شرح الأربعون النووية 23-الطهور شطر الإيمان

تاريخ الإضافة 23 يناير, 2024 الزيارات : 138

شرح الأربعون النووية 23-الطهور شطر الإيمان

 

عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم .

شرح الحديث:

( الطُّهور شطر الإيمان) الطَّهور: بفتح الطاء اسم للماء الذي نتطهر به كما يقال الوَضوء بفتح الواو الماء الذي نتوضأ به ، وبضم الطاء اسم للفعل أي التطهر، وهو المراد هنا، والطهور: فعل ما يترتب عليه رفع الحدث.  شطر: بفتح الشين نصف.

إذن (الطُّهور) هو: أن يتطهر المسلم لصلاته، سواء من الحدث الأصغر(ما يوجب الوضوء) أو من الحدث الأكبر(ما يوجب الغسل)، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم نصف الإيمان، وكلمة: (الإيمان) أحيانا تأتي بمعنى الصلاة، وأحيانا تأتي بمعنى الإسلام، والغالب في معنى الإيمان: أن يؤمن العبد بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

والإيمان في هذا الحديث على الراجح بمعنى الصلاة، وقد جعلها نصفين، فالطهور نصفها، فمن صلى بغير طهور فلا تعتبر صلاة،  إلا إذا تطهر، فكأن الطهور على النصف من ذلك.

وعلى هذا فقد فسر معنى الإيمان بالصلاة كما في قوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [البقرة : 143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس قبل الأمر بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فلا يضيع ثوابها عند الله، قال البراء- رضي الله عنه- : مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقال الناس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل الله تعالى: ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ فالله تعالى سمى الصلاة إيمان لأنها فارقة بين الإيمان والكفر.

وهناك قول آخرمرجوح : أن قوله: (الطهور شطر الإيمان) ؛ لأن الطهارة تكفر صغائر الذنوب ، بينما الإيمان يكفر الكبائر ، فصار شطر الإيمان بهذا الاعتبار.

وبعض العلماء قال: الطهور شطر الإيمان لأن الإيمان له ظاهر وباطن الباطن في القلب وهو التصديق والظاهروهو: قول اللسان وعمل الجوارح وهذه هي الأركان الثلاثة لحقيقة  الإيمان : أنه تصديق بالجنان (القلب) وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان.

  وهذا قول له وجاهة في المعنى لكن سيشكل علينا أن في رواية الترمذي (الوضوء شطر الايمان) وفي رواية ابن حبان: ( إسباغ الوضوء شطر الايمان) فيترجح لدينا المعنى الأول.

(والحمد لله تملأ الميزان) الحمد : عكس الذم ، ومعناها أن الله تبارك وتعالى له كل صفات الكمال والجمال والجلال فهو سبحانه كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله.

و (الحمد ) وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم ، لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة، ولا تعظيم: لا يسمى حمداً؛ وإنما يسمى” مدحاً”؛ ولهذا يقع من إنسان لا يحب الممدوح؛ لكنه يريد أن ينال منه شيئاً ، كما كان بعض الشعراء يقف أمام الأمراء، ثم يأتي لهم بأوصاف عظيمة لا محبة فيهم؛ ولكن محبة في المال الذي يعطونه، أو خوفاً منهم؛ ولكن حمدنا لربنا عزّ وجلّ حمدَ محبةٍ، وتعظيمٍ.

والحمد لله تملأ الميزان يوم القيامة ؛أي: أن كلمة (الحمد لله) لو وضعت في ميزان، أو لو جعلت جرما، -أي: شيئا محسوسا يرى،- لرأيتها تملأ الميزان، أي: تملأ كفة الميزان يوم القيامة، وتثقل عملك، لما اشتملت عليه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتبجيل له ، وهذا يبين عظيم الأجر المترتب على هذه الكلمات الطيبات .

(وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض) (تملأ) أو قال (تملآن) شك من الراوي.

سبحان الله: أصلها اللغوي يدل على هذا المعنى ، فهي مأخوذة من ” السَّبْح ” : وهو البُعد : ” العرب تقول : سبحان مِن كذا ، أي ما أبعدَه .

فتسبيح الله عز وجل إبعاد القلوب والأفكار عن أن تظن به نقصا ، أو تنسب إليه شرا ، وتنزيهه عن كل عيب نسبه إليه المشركون والملحدون .
وبهذا المعنى جاء السياق القرآني : تنزيه الله عن الشريك والزوجة والولد ،قال تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [المؤمنون/91] ، وقال تعالى : وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ . سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [الصافات/158-159]

ومنه أيضا ما وردعن حذيفة رضي الله عنه – في وصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل – قال : ( وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَنْزِيهٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَبَّحَ ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني .

 وعن ابن عباس رضي الله عنهما :  سبحان الله : تنزيه الله عز وجل عن كل سوء . 

إذن فمعنى (سبحان الله) : أنزه الله عن كل نقص ، فالله جل وعلا لا يغفل ولا ينام ولا يمرض ولا يتعب ولا يضعف ولا يعجز ولا يفتقر ، ولا يحتاج إلى ولد أو زوجة  ، ولا يظلم مثقال ذرة ، ولا يغيب عنه شيء ….الخ ، مما يعجز اللسان عن إحصائه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك  )

إذن فالتسبيح تنزيه الله عن النقص ، والحمد لله وصف الله بالكمال .

، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وسبحان الله والحمد لله تملآن) أي: أن هاتين الكلمتين لو تخيلت لهما حجما موجودا لرأيتهما تملآن ما بين السماء والأرض من عظيم ثوابهما.

