ما يكثر السؤال عنه في الحيض والنفاس
السؤال الأول/ ما حكم انقطاع الدم قبل الاربعين في النفاس؟
للمرأة النفساء عدة صور:
1-إن طهرت قبل الأربعين وتأكدت من الطهر اغتسلت وصلت وصامت.
2-إن طهرت قبل الأربعين تغتسل وتصلي ، فإن عاودها الدم تقطع صلاتها وصيامها حتى تبلغ أربعين يوما.
3- اذا مرت أربعون يوما ولم ينقطع الدم اغتسلت وصلت وصامت، ويعتبر الدم النازل بعد الأربعين دم استحاضة.
السؤال الثاني/ كيف تتأكد المرأة من الطهر في الحيض؟
عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين، بالدرجة فيها الكرسف، فيه الصفرة من دم الحيضة، يسألنها عن الصلاة. فتقول لهن: «لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء».
تريد بذلك الطهر من الحيضة، فالمرأة تعرف الطهر من الحيض بإحدى علامتين: إما الجفوف، وضابطه أن تدخل القطنة في الموضع فتخرج نقية ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة، وإما القصة البيضاء، وهي ماء أبيض يرخيه الرخم تعرفه النساء، وبه يعرفن انقضاء الحيض، فإذا حدث الطهر فأي إفرازات فيما بعد لها حكم الاستحاضة.
السؤال الثالث/ ماذا تفعل الحائض من عباده في الليالي الوترية في العشر الأواخر من رمضان؟
المرأة الحائض تمنع باتفاق الفقهاء من أربعة أشياء: الصلاة، والصوم، والطواف، والجماع، ولها أن تقرأ القرآن، وهو مذهب الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الإمام الشوكاني ومن المعاصرين الإمام القرضاوي، سواء كانت القراءة من حفظها أو من المصحف أو الهاتف وما شابهه من الوسائل الإلكترونية ، ويستدل على الجواز بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للسيدة عائشة -رضي الله عنها- لما حاضت في حجة الوداع “افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري” (رواه البخاري)، فلم يمنعها إلا من الطواف، ولو كانت تلاوتها للقرآن محرمة لبينها، فإن الحاج يشغل وقته بتلاوة القرآن، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وقد سئل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- وهو من كبار فقهاء الصحابة، أيقرأ الجنب القرآن؟ قال: نعم، إن شاء، قلت: والحائض والنفساء؟ قال: نعم، لا يدعن أحد ذكر الله، وتلاوة كتابه على حال، قلت: فإن الناس يكرهونه، قال: من كرهه فإنما كرهه تنزها، ومن نهى عنه فإنما يقول بغير علم، ما نهى رسول الله عن شيء من ذلك.
وقياس الحائض على الجنب في المنع من قراءة القرآن لا يصح، لأن الحائض لا اختيار لها في حيضتها، أما الجنب فيمكنه رفع الجنابة بالاغتسال في أي وقت، كما أن الحيضة قد تطول بخلاف الجنب، والقول بمنع الحائض من تلاوة القرآن يفوت عليها خيرا عظيما وأجرا كبيرا، ويعرضها لنسيان القرآن، واعتياد هجره، ويضيع على المرأة شطرا كبيرا من عمرها تحرم فيه من أنوار القرآن من دون دليل معتبر.
وللحائض كذلك أن تدخل المسجد وأن تفعل ما تشاء من العبادات غير الأربعة التي ذكرناها، والذي أرجحه أن توافق المرأة فطرتها ولا تأخذ أدوية تمنع حيضتها، والله الذي يثيب على الطاعة في العشر الأواخر من رمضان هو الذي حرمها عليها في أثناء الحيض، وإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم”، فأولى بتحصيل هذا الأجر للحائض فإن عارضها سماوي لا كسب لها فيه.
السؤال الرابع / إذا كانت المرأة عادتها الشهرية سبعة أيام ثم استمرت معها أكثر من ذلك فما الحكم؟
إذا كانت عادة المرأة ستة أيام أو سبعة ثم طالت هذه المدة وصارت ثمانية أو تسعة أو عشرة فإنها تبقى لا تصلي حتى تطهر وذلك لأن النبي لم يحد حدا معينا في الحيض وقد قال الله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} فمتى كان هذا الدم باقيا فإن المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي، فإذا جاءها في الشهر الثاني ناقصا عن ذلك فإنها تغتسل إذا طهرت وإن لم يكن على المدة السابقة، والمهم أن المرأة متى كان الحيض معها موجودا فإنها لا تصلي سواء كان الحيض موافقا للعادة السابقة، أو زائدا عنها، أو ناقصا، وإذا طهرت تصلي.
السؤال الخامس/ إذا رأت المرأة في زمن عادتها يوما دما والذي يليه لا ترى الدم طيلة النهار، فما عليها أن تفعل؟
الظاهر أن هذا الطهر الذي حصل لها في أيام حيضها تابع للحيض فلا يعتبر طهرا، وعلى هذا فتبقى ممتنعة مما تمتنع منه الحائض، ويؤيد هذا: قول عائشة رضي الله عنها للنساء إذا أحضرن لها الكرسف القطن لتراها هل طهرت المرأة أم لا؟ فتقول: «لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء». أي لا تغتسلن، ولا تصلين حتى ترين القصة البيضاء.
السؤال السادس/ هل تحيض الحامل؟
من الفقهاء من اعتبره دم حيض إذا كان متصفا بصفات دم الحيض من لونه وريحه …. أما إذا رأت الحامل صفرة أو كدرة فهو ليس بحيض.
