من السنن الإلهية
سنة الله في الاختلاف والمختلفين
ما زلنا نعيش مع هذه السلسلة المباركة عن سنن الله الكونية، واليوم، بإذن الله تعالى، نتحدث عن سنة الله في اختلاف الخلق.
أولا / التعددية مظهر من مظاهر الكون:
جعل الله سبحانه وتعالى التعددية مظهراً من مظاهر الكون؛ نجد ذلك في التنوع في الطبيعة والتعدد في الأشكال والأجناس والألوان، والزوجية في كل شيء ، كما قال تعالى: ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) [الذاريات:49 ]
وتفرد هو سبحانه بالوحدانية، فلا مثيل له،ولا ند له؛ قال الله تعالى:“لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” (سورة الشورى: 11).
وجعل الله تعالى التنوع مظهراً من مظاهر الجمال في الكون، نجد التنوع في الألوان، الطقس، الحرارة والبرودة، وحتى في أجناس الناس وألوانهم وأشكالهم. التنوع يشمل أيضاً الملابس، الأطعمة، والأشربة، وكذلك النباتات والفواكه. هذا التنوع هو سمة من سمات الجمال في الكون.
وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في القرآن الكريم بقوله:“وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ”
(سورة الروم: 22).
ثانيا /الاختلاف والتنوع سنة كونية:
الاختلاف والتنوع سنة كونية، ومن يريد أن يصب الناس في قالب واحد فهو واهم، ومن يحاول أن يجعل الآخرين نسخاً مطابقة له فإنه يخالف هذه السنة الكونية أو القانون الإلهي.
نجد ذلك في الحياة الزوجية مثلا، حيث لا يمكن أن تقوم العلاقة بين الزوجين على التماثل التام، بل تقوم على التقارب والتفاهم بين الطرفين؛ الحياة المستقرة تقوم على التفاهم والتكامل، لا على الإصرار أن يكون الآخر نسخة مطابقة.
وبالنسبة للأبناء، فإن محاولة فرض شخصية الأب أو الأم عليهم بالكامل دون مراعاة طبيعتهم أو ميولهم أو شخصياتهم هو أمر غير واقعي.
بعض الآباء كل مشكلته مع أولاده أنه يريدهم أن يكونوا على وفق ما يحب هو يحبون ما يحب، ويكرهون ما يكره، ويمارسون حياتهم كما يمارس هو حياته بل يريد أن يورثهم شهاداته وخبراته ومجال تخصصه ونسي أن التنوع من آيات الله الكونية.
هناك أيضاً من يعتقد أن كل المسلمين، بل كل العالم، يجب أن يتبع هواه وفكره، ومن خالفه يُتهم بالضلال أو الابتداع.
هذه النظرة تُسبب التشاؤم والنقمة على الآخرين.
في الواقع، الله سبحانه وتعالى أذن بهذا التنوع، وهذا الاختلاف يجعل الحياة متوازنة ويعلمنا كيفية التعامل مع الآخرين.
وقد ورد في الأثر: “أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم”. هذا الفهم لعقليات الناس وتباينها يساعدنا على بناء علاقات متوازنة.
ثالثا/ تنوع الاختلاف:
الاختلاف أنواع، منه اختلاف التنوع في الوسائل والأساليب والمباحات، كالأطعمة والأشربة، وهذا يرجع لأذواق الناس وعاداتهم.
أيضا التنوع في طرق الدعوة والعمل الإسلامي، سواء سميناها جماعات أوجمعيات أيا كان الاسم فكلها تعمل للإسلام على وفق رؤية دعوية تتنوع فيها الوسائل والأساليب وتتنوع فيها الرؤيا للواقع، وتختلف فيها وجهات النظر أو تتعدد ؛ فلا ينبغي أن يرمى المخالف بالبدعة ، أوأن يدعي أحدهم أن الذي هو عليه هو السنة، فهذا يسميه العلماء اختلاف التنوع في ركوب سنن الله في الكون باتخاذ الأسباب والأساليب المتاحة والمتنوعة للتربية وللدعوة والتكوين.
كذلك المذاهب الفقهية الأربعة، هي عبارة عن مدارس فيها المشايخ وطلبة العلم وكل مذهب له قواعده وأصوله في الحكم والاستنباط، هذه المدارس الفقهية لم تكن تناقضاً، بل تنوعاً في الفهم والاجتهاد، وكلها تستند إلى الكتاب والسنة.