( والصلاة نور )  وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة بالنور ، وإذا كان الناس يستعينون على الظلمة بالنور، كي تتضح لهم معالم الطريق ، ويهتدوا إلى وجهتهم ، فذلك شأن الصلاة أيضا ، فهي نور الهداية الذي يلتمسه العبد ؛ حيث تمنع الصلاة صاحبها من المعاصي ، وتنهاه عن المنكر ، كما قال تعالى في كتابه : { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ] ، ويقوى هذا النور حتى يرى أثره على وجه صاحبه ، قال الله تعالى : { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } [ الفتح : 29 ] ، ولن تكون الصلاة نورا لصاحبها في الدنيا فحسب ، بل يشمل ذلك الدار الآخرة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد ، بالنور التام يوم القيامة ) رواه الترمذي .

وفي مسند أحمد: (من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة).

وصلاة الليل نور للمؤمنين في قبورهم كما قال أبو الدرداء : (صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور) .

وكلما ازداد المؤمن من الصلاة ازداد نورا وتوفيقا وهداية في الدنيا والآخرة .

(والصدقة برهان ) الصدقة تعد عبادة مالية ، يزكي بها المسلم ماله ، ويطهر بها روحه من بخلها وحرصها على المال ، وبذل الصدقة في سبيل الله دليل على صدق إيمان المنفق ومحبته لله لأن المال محبب للنفوس والنفوس مجبولة على إمساكه ومنعه كما قال الله عزوجل في كتابه : { وتحبون المال حبا جما } [الفجر : 20 ] ، فإذا أخرجه الإنسان طاعة لله كان ذلك دليلا ساطعا على كمال إيمانه وتعلق قلبه بربه واستخفافه بالدينا في سبيل مرضاة الله والفوز بجنته ومن أعظم ما يمتحن فيه إيمان العبد في المال.

وكلما تخلص المؤمن من رق المال وزخرف الدنيا وأنفقهما في سبيل الله تطهر قلبه من الشح والحسد والكبر التي تمنع نور الإيمان وبهذا ينشرح صدره ويطيب خاطره ويقبل على عبادة ربه والوقاية من الشح سبب للفلاح قال الله تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).

(والصبر ضياء) الصبر يكون على ثلاثة أنحاء: الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا.

والضياء في حقيقته : النور الذي يصاحبه شيء من الحرارة والإحراق ، بعكس النور الذي يكون فيه الإشراق من غير هذه الحرارة ، ويوضح هذا المعنى قوله تعالى : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } [ يونس : 5 ] ، فالشمس ضياء لأنها مشتملة على النور والحرارة والإحراق ، أما القمر فهو نور ، وإذا عدنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( والصبر ضياء ) أدركنا أن الصبر لابد أن يصاحبه شيء من المعاناة والمشقة ، وأن فيه نوعا من المكابدة للصعاب ، فلا ينبغي للمسلم أن يعجزه ذلك أو يفت من عزيمته ، ولكن ليستعن بالله عزوجل ، ويحسن التوكل عليه ، حتى تمر المحنة، وتنكشف الغمة .

والصبر خير عطاء للمؤمن كما جاء في الحديث: (وماأعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر). متفق عليه.

(والقرآن حجة لك أو عليك ) أنزل الله عزوجل  كتابه ليكون منهاجا للمؤمنين ، يبين لهم هذا الدين ، ويوضح لهم أحكامه ، ويأمرهم بكل فضيلة وينهاهم عن كل رذيلة ، فانقسم الناس نحوه إلى فريقين :

  • فريق عمل بما فيه ، ووقف عند حدوده ، وتلاه حق تلاوته، فذلك السعيد به يوم القيامة.
  • وفريق لم ينتفع به ، بل هجر قراءته ، وانحرف عن الصراط المستقيم، ولم يعمل بأحكامه ، فإن هؤلاء يكون القرآن خصيما لهم يوم القيامة.
  • وبين هذا الفريق وذاك يقول الله عزوجل واصفا إياهما : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } [ الإسراء : 82]

وقال ابن مسعود : (القرآن شافع مشفع وماحل مصدق فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره قاده إلى النار).  ماحل مصدق:  بمعنى شاهد مصدق عند الله.

(كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها ) أي: كل إنسان يسعى لنفسه، فمنهم من يبيعها لله بطاعته، فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها؛ أي: يهلكها.

الناس سائرون في هذه الحياة ، يغدون ويروحون ، يكدحون في تحقيق مآربهم وطموحاتهم ، والذي يفرق بينهم : الهدف الذي يعيشون لأجله ، فمنهم من سعى إلى فكاك نفسه وعتقها من نار جهنم ، فباع نفسه لله تعالى ، ومنهم من جعل همه الحصول على لذات الدنيا الفانية ، وشهواتها الزائلة ، فأهلك نفسه وباعها بثمن بخس ، قال الله عزوجل : { ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها } [الشمس : 7 – 10] ، فمن زكى نفسه ، فقد باعها لله واشترى بها الجنة، ومن دس نفسه في المعاصي، فقد خاب وخسر، وكتبت عليه الشقاوة في الدنيا والآخرة ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته ، ويكرمنا بدخول جنته .

الفوائد من الحديث:

1 – الحث على الطهور، وبيان منزلته من الدين، وأنه شطر الإيمان.

2 – بيان فضل التسبيح والتحميد.

3 – الحث على الصلاة، وأنها نور.

4 – الصدقة دليل وبرهان على إيمان فاعلها.

5 – الصبر بأنواعه خير.

6 – من عمل بالقرآن فهو حجة له، ومن لم يعمل بالقرآن فهو حجة عليه.

7 – أن كل إنسان لا بد أن يعمل؛ لقوله: (كل الناس يغدو) فإما أن يعتق نفسه، أو يوبقها.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 86 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع