الشيعة النصيرية (النشأة -الاعتقاد- حكم سوريا )
بعد أحداث الثورة السورية وسقوط نظام عائلة الأسد وهروبه إلى روسيا، كثرت الأسئلة والتحليلات حول الوضع، وأنا لا أرضى أبدًا أن يكون المنبر منصة لنشر الأخبار أو تحليلها، فهذا أمر لا أجيده أصلًا، يقول النبي ﷺ: “رَحِمَ اللهُ امرَأً عَرَفَ قَدرَ نفسِه” (سنن الترمذي).
فالمسألة برمتها متروكة لأهل الشأن الذين يفهمون في السياسة، ولكن إذا كانت هناك نظرة شرعية للأمور أو بيان لحكم شرعي، فهذا هو دور الأئمة. ودائمًا ما يؤدي احترام التخصص في كل شيء إلى إثراء المعلومة الصحيحة والتوجيه الدقيق. أما الكلام في كل شيء وبدون خبرة، فيؤدي إلى كثرة السقطات والأخطاء.
من المسائل التي كثر السؤال عنها هي مسألة الشيعة النصيرية، وهذه المسألة مسألة تاريخية لها أبعاد كثيرة جدًّا. سأحاول أن أوضحها لكم في هذا اللقاء.
أصل نشأة الشيعة:
الأصل أن الشيعة ينسبون أنفسهم إلى أنهم شيعة علي، أي أنصاره ومحبوه، ونشأ تيار الشيعة بدايةً بعد الفتنة التي حدثت بسبب مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم تحوّل الأمر إلى الغلو، الذي تبلور فيما بعد في فرق الشيعة المختلفة.
ومع ظهور الخوارج، الذين كفّروا عليًا رضي الله عنه، وقالوا نزع نفسه من إمارة المؤمنين فهو”أمير الكافرين” حسب زعمهم.
ومن هنا تطوّر الأمر من مجرد حب وولاء وبيعة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كأمير المؤمنين، إلى الغلو المفرط الذي تبلور فيما بعد في فرقة الشيعة، بأطيافها وفرقها المختلفة.
والشيعة بطبيعتهم ينقسمون إلى طوائف وفرق كثيرة، لكن أبرزها في العالم الإسلامي ثلاثة فرق رئيسية:
- الشيعة الزيدية: يتمركزون في اليمن، وهم الأقرب إلى أهل السنة والجماعة مع وجود بعض الاختلافات.
- الشيعة الإمامية أو الاثنا عشرية: يُعرفون بأنهم شيعة إيران ومن والاهم، وهم الأكثر انتشارًا بين الشيعة.
- الشيعة النصيرية: بسوريا وتركيا وإيران وأجزاء ألأخرى من العالم.
رغم هذا التنوع، فإن الشيعة عمومًا يتفقون على تمجيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والاعتقاد بأنه كان أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. كما يؤمنون بأنه سُلبت منه الخلافة قسرًا، وأن عليًا رضي الله عنه سكت عن ذلك لمبدأ “التقية”، وهو مبدأ ديني لديهم يعتبر من أركان فكرهم، ويعني إظهار خلاف ما يبطن حفاظًا على النفس أو المصلحة، هذا ليس موضوعنا الأساسي، لكن لفهم نشأة الشيعة النصيرية، من المهم الإشارة إلى هذا السياق.
نشأة النصيرية:
كيف نشأت النصيرية ، ولماذا حكم علماء الإسلام على هذه الفرقة بالكفر؟
الشيعة تبنوا القول بأن لديهم 12 إمامًا معصومًا، وعندهم الإمامة العظمى (رئاسة الدولة)، ركن من أركان الدين، وكل هذه الأفكار ظهرت بعد وفاة الأئمة الأوائل من آل البيت الذين لم يكن لديهم علم بهذا الكلام.
