مقدمات الصلاة: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) سورة الأعراف:21.
وإذا كان الإسلام شرع التجمل للرجال والنساء جميعًا فإنه قد راعى فطرة المرأة وأنوثتها فأباح لها من الزينة ما حرم على الرجل من لبس الحرير والتحلي بالذهب.
ولكن الإسلام حرم بعض أشكال الزينة التي فيها خروج على الفطرة، وتغيير لخلق الله الذي هو من وسائل الشيطان في إغوائه للناس (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله).
وفي هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة، والنامصة والمتنمصة، والواصلة والمستوصلة، والأحاديث في ذلك صحيحة مشهورة لا مطعن فيها.
والوشم معروف من قديم، وهو النقش – عن طريق الوخز – باللون الأزرق.
والوشر هو تحديد الأسنان، وتقصيرها بالمبرد.
والنمص هو إزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما أو نحو ذلك.
والوصل . المراد به: وصل الشعر بشعر آخر طبيعي أو صناعي كالباروكة التي يسأل عنها السائل.
وكل هذه الأمور محرمة ملعون من فعلها ،أو طلبها على لسان محمدصلى الله عليه وسلم
وبهذا نعلم حكم ما يسمى ” الباروكة ” وما شابهها، وادعاء أنها مجرد غطاء للرأس كذب وتضليل يخالف الواقع، فأغطية الرأس معلومة بالعقل والعرف، وإنما هذه زينة وحلية أكثر من الشعر الطبيعي نفسه، مع ما فيها من الغش والتزوير من ناحية، والإسراف والتبذير من ناحية ثانية، والتبرج والإغراء من ناحية ثالثة ، وكل هذه مؤكدات للتحريم.
روى سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها، فخطبنا فأخرج كبة من شعر (أي قصة – كما في رواية أخرى) قال: ما كنت أرى أحدًا يفعل هذا غير اليهود . . . إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ” الزور ” يعني الواصلة في الشعر. وفي رواية أنه قال لأهل المدينة: ” أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن مثل هذه ” ويقول:
” إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم ” . رواه البخاري.
وهذا الحديث نبهنا على أمرين:
الأول: أن اليهود هم مصدر هذه الرذيلة وأساسها من قبل، كما كانوا مروجيها من بعد . فتش عن اليهود وراء كل فساد.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا العمل ” زورًا ” ليشير إلى حكمة تحريمه فهو ضرب من الغش والتزييف والتمويه، والإسلام يكره الغش، ويبرأ من الغاش في كل معاملة مادية أو معنوية . ” من غش فليس منا ” مع ما ذكرنا من الحكم الأخرى.
إن لبس هذه الباروكة حرام، ولو كان في البيت، لأن الواصلة ملعونة أبدًا، فإذا كان في الخارج وليس على رأسها غطاء فهو أشد حرمة لما فيه من المخالفة الصريحة لقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ولا يزعم أحد أن ” الباروكة ” خمار . وإذا كان هذا حرامًا على المرأة فهو على الرجل أشد حرمة من باب أولى.
ويرى فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر أن الأمر فيه خلاف فقال رحمه الله :
ويرى بعض الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تلبس الباروكة إذا كانت من شعر صناعي طاهر لزوجها فقط وهذا بعد علمه وإذنه حتى لا يكون هناك غش أو تدليس على الزوج ،أما الخروج بهذه الباروكة دون أن تغطيها المرأة ليراها الأجانب عنها فهذا لا خلاف في حرمته وهذا نص فتواه :
الشعر المُستعار ” الباروكة ” ورد فيه أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن لي ابنة عُرَيِّسًا ـ تصغير عروس ـ أصابتها حصبة فتمزَّق شعرُها، أفأصِلُه ؟ فقال ” لعنَ الله الواصلة والمُستوصِلة ” رواه ومسلم .
وبعد كلام العلماء في شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغِش والتدليس، وهو ما يُفهم من السبب الذي لُعنتْ به الواصلة والمُستوصِلة، ومبنيٌّ أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب. وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببًا في هلاك بني إسرائيل حين اتّخذه نساؤهم. وكن يَغْشَيْنَ بزينتِهِنَّ المجتمعاتِ العامّة والمعابد كما رواه الطبراني .
هذا ، وجاء في كتب الفقهاء : أنَّ لبس الشعر المستعار حرام مطلقًا عند مالك ، وحرام عند الشافعيّة إن كان من شعر الآدمي، أو شعر حيوان نجِس، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعيّة فهو جائز إذا كان بإذن الزوج، وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعي بشرطين: عدم التدليس وعدم الإغراء، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه، وعدم استعماله لغيره هو.
النهي عن نتف الشيب :
سواء كان في اللحية أو في الرأس ، والمرأة والرجل في ذلك سواء ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تنتف الشيب فإنه نور المسلم ، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة ، ورفعه بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ) ، رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة . وعن أنس رضي الله عنه قال : ( كنا نكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته ) رواه مسلم .
ويستحب تغيير الشيب بالحناء والحمرة والصفرة ونحوها ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ) رواه الجماعة
ولحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم) رواه الخمسة .
والكتم : نبات يخرج الصبغة أسود مائل إلى الحمرة
حكم الصبغ بالسواد:
يقول الشيخ مصطفى العدوى: (من كتابه مفاتيح الفقه في الدين بتصرف )
هذه المسألة من المسائل التي لأهل العلم فيها آراء ثلاثة:
فمن أهل العلم من يقول بتحريم الخضاب بالسواد
ومنهم من يقول بالكراهية فقط (بلا تحريم)
ومنهم من يقول بالجواز بلا كراهية.
لكل قول من هذه الأقوال قوته ووجاهته.
أما القائلون بالتحريم فعمدة أدلتهم دليلان:
الدليل الأول: حديث جابر بن عبد الله: أتيَ بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (غيِّروا هذا بشيء, واجتنبوا السواد) أخرجه مسلم
الدليل الثاني: حديث ابن عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام, لا يريحون رائحة الجنة). أخرجه أبو داود بإسناد صحيح
وقد أجيب على ذلك بما حاصله:
بالنسبة للدليل الأول- وهو مجىء أبي قحافة ورأسه كالثغامة-: فأجاب بعض العلماء عليه بأن هذا واقعة عين خاصة بأبي قحافة، ومن كان في مثل سنه، وفيمن صار شيبه مستبشعًا،ويشهد له ما نقله الحافظ في الفتح عن ابن شهاب الزهري قال: كنا نخضب بالسواد إذا كان الوجه جديدًا(شباباً)، فلما نفض الوجه والأسنان(شخنا وكبرنا) تركناه.
فكبير السن الطاعن فيه إذا صبغ رأسه بالسواد رجع كالصبيّ، فأصبح مثارًا للسخرية منه والتهكم عليه.
فعلى سبيل المثال: إن كان ثَم امرأة عجوز طاعنة في السن لبست ثوبًا أبيضًا به ورد أحمر، فإن الناس سيسخرون منها لكونها ارتدت ثيابًا لا تتناسب مع وقارها وسنها.
أما الجواب على الدليل الثاني (يكون قوم في أخر الزمان يخضبون بالسواد) فقد أجيب عليه بما حاصله أنه يحتمل أن يكون المعنى أنهم لايريحون رائحة الجنة لأفعال وبدع في الدين تصدر منهم. ويكون من سيماهم الصبغ بالسواد، لا أن المراد بالدرجة الأولى ذم الصبغ بالسواد
. وإلى هذا أشار ابن الجوزي في الموضوعات بقوله : (واعلم أنه قد خضب جماعة من الصحابة بالسواد؛ منهم الحسن والحسين, وسعد بن أبى وقاص، وخلق كثير من التابعين.
وإنما كرهه قوم لما فيه من التدليس، فأما أن يرتقي إلى درجة التحريم، إذ لم يدلس فيجب فيه هذا الوعيد، فلم يقل بذلك أحد.
ثم نقول: على تقدير الصحة, يحتمل أن يكون المعنى: لا يريحون رائحة الجنة, لفعل يصدر منهم أو اعتقاد، لا لعلة الخضاب.
ويكون الخضاب سيماهم، فعرفهم بالسيما, كما قال في الخوارج: (سيماهم التحليق) وإن كان تحليق الشعر ليس حرامًا).
ومع هذا الذي ذكرناه من أوجه الجواب إلا أنه قد ذهب فريق من أهل العلم إلى القول بالتحريم كذلك.
قال النووي: ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بحمرة أو صفرة، ويحرم خضاب بالسواد على الأصح، وقيل يكره كراهية تنزيه. والمختار التحريم. لقوله صلى الله عليه وسلم : (واجتنبوا السواد) هذا مذهبنا.
أما القائلون بالكراهية فهم كثير، وهذه بعض أقوالهم والآثار عنهم بذلك:
* أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح عن مجاهد أنه كره الخضاب بالسواد.
* وكذلك أخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، وسئل عن الخضاب بالوسمة، فكرهه، فقال: يكسو الله العبد في وجهه النور، ثم يطفؤه بالسواد.
وأخرج أيضًابإسناد حسن عن مكحول أنه كره الخضاب بالسواد.
وأخرج الطبراني بإسناد صحيح إلى خالد الحذّاء قال: كان أبو قلابة يخضب بالوسمة ثم تركها بعد ذلك.
وفي “الموطأ” قال يحيى: سمعت مالكًا يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئًا معلومًا، وغير ذلك من الصبغ أحب إليّ.
* وقال ابن عبد البر في “الاستذكار”: وأما قول مالك في الصبغ بالسواد أن غيره من الصبغ أحب إليه، فهو كذلك، لأنه قد كره الصبغ بالسواد أهل العلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،- عام الفتح إذ أتيَ بأبي قحافة ورأسه كأنه ثغامة-: (غيروا شعره وجنبوه السواد).
* وقال ابن قدامة في “المغني”: ويكره الخضاب بالسواد، قيل لأبي عبد الله: تكره الخضاب بالسواد؟ قال إي والله.
أما الذين خضبوا بالسواد ورأوا جوازه؛ فهم كثير أيضًا:
فمنهم الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما؛ فقد أخرج البخاري في” صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن عليّ فجعل في طست، فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان مخضوبًا بالوسمة.
قال الحافظ في الفتح (7/96): الوسمة نبت يخضب به يميل إلى سواد.
وأخرج الطبراني في “المعجم الكبيربإسناد صحيح عن العيزار بن حريث قال: رأيت الحسين بن عليّ يخضب بالسواد.
وأخرج الطبراني أيضًاً في”المعجم الكبير” بإسناد حسن أن الحسن ابن عليّ كان يخضب بالسواد.
وكذلك صح عن عقبة بن عامر أنه كان يخضب بالسواد، ويقول: نسود أعلاها وتأبى أصولها
وأخرج الطبري بإسناد صحيح عن الحسن البصري أنه كان لا يرى بأسًا بالخضاب بالسواد.
وأخرج الطبري) أيضًا بإسناد صحيح عن شعبة قال: رأيت عمر ابن أبي سلمة يخضب بالسواد.
وأخرج الطبري(268) كذلك بإسناد حسن أن عروة بن الزبير كان يخضب بالوسمة.
وقال محمد بن عليّ عن الخضاب بالسواد: هو خضابنا أهل البيت
وصح كذلك عن أبى سلمة أنه كان يخضب بالسواد.
وصح عن ابن عون أنه قال: كانوا يسألون محمدًا عن الخضاب بالسواد فقال: لا أعلم به بأسًا
وكذلك صح عن إبراهيم النخعي أنه قال: لا بأس بالوسمة، وإنما هى بقلة
وصح عن الزهري أنه كان يصبغ بالسواد أيضًا
ومما استدل به المجوِّزون؛ حديث أبي هريرة (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم).
قالوا: فهذا نص عام في تجويز الصباغ بعمومه.
قال الشيخ مصطفى العدوي : والحاصل عندي في هذه المسألة- بعد هذا العرض السريع أن الأمر في الصبغ بالسواد على الكراهية، ولا يصل حكمه إلى التحريم، والله تعالى أعلم . هذا وبالنسبة للنساء: فهذه الكراهية المذكورة تقلُّ في حقهم، ما لم يكن في صبغهن بالسواد غش ولا تدليس، وقد ذهب إلى الجواز إسحاق بن راهويه وغيره من أهل العلم وذلك لأن النساء ينشأن في الحلية منذ الصغر، كما قال تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ )الزخرف:18. ومع أن الذهب والحرير حرام على الرجال، إلا أنهما حلال للإناث كما هو معلوم، والله أعلم .
شعر سكت عنه الشارع :
وهو سائر شعور الإنسان غير ما ذكر ، كشعر الساقين واليدين والصدر والذي ينبت على الخدين ، وهذا القسم من المسكوت عنه وحُكمها الإباحة ، وهو جواز إبقائها أو إزالتها ؛ لأن ما سكت عنه الكتاب والسنة فهو معفو عنه .