عظمة الله رب العالمين: 1- كيف نعظم الله؟

تاريخ الإضافة 1 يناير, 2025 الزيارات : 310

عظمة الله رب العالمين

1- كيف نعظم الله؟

هذه الخواطر الإيمانية نريد من خلالها أن نتعرف على الله جل في علاه، وإدراك عظمته وجلاله، ومن ناحية أخرى أن نقوّي إيماننا بالله سبحانه وتعالى.

ولا يغيب عنا أن السبب الأساسي للكفر بالله، والغفلة والركون إلى الدنيا هو الجهل بالله سبحانه وتعالى، وعدم معرفته، وعدم إدراك عظمته وجلاله.

ولإيضاح ذلك أقول: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبر امرأة تبكي عند قبر ابنها، فقال لها: (اتقي الله واصبري). فقالت: (إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي)، وكانت لا تعرفه. فقيل لها: (إنه رسول الله). فذهبت إليه، فلم تجد عنده بوّابين، فقالت: (لم أعرفك يا رسول الله). قال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) (صحيح البخاري) فهذه المرأة، لما جهلت أن الذي يكلمها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجرأت عليه في الكلام، وقالت له: (إليك عني) أي اتركني وشأني، فإن عندي مصيبة لم تصبها، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم له قصد إلا أن ينصح المرأة حتى لا تنطق بما يسخط الله سبحانه وتعالى.

إذاً، فالإنسان إذا جهل شيئاً، لا يعرف قدره، أما إذا عرف قدر من يتكلم معه أو يتكلم عنه، فإنه بذلك يدرك كيف يكون الكلام وكيف يكون الأدب.

وكان علماء السلوك يقولون: (إذا عرف الآمر، سهلت الأوامر).

ما المقصود بعظمة الله؟

العِظَـمُ: الكِبَـر، وعَظَّـمَ الأمـر: كبَّـره، والتعظيـم: التبجيـل.

 والعظيم صفة مشبهة باسم الفاعل لمن اتصف بالعظمة، الفعل عظم يعظم عظماً، يعني كبر واتسع وعلا شأنه وارتفع، ولفلان عظمة عند الناس أي حرمة يعظم لها، أعظم الأمر وعظّمه فخّمه.

صفة العظمة:

و”العظيم” اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، و”العظمة” صفةٌ من صفاته سبحانه، ولا ريب أنها صفة مدح وكمال.

وصفة العظمة لله تعالى تعني العظمة في كل شيء، بما يليق به سبحانه، فهو عظيم في ربوبيته، عظيم في ألوهيته، عظيم في أفعاله، عظيم في قدرته، ولا يوجد وصف للعظمة مما يليق بجلاله سبحانه إلا وهو متصف به.

فالله تعالى عظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله كلها، فلا يجوز قصْر عظمته في شيء دون شيء منها.

والله تبارك وتعالى هو العظيم في ذاته، العظيم في أسمائه، العظيم في صفاته، العظيم في خلقه وأمره، العظيم في دينه وشرعه، العظيم في ملكه وسلطانه.

وهو سبحانه الملك المتفرد بالخلق والإيجاد، والتصريف والتدبير، كل يوم هو في شأن، يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع، ويرفع ويخفض، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.

وهو سبحانه الكبير الذي له الكبرياء في السماوات والأرض، الجبار الذي قهر الجبابرة بجبروته، وعلاهم بعظمته، القاهر فوق عباده، القاهر لهم على ما أراد، الفعال لما يشاء.

وهو سبحانه القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه شيء، ولا يعزب عنه شيء، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، المحيط بكل شيء، العالم بكل شيء، الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.

 الأدلة على صفة العظمة:

صفة “العظمة” من صفات الله عز وجل الثابتة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة الكثيرة، ومن ذلك:

أن العباد مأمورون بتعظيم الله عز وجل، قال الله تعالى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) (نوح:13).

وقارا: أي عَظمة، وقال ابن عباس: لا تعظمون الله حق عظمته، وقال الحسن: لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة”.

ومهما عمل الخلق مِنْ تعظيمٍ لله تعالى، فإنهم عاجزون عن تعظيمه كما ينبغي له أن يُعَظَّم، فحقه عز وجل أعظم، وقدْره أكبر، ولكن المؤمنين يسعون في ذلك جهدهم، ويبذلون وسعهم، والعظيم سبحانه لا يضيع عملهم، ويجزيهم على قليل سعيهم أعظم الجزاء وأجزل المثوبة، فهو العظيم الكريم.

 وقال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر:67).

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عظَّموه حق عظمته حين أشركوا به غيره،

وقال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) أي: أوامره.

 فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمُعَظِّم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله”.

وحديث الشفاعة الطويل الذي رواه البخاري في صحيحه، وفيه يقول الله تعالى: (وعِزَّتي وجَلَالِي، وكِبْرِيَائِي وعَظَمَتي لَأُخْرِجَنَّ منها مَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللَّه)

والنبي صلى الله عليه وسلم كان عنده استشعار لعظمة الله؛ ولذلك لما جاءه رجل وقال: (يا رسول الله، ما شاء الله وشئت) قال: (أجعلتني لله نداً؟ بل قل ما شاء الله وحده) (صحيح النسائي).

