تيسير فقه الطهارة/ فقه الحيض والنفاس
تعريفه:
الحيض لغة : سيلان الشيء وجريانه.
وفي الشرع : دم يحدث للأنثي بمقتضى الطبيعة ، بدون سبب ، في أوقات معلومة .
فهو دم طبيعي ليس له سبب من مرض أو جرح أو سقوط أو ولادة . وبما أنه دم طبيعي فإنه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوِّها ، ولذلك تختلف فيه النساء اختلافا متبايناً ظاهراً .
ويعرف الحيض بأسماء أخرى منها الطمث، ومنها العادة الشهرية، والدورة الشهرية، ويكون رؤية دم الحيض من ابرز علامات بلوغ الأنثى.
والحكمة فيه :
أنه لما كان الجنين في بطن أمه لا يمكن أن يتغذى بما يتغذى به من كان خارج البطن ، ولا يمكن لأرحم الخلق به أن يوصل إليه شيء من الغذاء ، حينئذٍ جعل الله تعالى في الأنثى إفرازات دموية يتغذى بها الجنين في بطن أمه بدون حاجة إلى أكل وهضم تنفذ إلى جسمه من طريق السرة حيث يتخلل الدم عروقه فيتغذى به ، فتبارك الله أحسن الخالقين .
فهذه هي الحكمة من هذا الحيض ، ولذلك إذا حملت المرأة انقطع الحيض عنها ، فلا تحيض إلا نادراً ، وكذلك المراضع يقلُّ من تحيضُ منهن لا سيما في أول زمن الإرضاع.
وقته:
يقول الأطباء: سن نزول الحيض عند البنات يتراوح ما بين سن التاسعة حتى السابعة عشر، وهذا راجع إلى اختلاف البيئة والحالة الغذائية والصحية، ويظهر الحيض في البلاد الحارة مبكراً وفي البلاد الباردة متأخراً.
فالسن الذي يغلب فيه الحيض هو ما بين اثنتي عشرة سنة إلى خمسين سنة ، وربما حاضت الأنثى قبل ذلك أو بعده بحسب حالها وبيئتها وجوها .
متي يكون سن اليأس ؟
سن اليأس يمكن تعريفه على أنه توقف الحيض ( الدورة الشهرية ) ويتراوح سن اليأس بين 45 :55 سنة ، و قد يتأخر إلى الستين من العمر ، والعبرة في الحكم الشرعي وجود الدم فيترتب عليه الأحكام الشرعية للحائض ،أو انقطاع الدم وبلوغ سن اليأس .
لونه:
يشترط في دم الحيض أن يكون على لون من ألوان الدم الآتية:
-1 السواد، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلىالله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيضة أسود يعرف فإذا كان كذلك فأمسكيعن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق) رواه أبو داود
يعرف : بضم الأول وفتح الراء: أي تعرفه النساء، أو بكسر الراء: أي له عرف ورائحة.
ب – الحمرة: لأنها أصل لون الدم.
ح – الصفرة: وهي ماء تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار.
د – الكدرة: وهي التوسط بين لون البياض والسواد كالماء الوسخ، لحديث علقمة بن أبي علقمة عن أمه مرجانة مولاة عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت النساءيبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة، فتقول : لا تعجلن حتىترين القصة البيضاء) رواه مالك ومحمد بن الحسن وعلقه البخاري.
بالدرجة : بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بضم فسكون وعاء تضع المرأةفيه طيبها ومتاعها، أو بالضم ثم السكون تأنيث درج وهو ما تدخله المرأة منقطن وغيره، لتعرف هل بقي من أثر الحيض شئ أم لا.
والكرسف، القطن.
بالدرجة : بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بضم فسكون وعاء تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها، أو بالضم ثم السكون تأنيث درج وهو ما تدخله المرأة منقطن وغيره، لتعرف هل بقي من أثر الحيض شئ أم لا. و الكرسف، القطن.
القصة: القطنة: أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة.
الصفرة والكدرة في أيام الطهر لا تعد شيئا :
الصفرة والكدرة تكون حيضا في أيام الحيض، وفي غيرها لا تعتبر حيضا، لحديثأم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا) رواه أبو داود
مدته :
لا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره ، ولم يأت في تقدير مدته ما تقوم به الحجة ، ثم إن كانت لها عادة متقررة تعمل عليها، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم فقال: (لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر، فتدع الصلاة ثم لتغتسل ولتستثفر ثم تصلي) رواه الخمسة إلا الترمذي
وإن لم تكن لها عادة متقررة ترجع إلى القرائن المستفادة من الدم لحديث فاطمة بنت أبي حبيش المتقدم، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف) فدل الحديث على أن دم الحيض متميز عن غيره، معروف لدى النساء.
مدة الطهر بين الحيضتين:
اتفق العلماء على أنه لا حد لأكثر الطهر المتخلل بين الحيضتين.
واختلفوا في أقله، فقدره بعضهم بخمسة عشر يوما، وذهب فريق منهم إلى أنه ثلاثة عشر ، والحق أنه لم يأت في تقدير أقله دليل ينهض للاحتجاج به.
إذا كانت المرأة عادتها الشهرية سبعة أيام ثماستمرت معها مرة أو مرتين أكثر من ذلك فما الحكم؟
جـ: إذا كانت عادةهذه المرأة ستة أيام أو سبعة ثم طالت هذه المدة وصارت ثمانية أو تسعة أو عشرة فإنهاتبقى لا تصلي حتى تطهر وذلك لأن النبي لم يحد حدًّا معيناً في الحيض وقد قال الله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هوأذى} فمتى كان هذا الدم باقياً فإن المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي، فإذا جاءها في الشهر الثاني ناقصاً عن ذلك فإنهاتغتسل إذاطهرت وإن لم يكن على المدة السابقة، والمهم أن المرأة متى كان الحيض معها موجوداًفإنها لا تصلي سواء كان الحيض موافقاً للعادة السابقة، أوزائداًعنها، أوناقصاً، وإذا طهرت تصلي.