ومنهم من قال: الحيض والحمل لا يجتمعان وهذا الدم ينقض الوضوء كالبول، ولا يترتب عليه أحكام الحيض ….. والذي يؤيده العلم حديثا أن الحامل لا تحيض ويطلقون عليه الحيض الكاذب، ويرجعون الدم إلى أسباب عصبية وظيفية فحسب.
السؤال السابع / امرأة أسقطت جنينها وكان عمره شهرين فهل يعتبر الدم النازل عليها دم نفاس؟
الجواب: لا يخلو هذا من أحوال:
الأولى: أن تسقط نطفة (40 يوم)، فهذا الدم دم فساد وليس بنفاس.
الثانية: أن تضع ما تم له أربعة أشهر، فهذا نفاس قولا واحدا؛ لأنه نفخت فيه الروح، وتيقنا أنه بشر، وهذان الطرفان محل اتفاق، وما بينهما محل اختلاف.
الثالثة: أن تسقط علقة (80 يوم) أو مضغة غير مخلقة فاختلف في ذلك:
فالمشهور عند الحنابلة: أنه ليس بحيض ولا نفاس، فله حكم الاستحاضة.
وقال بعض أهل العلم: إنه نفاس وعللوا: أن الماء الذي هو النطفة انقلب من حاله إلى أصل الإنسان، وهو الدم، أو مضغة لحم فتيقنا أن هذا السقط إنسان.
الرابعة: أن تسقط مضغة مخلقة بحيث يتبين رأسه ويداه ورجلاه. فأكثر أهل العلم أنه نفاس.
وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان واحد وثمانون يوما؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه: «أربعون يوما نطفة، ثم علقة مثل ذلك» فهذه ثمانون يوما، قال: «ثم مضغة»، وهي أربعون يوما، وتبتدئ من واحد وثمانين.
فإذا سقط لأقل من ثمانين يوما، فلا نفاس، والدم حكمه حكم دم الاستحاضة.
وإذا ولدت لواحد وثمانين يوما فيجب التثبت، هل هو مخلق أم غير مخلق؛ لأن الله قسم المضغة إلى مخلقة، وغير مخلقة بقوله: {مضغة مخلقة وغير مخلقة} [الحج: 5]، فجائز ألا تخلق.
والغالب: أنه إذا تم للحمل تسعون يوما تبين فيه خلق الإنسان، وعلى هذا إذا وضعت لتسعين يوما فهو نفاس على الغالب، وما بعد التسعين يتأكد أنه ولد وأن الدم نفاس، وما قبل التسعين يحتاج إلى تثبت.
ملحوظة: الدم النازل قبيل الولادة إن كان مصحوبا بآلام الطلق فهو نفاس وإلا فلا.
السؤال الثامن/ إذا دخل على المرأة الحيض وقت صلاة ثم حاضت أو نفست قبل أن تصلي؛ فهل تقضي تلك الصلاة بعد الطهر؟
القول الراجح أنه لا يلزمها قضاء تلك الصلاة التي أدركت أول وقتها ثم حاضت أو نفست قبل أن تصليها
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (23/335 ) : في هذه المسألة:(والأظهر في الدليل مذهب أبي حنيفة ومالك أنها لا يلزمها شيء لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد ، ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء، ولأنها أخرت تأخيرا جائزا فهي غير مفرطة.انتهى
ومنهم من قال: إنه يلزمها القضاء أي قضاء تلك الصلاة لعموم قوله: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»
والاحتياط لها أن تقضيها لأنها صلاة واحدة لا مشقة في قضائها.
السؤال التاسع / الحائض إذا طهرت وقت العصر، فهل تصلي صلاتي الظهر والعصر أم العصر فقط؟
ذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد إلى أن الحائض إذا طهرت وجب عليها أن تصلي الصلاة التي أدركت وقتها وتصلي معها الصلاة التي قبلها إن كانت تجمع معها.
وعلى هذا، فإذا طهرت قبل غروب الشمس، فإنها تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت في وقت العشاء فإنها تصلي المغرب والعشاء.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (1/239) :” إذا طهرت الحائض , قبل أن تغيب الشمس , صلت الظهر والعصر , وإن طهرت قبل أن يطلع الفجر , صلت المغرب والعشاء ؛ لما روى الأثرم , وابن المنذر , وغيرهما , بإسنادهم عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة : تصلي المغرب والعشاء، فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر جميعا .
ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها، كما يلزمه فرض الثانية” انتهى بتصرف.
وذهب الأحناف إلى أنه لا يلزمها إلا الصلاة التي أدركت وقتها فقط؛ لأن وقت الصلاة الأولى خرج وهي معذورة، فلا يلزمها قضاؤها.
واختار ابن عثيمين في “الشرح الممتع” هذا الرأي فقال:” لا يلزمها إلا الصلاة التي أدركت وقتها فقط ، فأما ما قبلها فلا يلزمها ؛ لأن النبي قال : ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) ،و(أل) في قوله : ( الصلاة ) للعهد ، أي : أدرك الصلاة التي أدرك من وقتها ركعة، وأما الصلاة التي قبلها فلم يدرك شيئا من وقتها ، وقد مر به وقتها كاملا ، وهو ليس أهلا للوجوب فكيف نلزمه بقضائها ،وقال عليه الصلاة والسلام ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) ، ولم يذكر وجوب قضاء الظهر .
أما النظر: فإننا متفقون على أنه لو أدرك ركعة من صلاة الظهر ثم وجد مانع التكليف، لم يلزمه إلا قضاء الظهر فقط، مع أن وقت الظهر وقت للظهر والعصر عند العذر والجمع ، فما الفرق بين المسألتين؟!
كلتاهما أتى عليه وقت إحدى الصلاتين وهو ليس أهلا للتكليف، لكن في المسألة الأولى مر عليه وقت الصلاة الأولى، وفي المسألة الثانية مر عليه وقت الصلاة الثانية” انتهى بتصرف.
والقول الأول أحوط، والعمل به أولى، وإذا اقتصرت على صلاة العصر فقط، أو العشاء فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج.
والله أعلم
السؤال العاشر/ ما حكم صيام المرأة الحائض؟ وإذا طهرت المرأة بعد الفجر مباشرة هل تمسك وتصوم هذا اليوم؟ ويكون يومها لها، أم عليها قضاء ذلك اليوم؟
لا يحل للحائض والنفساء أن تصوم، فإن صامت لا ينعقد صيامها، ووقع باطلا، فإذا طهرت المرأة بعد طلوع الفجر فللعلماء في إمساكها ذلك اليوم قولان:
القول الأول: إنه يلزمها الإمساك بقية ذلك اليوم ولكنه لا يحسب لها بل يجب عليها القضاء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
والقول الثاني: إنه لا يلزمها أن تمسك بقية ذلك اليوم؛ لأنه يوم لا يصح صومها فيه لكونها في أوله حائضة ليست من أهل الصيام، وإذا لم يصح لم يبق للإمساك فائدة، وهذا الزمن زمن غير محترم بالنسبة لها؛ لأنها مأمورة بفطره في أول النهار، بل محرم عليها صومه في أول النهار.
وهذا القول كما تراه أرجح من القول بلزوم الإمساك، وعلى كلا القولين يلزمها قضاء هذا اليوم.
السؤال الحادي عشر/ إذا طهرت الحائض من الليل وأخرت الاغتسال بعد الفجر وكملت صوم يومها، فهل يجب عليها قضاؤه؟
إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر وتيقنت من الطهر فيلزمها الصوم ويكون صومها ذلك اليوم صحيحا ولا يلزمها قضاؤه؛ لأنها صامت وهي طاهرة من الحيض، وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فلا حرج، كما أن الرجل لو كان جنبا من جماع أو احتلام وتسحر ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر كان صومه صحيحا.
السؤال الثاني عشر/ ما الحكمة من أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟
الحكمة أن الصوم لا يأتي في السنة إلا مرة واحدة، فإيجاب الصوم عليها أسهل، والصلاة تتكرر كثيرا، فلو ألزمناها بقضائها لكان ذلك عليها شاقا.
والدليل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فقلن: ولم يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن!) قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) قلن: بلى. قال. (فذلك نقصان دينها) رواه البخاري ومسلم.
وعن معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. رواه الجماعة.
السؤال الثالث عشر/ ما حكم قراءة الحائض والنفساء للقرآن؟
العلماء في هذه المسألة على قسمين، قسم يمنعون الحائض والجنب من قراءة القرآن، وقسم أجاز ذلك.
أولا/ أدلة المانعين:
1- حديث ابن عمر مرفوعا (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) رواه الترمذي وابن ماجه
2- ما رواه الدارمي أن سفيان قال: بلغني عن إبراهيم بن يزيد وسعيد بن جبير أنهما قالا: “لا يقرأ الجنب والحائض آية تامة، يقرآن الحرف”
3-ومثله عن أبي وائل قال: (كان يقال لا يقرأ الجنب ولا الحائض آية تامة” الدرامي.
-3 حديث على (كان رسول الله يقرؤنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا) رواه الترمذي، وعند النسائي: (ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)
4- حديث على: (رأيت رسول الله توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال على: هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا ولا آية) رواه أحمد وأبويعلي.
مناقشة الأدلة:
1- حديث ابن عمر هو عن رواية إسماعيل بن عياش عن موسى عن عقبة عن نافع عن ابن عمر وقال البخاري: إن إسماعيل بن عياش يروى عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير.
قال الترمذي معقبا: كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، قال الألباني: حديث منكر، إذن فالحديث لا يصلح للاحتجاج به.
2- أما ما ورد عن الدرامي، فكلا الأثرين مقطوعان، فهما من أقوال التابعين، ولا يخفي صيغة التمريض في حديث أبي وائل، حيث قال: كان يقال. وأما الأولى فمع أنه مقطوع فإنه أيضا منقطع، فمن الذي بلغ سفيان؟ إنه شخص مبهم لا يدري حاله.
3- وحديث على الذى أخرجه الخمسة، فقد ضعفه الألباني وقال في تمام المنة: وهو من قبيل الضعيف الذى لا يقوم به حجة، لأنه تفرد به عبدالله بن سلمة، وقد كان تغير بآخر عمره، وفي هذه الحالة كان حدث بهذا الحديث. وقد قال البخاري في عبد الله بن سلمة: لا يتابع في حديثه.
4- وأما حديث على الآخر فقد وثق الهيثمي رجاله، ولكن الألباني ضعف الحديث، لأن في سنده عامر بن السمط، ولم يوثقه غير ابن حبان، وهو مشهور بالتساهل في التوثيق، ثم إن الحديث موقوف على علي، ولا حجة فيه، لضعفه ووقفه.
ج- وعلى هذه الأحاديث الواهية اعتمد القائلون بتحريم قراءة الحائض والجنب للقرآن، وهم الشافعية والحنفية والحنابلة.