وأنه لا بد أن يكون من نسل النبي محمد ﷺ عبر ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذه أسماؤهم:
- علي بن أبي طالب رضي الله عنه
- الحسن بن علي رضي الله عنه
- الحسين بن علي رضي الله عنه
- علي بن الحسين (زين العابدين)
- محمد بن علي (الباقر):
- جعفر بن محمد (الصادق)
- موسى بن جعفر (الكاظم):
- علي بن موسى (الرضا):
- محمد بن علي (الجواد أو التقي)
- علي بن محمد (الهادي)
- الحسن بن علي (العسكري)
- محمد بن الحسن (المهدي المنتظرأو الإمام الغائب) ويزعمون أنه دخل “الغيبة الكبرى” عام 329 هـ، وأنه سيظهر في آخر الزمان كالمهدي المنتظر.
ظهور الشيعة الإسماعيلية:
الإسماعيلية هي إحدى الفرق التي انبثقت عن الشيعة الإمامية في القرن الثاني الهجري، وظهرت بسبب خلافات حول الإمامة، وتطورت لتصبح مذهبًا خاصًا بعقائدها وأفكارها.
الخلاف حول الإمام السابع:
-
- بعد وفاة الإمام السادس جعفر الصادق (148 هـ)، اختلف الشيعة الإمامية حول من يكون الإمام السابع.
- مجموعة من الشيعة رأت أن الإمامة تنتقل إلى ابنه الأكبر إسماعيل بن جعفر، الذي توفي في حياة أبيه.
- اعتقد أتباع إسماعيل أنه لم يمت فعليًا، أو أن الإمامة تنتقل من خلال ذريته، وبهذا انفصلوا عن الشيعة الاثنا عشرية الذين رأوا أن الإمامة انتقلت إلى موسى الكاظم (ابن آخر لجعفر الصادق).
ظهور الشيعة النصيرية:
نشأت في القرن الثالث الهجري على يد محمد بن نصير النميري، أحد أتباع الإمام الحادي عشر للشيعة الاثنا عشرية (الحسن العسكري).
مات الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، وترك ابنًا عمره خمس سنوات هو محمد بن الحسن العسكري.
هذا الابن اختفى، وزعموا أنه دخل فيما يسمونه “السرداب” في سامراء، وأطلقوا عليه لقب الإمام المنتظر أو المهدي المنتظر. وعندما يذكرونه يقولون: “عجل الله فرجه”، وينتظرون خروجه منذ مئات السنين.
أما محمد بن نصير النميري، المُكنّى بأبي شعيب، فقد كان تلميذًا للحسن العسكري، ولما خرج ببعض الآراء الكفرية، نبذه الحسن العسكري، فانتحى جانبًا وأسس طائفة نُسبت إليه، وهي الشيعة النصيرية.
بعد وفاة الحسن العسكري، زعم محمد بن نصير أنه “باب” الإمام المعصوم محمد بن الحسن العسكري الذي اختفى وهو ابن خمس سنوات.
كلمة “الباب” عند الشيعة تعني أن الزمان لا يخلو من إمام من أئمة أهل البيت، وأن للباب مهمة نقل التكليفات والتشريعات والأوامر الصادرة عن هذا الإمام المعصوم. وقد استدلوا بحديث مكذوب مشهور عندهم عن النبي ﷺ أنه قال: “أنا مدينة العلم وعلي بابها”، بمعنى أن عليًّا هو باب مدينة علم رسول الله، وأنه الإمام المكلف بنشر كل شيء عن رسول الله ﷺ.
فرتبة “الباب” عندهم رتبة دينية، وقد زعم محمد بن نصير النميري أنه الباب بين الخلق والإمام المعصوم الحسن العسكري وابنه المستور الذي اختفى، محمد بن الحسن العسكري.
الغلو في شخصية علي رضي الله عنه:
ظهرت مبالغات كبيرة جدًا في العقيدة النصيرية، وزعموا أن “لا إله إلا علي”. وقالوا إن الآلهة ثلاثة، وأن عليًّا هو الإله، وأنه خلق محمدًا ﷺ، وأن سلمان الفارسي رضي الله عنه هو باب علي. وزعموا أن عليًّا باب محمد، وسلمان باب علي، ومحمد بن نصير هو باب الإمام المعصوم الغائب.
وقد أخذت العقيدة النصيرية أجزاءً من المسيحية والإسلام والشيعة، وخلطتها معًا لتخرج بهذه الديانة، فزعموا، كالنصارى، أن لعلي جزءًا ناسوتيًّا (بشريًّا) وجزءًا لاهوتيًّا (إلهيًّا).
وعبد الرحمن بن ملجم، الذي قتل عليًّا رضي الله عنه، وصفوه بأنه ملعون في الظاهر، لكنه محمود ومعظّم في الباطن، على حد زعمهم لأنه خلص عليا الإله من بشريته بقتله، وارتقى علي وصعد إلى السحاب، وهو الذي يسكن السحاب الآن. ويعتقدون أن الرعد صوته، والبرق ضحكه. فإذا مر أحدهم بالسحاب، قال: “السلام عليك يا أمير المؤمنين” أو “السلام عليك يا أبا الحسن”.
ولديهم ذكر مقدس يقولونه يوميًا 500 مرة: “بحق ع م س”. وهذا الرمز “ع م س” يشير إلى ثلاثة أو ثالوث(علي ومحمد وسلمان)علي بن أبي طالب، الذي يزعمون أنه خلق محمدًا ﷺ، وأن سلمان الفارسي رضي الله عنه علّم محمدًا القرآن متجسّدًا في صورة جبريل عليه السلام. ويستخدمون هذا الذكر في دعائهم بقولهم: “اللهم بحق ع م س”.
عندهم قرآن مفبرك من تأليفهم، والنصوص فيه مليئة بالكفر والركاكة، ولذلك فضّلت عدم نشرها.
أما صلاتهم، فهي تجاه الشمس وليست للكعبة. فلا يؤمنون بقدسية الكعبة، بل يعتقدون أنها مكان لعبادة الأصنام، والعياذ بالله. الصلاة عندهم لا تحتوي على السجود، وقد يكون فيها ركوع أحيانًا.
أما الزكاة، فهي ليست كزكاة المسلمين، بل يؤدون الخُمس لمرجعياتهم ومشايخهم، في تقليد واضح للشيعة.
كما قلت هذه الديانة مزيج غريب بين المسيحية والشيعة والإسلام.
لا يوجد لديهم حجاب للنساء، ولا يفرضونه.
كما أنهم لا يصومون رمضان، بل يحتفلون بكل الأعياد الإسلامية والشيعية والمسيحية، مثل عيد الميلاد، وعيد الغطاس، وعيد الفصح. وتكثر بينهم الأسماء المسيحية.
وهذا توضيح لأعيادهم
1. أعياد ذات طابع شيعي:
- عيد الغدير: يُحتفل به باعتباره ذكرى تنصيب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليًا للمؤمنين في غدير خم.
- ذكرى عاشوراء:يُحيون ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه في كربلاء، ولكن بطريقتهم الخاصة التي تتداخل فيها الطقوس الباطنية.
- عيد الفطر وعيد الأضحى:يُحتفل بهما ولكن بشكل رمزي، إذ لا يؤدون صلاة العيد أو يلتزمون بالشعائر الإسلامية كما عند المسلمين.
2. أعياد ذات طابع باطني خاص:
- عيد الإشراق:يُعتقد أنه يحتفل بالخلق الإلهي والنور، وهو من الأعياد الباطنية لديهم.
- عيد مولد الإمام علي: يُقدس النصيريون هذا العيد باعتباره مولد “الإله” حسب عقيدتهم الباطنية.
3. أعياد ذات تأثر مسيحي:
- عيد الميلاد: يحتفل النصيريون بميلاد السيد المسيح عليه السلام، وهو أحد الأعياد المتأثرة بالمسيحية.
- عيد الغطاس:يُحتفل به كعيد للتطهر والنقاء، وهو مستوحى من الديانة المسيحية.
- عيد القيامة: لديهم احتفالات تتزامن مع عيد القيامة المسيحي.
4. أعياد موسمية وزراعية:
- عيد الربيع (النيروز):يحتفل النصيريون بعيد النيروز (عيد السنة الفارسية الجديدة)، وهو عيد مستوحى من التقاليد الزرادشتية.
- أعياد الحصاد:تشمل احتفالات مرتبطة بالمواسم الزراعية، مثل الحصاد وقطف المحاصيل.
ظهرت النصيرية لأول مرة على يد محمد بن نصير في العراق، ثم انتقلوا إلى حلب في ظل الدولة الحمدانية، حيث قُرّبوا وحُظوا بالرعاية.
وبعد زوال الدولة الحمدانية، تفرّقوا وانتشروا.
جاء الاستعمار الفرنسي وأقام لهم دولة خاصة بهم، وأراد طمس اسم النصيرية لما ورد عنهم من فتاوى قديمة بكفرهم بسبب تأليههم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أطلق الفرنسيون عليهم اسم “العلويين”، في محاولة للتقرب من المسلمين وإخفاء معتقداتهم الباطنية.
يرتبط هذا الاسم بسيدنا علي رضي الله عنه، في محاولة للتضليل. استمرت هذه الدولة، المسماة بالدولة العلوية، من عام 1920 حتى 1936.
وبعد زوالها، اتحدت سوريا، وبقي هذا الاسم ملتصقًا بهم.
كان هناك فكرة لتقسيم سوريا إلى عدة دويلات، من ضمنها لبنان، وذلك ضمن ما كان يُعرف تاريخيًا ببلاد الشام. بلاد الشام تضمّ كلًا من الأردن، وفلسطين، ولبنان، وسوريا، وكان هذا الاسم مستخدمًا خلال فترة الدولة العثمانية (ولاية الشام).
وفقًا لاتفاقية “سايكس-بيكو”، حصل تقسيم المنطقة وانتهى الحال إلى الوضع الذي نراه الآن: دولة الأردن، دولة فلسطين، دولة لبنان، ودولة سوريا.
هناك الكثير من التفاصيل التاريخية حول أسباب عدم انقسام سوريا كما خُطط له في تلك الفترة.
استمر العلويون النصيريون في التواجد ضمن المجتمع السوري. يُقدّر عددهم بحوالي مليوني شخص، يتمركزون في الساحل الغربي لسوريا، ولهم بقايا في تركيا، وبعضهم في ألمانيا وإيران. يصل العدد الإجمالي لهم على مستوى العالم إلى حوالي 3 ، 4 ملايين شخص.
النصيرية ديانة منغلقة لا ترحّب بالغرباء، ولا يتعلم أحد منهم شيئًا عن ديانتهم حتى يبلغ سن السابعة عشرة، حيث تقام له مراسم خاصة تتسم بالكفر البواح. المرأة ليس لها دور في هذه الديانة، ولا يحترمون النساء أو يعتبرون لهن أي مكانة.
ظل النصيريون على مدى التاريخ متحصنين في الجبال، وكانت لهم تدخلات أقرب للخيانة في التاريخ الإسلامي.
منها خيانتهم لحساب الدولة الفرنسية، وقبلها خياناتهم مع الصليبيين ضد المسلمين. حتى إن صلاح الدين الأيوبي عندما فتح هذه المناطق حاول إصلاحهم، فأقام لهم المساجد ودعاهم إلى التوبة، لكنهم بعد وفاته حوّلوا المساجد إلى إسطبلات للخيول وحظائر للحيوانات، وعادوا إلى ما كانوا عليه.
النصيريون وحكم سوريا:
في العصر الحديث، ظهر منهم شخص يدعى “حافظ الوحش”، الذي غيّر لقبه فيما بعد إلى “حافظ الأسد”.
كان خريج الكلية الحربية، متخصصًا في الطيران الحربي، وانضم إلى قيادة حزب البعث السوري الاشتراكي. تطورت مسيرته السياسية ليصبح وزيرًا للدفاع.
التاريخ يذكر أن حافظ الأسد تلقّى رشوة بقيمة 50 مليون دولار آنذاك مقابل الانسحاب من الجولان وإخلائها لإسرائيل. مرتفعات الجولان، التي تصل ارتفاعاتها إلى 3000 متر، تُعتبر موقعًا استراتيجيًا لا يمكن لأي جيش احتلاله بسهولة إذا كان هناك جيش آخر متمركز أعلاها، ومع ذلك، انسحب الجيش السوري واحتلتها إسرائيل عام 1967.
فيما بعد، حصل حافظ الأسد على مكافأة سياسية، حيث قام بانقلاب عسكري على الرئيس السوري وقتها، وأعلن نفسه رئيسًا للجمهورية السورية. وأعلن أن سوريا دولة علمانية بعثية اشتراكية.
شهدت البلاد بعد ذلك عدة اضطرابات وثورات، كان أشهرها ثورة حماة.
كانت ثورة حماة في سوريا تمثل انتفاضة ضد حكم حافظ الأسد قام بها الإخوان المسلمون، حيث طالبوا بالحقوق السياسية.
لكن النظام السوري واجهها بعنف شديد، إذ نصب المدافع حول مدينة حماة ودكها دكًا عنيفًا.
من بقي على قيد الحياة من أهل المدينة، إما قُتل رميًا بالرصاص مباشرة، أو تعرض للتعذيب الوحشي في السجون.
استمر حافظ الأسد في الحكم مدة طويلة، وصلت إلى 30 سنة، حتى توفي.
وكان له ابن يُعدّ لخلافته، وهو باسل الأسد، لكنه توفي في حادث سيارة. حينها استُدعي ابنه الآخرمن لندن، طبيب العيون بشار الأسد، لتولي الحكم، رغم صغر سنه، إذ كان يبلغ 34 عامًا فقط.
ولأن الدستور السوري كان ينص على أن عمر الرئيس لا يقل عن 40 سنة، انعقد البرلمان السوري بسرعة وصوّت على تعديل الدستور لإلغاء هذا الشرط.
وهكذا، أصبح بشار الأسد رئيسًا، واحتفظ بالسلطة طوال هذه الفترة البالغة 24 سنة، حاصدًا نتائج انتخابية مزورة تُظهر “تأييد الشعب” بنسبة 99.99%.
وانزاح الكابوس المرعب وفر الطاغية:
كان الهدف من توضيح هذه الأحداث أن يفهم الجميع الخلفية التاريخية للنظام السوري، ومعنى كلمة “الشيعة النصيرية”، والعقائد الفاسدة التي يعتنقونها، والتي لا ينبغي أن تُنسب للإسلام بأي حال من الأحوال.
وأن انتسابهم للشيعة هو انتساب كاذب، والشيعة أنفسهم لا يعترفون بهم. بل إن فتاوى أئمة الشيعة تصفهم بالكفر.
ومع ذلك، فإن المصالح السياسية والتفاهمات، واجتماع أهل الباطل على عداوة أهل السنة، أدى إلى تحالفات دامية.
تمثل ذلك في اتفاقيات بين إيران (عبر ميليشياتها مثل “حزب اللات”) والنظام السوري البعثي، لمواجهة الثورة السورية.
كان هدفهم تغيير الخريطة الديموغرافية لسكان سوريا، من أغلبية سنية إلى أغلبية شيعية.
ارتكب النظام السوري وحلفاؤه مجازر مروعة ضد المدنيين، حيث كانوا يقتلون الناس باسم “آل البيت”.
سفكوا الدماء باستخدام البراميل المتفجرة، وأرسلوا ميليشيات إيرانية تُعرف بأسماء مثل “الفاطمية” و”الزينبية” إلى القرى والمدن، حيث ارتكبوا فظائع ضد أهل السنة.
يحكي السوريون كثيرا عن المشاهد المروعة التي تحدث عند حواجز التفتيش التي كانت تديرها قوات النظام، وكان المرور بهذه الحواجز يعني الخضوع للإذلال أو الموت أو الاعتقال وكان الشخص إذا مر بالحاجز الأمني ينطق الشهادتين لأن الغالب أنه مقتول أو معتقل إلى سجون الموت.
الناجون من هذه السجون يروون قصصًا مروعة عن التعذيب.
كان التعذيب يبدأ كل يوم بالرجال الذين يُجبرون على الصراخ من شدة الألم، ثم تُنقل نفس المعاملة للنساء والأطفال، في مشاهد تقشعر لها الأبدان. وللتعذيب النفسي والصدمات الشديدة لإذلالهم ، وكل هذا لمجرد أنهم طالبوا بالثورة على الظلم وعلى هذا الحاكم الطاغية، الذي حكم دولة أغلبيتها من أهل السنة.
