شرح الدعاء : (اللهم اقسِم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك …)
الانسان منا في هذه الحياة الدنيا ضعيف، فهو دائما يحتاج إلي عون ربه وهو يعلم أنه إذا دعا فإنما يدعو ربا سميعا بصيرا عليما قديرا، لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى .
لكن مع كثرة الحاجات تتيه علي ألسنتنا الكلمات فلا ندري بما ندعو، وماذا تذكرنا وماذا نسينا من الدعوات؟
وقدعلمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الدعاء من خلال ما وردنا من الدعوات المأثورات عنه – صلي الله عليه وسلم- وقد آتاه الله تعالي جوامع الكلم .
فمن دعواته التي أثرت عنه هذا الدعاء المبارك:
عن عبدالله بن عمررضي الله عنهما قال : قلَّما كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقومُ من مَجلسٍ حتَّى يدعوَ بِهَؤلاءِ الكلِماتِ لأصحابِهِ :” اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا ، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا ، وأبصارِنا ، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا ، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا ، واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا ، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا ، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا ، ولَا تَجْعَلِ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا ، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا ، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا” حسنه الألباني في صحيح الترمذي
هذه الدعوات العشر كان رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قلما يقوم من مجلس من مجالسه مع أصحابه إلا ودعا بها لأن فيها كلمات جامعة لخيري الدنيا والآخرة ، فتعالوا بنا نتدبرها ونفهمها .
الدعوة الأولى
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معاصيك
اقسم لنا بمعني اجعل لنا أوفر الحظ والنصيب من خشيتك ، والخشية هي الخوف مع تعظيم ، الانسان قد يكون هناك شيء مجهول فيخافه ، فأنت تخاف من المستقبل ، وتخاف من الأذي ، وتخاف من الفيروسات وتخاف من الميكروبات، لكن حينما نقول الخشية ، فهذا خوف فيه تعظيم ، إجلال لله ، ومن هذا الباب قول الله جل وعلا ﴿ إِنَّما يَخشَى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ ﴾ [فاطر: ٢٨.]
وقوله تعالى : ﴿مَن خَشِيَ الرَّحمنَ بِالغَيبِ وَجاءَ بِقَلبٍ مُنيبٍ﴾ [ق: ٣٣]
فتسأل الله أن يرزق قلبك خشية تعينك علي ألا تفعل المعصية.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معاصيك
فمن استحضر خشية الله وإجلال الله وعظمة الله حال المعصية ، فر منها ، تركها هيبة وإجلالا لله ؛ لذلك كان بعض السلف يقول لا تنظر إلي صغر المعصية ، ولكن انظر من عصيت ؟!
لا إله إلا الله ، اللهم ارحم ضعفنا ، واغفر ذنبنا ، واستر عيبنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
وكان ابن مسعود يقول: إن المسلم إذا فعل الذنب ، وقع علي رأسه كجبل ، وأما المنافق فإنه إذا فعل الذنب كان كذباب وقع به ففعل به هكذا ( دفعه بيده فطار)
والمقصود هنا أن المسلم حينما يذنب ، يري الذنب عظيما ، لأنه عصي أمر الله العظيم، أما ضعيف الإيمان ، أومن كان في قلبه مرض- نعوذ بالله- فإنه لا يري الذنب إلا كذباب وقع عليه ، لا شيء ، لا يبالي ، يفعل ما يفعل ولا يبالي ،سبحان الله العظيم!!
ولذلك الشيء بالشيء يذكر ، ذكروا في بعض النكات الرمزية السياسية : إن حاكما ظالما سأل شيخه الذي يتقرب إليه دوما بالنفاق ، قال له أنا أفضل أم فلان؟ قال أنت أفضل من فلان ، وبدأ يعدد له أسماء أنا أفضل أم فلان ؟ يقول: أنت ….. حتي وصل به الغرور فقال: أنا أفضل أم عمر بن الخطاب؟ قال: بل أنت أفضل!! قال الحاكم كيف ؟!! قال : لأن عمر بن الخطاب كان يخاف الله ، أما أنت فلا تخاف من أحد !!!
فهذه نكتة رمزية يقصدون بها أن الحاكم الظالم يظن أن لن يقدر عليه أحد… يسفك ما يسفك من الدماء ، ويقتل من يقتل من أبرياء ولا يجد من يوقفه ، وهو لا يدري أن الله يملي له حتي إذا أخذه لم يفلته .
الدعوة الثانية
( ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك)
بمعني ارزقنا من الطاعة ما يكون فيه سبب لبلوغ الجنة ، الجنة ثمنها العمل الصالح ، وفي القرآن الكريم دائما ما تقرأ : “الذين آمنوا وعملوا الصالحات” فأنت تسأل الله أن يوفقك للعمل الصالح الذي به تبلغ الجنة .
والواحد فينا مع هذا الدعاء لا يحقر حسنة صغيرة ولا كبيرة ، فهو لا يدري أيها سيكون عند الله أعظم ، وأيها فيه القبول من الله عز وجل .
ولذلك علم النبي صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ معاذا – رضي الله عنه – هذا الدعاء فقال : يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة : ” اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”
فأنت تسأل الله عز وجل أن يوفقك لعبادة تبلغ بها الجنة ، أن يوفقك لعمل صالح تبلغ به مرضاة الله ، فهذا كله من فضل الله ورحمته ، قال تعالى : ﴿وَالَّذينَ اهتَدَوا زادَهُم هُدًى وَآتاهُم تَقواهُم﴾ [محمد: ١٧]
الدعوة الثالثة
ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا
الله أكبر!! حينما تنزل المصيبة تنزل علي جبل ، تنزل صعبة شديدة ، فإن كان الإيمان قويا ، كان الثبات عجيبا ،الصبر يا إخواني ليس شيء ينزل هكذا فجاءة ، الصبر رصيد من الايمان ، الصبر علي البلاء هو رصيدك الإيماني ، تستقبل به ماجاءك من نقص في أحبابك أو في مالك ، أو في مرض في بدنك باليقين . هذا اليقين ما معناه ؟ نحن ندعو قائلين : ” ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا “
الواحد فينا ممكن يتعب كثيرا في سبيل شهادة علمية ، وهناك أناس تواصل الليل بالنهار وربما لا ينام إلا ساعتين أو أربع ساعات علي أقصي تقدير لإدارة ثروته وتجارته ، وهنالك من السياسين من يفعل هذا تقريبا لأعبائه الكثيره ولإنجاز الأعمال الكثيرة ….الخ.
فحينما ينزل بالمؤمن نازلة، ويكون عنده من اليقين بأن الله جل وعلا كتب هذه المصيبة أن تصيبك ، فأنت بذلك ليس لك إلا الحمد ، هذا ماقاله رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ( واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبك ) وهذا فيه تفسير الآية في سورة الحديد ﴿ما أَصابَ مِن مُصيبَةٍ فِي الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلّا في كِتابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ﴾ [الحديد: ٢٢]
فعندك يقين أن هذه المصيبة أصابتك بقدر الله ، إذن فتُري الله من نفسك خيرا ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، قدر الله وماشاء فعل ٫ اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ، فيقينك أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، دفعك لأن تسترجع وتصبر لله.
والصبر علي المصيبة إخواني سواء صبر الإنسان أم لم يصبر واقع ، المصيبة واقعة ، لن تتغير ، المصيبة أمر من الله ، قضاء نافذ … ففز بصبرك لله ، فاصبر وما صبرك إلا بالله .
اليقين أن لله حكمة فيما ابتلاك به ٫ فأفعال الله منزهة عن العبث ، هل تظن أن حرمانك من الصحة أو حرمانك من المال ، أو حرمانك من الأحباب أو الأقارب بالموت هل هذا عبث ؟ هل هذا أمر كما يظن بعض الناس حظ ونحس؟ فلان له حظ فلهذا ربح في التجارة كذا و كذا ، وفلان منحوس فهو لهذا لا يكسب شيئا أبدا ، هذا كله أوهام يا إخواني ، كل شيء مقدور ، كما قال الله ﴿إِنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقناهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]
بقدر ليس هناك شيء صدفة واعتباط ، أوكما يقولون: حظوظ ، واعطني حظ وارمني في البحر …. هذا كلام الكسالى، كلام أصحاب الأماني الفارغة … أمنيات بدون عمل، إنما اليقين بأن الله عز وجل تنزهت أفعاله عن العبث ، فلله حكمه فيما قدر فيك من خير أو شر .
أيضا اليقين بأن الله سبحانه وتعالي يوفيك الأجر عليها كاملا ،قال تعالى : ﴿إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسابٍ﴾ [الزمر: ١٠]
لما كان بعض العلماء يمشي في وسط تلاميذه فتعثرت قدمه ( بمعني ضرب أو خبط في حجر ) وكانت صعبة وشديدة (سبحان الله العظيم) فبعد أن تألم تبسم ، قالوا يا سبحان الله تتألم وتتبسم ؟ قال تذكري للأجر أنساني مرارة الألم، عند معرفتي أن لي فيها أجر كما قال النبي صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ( حتي الشوكة يشاكها ) نسيت الألم .
وهذا مايهون عليك أخي عند المصيبة أن تحتسب ألمك عند الله ، وأن تحتسب مصابك عند الله ، أوأن تحتسب خسارتك في المال عند الله .
اذن فاليقين أن لك بها أجرا عند الله ، واليقين أن الله يكفر بها من سيئاتك .
الدعوة الرابعة
اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا ، وأبصارِنا ، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا : معناه أنك تسأل الله دوام العافية في سمعك وبصرك وقوتك فلا تفقدن سمعك ولا بصرك ولا يصيبك من الإعياء والمرض ما قد يصل إلي حد العجز ، فتقول: ” اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا ، وأبصارِنا ، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا ” وأدم علينا هذه النعم حتي الموت وهذا معني قول رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ:
الدعوة الخامسة
واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا
شرط أن يرث الوارث أن يبقي حيا … يعني في الفقه مثلا يقول العلماء في توزيع التركة : أول شرط في توزيع التركة موت المورث وحياة الوارث، فهذا مبالغة في التعبير ، أن تموت وأعضاءك لا تزال كما هي!! هذا هو المعني .
“واجعله الوارث منا” يعني نموت يوم نموت وأعضاءنا سليمة لا نقص فيها ولا مرض يؤدي إلي العجز.
الدعوة السادسة
واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا
الثأر هو أخذ الحق لكن مع غضب ، يعني واحد استولي علي حقك ، علي شيء يخصك فأنت تثأر لنفسك، يعني تنال حقك مع غضب يحركك لهذا الأمر ، والمقصود هنا أن تكون غضبتك لحق تأخذه ممن ظلمك أوهضم حقك ، بلا اعتداء علي فقير أو ضعيف أو بريء ،فيكون ثأرك علي من ظلمك .
وهذه المسألة كانت موجودة في الجاهلية…. كان العرب مثلا إذا قتل رجل من قبيلة شريفة وقاتله من قبيلة ضعيفة ، كانوا لا يكتفون بالقصاص واحد أمام واحد ، لا هاتوا واحد آخر ، إذا كان القاتل امرأة كانوا لا يكتفون بقتل هذه المرأة القاتلة قصاصا كلا إنما كانوا يقتلون المرأة ومعها رجل أيضا من نفس القبيلة، بل كان يصل الأمر أحيانا أن تشتعل الحرب على القبيلة كلها ثأرا للمقتول !! نعم يعتدي علي القبيلة بأكملها ، وتستباح حرمتها وتسفك دماءها وتخرب ديارها لماذا ؟
لأننا القبيلة القوية الشديدة …… فلا ينبغي أن يجترأ علينا أحد .
فالنبي صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يعلمنا أننا إذا ظلمنا لا نعتدي ولا نأخذ إلا حقنا.
فمعنى : “واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا ” لا نأخذ أكثرمن حقنا ولا نظلم بريئا، ولا مسكينا.
الدعوة السابعة
وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا
والمقصود هنا أن ينصرك الله علي كل من اعتدى عليك بغير حق ، أوتربص بك يريد السوء .
الدعوة الثامنة
ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا
أي: اللهمَّ لا تُصِبْنا بما يَنقُصُ دِينَنا من اعتقادِ سُوءٍ، أوأكْلِ الحرامِ، أو كَسلٍ عن العبادةِ أو تضييعها ، أوغيرِ ذلك مِن المعاصِي والكبائر المهلِكات، والمصيبةُ في الدِّينِ هي المصيبةُ الحقيقيَّةُ؛ لأنَّه إذا أُبقِيَ على دِينِ المرءِ فما فاتَه من الدُّنيا شيءٌ، وإذا ضاعَ الدِّينُ لم يَفُزْ بشيءٍ.
الدعوة التاسعة :
ولَا تَجْعَلِ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا ، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا
في دنيانا هناك من يعيش قدر مايعيش ولا يعرف الله، ولا يعرف الآخرة ، يعيش للدنيا فقط .
ولذلك يا إخواني هذا من الدعوات العظيمة ،لأن الله تعالي جعلك في هذه الدنيا ابتلاءا واختبارا ليس للابد ، لن يخلد أحد في الدنيا ، إنما هي دار اختبار للآخرة ، وإنما نوفي أجورنا يوم القيامة علي حسب أعمالنا كما قال الله تعالي: ﴿هُم دَرَجاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصيرٌ بِما يَعمَلونَ﴾ [آل عمران: ١٦٣]
تعجب أن العقلية اليابانية التي حينما نتحدث عنها ، نقول: “كوكب اليابان الشقيق” ، إشارة إلي الطفرة العلمية التي وصلوا إليها ، وإلي الآن الكثير منهم يعبدون معبودات عجيبة ، منهم من يعبد الامبراطور ومنهم من يذهب إلي المعبد معه جرس ، لماذا هذا الجرس لكي يوقظ الرب ، (لما يروح يدق الجرس بيده فالرب يستيقظ فيدعوه) فسبحان الله ، ماذا لو أعمل عقله ؟ كيف يعبد ربا نائما يحتاج لمن يوقظه ؟!!
رغم أن العقل الياباني هو الذي اخترع هذه الاختراعات الكبيرة ،لكن عجز عقله عن استيعاب أن يعرف من خالقه سبحانه وتعالي .
ورأينا هذه المعبودات التي وصلت إلي مرحلة عبادة البقر وعبادة القردة !!!
أنا رأيت مقطع فيديو لقرد ، الناس يركعون له من دون الله ، نعم يركعون لقرد، والقرد عايش الدور يمد يده ليقبلوها ويمسح علي رؤوسهم ، حتي القرود تعلمت النصب من الانسان !!!
فلا إله إلا الله ، تري هذه العقلية الكبيرة الواعية والطفرة الالكترونية عجزت عن إدراك أن لها ربا قادرا عليما سميعا بصيرا ؛ وليست هذه المعبودات التي هي مخلوقات لله عز وجل ؛ فمبلغ علمهم دنيا فقط ولا يعلمون شيئا عن الإله الواحد الأحد .
هذا فضلا عمن ألحد ، وأنكر أصلا أن فيه ” الله ” وجعل الأمر هكذا صدفة أو كما يقولون أرحام تدفع وأرض تبلع ، مسألة هندسية مش أكثر ، فيه ولادة ووفاة ، القانون الفلاني يقول : كذا …. والقانون الفلاني يقول: كذا…..
من الذي أحدث كل هذه القوانين الكونية ؟ بهذه الحكمة؟ وهذا التدبير والإبداع الشيء الذي يعجز اللسان عن التعبير عنه ؟
غاندي الزعيم الهندي المشهور كان يقول: الناس يلومونني في عبادة أمي البقرة ، من العجيب في الهند إلي الآن ، يقدسون البقرة الأنثي ، أما الثور فهو مهان – سبحان الله- لولا الثور ماكانت البقرة ، فيعبدون البقرة ويقدسونها ولكن الثور مهان – سبحانك يارب- والجاموس برغم أنه من نفس الفصيلة أيضا إلا أنه مهان .
الشاهد يقول غاندي: إن الناس يلومونه في عبادة البقرة ، ولا يعلمون أن أمه البقرة تعطيه اللبن كل صباح و لا تطلب مقابل ذلك شيئا!! يقول : أما أمي التي أرضعتني عامين ، فهي تطلب مني أن أخدمها طوال العمر !!!
هذا منطق ، منطق لغاندي أمه التي أرضعته سنتين ، تريد الخدمة طوال العمر ، هذا أمر بالنسبة له صعب ، لكن البقرة أمه الأخري أو معبودته المفضلة تعطيه اللبن كل صباح دون أن تطلب في ذلك مقابل !!!
طيب وربك الذي سخر لك الشمس والقمر والسماء والأرض والهواء والطعام والشراب ؟؟؟
هل عجز العقل عن إدراك ذلك ؟
لا هو لم يري الا هذا المشهد، مبلغ علمه هذا المشهد ، لم يفكر يوما أن لهذا الكون إلها خالقا عظيما !!!
فكانت دعوات رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ “ولَا تَجْعَلِ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا ، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا ” فنكون عياذا بالله لاعمل ولا شاغل لنا الا الدنيا .
كلا فنحن المؤمنين نعمل في الدنيا بتوازن ، عمل للدنيا سعي ومعاش وعمل للآخرة مرجع ومعاد ، فالدنيا دار عمل والآخرة دار الجزاء، ولذلك قال الله تعالي : ﴿وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ. يَعلَمونَ ظاهِرًا مِنَ الحَياةِ الدُّنيا وَهُم عَنِ الآخِرَةِ هُم غافِلونَ﴾ [الروم: ٧]﴾
إذن يا إخواني لا تجعل الدنيا هي أكبر همك ، شغلك الشاغل ، كثير من الناس نفسه يتوب ويرجع إلي الله لكن يسوف ، يقول: أنا أركز فقط في الشهادة العلمية ….. حصل علي الشهادة العلمية ، فقط حتي أتزوج…. أنا الآن بصدد عمل مشروع حتي أعيش حياتي سعيدا ….. طيب انتظر حتي الإنجاب ، حتي حتي … الدنيا لن تنتهي ولن تخرج منها إلا بالموت .
ماهو الحل ؟
الحل كما علمنا ديننا التوازن بين الدنيا والآخرة ، عمل صالح زاد تحمله إلي الله معك في الدار الآخرة ، وسعي ومعاش للدنيا ؛ بما أحل الله من الطيبات والمباحات …. إلي سائر هذه الأمور .
إذن أنت أيها المسلم عندك توازن بين الدنيا والآخرة ، لكن أجهل الجهل أن تري من بلغ ما بلغ من العلم وهو لا يدري شيئا عن ربه ، أجهل الجاهلين الذي يدري كل شيء عن الدنيا ، فإذا تحدث عنها تحدث حديث الخبير و هو لا يدري عن الآخرة شيئا – نعوذ بالله –اللهم لا تجعل الدنيا أكبرَ هَمِّنَا ، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا “
الدعوة العاشرة
ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا
المقصود أن الإنسان بسوء فعله أو بمعصيته ، قد يسلط الله عليه عدوا ، وهذا من سنن الله عز وجل ، هذا العدو لفرط عدواته وحقده يؤذيك بلا رحمة ، فأنت تسأل الله سبحانه وتعالي ألا يحكم فيك ظالما ، وألا يجعل عاقبة ذنبك أن يتولاك أو يتولي أمرك عدو لك لا يعرف لك إلا الأذي والسوء والظلم وهذه الأمور .
الخاتمة
إذن إخواني النبي صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ علمنا هذه الدعوات العشر المباركات ، حينما تريد أن تدعو ادع الله بها ، حينما نكون في مجلس من مجالسنا الطيبة ، اختم المجلس بهذه الدعوات ، عندنا طبعا دعاء ختام المجلس الذي علمناه رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، نقول : “سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك “
ومنها أيضا أن تدعو بهذه الدعوات وأتمني أن نكون قد حفظناها أقولها مرة أخري:
عن عبدالله بن عمررضي الله عنهما قال : قلَّما كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقومُ من مَجلسٍ حتَّى يدعوَ بِهَؤلاءِ الكلِماتِ لأصحابِهِ :” اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا ، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا ، وأبصارِنا ، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا ، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا ، واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا ، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا ، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا ، ولَا تَجْعَلِ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا ، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا ، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا” حسنه الألباني في صحيح الترمذي