شرح حديث “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان”

تاريخ الإضافة 15 سبتمبر, 2023 الزيارات : 4363

شرح حديث أنس: “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان

عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثٌ من كُنَّ فيه، وجَد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون اللهُ ورسوله أحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يَكرهَ أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يَكرهُ أن يُقذَف في النار) متفق عليه.

حلاوة الإيمان:

الإيمانُ له حَلاوةٌ وطَعمٌ يُذاقُ بالقُلوبِ، كما تُذاقُ حَلاوةُ الطَّعامِ والشَّرابِ بالفَمِ، وكما أنَّ الجَسدَ لا يَجِدُ حَلاوةَ الطَّعامِ والشَّرابِ إلَّا عندَ صِحَّتِه، فكذلك القَلبُ إذا سَلِمَ مِن مرَضِ الأهواءِ المُضلَّةِ والشَّهواتِ المُحرَّمةِ، وجَدَ حَلاوةَ الإيمانِ، ومتى مَرِضَ وسَقِمَ لم يَجِدْ حَلاوةَ الإيمانِ، بلْ قدْ يَستحْلِي ما فيه هَلاكُه مِن الأهواءِ والمعاصي.

قال الإمام النووي: قال العلماء رحمهم الله: معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله عز وكل، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإيثار ذلك على عرض الدنيا ، ومحبة العبد ربه – سبحانه وتعالى – بفعل طاعته ، وترك مخالفته ، وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم). شرح صحیح مسلم المجلد الأول (2/13 ).

وقال ابن حجر في الفتح: وفي قوله: « حلاوة الإيمان » استعارة تخييلية، شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو وأثبت له لازم ذلك الشيء وأضافه إليه ، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح أن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرا، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئا ما نقص ذوقه بقدر ذلك. فتح الباري (1/90)

إن لذة الطاعة لا تعادلها لذة وحلاوة الإيمان لا تعادلها حلاوة وعز الطاعة لا يعادله عز ، كما أن مرارة المعصية لا تعادلها مرارة وشؤم الذنب لا يعادله شؤم ، وذل المعصية لا يعادله ذل.
وحب الطاعة هو أن تحب طاعة الله تعالى وتستمتع بها، وتشعر بالطمأنينة والهدوء فيها؛ كالنبي صلى الله عليه وسلم، حينما قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يقول  لبلال: (أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها)

وحلاوة الإيمان لا يحسها ولا يعايشها أي أحد ، كما أنها لا تباع ولا تستجدى ، يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا (لقاتلونا)عليه بالسيوف.
وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبَّة الله تعالى ومعرفته وذكره .

يقول ابن تيمية رحمه الله :في رسالة العبودية فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره، إذ ليس في القلب السليم أحلى ولا أطيب ولا ألذ ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله فيصير القلب منيباً إلى الله خائفاً منه راغباً راهباً”.

الخصلة الأولى : (أن يكون اللهُ ورسوله أَحَبَّ إليه مما سواهما)

محبة الله تعالى أعلى درجات العبودية له سبحانه، فيقدمها المؤمن على جميع المحاب من والد، وولد، وزوجة، وصديق، وجاه، ومال، وغيرها، فيعبد الله تعالى محبا له، هذه المحبة التي تتطلب الذل والخضوع والطاعة والانقياد له سبحانه، وعليه فلا يجوز أن يساوي محبة غيره لقوله تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادࣰا یُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ) [البقرة:165]

وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كان من دعاء داوود: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي، وأهلي، ومن الماء البارد» رواه الترمذي

 الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى :هناك كثير من الأعمال التي تجلب محبة الله تعالى، فمنها ما يأتي:

1- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته، وأفعاله، أحب الله لا محالة. ولذلك أثنى الله على عباده أنهم يتفكرون في خلق الله كما قال تعالى : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله تماما و قعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) [آل عمران:۱۹۱).

2- أداء الفرائض، جاء في الصحيح: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه»البخاري

وأن يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم : أي العمل أحب إلى الله؟ قال : الصلاة على وقتها).

3- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض. فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها..)

4- دوام ذكره على كل حال؛ باللسان والقلب، والعمل والحال. كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في تفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرمنهم، وإن تقرب إلي بشبر تقتربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» صحيح البخاري

5- إيثار ما يحبه سبحانه ويرضاه على ما تحبه أنت وتشتهيه نفسك عند غلبات الهوى. كما في الحديث الذي بين أيدينا: «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما». .

محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

دل الحديث العظيم على وجوب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة غيره، وجعلها بعد محبة الله تعالى، وقد جاء ذلك في كثير من الآيات والأحاديث بالنص عليها مباشرة، وبدلالة التضمن أيضا، مثل قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [النساء:65].

يقول الدكتور موسى شاهين: «إن حب الشيء يدعو إلى حب الموصل إليه، وإن حب الإيمان وبغض الكفر يستلزم حب المتسبب فيه والداعي إليه، فحب الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على حب الإيمان، وبقدر ارتفاع درجة هذا الحب أو انخفاضها ترتفع درجة الإيمان أو تنخفض، فإذا وصل المؤمن إلى أن يكون رسول الله أحب إليه من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه و من المال والأهل والأقارب والناس أجمعين، كان كامل الإيمان، وأكمل منه؛ أن يكون رسول الله أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه، يبذلها فداء له في حياته، كما قرأنا عن أبي بكر الصديق و كثير من الصحابة رضي الله عنهم الذين عرضوا أنفسهم للأخطار حماية لرسول الله من الكفار» فتح المنعم شرح صحيح مسلم 1/ 249

ومن لوازم محبته أن لا تعصيه ولا تخالف سنته وأن لا تحدث في دينه كما جاء في قوله تعالى : (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور: 63]

 ومن علامة محبته: إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة لله عز وجل، فلا يكتمل إيمان العبد إلا بحبه لله ورسوله بدلالة اقتران محبة الله مع محبة رسوله في كثير من الآيات والأحاديث.

فمن الآيات :

1- قول الله تعالى: “قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ “التوبة:24

فمحبة الله ومحبة الرسول مقدمة على محبة الأب والابن والزوجة، وعلى محبة الأهل جميعاً، وعلى محبة التجارة، والأموال، والمساكن، لا تستقيم حياة المسلم ولا يستقيم دينه ولا تستقيم عبادته،إلا بهذا التقديم المتضمن كمال الحب والخضوع لأوامر الله ورسوله.

2- قول الله تعالى: ” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ”آل عمران:31

قال الحسن البصري: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية ، فقال : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .

وأما الأحاديث فمنها :

1- الحديث الذي معنا عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما….) رواه البخاري.

 يعني: أن يقدم محبة الله ومحبة رسوله على محبة نفسه والناس كلهم؛ وذلك لأنه يعرف بأن الله تعالى هو ربه، وهو مالكه، وهو المتصرف فيه؛ فيحبه من كل قلبه. ويعرف –أيضا- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو رسول الله إلى الأمة، وهو الذي أنقذهم الله به من الضلالة ومن الكفر ومن العصيان، فيحبه –أيضا- من كل قلبه، فيكون بذلك مقدما لمحبة الله ومحبة رسوله على محبة كل شيء.

2- وعن أنس أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين) 

قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال صلى الله عليه وسلم: لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك . فقال له عمر : فإنك الآن أحب إليّ من نفسي، فقال: الآن يا عمر.

3- وعن أنس أيضا رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ !

فقال عليه الصلاة السلام لهذا الرجل: ما أعددت لها؟

قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله .

قال: فأنت مع من أحببت.

قال أنس : ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أنت مع من أحببت).

كيف الوصول إلى محبة الرسول ؟
1- اتباعه وطاعته في كل ما أمر به :

قال تعالى : “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم “[آل عمران 31]وقال جل وعلا في كتابه المبين: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله إن الله شديد العقاب”[الحشر 7]

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) رواه البخاري

2-توقيره واحترامه وتعظيمه بعد وفاته
قال الله تعالى
” لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ “[الفتح: 9 ] يقول ابن تيمية : ” التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه ، والتوقير : اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال ، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.

كذلك محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تقتضي توقيره عليه الصلاة والسلام واحترامه، وتعظيمه حتى بعد وفاته، وذلك عند ذكره عليه الصلاة والسلام، وعند سماع اسمه وسيرته، ولذلك كره العلماء رفع الصوت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عند قراءة حديثه وسيرته، وعند سماع القرآن أو تفسيره؛ وكان من سنة السلف أنهم كانوا يخفضون أصواتهم وينصتون عندما تقرأ عليهم الأحاديث.

ولذلك عندما ناظر الخليفة أبو جعفر الأمام مالك قال مالك للخليفة: لا ترفع صوتك يا أمير المؤمنين في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوماً، فقال:” لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ “الحجرات:2 ، ومدح قوماً فقال:” إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى “الحجرات:3، وذم قوماً فقالإِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات:4] وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان لها أبو جعفر ، أي نزل عند نصح الإمام مالك.

3- كثرة ذكره صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه والاطلاع في سيرته
ومن علامات محبة رسول الله: كثرة ذكره، أولاً: بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، (من ترك الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة) حديث صحيح،

ومن أذكار الصباح والمساء الصلاة عليه عشراً في الصباح وعشراً في المساء، قال – صلى الله عليه وسلم – ” من صلّى عليّ حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة “و ” من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطّ عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات ” صححه الألباني
وبعد ذلك زد كما تشاء، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً.

وكذلك يشمل الإكثار لذكره، الإكثار من الإطلاع على سيرته عليه الصلاة والسلام، وأخباره وصفته ومعيشته وأحواله وأخلاقه.

4- إيثار أمره على هوى أنفسنا :
قال تعالى ” ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ”
من رغب بنفسه أن يصيبه ما أصاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو مفضل لنفسه على نفسه الكريمة
من نام عن صلاة الفجر فهو مفضل لنفسه على نفسه الكريمة
من أعطى عينه ما تشتهي فأطلقها للحرام فهو مفضل لنفسه على نفسه الكريمة
من أهمل لسانه يغتاب وينمّ ويفتري الكذب فهو مفضل لنفسه على نفسه الكريمة
من استبدل سماع الأغاني والحرام بسماع القرآن فهو مفضل لنفسه على نفسه الكريمة
من طلب مجالس اللاهين وأماكن العصاة وترك دروس العلم فهو مفضل لنفسه على نفسه الكريمة
من انشغل بتجارته وماله وأهله عن أداء الفرائض فهو مفضل لنفسه على نفسه الكريمة

من يدّعي حب النبي ولم يفد —– من هديه فسفاهة وهراء
فالـحب أول شرطه وفـروضه ——– إن كان صدقا طاعة ووفـاء

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يحبون رسول الله حق المحبة، وأن يرزقنا شفاعته،

وأن يرزقنا الالتقاء به في جنة الفردوس، وأن يرزقنا الأخذ بسنته صغيرها وكبيرها.

 الخصلة الثانية : (وأن يُحِبَّ المرء لا يحبه إلا لله)

أن يحب المرء لا يحبه إلا الله دل هذا على أن محبة المؤمنين لإيمانهم من أعلى درجات الإيمان، وبناء على ذلك يبني المسلم صلته بالآخرين، وعلاقته بهم على المحبة الإيمانية فيحب فلان لأنه مؤمن، وفلان لأنه مصل، أو لأنه منفق في الخير، أو لبره بوالديه، أو لإحسانه ومعروفه على الآخرين فتكون العلاقةعلاقة إيمانية.

وعليه فلا تبن العلاقة على المصالح الدنيوية، فيحبه لأنه صاحب مصلحة له، فإذا انتهت هذه المصلحة انتهت العلاقة، أو تنقلب إلى عداوة.

والأشد من ذلك أن تكون العلاقة على ما يجمعهم من معصية الله تعالى، كالذين يجتمعون على شرب مسكر، أو لسرقة مال، أو الاعتداء على الآخرين ونحو ذلك.

وهذه العلاقات – ما عدا العلاقة الإيمانية – زائلة بل تنقلب إلى ويلات وحسرات وعداوات يوم القيامة، قال تعالى : (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف:67]. |

فعلى المسلم أن يجعل علاقته علاقة أخوة ومحبة إيمانية لأجل أن ينعم بفضلها وخيراتها.

وفي الحديث القدسي: قال الله: «حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في)

  تميز الحب في الله عن غيره

الفرق أن الحب في الله يزيد بالطاعة،  وينقص بنقصها، أما هذا النوع من المحبة المنحرفة فلا شأن له بالطاعة، هو لا يتأثر بزيادة الطاعة، ولا ينقص بنقصها، فهو تعلق إما بالصورة والشكل، أو بأي أمر من الأمور التي ينجذب إليها.

الفرق الثاني: أن المحبة في الله يحصل معها الانشراح وقوة القلب، وازدياد الإيمان، وأما المحبة المنحرفة فيحصل معها الألم في القلب، وضعفه وتلاشيه، فينعصر القلب بسبب هذه المحبة المرضية، فيجد كأن قلبه منقبض دائماً.

الخصلة الثالثة : (وأن يَكرهَ أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يَكرهُ أن يُقذَف في النار)

 يعني: يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، وهذه ظاهرة فيمن كان كافرًا ثم أسلم، لكن من وُلد في الإسلام فيكره أن يكون في الكفر بعد أنْ مَنَّ الله عليه بالإسلام، كما يَكرهُ أن يُقذف في النار، يعني أنه لو قُذف في النار لكان أهونَ عليه من أن يعود كافرًا بعد إسلامه

وقد جاء بيان أهمية الثبات على الإيمان والحث عليه في أحاديث كثيرة: منها حديث سفيان بن عبيد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك».  قال: “قل آمنت بالله فاستقم” صحیح مسلم

وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: (فاستقم كما أمرت) [هود: 112] ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية أشد ولا أشق عليه من هذه الآية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قالوا: قد أسرع إليك الشيب فقال: «شيبتني هود وأخواتها».

يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: إن حلاوة الإيمان لا توجد إلا بتكميل هذه المحبة بثلاثة أمور:

أولاً: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما

وثانياً: تفريع هذه المحبة وهو: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله؛ لأن محبة محبوب المحبوب من تمام محبة المحبوب.

والثالث: دفع ضد هذه المحبة، وهي: أن يكره المسلم ضد الإيمان، وهو الكفر كما يكره أن يقذف في النار.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 72 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع