عظمة الله رب العالمين
4- حديث ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي….”
عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال :
( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ،
يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ،
يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم ،
يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ،
يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ،
يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ،
يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ،
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ،
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ،
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) أخرجه مسلم .
هذا الحديث حديث عظيم جدًا وفيه فوائد كثيرة، لكننا إن شاء الله نتناول بعضها حتى لا نطيل في درسنا وخاطرتنا.
الله سبحانه وتعالى يخبر عن ذاته الكريمة فيقول: “يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي.” نحن عبيد الله عز وجل، نحن ملكه وطوع أمره، يفعل فينا ما يشاء، ومع قدرته جل وعلا على خلقه، وأنه لا يعجزه شيء منهم، فإنه حرم الظلم على نفسه، وجعل هذا الظلم محرمًا بين خلقه، فهو من أبغض الذنوب إلى الله، ولذلك قال: “فلا تظالموا” يعني لا يظلم بعضكم بعضًا.
ثم ينادينا الله مرة ثانية ويقول: “يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته.” كلنا على ضلال، كلنا نقع في المعصية ونقع في الخطأ، والذي يبصرنا ويهدينا ويأخذ بنواصينا إلى الخير هو الله: “فاستهدوني أهدكم.” اطلبوا مني الهداية أهدكم صراطي المستقيم، ولذلك نحن نردد في الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة: “اهدنا الصراط المستقيم.” ندعو الله ونرجوه أن يهدينا صراطه المستقيم، ونكرر الدعاء أن يثبتنا على الصراط المستقيم.
“يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته.” فالرزاق هو الله سبحانه وتعالى، الذي يهب النعم والذي يهب الأرزاق والذي يقسم الأقوات هو الله سبحانه وتعالى. فسألنا، أو طلب منا أن نسأله الرزق، قال: “فاستطعموني أطعمكم.” اطلبوا مني أن أطعمكم واطلبوا مني الرزق وخذوا بالأسباب متوكلين علي في طلب الرزق، أرزقكم وأطعمكم.
ثم يقول: “كلكم عارٍ إلا من كسوته.” فالنعمة والفضل لله عز وجل، هو الذي ساق إلينا هذه الملابس نعمةً منه، نستر عوراتنا ونتجمل بها. فنحن نحمد الله على ذلك ونسأل الله تعالى أن يكسونا. ويجوز أن نقول: أكسٌكم وأكسِكم بكسر السين وضمها.
والنبي ﷺ علمنا أن من أكل طعامًا فقال: “الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ” غفر له ما تقدم من ذنبه. وفي الحديث الثاني قال: “من لبس ثوبًا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه.” فالله يرضى أن يأكل العبد الأكلة فيحمده عليها، وأن يشرب الشربة فيحمده عليها. هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم يقول الله تعالى: “يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار.” علم الله ضعفنا وعلم الله أننا نقع في الزلل والمعاصي والذنوب.
قال: “فاستغفروني أغفر لكم.” اطلبوا مني المغفرة، اطلبوا مني أن أتوب عليكم. ونبينا ﷺ كان يقول: “يا عباد الله استغفروا الله وتوبوا إليه، فإني أستغفر الله في اليوم أكثر من مئة مرة.”
ويقول عبد الله بن عمر: كنا نعد لرسول الله في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة: “رب اغفر لي وتب عليّ، إنك أنت التواب الرحيم.”
وفي لفظ: “إنك أنت التواب الغفور.” فالاستغفار عبادة، فإذا كان معه التوبة كان عبادة باللسان وتوبة بالقلب.
ثم يخبر الله عز وجل أنه له الكمال وله الجلال، لا حاجة له في طاعة ليزداد ملكه، ولا ضرر عليه في المعصية فينقص ملكه. فنحن مهما بلغنا ما بلغنا لن نبلغ نفع الله لننفعه، ولن نبلغ ضر الله فنضره. ولو أن الأمر بالعبادة فإن الملائكة أكثر منا خلقًا وأعظم منا خلقًا وأدوم منا عبادة، لكنهم، سبحان الله، يعني لم يكن في خلقهم كمالًا لله أو زيادة في ملكه سبحانه وتعالى. ولم يكن كفر من كفر أو عصيان من عصى نقصًا في ملك الله تعالى. فلن يبلغ إنسان مهما بلغ أن ينفع الله أو أن يضر الله عز وجل.
ولذلك نادى: “يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم.” يعني من أول الخلق إلى نهايته من الإنس والجن كانوا على أتقى قلب رجل واحد، هذا لا يزيد في ملك الله شيئًا. ولو كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ماذا؟ ما نقص ذلك في ملك الله شيئًا، إشارة إلى كماله وجلاله، وأنه غني عن خلقه سبحانه وتعالى.
ثم يبين الله تعالى سعة فضله وعطائه فقال: “يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد.” صعيد واحد يعني أرض واحدة مستوية، والجميع يسأل الله مسألة: هذا يسأل الله الشفاء، وهذا يسأل الله العافية، وهذا يسأل الله الغنى، وهذا يسأل الله الزوجة، الذرية، العمل، الجنة. كل واحد له مسألة، فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته، ما ينقص ذلك من ملك الله شيئًا. إلا، وهذا على سبيل المبالغة، لو أنك أدخلت المخيط، المخيط آلة الخياطة، يعني الإبرة، لو أدخلتها في البحر ثم أخرجتها، ماذا تنقص من البحر؟ لا شيء.
ثم يقول: “يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.”
أحد الإخوة كان كتب هذا التعليق، أعجبني، قال: لو أن صحيفة الحسنات والسيئات هي صفحة الفيسبوك مثلًا، افتح هذه الصفحة وانظر ماذا كتبت فيها أو نشرت فيها. هذا على سبيل التقريب، يعني، فتجد حتى الفيسبوك يكون لك هذا المنشور أنت نشرته من عام، وهذا المنشور أنت نشرته من عامين، وهذا كله يسمونه الذكاء الاصطناعي. فهو يحصي هذه الأمور كلها، ثم ينشرها لك، وتراها موجودة، وتجد صورة لك منذ خمس سنوات، وتجد سفرًا سافرته إلى المكان الفلاني منذ سنوات، وتجد وتجد…..الخ.
فتخيل هذا كتاب أعمالك، فيه الأعمال مكتوبة ومحصاة، فإذا كان فيها خير، فالحمد لله الذي وفقنا وأعاننا. وإذا كان غير ذلك، فإن الله ينبهنا أن ذلك بسبب أنفسنا. ولذلك كان النبي ﷺ يقول: “ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.” ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
الحديث فيه فوائد كثيرة، لكن نلحظ فيه جلال وعظمة الله سبحانه وتعالى، واتصافه بالكمال والغنى، واستغنائه عن خلقه جل جلاله. ثم نداءه أكثر من مرة: “يا عبادي…” كأنه يوقظ فينا حسًا ونداء: “يا عبادي، يا عبادي، يا عبادي…” يتردد هذا النداء للفت الأنظار والانتباه إلى كلامه جل وعلا.
أيضًا فيه حاجتنا وفقرنا وانكسارنا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن العبد يستعين بربه في كل ما يهمه من أمور الدنيا وأمور الآخرة. نسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه. اللهم آمين.