فالعلماء وضعوا القواعد لفهم النصوص واستنباط الأحكام، وهذا يعكس سنة التنوع التي أرادها الله.
وبالتالي، يا إخواني، لا ينبغي أبداً أن يجعل المسلم نفسه حكماً على كل من خالفه في فرعيات الفقه، ففرعيات الفقه قلّ أن تنضبط تماماً.
وعدم فهمي لحجة إمام من الأئمة أو علمٍ من الأعلام لا يعني حرية الطعن في نيته أو تجريحه أو تكذيبه أو تفسيقه أو تبديعه.
للأسف، هناك من يتصدى لهذا الأمر ويزعم أنه من طلبة العلم، ثم يتجرأ على القول بأن الإمام مالك أخطأ في كذا، أو أن الإمام أبو حنيفة فعل كذا.
يا أخي، إذا كنت ترى أن هذه المسألة أو هذا القول ليس عليه دليل، فهذا يعني فقط أنك لم ترقَ بعلمك لتصل إلى الدليل.
لكن عند الإمام مالك أو الإمام أبي حنيفة دليل قد خفي عنك.
خفاء الدليل عنك ليس مبرراً للطعن في نيات العلماء، وأقوالهم، ومذاهبهم، أو أتباعهم.
الموضوع كبير، ولكني أريد أن أؤصّل مفهوما مهما وهو: إن الاختلاف وارد، والاستنباط من الكتاب والسنة وارد كذلك.
أما أن يكون الأمر محصوراً في إطار مذهب واحد أو شيخ واحد فقط، فهذا وهم كبير. ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء، فهذا لم تشم أنفه رائحة الفقه.
قصة الصحابة بعدغزوة الأحزاب:
لقد ذكرنا مراراً قصة الصحابة بعد غزوة الأحزاب، عندما قال النبي ﷺ:“لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ”(صحيح البخاري).
في الطريق، انقسم الصحابة إلى فريقين:
- فريق قال: النبي ﷺ مشرّع عن الله عز وجل، ومعنى ذلك أننا لن نصلي العصر إلا في بني قريظة، حتى وإن خرج وقتها.
- فريق آخر قال: مقصد النبي ﷺ هو أن نجدّ في السير ونسرع، بحيث ندرك العصر في بني قريظة؛ لكن هذا صعب، لذلك صلوا في الطريق.
عندما أدركهم النبي ﷺ وأخبروه بما حدث، سكت، ولم يعنف أحداً.
لماذا؟ لأن كلام النبي ﷺ يحتمل الأمرين:
- فمن صلى العصر في الطريق أصاب.
- ومن صلى العصر في بني قريظة أصاب أيضاً.
رابعا/ لا عصمة لأحد في فهم الكتاب والسنة:
المسائل الفقهية، خصوصاً الفرعية، متنوعة وتخضع للنظر والاجتهاد في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
وأريد أن أؤكد أن المصدر الرئيس والوحيد المعصوم لفهم ديننا هو الكتاب والسنة الصحيحة.
أما استنباط العلماء من كلام الله وكلام رسوله، فهو ليس نصاً معصوماً، بل اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ.
لذلك، ليس لأحد عصمة بعد رسول الله ﷺ؛ كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه، إلا النبي ﷺ.
لا فرق بين شيخ الإسلام أو إمام الأئمة أو أي عالم مهما علا شأنه.
على سبيل المثال: عندما يقول الله تعالى:“وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ”(سورة البقرة: 43)
هذا نص محكم قطعي الثبوت ، لكن لفهم دلالة النص نقول:
- إقامة الصلاة تشمل رفع الأذان.
- إقامة الصلاة تتطلب وجود إمام حافظ لكتاب الله.
- إقامة الصلاة تعني أداؤها في وقتها، مع الخشوع والطمأنينة.
- إقامة الصلاة تشمل تعليم الأبناء أداءها والمحافظة عليها.
كل هذه التفاصيل استنباطات من النص القرآني، لكنها تحتمل الصواب والخطأ. لماذا؟ لأنها فهم بشري، وفهم البشر غير معصوم.
تحذير من الغلو في العلماء:
البعض يريد أن يُقدّس المشايخ ويُعطيهم منزلة فوق البشر، حتى يصل بهم إلى درجة التأليه؛ يعتقد أن الشيخ إذا قال شيئاً، فهو لا يخطئ. وهذا خطأ جسيم.
لا أحد معصوم من الخطأ إلا الأنبياء.
ثم بعد ذلك يأتي من يقول: “أنا سلفي”.
سلفي يعني على مذهب مَن؟
على مذهب الشيخ فلان؟ وهل كان الإمام الشافعي ليس سلفياً؟ وهل كان الإمام مالك ليس سلفياً؟ وهل كان الإمام أبو حنيفة ليس سلفياً؟
معنى كلمة “سلفي” ببساطة هو الانتماء إلى نهج السلف، أي العودة إلى ما كان عليه رسول الله ﷺ وصحابته الكرام وأصحاب القرون الثلاثة الفاضلة، كما جاء في الحديث الشريف:“خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ”(صحيح البخاري).
إذن، لماذا يتم حصر مفهوم السلفية في مشايخ معينين وفهمهم فقط؟ لماذا تُختزل السلفية في دائرة ضيقة تجيز للبعض سب العلماء وتجريحهم؟
بل نجد فتناً حقيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الدعوة إلى حرق كتب علماء مثل فلان وفلان، والتشنيع عليهم.
وهذا كله من صُنع أعداء الإسلام للتشويش على قضايا الأمة الكبرى، مثل ما يحدث في غزة وغيرها.
بينما نحن ننشغل بالخلافات على المشايخ والمذاهب والكتب، مما يؤدي إلى التناحر والتجاذب، والتهكم والخوض في الأعراض، وسب العلماء تحت دعوى “أنا سلفي”.
وهنا سؤال: هل ما تفعله حقاً هو منهج السلف؟
هل يسرك أن تلقى الله وقد خضت في نيات العلماء، ونقبت عن بواطنهم، وتهكمت وسخرت ووزعت الألقاب والتهم؟ هذه آفة كبيرة يشكو منها الكثير.
المختلف فيه لا إنكار فيه:
العلماء وضعوا قاعدة ذهبية في هذا الباب: “المسائل المختلف فيها لا إنكار فيها”طالما أن لديّ إماماً مرجعاً أثق به وله اجتهاده، فأنا لم أخطئ ولم أعصِ الله عز وجل.
ليس كل الناس يحسن فهم الأدلة، وليس كل الناس يجيد الجمع بينها، وليس كل الناس لديه القدرة على الترجيح والموازنة.
كل علم له تخصصه ورجاله.
- أنا لا أصلح لأن أكون قاضياً ولا محاميا لأنني لم أدرس القانون.
- ولا أصلح لأن أقوم برسم هندسي لأنني لست مهندساً.
- ولا أصلح لأكون محاسباً أو خبيراً في أمن المعلومات لأنني لم أدرس هذه العلوم.
ومع ذلك، نحن في زمان يحترم كل التخصصات إلا الدين!
- الكل يفتي، والكل يتحدث، والكل يدّعي أنه الوحيد الفاهم.
- التخصص في الدين يحتاج إلى دراسة عميقة وأصول ثابتة، وليس مجرد قراءة سطحية.
قابلت بعض الشباب، كل ما يعرفه من الدين هو أحكام التجويد، مثل الإدغام بغنّة والإخفاء والإظهار. تعلم هذه الأحكام، فظن أنه شيخ الشيوخ! ثم عندما تعلم المدود المتصلة والمنفصلة، أصبح يُفتي ويعتقد أنه من كبار العلماء.
يا إخواني، العلم بالتعلم، والدين علمنا احترام التخصص.
إذا أردت شيئاً في الطب، تذهب إلى طبيب، وإذا أردت شيئاً في القانون، تذهب إلى محامٍ.
فلماذا إذا أردت أمراً في الدين تسأل صديقك، أو تبحث على جوجل، أو تعتمد على فيديو رأيته على تيك توك؟
يا أخي، هذا دينك، أغلى ما تملك.
الدين هو وسيلتك لإرضاء الله.
ابحث، اسأل، واجتهد في طلب العلم من مصادره الصحيحة.
التواصل مع العلماء في زماننا أمر سهل، فلماذا نلجأ إلى مقاطع الريلز أو الفيديوهات القصيرة التي تحقق ملايين المشاهدات لكنها تفتقر إلى التأصيل العلمي؟
مشاهدة مقاطع مدتها دقيقة أو دقيقتان ليست طريقاً للتعلم.
العلم له أصول، له قواعد، وله منهج واضح.
لا أقول إن كل هذه المقاطع خاطئة، ولكنها خليط من الصواب والخطأ، والغث والسمين.
لذلك، من أراد طلب العلم فعليه أن يأخذه من أربابه، من المتخصصين فيه، وأن يبتعد عن الفوضى والارتجال في هذا الأمر العظيم.
هناك أمور تتعلق بالتلاعب بالكلام، حيث يُقتطع من سياقه ويُنشر بطريقة توحي بخلاف الحقيقة، ويُستخدم هذا الأسلوب لتشويه العلماء.
يحدث أحياناً أن يتحدث الشيخ عن قضية، فيذكر شبهة المخالف ثم يرد عليها، ولكن البعض يأخذ الشبهة فقط وينشرها وكأنها رأي الشيخ.
مثلاً، كان هناك شيخ مشهور يتحدث عن قضية، فقال: “أحدهم خرج وقال إن السجائر لا تفطر الصائم”، ثم ردّ على هذا القول وبيّن خطأه. لكنهم اقتطعوا المشهد الذي ذكر فيه الشبهة فقط، ونشروا مقطعاً يظهر وكأن الشيخ هو من يقول: “السجائر لا تفطر الصائم”! هذا أسلوب خبيث، يشبه تماماً من يقتطع من القرآن قوله تعالى:“لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ” ثم يسكت دون إتمام الآية: “وَأَنْتُمْ سُكَارَى” (سورة النساء: 43).
علينا أن ننتبه لمثل هذه الأمور، لأن هذا الدين يُمكر به، وأتباعه يُستهدفون بأساليب خبيثة لا تتصورون مداها.
خامسا/ مسائل الإجماع لا يختلف عليها:
وأود أن أنبه إلى أن مسائل الإجماع لا جدال فيها،ولا اختلاف عليها، وأقصد بها المسائل التي أجمع عليها علماء الأمة.
الإجماع هو أحد أدلة الأحكام الأربعة المتفق عليها: القرآن، السنة، الإجماع، والقياس.
الإجماع يعني أن علماء الأمة المجتهدين قد اتفقوا على حكم شرعي من خلال فهمهم للقرآن والسنة.
هذه المسائل المجمع عليها لا تقبل النقاش.
الإجماع على حرمة الربا:
مثال على ذلك قول الله تعالى:“وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا”(سورة البقرة: 275).
الربا، بإجماع علماء الأمة سلفاً وخلفاً، حرام، وهو كبيرة من الكبائر.
الربا معناه أن تقرضني مالاً وتسترده مع زيادة، وهذه الزيادة هي الربا.
بعض الناس يحاول الالتفاف على هذا الحكم الواضح، فيقول: “إذا كان الربا بين الأفراد حراماً، فماذا لو كان بيني وبين بنك؟”. بل إن البعض يستدل بتعليل غريب قائلاً: “الله تعالى قال: ‘وَحَرَّمَ الرِّبَا’، ولم يقل: ‘وحرّم البنوك'”.
هذا كلام فيه نطاعة هدفه تبرير الحرام.
الربا حرام سواء كان مع أفراد، أو حكومات، أو دول، أو صناديق دولية مثل صندوق النقد الدولي.
لا يغير من حقيقته تغيير الاسم أو استخدام عناوين براقة مثل “استثمار” أو “فائدة”.
الربا هو الربا، وهو حرام بإجماع علماء الأمة.
الإجماع على وجوب الحجاب:
للأسف، هناك من يستغل الجهل بالدين فيخاطب الغرائز والهوى، ويخدع الناس بعبارات مزخرفة.
مثال آخر يظهر بين الفينة والأخرى: من يدّعي أن الحجاب ليس فريضة. بعضهم يقول: “الحجاب عادة من العادات العربية”، وأن المرأة التي تخلع الحجاب قد خالفت الأعراف والتقاليد، وليس الدين.
لكن هذا كلام باطل.
- الأعراف والتقاليد تتغير من بلد إلى آخر ومن زمن إلى زمن. فمثلاً، أهل المغرب لهم ملابس معينة، وأهل الخليج لهم ملابس مختلفة، فهذه أمور عُرفية، تختلف حسب البيئة والعادات.
- أما الحجاب، فهو فرض بنصوص الكتاب والسنة وبإجماع الأمة، وليس مجرد عرف أو تقليد.
وبعضهم يقول: “الحجاب مجرد سنة لأنه تشبه بزوجات النبي ﷺ”. ثم يواصل قائلاً: “لا توجد آية في القرآن تنص على فرضية الحجاب”! وهذا كذب صريح، لأن النصوص واضحة، لكنهم يخاطبون الأهواء ويستغلون ضعف العلم الشرعي عند الناس.
الحجاب فرض ثابت لا يتغير. يقول الله تعالى:”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ”
(سورة الأحزاب: 59).
أنا أضرب أمثلة فقط، وإلا فإن القائمة طويلة.
على سبيل المثال، ظهر الآن من يقول: “شرب الخمر ليس حراماً، لأن عمر بن الخطاب المتشدد هو من حرّمها، والله قال: ‘فَاجْتَنِبُوهُ’، ولم يقل: ‘فَلَا تَشْرَبُوهُ'” وهذا كلام جاهل لا يفهم اللغة، ولا يدرك أن الأمر بـ”اجتنبوه” أقوى من النهي المباشر عن الشرب.
الآية واضحة في تحريم الخمر، فضلاً عن أن هذا التحريم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
يا إخواني، ليس من حق أحد أن يأتي ويقول عن أمر ثبتت حرمته قطعاً أو ثبتت فرضيته قطعاً: “رأي الشيخ فلان كذا، ورأي الشيخ فلان كذا”. لا رأي في هذه الثوابت. ليس هناك شيء اسمه:
- “رأي الإمام مالك في الحجاب”.
- “رأي الإمام الشافعي في الخمر”.
- “رأي الإمام أحمد في الربا”.
هذه قطعيات، ولا مجال للاجتهاد فيها، لأنها محل إجماع علماء الأمة قديماً وحديثاً.
الابتلاء بأصحاب الأفكار الشاذة:
لقد ابتُلينا في زماننا بأشخاص مدّعين ليس لديهم أدنى مستوى من العلم الشرعي، ولم يجالسوا العلماء، ثم يخرجون علينا بأفكار شاذة تحت عناوين براقة مثل “مفكر إسلامي” طوال الليل يفكر في السقف يتأمل العنكبوت ثم يخرج علينا بوساوسه وعناكبه وخرافاته وترهاته، وهؤلاء مجموعه مأجورين بالدولار هؤلاء مجموعة أجراء لو لم يقولوا هذا لن يجدوا وسيلة من وسائل الاسترزاق بالحرام والكذب في دين الله عز وجل.
والقنوات التي تستضيفهم تُربحهم أموالاً طائلة، ويُسوَّق لهم على مواقع التواصل مثل يوتيوب وفيسبوك، حيث تتجاوز المشاهدات الملايين، وكل ذلك لتحقيق أرباح من الإعلانات.
الخلاصة:
- لا يجوز أبداً أن يُقال عن الثوابت والقطعيات: “إنها مجال للاجتهاد”؛هذا اجتهاد مرفوض، لأن الاختلاف فيها هو اختلاف بين الحق والباطل، وليس اختلافاً اجتهادياً.
- أما في الفروع والمسائل المستجدة، فالاجتهاد وارد، ويحدث فيها أخذ ورد بين أهل العلم.
- ومن قلد عالماً ثقة مجتهداً، لم يأثم باتباعه فيما أفتى به.
- لا يجوز لأحد أن يقدّس شيخاً أو يدّعي له العصمة، أو يوالي ويعادي بناء على ذلك، لأن العصمة لا تكون إلا للأنبياء.
- ولا ينبغي لأحد أن يظن أن له الحق في تجريح العلماء، أو اتهام نواياهم، أو التنقيب عن بواطنهم، أو توزيع التهم:“هذا سلفي”.“هذا مبتدع”“هذا مخرف”.“هذا مخرب” فهذا كله من الجهل في دين الله عز وجل، وسوء الأدب مع العلماء الذين أفنوا أعمارهم في نقل الكتاب والسنة، وفهمها، وتعليمها للأجيال جيلاً بعد جيل.
وفي ختام الخطبة، أقول:“قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” (سورة الزمر: 46).