إذا رأت المرأة في زمن عادتها يوماً دماً والذي يليه لا ترى الدم طيلة النهار، فما عليها أن تفعل؟
الظاهرأن هذا الطهر الذي حصل لها في أيام حيضها تابع للحيض فلا يعتبر طهراً،وعلى هذا فتبقى ممتنعة مما تمتنع منه الحائض، ويؤيِّد هذا: قولعائشة رضي الله عنها للنِّساء إِذا أحضرن لها الكرسف ـ القطن ـ لتراها هل طَهُرتْ المرأة أم لا؟ فتقول: «لا تعجلن حتى تَرَيْنَ القَصَّةَالبيضاء». أي لاتغتسلن،ولا تصلِّين حتى تَرَيْنَ القصَّةَ البيضاء.
هل تحيض الحامل؟
من الفقهاء من اعتبره دم حيض إذا كان متصفا بصفات دم الحيض من لونه وريحه ….أما إذا رأت الحامل صفرة أو كدرة فهو ليس بحيض .
ومنهم من قال : الحيض والحمل لا يجتمعان وهذا الدم ينقض الوضوء كالبول ، ولايترتب عليه أحكام الحيض …..والذي يؤيده العلم حديثا أن الحامل لا تحيض ويطلقون عليه الحيض الكاذب ،ويرجعون الدم إلى أسباب عصبية وظيفية فحسب
النفاس
تعريفه:
هو الدم الخارج من قبل المرأة بسبب الولادة.
مدته:
لا حد لأقل النفاس، فيتحقق بلحظة فإذا ولدت وانقطع دمها عقب الولادة، أو ولدت بلا دم وانقضى نفاسها، لزمها ما يلزم الطاهرات من الصلاة والصوم وغيرهما، وأما أكثره فأربعون يوما.
لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما) .رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي – بعد هذا الحديث -: قد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي، فإن رأت الدم بعد الأربعين، فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين.
مسألة: هل كلُّ دم يخرج عند الوضع يكون نفاساً؟.
الجواب: لا يخلو هذا من أحوال:
الأولى:أن تُسقِطَ نطفةً(40 يوم)، فهذا الدَّم دمُ فساد وليس بنِفَاس.
الثَّانية:أن تضع ما تمَّ له أربعةُ أشهر،فهذا نِفاسٌ قولاً واحداً؛ لأنه نُفِختْ فيه الرُّوحُ، وتيقَّنَّا أنَّه بَشَرٌ،وهذان الطَّرفان محلُّ اتفاق،ومابينهما محل اختلاف.
الثَّالثة:أن تُسقِطَ علقةً(80 يوم)أو مُضغَةً غير مخلَّقة فاختُلفَ في ذلك:
فالمشهور عند الحنابلة:أنه ليس بحَيضٍ ولا نِفَاس ، فله حكم الاستحاضة .
وقال بعض أهل العلم:إِنه نفِاس وعلَّلوا: أن الماء الذي هو النُّطفة انقلب من حاله إِلى أصل الإِنسان،وهو الدَّمُ،أو مضغة لحم فتيقَّنَّا أن هذا السَّقط إِنسانُ.
الرابعة:.أن تُسقِطَ مُضغةً مخلَّقة بحيث يتبينُ رأسُه ويداه ورجلاه.
فأكثر أهل العلم أنَّه نِفَاس.
والتَّعليل:أنه إِذا سقط ولم يُخَلَّقْ يُحتمل أن يكون دماًمتجمِّداً، أو قطعة لحم ليس أصلها الإِنسان، ومع الاحتمال لا يكون نِفَاساً؛ لأنَّ النِّفاس له أحكام منها إِسقاط الصَّلاة والصَّوم، ومنع زوجها منها، فلا نرفع هذه الأشياء إِلا بشيء مُتيقَّنٍ، ولا نتيقَّن حتى نتبيَّن فيه خَلْقَ الإِنسان.
وأقلُّ مدَّة يتبيَّن فيها خَلْقُ الإِنسان واحدٌ وثمانون يوماً؛لحديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه: «أربعون يوماً نطفة، ثم علقة مثل ذلك».
فهذه ثمانون يوماً، قال: «ثم مضغة»، وهي أربعون يوماً، وتبتدئ من واحد وثمانين.
فإِذاسقط لأقلَّ من ثمانين يوماً، فلا نِفاس، والدَّمُ حكمُه حكمُ دم الاستحاضة.
وإِذاولدت لواحد وثمانين يوماً فيجب التثبُّتُ، هل هو مخلَّق أم غيرمخلق؛لأن الله قسَّمَ المُضْغَة إِلى مخلَّقة، وغير مخلَّقة بقوله: {مُضْغَةٍمُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] ، فجائز ألاَّ تُخلَّق.
والغالب: أنه إِذا تمَّ للحمل تسعون يوماً تبيَّن فيه خلق الإِنسان، وعلى هذاإِذاوضعت لتسعين يوماً فهو نِفَاس على الغالب، وما بعد التِّسعين يتأكَّدأنه ولدٌ وأنَّ الدَّم نفاسِ، وما قبل التسعين يحتاج إِلى تثبُّتٍ.
ملحوظة : الدم النازل قبيل الولادة إن كان مصحوبا بآلام الطلق فهو نفاس،وإلا فلا .
الأحكام المتعلقة بالحائض والنفساء
جميع الأحكام المتعلقة بالحائض هي نفس الأحكام المتعلقة بالنفساء.
(1) الصلاة:
يحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها ، وأما إذا دخل عليهاوقت صلاة ثم حاضت أو نفست قبل أن تصلي فالقول الراجح أنه لا يلزمها قضاء تلك الصلاة التي أدركت أول وقتها ثم حاضت أو نفست قبل أن تصليها
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 23/335 : في هذه المسألة:(والأظهرفي الدليل مذهب أبي حنيفة ومالك أنها لا يلزمها شيءلأن القضاء إنمايجب بأمر جديد ، ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء. ولأنها أخرت تاخيرًاجائزًافهي غير مفرطة.
وأما النائم أو الناسي وإن كان غير مفرط أيضًافإنمايفعله ليس قضاء بل ذلك وقت الصلاة في حقه حين يستيقظ ويذكر.انتهى
ومنهم من قال: إنه يلزمها القضاءأي قضاء تلك الصلاة لعموم قوله : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»
والاحتياط لها أن تقضيها لأنها صلاة واحدة لا مشقة في قضائها.
الحائض إذا طهرت ، فهل تصلي صلاتين أم صلاة واحدة ؟
وإذاطهرت الحائض قبل غروب الشمس ، فهل تصلي العصر فقط أم تصلي الظهر والعصر؟وكذلك إذا طهرت في وقت صلاة العشاء ، هل تصلي العشاء فقط أم تصلي معهاالمغرب ؟
والجواب :
ذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمدإلى أن الحائض إذا طهرت وجب عليها أن تصلي الصلاة التي أدركت وقتها وتصلي معها الصلاة التي قبلها إن كانت تجمع معها .
وعلى هذا ، فإذا طهرت قبل غروب الشمس ، فإنها تصلي الظهر والعصر ، وإذاطهرت في وقت العشاء فإنها تصلي المغرب والعشاء .
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (1/239) :” َإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ , قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ , صَلَّت الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ , وإن َطَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ , صَلَّت الْمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ ؛ لما رَوَى الْأَثْرَمُ , وَابْنُ الْمُنْذِرِ , وَغَيْرُهُمَا , بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالا فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ : تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا .
وَلأنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلأولَى حَالَ الْعُذْرِ ،فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْمَعْذُورُ لَزِمَهُ فَرْضُهَا , كَمَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الثَّانِيَةِ ” انتهى بتصرف .وذهب الأحناف إلى أنه لايلزمها إلا الصَّلاة التي أدركت وقتها فقط ؛ لأن وقت الصلاة الأولى خرج وهي معذورة، فلا يلزمها قضاؤها .
واختارابن عثيمين في “الشرح الممتع” هذاالرأي فقال:” لا يلزمها إلا الصَّلاة التي أدركت وقتها فقط ، فأما ما قبلها فلايلزمها ؛ لأن النبي قال : ( من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة ) ،و(أل) في قوله : ( الصَّلاة ) للعهد ، أي : أدرك الصَّلاة التي أدرك من وقتها ركعة، وأما الصَّلاة التي قبلها فلم يدرك شيئاً من وقتها ،وقدمَرَّ به وقتها كاملاً ،وهو ليس أهلاً للوجوب فكيف نلزمه بقضائها ،وقال عليه الصلاة والسلام ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقدأدرك العصر ) ، ولم يذكر وجوب قضاء الظُّهر .
أما النَّظر : فإننامتَّفقون على أنه لو أدرك ركعةً من صلاة الظُّهر ثم وُجِدَ مانعُ التكليف، لم يلزمه إلا قضاء الظُّهر فقط ، مع أن وقت الظُّهر وقتٌ للظُّهروالعصر عندالعُذر والجمع ،فما الفرق بين المسألتين؟!
كلتاهما أتى عليه وقت إحدى الصَّلاتين وهو ليس أهلاً للتكليف ، لكن في المسألة الأولى مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الأُولى ، وفي المسألة الثانية مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الثانية ” انتهى بتصرف .
والقول الأول أحوط ،والعمل به أولى ، وإذا اقتصرت على صلاة العصر فقط ، أو العشاء فقط ، فنرجو أن لا يكون عليها حرج .
والله أعلم
(2) الصوم
فلا يحل للحائض والنفساء أن تصوم، فإن صامت لا ينعقد صيامها، ووقع باطلا، فإذا طهرت المرأةبعد الفجر مباشرة هل تمسك وتصوم هذا اليوم؟ ويكون يومها لها، أم عليها قضاء ذلك اليوم؟
إذا طهرت المرأة بعد طلوع الفجر فللعلماء في إمساكها ذلك اليوم قولان:
القول الأول: إنه يلزمها الإمساك بقية ذلك اليوم ولكنه لا يحسب لها بل يجب عليها القضاء،وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ.
والقول الثاني: إنه لا يلزمهاأن تمسك بقية ذلك اليوم؛ ْلأنه يوم لا يصح صومها فيه لكونها في أوله حائضة ليست من أهل الصيام، وإذا لم يصح لم يبق للإمساك فائدة، وهذاالزمن زمن غير محترم بالنسبة لها؛ لأنها مأمورة بفطره في أول النهار، بل محرم عليهاصومه في أول النهار.
وهذا القول كما تراه أرجح من القول بلزوم الإمساك، وعلى كلا القولين يلزمها قضاء هذا اليوم.
إذا طهرت الحائض واغتسلت بعد صلاة الفجر وصلت وكملت صوم يومها، فهل يجب عليهاقضاؤه؟
إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر وتيقنت الطهر فإنه إذاكان في رمضان فإنه يلزمها الصوم ويكون صومها ذلك اليوم صحيحاً ولا يلزمها قضاؤه؛لأنهاصامت وهي طاهر وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فلا حرج، كما أن الرجل لوكان جنباً من جماع أو احتلام وتسحر ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر كان صومه صحيحاً.
ما الحكمة من أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟
الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ما الحكمة من ذلك؟
الحكمة أن الصَّوم لايأتي في السَّنة إِلا مَرَّةً واحدة، فإِيجاب الصَّوم عليها أسهل، والصَّلاة تتكرَّر كثيراً ،فلو ألزمناها بقضائها لكان ذلك عليها شاقًّا.
والدليل على ذلك حديث أبي سعيدالخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)فقلن: ولم يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن!) قلن: وما نقصان عقلناوديننا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) قلن: بلى. قال. (فذلك نقصان دينها) رواه البخاري ومسلم.
وعن معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. رواه الجماعة.
(3)حكم قراءة الحائض والنفساء للقرآن ؟
العلماء في هذه المسألة على قسمين، قسم يمنعون الحائض والجنب من قراءة القرآن، وقسم أجازذلك،.
أ – أدلة المانعين:
1- حديث ابن عمر مرفوعاً “لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن” رواه الترمذى وابن ماجه
2- ما رواه الدارمي أن سفيان قال: بلغني عن إبراهيم بن يزيد وسعيد بن جبير أنهما قالا: “لا يقرأ الجنب والحائض آية تامة، يقرآن الحرف”
ومثله عن أبي وائل قال: (كان يقال لا يقرأ الجنب ولا الحائض آية تامة” الدرامي-3 حديث على( كان رسول الله يقرؤنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً )رواه الترمذى
وعند النسائي: (ولم يكن يحجبه عن القرآن شئ ليس الجنابة)
– 4 حديث على: “رأيت رسول الله توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال على: هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا ولا آية” رواه أحمد وأبويعلي.
ب- مناقشة الأدلة :
1- حديث ابن عمر هو عن رواية إسماعيل بن عياش عن موسى عن عقبة عن نافع عن ابن عمر وقال البخاري: إن إسماعيل بن عياش يروى عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير.
قال الترمذى معقبا: كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، قال الألباني: حديث منكر. إذن فالحديث لا يصلح للاحتجاج به.
2- أما ما ورد عن الدرامي، فكلا الأثرين مقطوعان، فهما من أقوال التابعين، ولايخفي صيغة التمريض في حديث أبي وائل، حيث قال: كان يقال. وأماالأولى فمع أنه مقطوع فإنه أيضاً منقطع، فمن الذى بلغ سفيان؟ إنه شخص مبهم لا يدري حاله.
3- وحديث على الذى أخرجه الخمسة، فقد ضعفه الألباني وقال في تمام المنة : وهو من قبيل الضعيف الذى لايقوم به حجة،لأنه تفرد به عبدالله بن سلمة،وقد كان تغير بآخر عمره، وفي هذه الحالة كان حدث بهذاالحديث. وقد قال البخارى في عبد الله بن سلمة: لايتابع في حديثه.
4- وأما حديث على الآخر فقد وثق الهيثمى رجاله، ولكن الألباني ضعف الحديث،لأن في سنده عامربن السمط، ولم يوثقه غير ابنحبان، وهو مشهور بالتساهلفيالتوثيق، ثم إنالحديث موقوف على علي، ولاحجة فيه، لضعفه ووقفه.
جـ- وعلى هذه الأحاديث الواهية اعتمد القائلون بتحريم قراءة الحائض والجنب للقرآن، وهم الشافعية والحنفية والحنابلة.
أما المالكية فأجازوا قراءةالحائض للقرآن في حالة استرسال الدم مطلقاً،وحرموا القراءة عند انقطاع الحيض حتى تغتسل، (انظر موسوعة الفقه الإسلامى مادة: (حيض).
وفي فتاوى ابن تيمية قال: (وأظهرقولي العلماء أنها ـ أى الحائض – لا تمنع من قراءة القرآن إذا احتاجت إليه كما هومذهب مالك، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي ويذكر رواية عن أحمد.
وقال أيضا : ” ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً ، فإن قوله : ( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاًمن القرآن ) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
وقد كان النساء يحضن في عهد النبي ، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة ، لكان هذا مما بينه النبي لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه في الناس ، فلما لم ينقل أحد عن النبي في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً ، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك ،وإذالم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم ” انتهى .
د- وعلى أي حال فالمسألة ليست محل اتفاق حتى بين المذاهب الأربعة، بل هناك خلاف وتفصيل – يرجع إليه في كتبهم. ولكن هذا التفصيل لا يستند على أدلة صحيحة، بل إن المسألة نفسها قامت على أدلة واهية.
هـ- أماالقائلون بجواز قراءة القرآن فاستصحبوا البراءة الأصلية، لعدم ورود دليل صحيح يمنع من ذلك، ومن ثم يبقى الجوازهو الأصل حتى يرد ما يمنع،كما أخرج البخارىمعلقا عن ابن عباس أنه لم ير في القراءةللجنب بأساً
ومع أن القول بالجواز لا يحتاج إلى دليل – طالما استبان ضعف الأدلة المانعة، فإن من الآثار ما يجيز لهما قراءةالقرآن:
1- حديث عائشة في الصحيحين أن رسول الله كان يذكر الله على كل أحيانه ومن هذه الأحيان حال الجنابة، والقرآن ذكر.
2- حديث جابر أن عائشة حاضت فنسكت كل المناسك غير الطواف بالبيت، وهو متفق عليه. ولا يخلو نسكها من ذكر وقراءةللقرآن، ولو كانت قراءة غير جائزةلحذرها رسول الله من القراءة كما قال: لاتطوفي.
و – والخلاصة أنه لا يوجد دليل واحد صحيح يحرم قراءةالقرآن على الجنب أوالحائض أو النفساء. وعدم وجود الدليل وحده كاف في إسقاط المسألة،والقول بالجواز . والله أعلم.
(4) حكم مس المصحف :
حرم جماعة من العلماء على الحائض والجنب مس المصحف ، واستدلوا بعدة أدلة :
أ – أدلة من حرم مس المصحف:
-1 قوله تعالى: “لا يمسه إلا المطهرون” سورة الواقعة
2- مارواه عبد الله ابن أبى بكر عن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبيكتب إلى أهلاليمن كتاباً، وكان فيه: (لا يمس القرآن إلا طاهر).
-3 أن الجنابة والحيض نجاسة،وأنه ينبغي صون المصحف من أن تصل إليه نجاسة، فهو كتاب يستحق التقديسوالصيانة.
ب – مناقشة الأدلة.
1- الآية القرآنية: دلالتها غير صريحة على المتنازع عليه، ولإيضاح ذلك نورد الاعتراضات التالية :
أولاً : الضمير في (يمسه) علام يعود “إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون” أيعود إلى القرآن أم يعود إلى الكتاب، القاعدة النحوية تقول إن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، فيعود إلى الكتاب المكنون،و(المطهرون) هم الملائكة.
ثانياً: ولو سلمنا بأن الضمير يعود إلى القرآن حملاًعلى الضمير في (إنه) في توارد الضميران على القرآن – فإن الآية (لا يمسه) إخباروليست نهياً، فالله يخبرأن القرآن الكريم مصون في كتاب مكنون، ولايمسه هناك إلا المطهرون. و(المطهرون) هم الملائكة. والدليل على أن المراد بهم الملائكة السياق، حيث قال بعد ذلك (تنزيل من رب العالمين) فأخبر الحق عن منزلة القرآن في السماء، وقداسة الملائكةالتى تمسه هناك ثم تنزل به إلى الرسول .
ثالثاً : وبما أن الآية إخبار فلا دلالة فيهاعلى النهي، ولا يصح استنباط تحريم مس القرآن من هذا النص، لمخالفته السياق القرآني.
رابعاً: ولو افترضنا أن هذا أمر في صورة الإخبار، فهو يخبر بأنه لايمسه إلاالمطهرون، وكأنه نهى عن أن يمسه غير ذلك، فستبقى إشكالية أخرى، وهى ماالمراد بلفظ (المطهر) وهذا ما سنوضحه عند مناقشة الدليل الثاني.
خامساً: وعلى القول بأنه أمر فيمكن حمله على الوجوب كما ذهب إليه الجمهور،ويمكن حمله على الندب كما ذهب إليه ابن عباس والشعبي، وداود الظاهرى،ومن ثم فلادلالة على الحرمة.
2- حديث ابن حزم في صحته خلاف،فصححه بعض الأئمة، وضعفه آخرون قال ابن حجر إنه حديث معلول. وضعف إسناده النووي، وقدصححه آخرون ومنهم الألباني.
ولكن الحديث مع صحته لايصلح دليلاً على المطلوب، فالدليل أوسع من محل الدلالة ذلك أن لفظ (طاهر) لفظ مشترك كماقرر هذا الشوكانى وغيره.
فهو يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهرمن الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولابدلحمله على معين من قرينة.
ومثال هذا يقال في لفظ (المطهرون) في الآية على مذهب من فسر (المطهرون) بأنهم البشر وليسوا الملائكة.
فإن قيل : فما المراد بالحديث؟ يجيب الألبانى قائلاً (والأقرب- والله أعلم- أن المراد بالطاهر في الحديث هو المؤمن سواء أكان محدثاً حدثاً أكبر أوأصغر أو حائضاً أو على بدنه نجاسة: لقوله (المؤمن لاينجس) وهو متفق على صحته والمراد عدم تمكين المشرك من مسه، فهو كحديث (نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو).
3- وأما قولهم بأن القرآن ينبغى أن يصان عن أن يمسه غير طاهر،فالجواب أن الحائض والجنب طاهران،ولايخرجان عن هذا الوصف كما في حديث أبي هريرةالمتفق عليه عندما رآه رسولالله فانخنس منه فاغتسل ثم أتاه فقال له رسول الله : أين كنت يا أباهريرة؟ قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل. فقال رسول الله “سبحان الله، إن المسلم لا ينجس” ونحن نقول لهؤلاء، سبحان الله، إن المؤمن لاينجس.
جـ- ثم إن المسألة ليست محل اتفاق بين القائلين بالحرمة، فقد أجازالمالكية للمعلمة والمتعلمة مس المصحف.
د- وبعد أن اتضح أن الأدلة التى استدلوا بها على حرمة مس المصحف مردودعليها فيبقي الحكم على البراءةالأصلية. قال الألبانى: والبراءة الأصلية مع الذين قالوا بجواز مس القرآن من المسلم الجنب، وليس في الباب نقل صحيح يجيز الخروج عنها.
(5) حكم دخول الحائض و الجنب المسجد :
سنعرض أولاً أدلةالمانعين -الذين يحرمون على الحائض أو الجنب دخول المسجد، ثم نناقشها .
أ- أدلةالمانعين:
– 1 عن عائشة وأم سلمة أن رسول الله قال (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب). رواه أبو داود والطبرانى وابن ماجة
-2 قوله سبحانه وتعالى (يا أيهاالذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارىحتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاعابري سبيل حتى تغتسلوا).
قال الشافعي: قال بعض أهل العلم: لا تقربوا موضع الصلاة، وأيده بقوله أنه لايكون في الصلاة عبور سبيل، إنما عبور السبيل في موضعهاوهو المسجد،فيكون المعنى: لا تقربوا المسجد وأنتم جنب.
ونقل الجصاص في أحكام القرآن هذا منقول ابن مسعود حيث فسر الآية بأنه الممر في المسجد.
وقد أجازوا للجنب (والحائض قياساً) العبور دون لبث في حالة الضرورة للاستثناء الوارد (إلاعابري سبيل)
ب- مناقشة الأدلة.
-1 الحديث. اختلف العلماء في تصحيحه، فصححه بعضهم كالشوكانى وغيره، ولكن المحققين قد ضعفوه، قال الألبانى في تمام المنة: (وهما حديث واحد- أىحديث عائشة وأم سلمة- بإسناد واحد،مداره على جسرة بنت دجاجة اضطربت في روايته، فمرت قالت: عن عائشة، ومرة عن أم سلمة،والاضطراب مما يوهن به الحديث كما هو معروف عند المحدثين، لأنه يدل على عدم ضبط الراوى، وحفظه ، يضاف إلى ذلك أن جسرة عنده لم يوثقها من يعتمد على توثيقه، بل قال البخاري: عندها عجائب، ولذلك ضعف جماعة هذا الحديث كما قال الخطابي، وقال البيهقي: ليس بالقوي.