روى أحد الشباب قصة اعتقاله عند أحد الحواجز، حيث سُئل عن أصله، فأجاب بأنه من إدلب، المدينة التي تعتبر مهد الثورة السورية.
مجرد ذكر اسم إدلب كان كافيًا لتعريضه للتعذيب والاضطهاد.
سألوه أثناء التحقيق: “من أين أنت؟”، فأجاب: “من إدلب”. كانت هذه الإجابة كافية لتصبح تهمته الوحيدة أنه من إدلب.
بقي هذا الشخص في السجن، يُعذّب وروي قصصًا مروعة عن التعذيب الذي تعرّض له.
يقول إنه عُرض يومًا ما على المحكمة، فنظر إليه القاضي وسأله: “من أين أنت؟”، فقال: “من إدلب”. رد القاضي: “اذهب”، ولم يسمح له بالكلام.
يقول إنه بعد ثلاث سنوات من ذلك اليوم، علم أنه حُكم عليه بالإعدام، دون أن يعرف تهمته أو الحكم الذي صدر ضده.
كانوا يحكمون على الناس بالإعدام، ثم ينفذون الأحكام بشكل تسلسلي كل يوم عند الفجر.
يتم إعدام مجموعات من المعتقلين، إما شنقًا، أو رميًا بالرصاص، أو بالتعذيب الوحشي. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والله، من يسمع أو يقرأ عن هذه الجرائم، يتساءل: هل هؤلاء بشر حقًا؟ هل يمكن لبشر أن ينفذوا هذه الأساليب الشيطانية القذرة؟
من القصص المؤلمة التي سمعنا عنها، قصة دكتورة صيدلانية تبلغ من العمر 85 عامًا، مسجونة منذ الثمانينيات، من بداية الأحداث.
تهمتها أن لها جارة مسلمة سنية، تقدم لخطبة ابنتها ضابط نصيري. سألتها الجارة: “ما رأيك يا دكتورة فلانة؟”، فقالت لها: “لا، هؤلاء كفار”. بعد يومين فقط، جاءت الشرطة واعتقلتها. منذ ذلك اليوم لم تخرج من السجن. خرجت الآن عجوزًا ضعيفة وهزيلة بسبب كلمة أو نصيحة قدمتها لجارتها.
المضحكات المبكيات:
هذه المآسي تجعلنا نتساءل: كيف يمكن للبعض أن يستمر في الحديث عن “عدم جواز الخروج على ولي الأمر” مثل بشار الأسد؟ يا جماعة، أنتم تعيشون في كوكب آخر! بشار الأسد، الذي ارتكب نظامه كل هذه الجرائم، ليس ولي أمر بأي حال من الأحوال.
من يقول هذا الكلام يتجاهل كل هذه الجرائم، أو يتعامل مع بشار الأسد وكأنه من “السلف الصالح”!
البعض يعبر عن حزنه، ليس بسبب الجرائم والمجازر، بل لأنه يخشى تقسيم سوريا، أو يعتقد أن الحرب الأهلية في سوريا قادمة.
وكأن ما حدث قبل ذلك كان “فرحًا ونعيمًا” لأهل سوريا! وكأن الشعب السوري تمرد على “النعمة” و”كفر بها” عندما قرر القيام بالثورة!
يا إخواني، من جرب معنى الخوف الحقيقي، ومن عاش في وطنٍ حيث كل شبر منه مراقب، وحيث الحرية مسلوبة، وحيث تُصادر أبسط حقوق الإنسان، يدرك قيمة الحرية. من شعر بطعم الحرية والأمان، يفهم المعاناة. أن تضع رأسك على الوسادة في نهاية اليوم وتنام مطمئنًا، هذه نعمة لا تُقدّر بثمن.
أن تكون آمنًا على زوجتك وأولادك، أن تأمن من التفجيرات والقنابل والصواريخ وغارات الطيران والكمائن والشرطة والتعذيب، هذا لا يُقدّر بثمن. نصيحتي أن نكف عن التنظير وعن هذه الترهات والأوهام والخرافات التي يروّج لها بعض الذباب الإلكتروني، مثل قضية الخروج على ولي الأمر والحاكم، أو الحديث عن الفتن والانقسام.
كل ما مرّ من معاناة وكل ما نُشر لا يُقارن أبدًا بما رأى أهل سوريا في الماضي وما ينعمون به الآن من طعم الحرية والأمن والأمان.
فلنترك الأمور لأهلها، فهم الأدرى بشؤونهم. لماذا نتحدث عن كل شيء نيابة عنهم؟
هناك أناس مسؤولون عن سوريا، عن إدارتها وشؤونها، سواء كانوا من قادة العمليات العسكرية أو زعماء الثورة أو حتى القيادة الحالية.
سمعنا أخبارًا عن قائد العمليات العسكرية أنه طلب من فتاة أن تغطي شعرها عندما أرادت التقاط صورة بجانبه، فثار البعض واعتبرها “مصادرة للحريات” و”إهانة لكرامة المرأة”! سبحان الله، ما هذا التناقض؟ عندما زار ترامب بابا الفاتيكان، ارتدت زوجته غطاءً على رأسها احترامًا للمكان، ولم يعترض أحد في الإعلام الأمريكي أو الأوروبي. فلماذا تستنكرون على فتاة سورية غطت رأسها؟
الأمر الأدهى أنكم تزعلون على فتاة غطت شعرها، ولا تحزنون على النساء المغتصبات، اللواتي يخرجن حاملات أطفالًا لا يعرفن آباءهم بسبب جرائم الاغتصاب! تحزنون على “الحرية” التي ترونها في غطاء رأس، ولا تحزنون على المرأة الفلسطينية التي فقدت أباها وأخاها وزوجها وأطفالها، والتي تضطر للتنقل من مكان إلى مكان، تحمل معها القليل من المتاع الذي جمعته وسط الشتات.
هذه المرأة لا تدري أين ستسكن، أو ماذا ستأكل، أو ماذا ستشرب.
الأمر مليء بالكثير من التناقضات، لكن العجيب هو من يترصّد الأخطاء ويبالغ في تضخيم أمور صغيرة لا وجود لها إلا في أذهانهم المريضة.
فلنمهل أنفسنا، ولنترك لإخواننا في سوريا فرصة الفرح بلمّ الشمل واجتماع الأهل. ونسأل الله أن يبارك لهم في أمنهم وأمانهم وحريتهم. ونسأل الله أن يؤلّف بين القلوب، ويوحد الصفوف، ويأخذ بِنواصينا جميعًا إلى الخير.
وليعلم الجميع أن الظلم مهما استفحل وزاد، فهو إيذان بزوال حكم الظالمين. يقول الله تعالى: “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” (سورة آل عمران: 140)، فلن يدوم الحال على ما هو عليه أبدًا، فالتغيير والتحوّل من سنن الله الثابتة في الكون.
الدنيا دار أغيار، لا يبقى فيها شيء على حال. من سنن الله تعالى أن لا يدوم شيء على قوته، بل يتحول من قوة إلى ضعف، ومن ضعف إلى قوة. هذه هي سنن الله في الكون، وهذه هي قوانينه التي تحكم الحياة.
وهذا هو ما دفعني إلى تقديم سلسلة “فقه السنن الإلهية”، لنتعلم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك أن تفرج كرب المكروبين
اللهم فرّج كرب المكروبين في كل مكان.
اللهم فرّج الكربة عن إخواننا في غزة،
وعن إخواننا في السودان، وفي كل أرض يُذكر فيها اسمك.
اللهم اجعل سوريا وبلاد المسلمين بلاد أمن وأمان.
اللهم وحّد صفوفهم،
اللهم اجمع كلمتهم على الحق،
اللهم متّعهم بالحرية والأمن والأمان.
اللهم احفظهم من الثعالب الذين يمكرون بهم ليلًا ونهارًا.
اللهم وفقهم، وخذ بنواصيهم إلى ما تحب وترضى،
واجعل بلاد المسلمين بلاد الأمن والأمان.
اللهم ارفع الظلم عن المظلومين، والقهر عن المقهورين.
اللهم أرِنا بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.
اللهم إنا نصوب سهام دعواتنا إلى نحور الظالمين الذين استحلوا الدماء،
وسجنوا الأبرياء، وانتهكوا الحرمات.
أنت حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.