شرح الأربعين النووية
13- (لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ)
عَنْ أَبِيْ حَمْزَة أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ عَن النبي ﷺ قَالَ: (لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري ومسلم
الحديث السابق عن حسن إسلام المرء، أما هذا الحديث فعن كمال الايمان، فعدم التدخل في شأن الاخرين والفضول من حسن الاسلام، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك هذا من كمال الايمان.
قول الرسول ﷺ : (لا يؤمن) هذا نفي لكمال الايمان، يعني لا يبلغ الدرجة الكاملة من صور الايمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وفي رواية ابن حبان توضيح لهذا المعنى: (لا يبلغ العبد حقيقة الايمان حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه من الخير)، فالمقصود من قوله- صلى الله عليه وسلم- (لا يؤمن) المبالغة، والحث على هذا الفعل، فلن تبلغ أعلى درجات الايمان، حتى يفيض الحب من قلبك على إخوانك، بأن تحب لهم ما تحب لنفسك.
وطبيعة النفس البشرية حب الذات، وهذه غريزة فينا وليست عيبا فأنت تحب نفسك لتلبي احتياجاتها، محتاج تشرب محتاج تأكل محتاج تلبس تحس بالبرد بالحر، تتعافى تتكسب تبحث عن مستقبلك…الخ.
لكن أنت لا تعيش في المجتمع وحدك أنت تعيش مع الناس، والحضارة الغربية فيها بعض الصفات الجميلة الإنسانية التي تبين أن الناس فيها تكاتف وفيها تلاحم، وفيها أشياء سلبية مثل تمجيد الأنا تمجيد الذات، وتضخيم الذات أو ورم الذات، (الانانية)
ولذلك انتبه في التربية يجب أن تربي أولادك على أن يحب بعضهم بعضا، ولا يجوز لك أن تخص أحدهم بهدية دون الآخر أو تحسن للذكر دون الأنثى، وكن كالمرأة الأعرابية لما سألوها أي أبنائك أحب اليك؟ قالت: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها.
فأولادك كلهم كن على مسافة واحدة منهم، ويجب أن تربي أولادك على العطاء، الهدية من الأخ لأخيه، المشاركة في اللعبة، وفي الحلوى ..الخ، فلا ينشأ ابنك على إنه إنسان أناني، لا يعرف إلا ذاته، فلما ينشأ على العطاء كإنسان محب لغيره فإنه يكون بذلك مؤمنا حقا.
أسعد الناس في الدنيا:
والإسلام علمنا أن أسعد الناس في هذه الدنيا من يسعد غيره، حتى الأطباء النفسيين الآن يقولون إن من أسباب علاج الاكتئاب العمل الخدمي بزيارة المرضى والعناية بكبار السن أو عمل طعام للمشردين .
فأنت إذا أسعدت نفسك فأنت أسعدت شخصا، فإذا أسعدت خمسة، فسعادتك خمسة أضعاف، فإذا أسعدت عشرة فسعادتك عشرة أضعاف، فإذا أسعدت مئة …..الخ.
– سبحان الله- العظيم تعلمون أننا نجمع في هذا المسجد المبارك لحفر آبار في صحراء تشاد لما نشرنا مقطع الفيديو عند افتتاح أحد الآبار التي شارك فيها رواد المسجد هنا كثير من الإخوة عبروا لي عن فرحتهم أنه لما رأى ذلك بكى فرحا وقال: نحن والله في نعمة فهذا بئر ماء يروي قرية بأكملها وأحدنا يفتح الحنفية فيأتيه الماء سهلا يسيرا .
ولذلك هنا في الغرب لما اكتشفوا هذا الأمر بدأوا يهتمون بالجوانب الانسانية كثيرا، لأن الغرب يدير دفته الرأسمالية والمادية وكل شيء بكم ؟ فبدأوا يفكرون في هذا الموضوع ، وبدءوا يمجدون المعاني الانسانية،ويتحدثون عنها إعلاميا.
فأقول: جرب بنفسك أن تدخل ابتسامة على وجه الطفل، جرب أن تسعد جارك، صديقك ،أخاك….جرب هذا ستجد والله لها مردود طيب، لو قلت كلمة طيبة لها مردود، صدقوني لو قلت كلمة طيبة لغريب أو حبيب او بعيد، الكلمة الطيبة لها أثر نفسي كبير.
والرسول ﷺ قال: ( أعظم الأعمال سرور تدخله على قلب مسلم) أعظم الاعمال، تخيل! لم يقل أعظم الأعمال أن تصلي كذا وتصوم كذا وتقرأ القرآن كذا … كلا
وقال :(أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضىً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وأن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل.) السلسلة الصحيحة
بعض الناس عنده العكس، أعظم انجازاته أن يدخل الحزن على الناس، ما عنده غير أسوأ الأخبار،- سبحان الله- ، يقول لك فلان مات… في كارثة … في مصيبة، يا أخي كن من المبشرين أنشرما فيه منفعة للناس.
(وتكره لأخيك ما تكره لنفسك)
(حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) مفهوم الموافقة في الحديث : (وتكره لأخيك ما تكره لنفسك) يعني إذا رأيت ضررا يعود على أخيك تحذره تنصحه تبين له، إذا رأيت شيئا سيؤذي الناس تحرى ألا تؤذيهم.
الرسولﷺ قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك في الطريق، فأخَّره، فشكر الله له فغفر له) متفق عليه.
لو أنك وجدت حفرة وقمت بإصلاحها رجاء أن تحجب الأذى عن غيرك أنت لك مكانة عند الله .
وفي الحديث يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) ، وقال: (صاحب المعروف لا يقع أبدا، وإن وقع وجد متكأ) والعكس بالعكس، من يزرع الشر يجني الجراح.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في حب الخير للغير ، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر جهدا في نصح الآخرين ، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة ، فقال لأبي ذر رضي الله عنه : ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرنّ على اثنين ، ولا تولين مال يتيم ) .رواه مسلم
وسلفنا الصالح رحمهم الله ، حملوا على عواتقهم هذه الوصية النبويّة ، وكانوا أمناء في أدائها على خير وجه ، فها هو ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ” إني لأمر على الآية من كتاب الله ، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم “
فالذي يقدر على هذه الخصلة ويقوى عليها المسلم الذي رزق سلامة الصدر وكان قلبه خاليا من الغل والغش والحسد، فمن كان كذلك سره ما سر أخاه وساءه ما ساء أخاه، أما من كان يحمل في قلبه الغل فإنه يمنع من هذا الخير لمنافاته لما في قلبه من السوء، فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في خير أو يساويه فيه لأنه يحب أن يمتاز عن الناس بفضائله وينفرد بها عنهم والإيمان يقتضي خلاف ذلك وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من الخير غير أن ينقص منه شيء.
محبة الخير لغير المسلمين:
ويتسع معنى الحديث ، ليشمل محبة الخير لغير المسلمين ، فيحب لهم أن يمنّ الله عليهم بنعمة الإيمان ، وأن ينقذهم الله من ظلمات الشرك والعصيان ، ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية الترمذي لهذا الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم : ( وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ) فليس معنى الحديث منع من فعل المعروف مع غير المسلم بل نفعل الخير للجميع، المسلم أو غير المسلم المسالم، فيجمعنا رباط الانسانية، قال تعالى: (لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ) [الممتحنة8،9]
طماطم فاسدة قتلت ابنه:
قال أحدهم : كنت أعمل في قرية،وكانوا يزرعون بعض الخضرة كالطماطم والخيار وغيرها في الصوبات الزراعية، لأن الناس تحتاجها طوال السنة، يقول: فمررت برجل ذات يوم جمع طماطم بكميات كبيرة، وأمسك بخشبة يضرب بها الطماطم لإفسادها فظننته مجنونا ، فقلت يا رجل حرام عليك، بدلا من إفسادها خليها لأحد الفقراء والمساكين ، فقال لي: خليك بحالك أنت لا تعرف شيئا، قلت له يا رجل حرام عليك هذه الكميات كلها تفسدها ؟ قال له: يا عمي الله يسترك اتركني في حالي، طيب والله لن أتركك حتى تخبرني لماذا تفعل هكذا؟ فقال له سأخبرك، أنا صاحب هذه الصوبة الزراعية، ومن ضمن المزروعات هذه الطماطم والتي تأخذ وقتا حتى تكون ناضجة ، فنقوم بوضع مادة كميائية عليها فيتحول لونها سريعا إلى اللون الأحمر لتباع في أول الموسم بسعر أعلى، وهذه المادة تسبب السرطان، فكنت أبيع منها وآخذ منها لبيتي، فأصيب بالسرطان بسببها، ولم نكتشف ذلك إلا مؤخرا وقد انتشر السرطان بجسمه وتدهورت حالته إلى أن مات.
فوائد الحديث:
1- من تمام الايمان أن تحب لاخيك ما تحب لنفسك، وأن تكره لاخيك ما تكره لنفسك.
2- تربية أولادنا على نكران الذات وعدم الانانية.
3- أسعد من حولك يسعدك الله.
4- البذل والعطاء للغير سبب لمنع الحسد.
5-الحث على التواضع.
6- التحذير من الحسد، لأن الحاسد لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، بل يتمنّى زوال نعمة الله عن أخيه المسلم.
7- من ثمرات العمل بهذا الحديث العظيم أن ينشأ في الأمة مجتمع فاضل ، ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة ، فنكون كالجسد الواحد القوي المتماسك، فتتحقق للأمة سعادتها وعزها.
8-من تحلى بهذه الخصلة العظيمة كان مستحقا لدخول الجنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) رواه مسلم.
وروي في مسند أحمد عن يزيد القسري قال قال لي رسول الله: (أتحب الجنة قلت نعم قال فأحب لأخيك ما تحب لنفسك).
وذلك أنه لما كان المسلم محسنا لإخوانه في الحياة الدنيا مشفقا عليهم حريصا على نفعهم جازاه الله بالإحسان في الآخرة وأدخله دار كرامته.