– 2وأما الآية (ولا جنبا إلا عابرى سبيل ( فإن في المراد بها خلافابين أهل العلم، حكاه الجصاص في أحكام القرآن فقال: “وأما قوله (ولا جنبا إلا عابرىسبيل) فإن أهل العلم تنازعوا تأويله فروى المنهال بن عمرو عن زر عن علي : إلا أن تكونوا مسافرين ولا تجدون ماتتيممون به وتصلون) وروى قتادة عن ابن عباس ومجاهدمثله،وروى عن ابن مسعودأنه قال: هو الممر في المسجد.
ثم قال الجصاص مرجحاً رأي علي وابن عباس (وما روى عن علي وابن عباس في تأويله – أن المراد المسافر الذى لايجدالماء فيتمم- أولى من تأويل من تأوله على الاجتياز في المسجد). ثم أيدهذاالترجيح قائلاً: (وذلك لأن قوله “لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى” نهي عن فعل الصلاةنفسها في هذه الحال، لا عند المسجد، لأن ذلك حقيقة اللفظ ومفهوم الخطاب، وحمله على المسجد عدول بالكلام عن حقيقته إلى المجاز بأن نجعل الصلاة عبارة عن موضعها.. ومتى أمكننا استعمال اللفظ على حقيقته لم يجز صرفه عنها إلى المجاز إلا بدلالة، ولادلالة توجب صرف ذلك عن الحقيقة.
وفي نسق التلاوة ما يدل على أن المراد حقيقةالصلاة، وهوقوله (حتى تعلموا ماتقولون) وليس قول مشروط يمنع من دخوله لتعذره عليه عند السكر، وفي الصلاةقراءة مشروطة، فمنع من أجل العذر عن إقامتها عن فعل الصلاة،فدل ذلك على أن المراد حقيقة الصلاة، فيكون تأويل من تأوله عليها موافقاً لظاهرهاوحقيقتها.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: (لا تقربوا) وذلك يكون في الفعل لافي المكان، فكيف يضمرالمكان، ويوصل بغير فعله؟ هذا محال. وتقديرالآية: (لا تصلواسكارى ولاجنباً إلا عابرىسبيل حتى تغتسلوا).
ومن هذه الأقوال يتبين :
-1 الأولى حمل اللفظ على حقيقته، ولا يعدل عنها إلى المجازإلا بدلالة توجب هذا العدول.
-2 حقيقة (الصلاة) هى الأفعال المعروفة، ولا يعدل عنها إلى موضعها.
3 – ومما يدل على أن المراد بالصلاة حقيقتها قوله (حتى تعلمواما تقولون) فالقول المشروط هو للصلاة وليس لموضعها.
– 4 وعليه فمعنى الآية: لاتصلوا سكارى ولا جنباً. إلا أن تكونوا مسافرين وأنتم جنب ولم تجدوا ماء لتغتسلوافتتيمون وتصلون.
جـ- من هنا يتضح أنه لا يثبت دليل لمن قال بحرمة دخول الحائض والجنب المسجد،فالأدلة التى استدلوا بها إما ضعيفة وإما غير صريحة.
وبناء على هذا فقدذهب مجموعة من العلماء إلى جواز دخول الحائض والجنب المسجد كالمزني وداود وابن حزم وغيرهما وقد استدل ابن حزم بعدة أدلة تؤيدالجواز، منها :
1-أن أهل الصفة كانوا يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله وهم جماعة كثيرة، ولاشك أن فيهم من يحتلم،فما نهوا قط عن ذلك.
-2 حديث عائشة الذى في البخارى أن وليدة سواء كانت لحي من العرب فأعتقوهافجاءت إلى رسول الله فأسلمت فكان لها خباء في المسجد، وكانت تقمه.
قال: فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي والمعهود من النساء الحيض، فما منعهامن ذلك، ولا نهي عنه، وكل ما لم ينه عنه مباح.
– 3ولو كان دخول المسجد لا يجوزللحائض لأخبر بذلك عائشة، إذ حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف بالبيت فقط، ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لهادخول المسجد فلا ينهاها عن ذلك، ويقتصر على منعها من الطواف.
– 4 حديث عائشة عند مسلم أن رسول الله قال لها: ناوليني الخمرة من المسجد،فقالت: إنى حائض. قال: (إن حيضتك ليس في يدك) فبين بجوابه أن دخولهاالمسجدأمرطبيعى، ولو كان في ذلك منع لقال: نعم. لا تدخليه إذن، أوقال: لا يضر أنت مري به مروراً… الخ. ولكنه أجاب بما يدل على الجواز،فطالما أن حيضتك ليست في يدك فماالذى يمنع من دخول المسجد؟
(6)هل للحائض أن تسجد للتلاوة والشكر ؟
يجوزذلك في أحد قولى الفقهاء وبنحو هذا قال الزهري وقتادةباعتبار أن سجودالتلاوة وكذا سجود الشكر ليس صلاة وإنما هو خضوع لله وعبادة كأنواع الذكرفلا يجب فيه ما يجب للصلاة من الطهارة من الحدثين الأصغروالأكبر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولما كان المحدث له أن يقرأ فله أن يسجد بطريق الأولى فإن القراءة أعظم من مجرد سجودالتلاوة)
وقال أيضاً: (وسجود القرآن لا يشرع فيه تحريم ولا تحليل هذا هوالسنة المعروفة عن النبي ، وعليه عامة السلف، وهو المنصوص عن الأئمة المشهورين.