أما المالكية فأجازوا قراءة الحائض للقرآن في حالة استرسال الدم مطلقا، وحرموا القراءة عند انقطاع الحيض حتى تغتسل، (انظر موسوعة الفقه الإسلامي مادة: (حيض).
وفي فتاوى ابن تيمية قال: (وأظهر قولي العلماء أنها أي الحائض – لا تمنع من قراءة القرآن إذا احتاجت إليه كما هو مذهب مالك، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي ويذكر رواية عن أحمد.
وقال أيضا:” ليس في منعها من القرآن سنة أصلا، فإن قوله: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
وقد كان النساء يحضن في عهد النبي، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة، لكان هذا مما بينه النبي لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي في ذلك نهيا لم يجز أن تجعل حراما، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك، وإذ الم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم” انتهى.
د- وعلى أي حال فالمسألة ليست محل اتفاق حتى بين المذاهب الأربعة، بل هناك خلاف وتفصيل – يرجع إليه في كتبهم.
ولكن هذا التفصيل لا يستند على أدلة صحيحة، بل إن المسألة نفسها قامت على أدلة واهية.
ه- أما القائلون بجواز قراءة القرآن فاستصحبوا البراءة الأصلية، لعدم ورود دليل صحيح يمنع من ذلك، ومن ثم يبقى الجواز هو الأصل حتى يرد ما يمنع، كما أخرج البخاري معلقا عن ابن عباس أنه لم ير في القراءة للجنب بأسا.
ومع أن القول بالجواز لا يحتاج إلى دليل – طالما استبان ضعف الأدلة المانعة، فإن من الآثار ما يجيز لهما قراءة القرآن:
1- حديث عائشة في الصحيحين أن رسول الله كان يذكر الله على كل أحيانه ومن هذه الأحيان حال الجنابة، والقرآن ذكر.
2- حديث جابر أن عائشة حاضت فنسكت كل المناسك غير الطواف بالبيت، وهو متفق عليه. ولا يخلو نسكها من ذكر وقراءة للقرآن، ولو كانت قراءة غير جائزة لحذرها رسول الله من القراءة كما قال: لا تطوفي.
و – والخلاصة أنه لا يوجد دليل واحد صحيح يحرم قراءة القرآن على الجنب أو الحائض أو النفساء، وعدم وجود الدليل وحده كاف في إسقاط المسألة، والقول بالجواز. والله أعلم.
السؤال الرابع عشر/ ما حكم مس المصحف للمرأة الحائض؟
حرم جماعة من العلماء على الحائض والجنب مس المصحف، واستدلوا بعدة أدلة:
أ – أدلة من حرم مس المصحف:
1- قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة: 79]
2- ما رواه عبد الله ابن أبى بكر عن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي كتب إلى أهل اليمن كتابا، وكان فيه: (لا يمس القرآن إلا طاهر).
3- أن الجنابة والحيض نجاسة، وأنه ينبغي صون المصحف من أن تصل إليه نجاسة، فهو كتاب يستحق التقديس والصيانة.
ب – مناقشة الأدلة.
1- الآية القرآنية: دلالتها غير صريحة على المتنازع عليه، ولإيضاح ذلك نورد الاعتراضات التالية:
أولا: الضمير في (يمسه) علام يعود؟ (إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون) أيعود إلى القرآن أم يعود إلى الكتاب؟ القاعدة النحوية تقول إن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، فيعود إلى الكتاب المكنون، و(المطهرون) هم الملائكة.
ثانيا: ولو سلمنا بأن الضمير يعود إلى القرآن حملا على الضمير في (إنه) في توارد الضميران على القرآن – فإن الآية (لا يمسه) إخبار وليست نهيا، فالله يخبر أن القرآن الكريم مصون في كتاب مكنون، ولا يمسه هناك إلا المطهرون. و(المطهرون) هم الملائكة. والدليل على أن المراد بهم الملائكة السياق، حيث قال بعد ذلك (تنزيل من رب العالمين) فأخبر الحق عن منزلة القرآن في السماء، وقداسة الملائكة التي تمسه هناك ثم تنزل به إلى الرسول.
ثالثا: وبما أن الآية إخبار فلا دلالة فيها على النهي، ولا يصح استنباط تحريم مس القرآن من هذا النص، لمخالفته السياق القرآني.
رابعا: ولو افترضنا أن هذا أمر في صورة الإخبار، فهو يخبر بأنه لا يمسه إلا المطهرون، وكأنه نهى عن أن يمسه غير ذلك، فستبقى إشكالية أخرى، وهي ما المراد بلفظ (المطهر) وهذا ما سنوضحه عند مناقشة الدليل الثاني.
خامسا: وعلى القول بأنه أمر فيمكن حمله على الوجوب كما ذهب إليه الجمهور، ويمكن حمله على الندب كما ذهب إليه ابن عباس والشعبي، وداود الظاهري، ومن ثم فلا دلالة على الحرمة.
2- حديث عمرو ابن حزم في صحته خلاف، فصححه بعض الأئمة، وضعفه آخرون قال ابن حجر إنه حديث معلول. وضعف إسناده النووي، وقد صححه آخرون ومنهم الألباني.
ولكن الحديث مع صحته لا يصلح دليلا على المطلوب، فالدليل أوسع من محل الدلالة ذلك أن لفظ (طاهر) لفظ مشترك كما قرر هذا الشوكاني وغيره، فهو يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولابد لحمله على معين من قرينة.
ومثال هذا يقال في لفظ (المطهرون) في الآية على مذهب من فسر (المطهرون) بأنهم البشر وليسوا الملائكة.
فإن قيل: فما المراد بالحديث؟ يجيب الألباني قائلا (والأقرب- والله أعلم- أن المراد بالطاهر في الحديث هو المؤمن سواء أكان محدثا حدثا أكبر أو أصغر أو حائضا أو على بدنه نجاسة: لقوله (المؤمن لا ينجس) وهو متفق على صحته، والمراد عدم تمكين المشرك من مسه، فهو كحديث (نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو).
3- وأما قولهم بأن القرآن ينبغي أن يصان عن أن يمسه غير طاهر، فالجواب أن الحائض والجنب طاهران، ولا يخرجان عن هذا الوصف كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه عندما رآه رسول الله فانخنس منه فاغتسل ثم أتاه فقال له رسول الله: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل. فقال رسول الله “سبحان الله، إن المسلم لا ينجس” ونحن نقول لهؤلاء، سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس.
ج- ثم إن المسألة ليست محل اتفاق بين القائلين بالحرمة، فقد أجاز المالكية للمعلمة والمتعلمة مس المصحف.
د- وبعد أن اتضح أن الأدلة التي استدلوا بها على حرمة مس المصحف مردود عليها فيبقي الحكم على البراءة الأصلية.
قال الألباني: والبراءة الأصلية مع الذين قالوا بجواز مس القرآن من المسلم الجنب، وليس في الباب نقل صحيح يجيز الخروج عنها.
السؤال الخامس عشر/ ما حكم دخول الحائض والجنب المسجد لسماع درس علم أو حلقة قرآن؟
العلماء في هذه المسألة على قسمين، قسم يمنعون الحائض والجنب من دخول المسجد، وقسم أجاز ذلك.
سنعرض أولا أدلة المانعين -الذين يحرمون على الحائض أو الجنب دخول المسجد، ثم نناقشها.
أ- أدلة المانعين:
– 1 عن عائشة وأم سلمة أن رسول الله قال (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب). رواه أبو داود والطبراني وابن ماجة
-2قوله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا).
قال الشافعي: قال بعض أهل العلم: لا تقربوا موضع الصلاة، وأيده بقوله إنه لا يكون في الصلاة عبور سبيل، إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد، فيكون المعنى: لا تقربوا المسجد وأنتم جنب.
ونقل الجصاص في أحكام القرآن هذا منقول ابن مسعود حيث فسر الآية بأنه الممر في المسجد.
وقد أجازوا للجنب (والحائض قياسا) العبور دون لبث في حالة الضرورة للاستثناء الوارد (إلا عابري سبيل)
ب- مناقشة الأدلة.
1- الحديث اختلف العلماء في تصحيحه، فصححه بعضهم كالشوكاني وغيره، ولكن المحققين قد ضعفوه، قال الألباني في تمام المنة: (وهما حديث واحد- أي حديث عائشة وأم سلمة- بإسناد واحد، مداره على جسرة بنت دجاجة اضطربت في روايته، فمرت قالت: عن عائشة، ومرة عن أم سلمة، والاضطراب مما يوهن به الحديث كما هو معروف عند المحدثين، لأنه يدل على عدم ضبط الراوي، وحفظه ، يضاف إلى ذلك أن جسرة عنده لم يوثقها من يعتمد على توثيقه، بل قال البخاري: عندها عجائب، ولذلك ضعف جماعة هذا الحديث كما قال الخطابي، وقال البيهقي: ليس بالقوي.
2- وأما الآية (ولا جنبا إلا عابري سبيل (فإن في المراد بها خلافا بين أهل العلم، حكاه الجصاص في أحكام القرآن فقال: “وأما قوله (ولا جنبا إلا عابري سبيل) فإن أهل العلم تنازعوا تأويله فروى المنهال بن عمرو عن زر عن علي: (إلا أن تكونوا مسافرين ولا تجدون ما تتيممون به وتصلون) وروى قتادة عن ابن عباس ومجاهد مثله، وروى عن ابن مسعود أنه قال: هو الممر في المسجد.
ثم قال الجصاص مرجحا رأي على وابن عباس (وما روى عن علي وابن عباس في تأويله – أن المراد المسافر الذي لا يجد الماء فيتمم- أولى من تأويل من تأوله على الاجتياز في المسجد). ثم أيد هذا الترجيح قائلا: (وذلك لأن قوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) نهي عن فعل الصلاة نفسها في هذه الحال، لا عند المسجد، لأن ذلك حقيقة اللفظ ومفهوم الخطاب، وحمله على المسجد عدول بالكلام عن حقيقته إلى المجاز بأن نجعل الصلاة عبارة عن موضعها.. ومتى أمكننا استعمال اللفظ على حقيقته لم يجز صرفه عنها إلى المجاز إلا بدلالة، ولا دلالة توجب صرف ذلك عن الحقيقة.
وفي نسق التلاوة ما يدل على أن المراد حقيقة الصلاة، وهو قوله (حتى تعلموا ما تقولون) وليس قول مشروط يمنع من دخوله لتعذره عليه عند السكر، وفي الصلاة قراءة مشروطة، فمنع من أجل العذر عن إقامتها عن فعل الصلاة، فدل ذلك على أن المراد حقيقة الصلاة، فيكون تأويل من تأوله عليها موافقا لظاهرها وحقيقتها.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: (لا تقربوا) وذلك يكون في الفعل لا في المكان، فكيف يضمر المكان، ويوصل بغير فعله؟ هذا محال. وتقدير الآية: (لا تصلوا سكارى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا).
ومن هذه الأقوال يتبين:
1- الأولى حمل اللفظ على حقيقته، ولا يعدل عنها إلى المجاز إلا بدلالة توجب هذا العدول.
2- حقيقة (الصلاة) هي الأفعال المعروفة، ولا يعدل عنها إلى موضعها.
3 – ومما يدل على أن المراد بالصلاة حقيقتها قوله (حتى تعلموا ما تقولون) فالقول المشروط هو للصلاة وليس لموضعها.
4- وعليه فمعنى الآية: لاتصلوا سكارى ولا جنبا. إلا أن تكونوا مسافرين وأنتم جنب ولم تجدوا ماء لتغتسلوا فتتيمون وتصلون.
ج- من هنا يتضح أنه لا يثبت دليل لمن قال بحرمة دخول الحائض والجنب المسجد، فالأدلة التي استدلوا بها إما ضعيفة وإما غير صريحة.
وبناء على هذا فقد ذهب مجموعة من العلماء إلى جواز دخول الحائض والجنب المسجد كالمزني من الشافعية وداوود وابن حزم وغيرهما وقد استدل ابن حزم بعدة أدلة تؤيد الجواز، منها:
1-أن أهل الصفة كانوا يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله وهم جماعة كثيرة، ولاشك أن فيهم من يحتلم، فما نهوا قط عن ذلك.
2- حديث عائشة الذى في البخاري أن وليدة سواء كانت لحي من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله فأسلمت فكان لها خباء في المسجد، وكانت تقمه.
قال: فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي والمعهود من النساء الحيض، فما منعها من ذلك، ولا نهي عنه، وكل ما لم ينه عنه مباح.
3- ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عائشة، إذ حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف بالبيت فقط، ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عن ذلك، ويقتصر على منعها من الطواف.
4- حديث عائشة عند مسلم أن رسول الله قال لها: ناوليني الخمرة من المسجد، فقالت: إني حائض. قال: (إن حيضتك ليس في يدك) فبين بجوابه أن دخولها المسجد أمر طبيعي، ولو كان في ذلك منع لقال: نعم. لا تدخليه إذن، أوقال: لا يضر أنت مري به مرورا… الخ. ولكنه أجاب بما يدل على الجواز، فطالما أن حيضتك ليست في يدك فما الذي يمنع من دخول المسجد؟
السؤال السادس عشر/ هل للحائض أن تسجد للتلاوة والشكر؟
يجوز ذلك في أحد قولي الفقهاء وبنحو هذا قال الزهري وقتادة باعتبار أن سجود التلاوة وكذا سجود الشكر ليس صلاة وإنما هو خضوع لله وعبادة كأنواع الذكر فلا يجب فيه ما يجب للصلاة من الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولما كان المحدث له أن يقرأ فله أن يسجد بطريق الأولى، فإن القراءة أعظم من مجرد سجود التلاوة)
وقال أيضا: (وسجود القرآن لا يشرع فيه تحريم ولا تحليل هذا هو السنة المعروفة عن النبي، وعليه عامة السلف، وهو المنصوص عن الأئمة المشهورين.
وعلى هذا فليست صلاة، فلا تشرط لها شروط الصلاة، بل تجوز على غير طهارة، كما كان ابن عمر يسجد على غير طهارة، لكن هي بشروط الصلاة أفضل، ولا ينبغي أن يخل بذلك إلا لعذر، فالسجود بلا طهارة خير من الإخلال به، لكن قد يقال: إنه لا يجب في هذه الحال، كما لا يجب على السامع ولا على من لم يسجد قارئه، وإن كان ذلك السجود جائز عند جمهور العلماء) وبناء على القول فلا حرج على الحائض إن سمعت القرآن أو قرأته أن تسجد للتلاوة، وإن كان ذلك لا يجب عليها.
ماذا تفعل المرأة عندما تكون تقرأ القرآن وتقابلها آية سجدة هل تسجد وهي بدون غطاء لرأسها أم ماذا تفعل؟
الأولى للمرأة إذا مرت بآية سجدة أن تسجد وهي مخمرة رأسها وإن سجدت للتلاوة بدون خمار فنرجو ألا حرج، لأن سجود التلاوة ليس له حكم الصلاة، وإنما هو خضوع لله سبحانه وتقرب إليه مثل بقية الأذكار وأفعال الخير (من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية)
السؤال السبع عشر/ هل يجوز طواف الحائض للحج أو العمرة مع ضيق وقت إقامتها بمكة؟
اتفق الفقهاء على أن الحيض والنفاس ليسا من موانع الإحرام، ولا يترتب عليهما فساد الحج أو العمرة إن حصلا خلالهما، ولا يمنعان شيئًا من أعمال الحج والعمرة إلا الطواف ؛ لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدمتُ مكة وأنا حائضٌ لم أَطُفْ بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطَّهَّرِي» متفق عليه.
كما أنهم اتفقوا على أن المرأة إذا حاضت قبل طواف الركن في الحج أو العمرة وأمكنها الانتظار فعليها أن تنتظر لتطوف على طهارة.
والطهارة من الحيض والنفاس شرط لصحة الطواف دون السعي عند جمهور الفقهاء؛ مستدلين بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها السابق ذكرُه؛ فإن فيه نهيًا للحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، فإذا طهرت اغتسلت ثم طافت وسعت من غير أن تحرم مرة أخرى من الحِلِّ.
فإن تخلل حيضها فترة انقطع فيها الدم، أو استعملت دواءً فانقطع دمُها جاز لها الاغتسال والطواف، وطوافها صحيح حتى لو رجع إليها الدم بعد ذلك وكانت في مدة الحيض؛ على ما عليه المالكية والحنابلة مِن أن النقاءَ في الحيض طُهْر، وهو أحد قولي الإمام الشافعي، ورجحه جماعة من الشافعية، وهو مذهب الحسن البصري.
فإن تأخر طهرُها ولم ينقطع دمُ حيضها وخافت فوات الرُّفقة، وتعذر عليها الانتظارُ حتى تطهر فالذي عليه جماهير المحققين وكثيرٌ مِن فقهاء المذاهب وعليه العمل والفتوى: صحَّةُ طوافِها حالَ حيضها حينئذٍ؛ لأن “المشقة تجلب التيسير”، و”إذا ضاق الأمر اتسع”، ولا يُلزمها شيء لأنها معذورة.
فإذا وقعت الحائض في حرج شديد ومشقة بالغة، ولم تتمكن من امتثال الأصل الواجب، فقد أفتى ابن تيمية للمرأة المضطرة التي تخشى فوات رفقتها أن تطوف على حالها ولا شيء عليها.
هذا بالنسبة لطواف الركن (طواف الإفاضة) أما بالنسبة لطواف الوداع فلا يجب على الحائض ولها أن تغادر بدونه، والدليل حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: “أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض”.
وحديث عائشة:” أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت في حجة الوداع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحابستنا هي؟ فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فلتنفر”
السؤال الثامن عشر/ ما حكم جماع الحائض؟ وهل من فعل ذلك عليه كفارة؟
جماع الحائض حرام بإجماع المسلمين، بنص الكتاب والسنة، فلا يحل وطء الحائض والنفساء حتى تطهر، لحديث أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها ، ولقد سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة آية: 222 ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) ، وفي لفظ (إلا الجماع) رواه الجماعة إلا البخاري
وعلى ذلك لو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرا مرتدا ولو فعله إنسان غير معتقد حله:
– فإن كان ناسيا أو جاهلا بوجود الحيض أو جاهلا بتحريمه أو مكرها فلا إثم عليه ولا كفارة.
– وإن وطئها عامدا عالما بالحيض والتحريم مختارا فقد ارتكب معصية كبيرة وتجب عليه التوبة.
لكن هل تجب عليه كفارة؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: قول الإمام أحمد وفيه: أن من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه كفارة وهي أن يتصدق بدينار أو نصف دينار (ال دينار4.25 جم من الذهب) للحديث الذي أخرجه أبوداود والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس عن النبي أنه قال: في الذي يأتي امرأته وهي حائض:” يتصدق بدينار أو نصف دينار” قال الألباني: ولعل التخيير بين الدينار ونصف الدينار يعود إلى حال المتصدق من اليسار أو الضيق، كما خرجت بذلك بعض روايات الحديث وإن كان مسنده ضعيفا … والله أعلم.
– ومثله في الضعف الرواية التي تفرق بين إتيانها في الدم وإتيانها بعد الطهر ولم تغتسل.
– وقال بعض أهل العلم: يخرج دينار إذا كان الدم كثير ، والنصف دينار إذا كان قليلا.
القول الثاني: قول الجمهور
وذهبوا إلى أن من جامع زوجته في أثناء حيضها في فرجها فليس عليه كفارة، وذلك لأن حديث ابن عباس السابق في وجوب الكفارة إنما هو ضعيف على الراجح والأصل في أموال المسلمين الحرمة فلا يحل مال مسلم إلا بنهي، إلا أنه وقع في كبيرة يجب عليه التوبة إلى الله منها.
لكن للزوج أن يباشر زوجته أي يستمتع بها دون أن يصل الأمر إلى الجماع والدليل على ذلك ما روي عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها شيئا. رواه أبو داود. قال الحافظ: إسناده قوي.
وعن مسروق بن الأجدع، قال: سألت عائشة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قالت: (كل شيء إلا الفرج) رواه البخاري في تاريخه.
السؤال التاسع عشر/ هل يجوز استعمال الواقي الذكري من أجل جماع المرأة وقت حيضها؟
لا يجوز ذلك، فإن هذا محرم لعموم النهي عن جماعها في حيضها
السؤال العشرون/ هل يجوز جماع الزوجة إذا طهرت ولم تغتسل؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن الحائض إذا طهرت فإنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها، وهو مذهب ابن حزم ورواه عن عطاء وقتادة وهو مذهب الأوزاعي أيضا.
وفسروا قوله تعالى: {حتى يطهرن} أي بانقطاع الحيض
القول الثاني (وهو قول الجمهور) إذا طهرت المرأة من الحيض فلا يحل لزوجها أن يجامعها إلا إذا اغتسلت فقد قال تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله}
قال مجاهد {حتى يطهرن}: أي إذا اغتسلت، ولا تحل لزوجها حتى تغتسل.
قال الشيخ القرضاوي: والذي أراه أن علة النهي عن قربان الحائض هي وجود الأذى بنص الآية ولهذا رتب الأمر باعتزالها على الأذى بالفاء (فاعتزلوا النساء في المحيض) فإذا انقطع الحيض فقد ذهب الأذى الذي هو علة المنع، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما. (فقه الطهارة ص 283)
السؤال الحادي والعشرون/ هل يجب علي المرأة اذا حاضت بعد الجماع أن تغتسل؟
أعتقد أن الاغتسال مع الدورة يضر المرأة، فلا يلزمها غسل حتى تطهر من الحيض، فتغتسل غسلا واحداً لذلك كله
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: إذا كان على الحائض جنابة، فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطع حيضها، نص عليه أحمد وهو قول إسحاق، وذلك لأن الغسل لا يفيد شيئاً من الأحكام، فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها صح غسلها، وزال حكم الجنابة نص عليه أحمد، وقال: تزول الجنابة، والحيض لا يزول حتى ينقطع الدم. انتهى.
السؤال الثاني والعشرون/ هل المادة الشفافة تعتبر طهرا بعد الحيض بحيث إذا رؤيت المادة الصفراء بعدها فلا حرج؟
الطهر له علامتان عند النساء :
الأولى : نزول القصة البيضاء .
الثانية : انقطاع دم الحيض ، بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ، لا أثر عليها من دم أو صفرة أو كدرة .
فبعض النساء تعرف طهرها بالقصة البيضاء ، والبعض الآخر لا يرين القصة ، بل يكون الجفاف التام علامة على طهرها .
والْقَصَّةُ البيضاء : هي شَيْءٌ يُشْبِهُ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ يَخْرُجُ مِنْ قُبُلِ النِّسَاءِ فِي آخِرِ أَيَّامِهِنَّ يَكُونُ عَلامَةً عَلَى طُهْرِهِنَّ .
وَقِيلَ : هُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الْحَيْضِ .
ينظر : “الموسوعة الفقهية الكويتية” (23/279) .
السؤال الثالث والعشرون/هل الافرازات التي تخرج منً المرأة قبل الحيض سواء كان لونها أصفر أو بني تبطل الصيام والصلاة؟
أولا الصفرة أو الكدرة قبل الحيض إن كانت في زمن العادة أو قبله بيسير ، وجاءت مصحوبة بألم الحيض ومغصه ، واتصلت بدم الحيض أي : نزل بعدها دم الحيض ، فهي جزء من الحيض ، وتمتنع المسلمة معها عن الصلاة والصوم ، وذلك كأن تأتي الكدرة يوما أو يومين مصحوبة بألم الحيض ثم ينزل الدم في اليوم الثالث ، فالجميع حيض ،لأن الصفرة والكدرة من ألوان الدماء عند أكثر الفقهاء ، والحيض هو انهيار جدار الرحم بما فيه من دم وغدد ، فينزل الدم على ألوان مختلفة متفاوتة ، فيبدأ قويا أسودا أو داكنا غالبا ، ثم يخف حتى يكون كدرة أو صفرة ، وقد يقع العكس ، فيبدأ صفرة وكدرة ، ثم دما ، وسيأتي من حديث عائشة رضي الله عنها ما يدل على أن الصفرة والكدرة قبل الطهر : حيض ، ولا فرق في الحقيقة بين نزولهما قبل الطهر ، أو نزولهما في زمن العادة قبل الدم ، مع علامات الحيض من الألم والوجع .
ثانيا الصفرة والكدرة بعد الدم ، وقبل الطهر : حيض ؛ لما روى مالك في الموطأ عن أم علقمة أَنَّهَا قَالَتْ : ” كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ لَهُنَّ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ “. وصححه الألباني في ” إرواء الغليل ” ورواه البخاري معلقاً ” كتاب الحيض ، باب إقبال المحيض وإدباره ” . والدُّرْجة : هو وعاء صغير تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها . والكرسف : القطن .
ثالثا :الصفرة والكدرة بعد الطهر : ليست بشيء ، لقول أم عطية رضي الله عنها: ” كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا” . رواه البخاري
السؤال الرابع والعشرون/ ما حكم الصلاة و الصيام للحائض ترى الكدرة في اليوم الثامن أو السابع من الحيض بدون انقطاع للدورة و ترى القصة البيضاء في اليوم الخامس عشرة من الدورة؟
العبرة في الحيض بنزول الدم ، وليس بوقته ، فقد يأتي وقته المعتاد ولا ينزل الحيض ، وقد يأتي قبل موعده ، وقد تزيد أيام الحيض أو تنقص ، فمتى رأت المرأة دم الحيض ، وجب عليها الإمساك عن الصلاة ، والصوم ، حتى تطهر ؛ فإذا انقطع عنها الدم ، وطهرت من حيضها : صامت ، وصلت .
وليس هناك نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد أقل الحيض أو أكثره ، ولا أقل الطهر أو أكثره ، مع حاجة الأمة إلى ذلك ، فعُلم بهذا أن هذا التحديد اجتهادي وقد اختلف العلماء في أقل الطهر بين الحيضتين؛ فذهب الجمهور إلى أنه خمسة عشر يومًا، وذهب الحنابلة إلى أنه ثلاثة عشر يومًا.
والذي اختاره من اراء الفقهاء أن الدم إذا جاء المرأة بعد ثلاثة عشر يوما من الحيض السابق أنه يكون حيضا فتترك الصلاة والصوم هذا اذا انقطع الدم
أما إذا استمر عليها الدم دائماً ، أو كان لا ينقطع إلا يسيراً : فإنها تكون مستحاضة ؛ وحينئذ لا تجلس إلا مدة عادتها فقط ثم تطهر وتصلي وتصوم وتعتبر هذا الدم استحاضة ، وما لا حظت من إفرازات لونها بني هو ما يسمى بالكدرة، ولا تعتبر شرعاً من الحيض إذا حصلت بعد الطهر