وعلى هذافليست صلاة، فلا تشرط لها شروط الصلاة، بل تجوز على غير طهارة،كما كان ابن عمر يسجد على غير طهارة، لكن هي بشروط الصلاة أفضل، ولاينبغي أن يخل بذلك إلالعذر، فالسجود بلا طهارة خير من الإخلال به، لكن قد يقال: إنه لايجب في هذه الحال،كما لا يجب على السامع ولا على من لم يسجد قارئه، وإنكان ذلك السجود جائز عند جمهور العلماء) وبناء على القول فلا حرج على الحائض إن سمعت القرآن أو قرأته أن تسجد للتلاوة، وإن كان ذلك لا يجب عليها.
ماذا تفعل المرأةعندما تكون تقرأ القرآن وتقابلها آية سجدة هل تسجد وهي بدون غطاء لرأسها أم ماذاتفعل؟
الأولى للمرأة إذا مرت بآية سجدة أن تسجد وهي مخمرة رأسها وإن سجدت للتلاوة بدون خمار فنرجو ألا حرج، لأن سجود التلاوة ليس له حكم الصلاة، وإنما هوخضوع لله سبحانه وتقرب إليه مثل بقية الأذكار وأفعال الخير(من فتاوى اللجنةالدائمة للإفتاء بالسعودية ).
(7) طــواف الحـــــــــائض
الطهارةشرط في صحة الطواف ، فلا يجوز للحائض أن تأتي به لحديث عائشة« اِفْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ ، غَيْرَ أَنَّكِ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي » .
فإذا اضطرت الحائض للخروج من مكة قبل طهرهاوهي لما تطف طواف الإفاضة فما الحكم ؟ للمرأة إذا فاجأهاالحيض قبل طواف الإفاضة،ولم يمكنها التخلف حتى انقطاعه ـ أن تستعمل دواء لوقفه وتغتسل وتطوف، أو إذاكان الدم لا يستمر نزوله طوال أيام الحيض بل ينقطع في بعض أيام مدته،عندئذيكون لها أن تطوف في أيام الانقطاع عملاً بأحد قولي الإمام الشافعي القائل: إن النقاء في أيام انقطاع الحيض طهر.
وهذا القول أيضًا يوافق مذهب الإمامين: مالك وأحمد.
وأجازبعض فقهاء الحنابلة والشافعية للحائض دخول المسجد للطواف بعد إحكام الشد والعصب وبعدالغسل،حتى لا يسقط منهاما يؤذي الناس ويلوث المسجد،ولا فدية عليها في هذاالحال باعتبار حيضها -مع ضيق الوقت والاضطرارللسفر- من الأعذار الشرعية.
وقدأفتى كل من الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم بصحة طواف الحائض طواف الإفاضة إذااضطرت إلى السفرمع صحبتها، و النفساء حكمها كالحائض في هذاالموضع.
هذا بالنسبة لطواف الركن (طواف الإفاضة)أما بالنسبة لطواف الوداع فلا يجب على الحائض ولها أن تغادر بدونه
والدليل حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: “أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض” .
وحديث عائشة: ” أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت في حجة الوداع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحابستنا هي؟ فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فلتنفر”
(8) الجماع:
وهو حرام بإجماع المسلمين، بنص الكتاب والسنة، فلا يحل وطء الحائض والنفساء حتى تطهر، لحديث أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها ، ولقدسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذاتطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة آية: 222 ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شئ إلا النكاح) ، وفي لفظ (إلا الجماع) رواه الجماعة إلا البخاري
وعلى ذلك لو اعتقدمسلم حِلَّ جماع الحائض في فرجها صار كافراً مرتداً ولو فعله إنسان غير معتقد حِله :
– فإن كان ناسياً أو جاهلاً بوجود الحيض أو جاهلاً بتحريمه أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا كفارة .
– وإن وطئها عامداً عالماً بالحيض والتحريم مختاراً فقد ارتكب معصية كبيرة وتجب عليه التوبة .
لكن هل تجب عليه كفارة؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :قول الإمام أحمد وفيه: أن من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه كفارة وهي أن يتصدق بدينار أو نصف دينار(الدينار4.25 جم من الذهب)
للحديث الذي أخرجه أبوداود والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس عنالنبيأنه قال: في الذي يأتي امرأته وهي حائض :” يتصدق بدينار أونصف دينار ” قال الألباني : ولعل التخير بين الدينارونصف الدينار يعودإلىحال المتصدق من اليسار أو الضيق ، كما خرجت بذلك بعض رواياتالحديثوإنكان مسنده ضعيفاً … والله أعلم .
– ومثله في الضعف الرواية التي تفرق بين إتيانها في الدم وإتيانها بعد الطهر ولم تغتسل .
– وقال بعض أهل العلم : يُخرج دينار إذا كان الدم كثير ، والنصف دينار إذا كان قليلاً .
القول الثاني : قول الجمهور
وذهبواإلى أن من جامع زوجته في أثناء حيضها في فرجها فليس عليه كفارة ، وذلك لأن حديث ابن عباس السابق في وجوب الكفارة إنما هو ضعيف على الراجح والأصل في أموال المسلمين الحرمة فلا يحل مال مسلم إلا بنهي ، إلا أنه وقع في كبيرة يجب عليه التوبة إلى الله منها .
هل يجوز استعمال الواقي الذكري من أجل جماع المرأة وقت حيضها؟
لا يجوز ذلك ، فإن هذا محرم لعموم النهي عن جماعها فيحيضها
هل يجوز جماع الزوجة إذا طهرت ولم تغتسل ؟
اختلف أيضاً أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
القول الأول:أن الحائض إذا طهرت فإنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها ، وهو مذهب ابن حزم ورواه عن عطاء وقتادة وهو مذهب الأوزاعي أيضاً .
وفسروا قوله تعالى : {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} أي بانقطاع الحيض
القول الثاني ( وهو قول الجمهور )إذاطهرت المرأة من الحيض فلا يحل لزوجها أن يجامعها إلا إذااغتسلت فقد قال تعالى : {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَاتَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ}
قال مجاهد {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} : أي إذا اغتسلت ، ولا تحل لزوجها حتى تغتسل .
قال الشيخ القرضاوي:والذي أراه أن علة النهي عن قربان الحائض هي وجود الأذى بنص الآية ولهذا رتب الأمر باعتزالها على الأذى بالفاء (فاعتزلوا النساء في المحيض)فإذاانقطع الحيض فقد ذهب الأذى الذي هو علة المنع ، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما .(فقه الطهارة ص 283)
حل مباشرة الزوج لزوجته دون الجماع :
للزوج أن يباشرزوجته أي يستمتع بها دون أن يصل الأمر إلى الجماع والدليل على ذلك ما روي عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها شيئا. رواه أبو داود. قال الحافظ: إسناده قوي.
وعن مسروق بن الأجدع، قال: سألت عائشة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قالت: (كل شئ إلا الفرج) رواه البخاري في تاريخه.
الاستحاضة:(النزيف)
تعريفها هي استمرار نزول الدم وجريانه في غير أوانه.
أحوال المستحاضة:
المستحاضة لها ثلاث حالات:
ا – أن تكون مدةالحيض معروفة لها قبل الاستحاضة:
وفي هذه الحالة تعتبر هذه المدة المعروفةهي مدة الحيض، والباقي استحاضة، لحديث أم سلمة: أنها استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم فقال: (لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشعر، فتدع الصلاة، ثم لتغتسل ولتستثفر ثم تصلي)رواه مالك والشافعي والخمسة إلا الترمذي
قال الخطابي: هذا حكم المرأة يكون لها من الشهر أيام معلومة تحيضها في أيام الصحة قبل حدوث العلة ثم تستحاض فتهريق الدم، ويستمر بها السيلان أمرهاالنبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة من الشهر قدر الأيام التي كانت تحيض، قبل أن يصيبها ما أصابها، فإذا استوفت عدد تلك الأيام، اغتسلت مرةواحدة، وحكمها حكم الطواهر.
ب – أن يستمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة، إما لأنها حسبت عادتها، أو بلغت مستحاضة، ولا تستطيع تمييز دم الحيض.
وفيهذه الحالة يكون حيضها ستة أيام أو سبعة، على غالب عادة النساء، لحديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بن جحش، قالت فقلت: يارسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها، وقد منعتني الصلاة والصيام؟ فقال: (أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم) قالت: هو أكثر من ذلك،قال (فتلجمي) قالت: إنما أثج ثجا فقال: (سآمرك بآمرين) أيهما فعلت فقدأجزأ عنك من الآخر، فان قويت عليها فأنت أعلم، فقال لها: (إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام إلى سبعة في علم الله ثم اغتسلي، حتى إذارأيت أنك قد طهرت واستنقيت، فصلي أربعا وعشرين ليلة، أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها،وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن بميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعا، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء وتجمعين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر وتصلين، فكذلك فافعلي وصلي وصومي إنقدرت على ذلك … ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهذا أحب الامرين إلي) رواه أحمد وأبو داود والترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح.قال: وسألت عنه البخاري فقال: حديث حسن.
وقال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح.
(أنعت لك الكرسف) : أصف لك القطن يعني شدي خرقة مكان الدم على هيئة اللجام، (والثج) : شدة السيلان.
قال الخطابي – تعليقا على هذا الحديث -: إنما هي امرأة مبتدأة لم يتقدم لهاأيام، ولا هي مميزة لدمها، وقد استمر بها الدم حتى غلبها، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إلى العرف الظاهر والأمر الغالب من أحوال النساءكما حمل أمرها في تحيضها كل شهر مرة واحدة على الغالب من عادتهن.
ويدل على هذا قوله: (كما تحيض النساء ويطهرن بميقات حيضهن وطهرهن) قال: وهذا أصل في قياس أمر النساء بعضهن على بعض، في باب الحيض والحمل والبلوغ، وما أشبههذا من أمورهن.
ح – أن لا تكون لها عادة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض عن غيره وفي هذه الحالة تعمل بالتمييز، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش: أنهاكانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلى فإنما هو عرق) وقد تقدم.
أحكامها:
للمستحاضة أحكام نلخصها فيما يأتي:
ا – أنه لا يجب عليها الغسل لشئ من الصلاة ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة، حينما ينقطع حيضها ، وبهذا قال الجمهور من السلف والخلف.
ب – أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم- في رواية البخاري -: (ثم توضئي لكل صلاة) .
وعند مالك يستحب لها الوضوء لكل صلاة، ولا يجب إلا بحدث آخر.
ح – أن تغسل فرجها قبل الوضوء وتحشوه بخرقة أو قطنة دفعا للنجاسة، وتقليلالها، فإذا لم يندفع الدم بذلك شدت مع ذلك على فرجها وتلجمت واستثفرت، ولايجب هذا، وإنما هو الأولى.
د – ألا تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة عند الجمهور إذ طهارتها ضرورية، فليس لها تقديمها قبل وقت الحاجة.
هـ – أنه يجوز لزوجها أن يطأها في حال جريان الدم، عند جماهير العلماء لأنه لم يرد دليل بتحريم جماعها.
قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت الصلاة، أعظم رواه البخاري ليعني إذا جاز لها أن تصلي ودمها جار، وهي أعظم ما يشترط لها الطهارة، جاز جماعها.
وعن عكرمة بنت حمنة، أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها. رواه أبو داود والبيهقي، وقال النووي: إسناده حسن.
و أن لها حكم الطاهرات: تصلي وتصوم وتعتكف وتقرأ القرآن وتمس المصحف وتحمله وتفعل كل العبادات.
وهذا مجمع عليه لأندم الحيض دم فساد، أما دم الاستحاضة فهو دم طبيعي، لذا منعت من العبادات في الأول دون الثاني.