وجاءه رجل آخر فقال: (يا رسول الله، إني أسألك بالله أن تشفع لي إلى الله، وأسأل الله أن يشفعك فيّ.) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! وما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: (ويحك! أتدري ما تقول؟! إن الله لا يُستشفع به على أحد من خلقه (رواه أبو داود وأحمد بإسناد صحيح.

وهذا كما يقول بعض الناس: علشان (من أجل) خاطر النبي، طيب علشان خاطر ربنا. فهو يسأل بالله ويستشفع بالله.

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله (حتى رؤي ذلك في وجهه. وقال: (إنه لا يُستشفع بالله على أحد) لأن معنى الكلام: أنا أقدم بين يدي حاجتي أقدم الله شفيعا لك أستشفع به عليك!!!

وهذا أمر مرفوض تماما إذ كيف يستشفع بالله عندك أيها العبد الفقير الضعيف ثم تقول: لا، لن أقبل هذه الشفاعة.

فهنا النبي يعلمنا تعظيم الله وتعظيم قدر الله عز وجل: إنه لا يُستشفع بالله على أحد يرضى أو يسخط، يقبل أو يرفض؛ فهذا ليس من تعظيم الله سبحانه وتعالى.

 ما هو الطريق إلى إدراك عظمة الله؟

  • إدراك عظمة الله عز وجل بالتعرف على أسمائه الحسنى وصفاته العلا.
  • إدراك عظمة الله جل وعلا بما نتلو من آيات القرآن.
  • مدارسة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • التفكر في جلال الله وعظمته من خلال هذا الكون الذي أمامنا.

كيف نعظم الله؟

  • تعظيم أمره ونهيه، قال تعالى: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) (سورة الحج، الآية 30).
  • من تعظيم الله عز وجل تعظيم كلامه وتعظيم آياته بتعظيم القرآن الكريم، ورب العالمين وصف القرآن بالعظمة فقال: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ([سورة الحجر، الآية 87] فَعظمة هذا القرآن أنه كلام الله؛ فتعظيم القرآن تعظيم لله عز وجل.
  • تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بحبه، وتعظيم طاعته، وتعظيم أمره ونهيه، واتباع سنته؛ فهذا من تعظيم الله جل وعلا. قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) [سورة النساء، الآية 80]
  • من تعظيم الله عز وجل تعظيم شعائر الله، وشعائر الله يعني العبادات: النسك، الحج، الصيام، الصلاة، الذكر، كل ما فيه عبادة لله، يعظم ولا يحقر ولا يُستهان به. قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (سورة الحج، الآية 32).
  • أن يتواضع كل التواضع لعظمة الله جل في علاه:

فلا يتعاظم في نفسه بحال من الأحوال، إذ أنه من أظلم الظلم أن تطلب التعظيم والتوقير لنفسك، وأنت لست معظِّماً لله ولا لأمره جل في علاه، فالواجب عليك أن تعظم الله، فتتواضع كل التواضع لله جل في علاه، فلا تتعاظم في داخل نفسك ولا تتكبر؛ لأن الله جل وعلا يبغض المتكبرين، وقد بيَّن على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: (أنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، والعياذ بالله، فأصل تعظيم الله جل في علاه تواضع المخلوق لعظمة الخالق.

 ما سبب عدم تعظيم الله سبحانه وتعالى؟

عدم تعظيم الله سبحانه وتعالى يرجع إلى عدة أسباب أهمها:

  1. الكفر بالله:

ليس هناك أعظم من الكفر بالله، هذا أعظم ذنب، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم، أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) (صحيح البخاري)

فالذي يعبد مع الله إلهاً آخر، أو يعبد غير الله، هذا لا يدرك عظمة الله تعالى وجلاله سبحانه وتعالى. 

  1. الجهل بالله وصفاته:

عدم معرفة الإنسان بصفات الله العظيمة وأسمائه الحسنى قد يؤدي إلى نقص في إدراك عظمته. قال الله تعالى “إنما يخشى الله من عباده العلماء” (سورة فاطر: 28)، مما يدل على أن العلم بالله يؤدي إلى خشيته وتعظيمه.

  1. ضعف الإيمان:

ضعف الإيمان في القلب يجعل الإنسان لا يشعر بجلال الله وهيبته؛ فالقلوب إذا امتلأت بالإيمان، زاد تعظيمها لله.

  1. الغفلة والمعاصي:

فالغفلة والمعاصي تبعد عن الله، إدراك عظمة الله معناه إدراك المعرفة، والمعرفة تولد الطاعة، والطاعة تولد القرب، وهكذا تجد سلسلة متلاحقة.

أما المعاصي والغفلة عن الله، فإنها تسبب البعد عن الله، وعدم إدراك عظمته وجلاله.

  1. تعظيم ما حقر الله:

 سواء كان هذا المعظم ملكاً، أو سلطاناً ظالماً، أو معتدياً، أو كافراً، أو مثلاً رمزاً من الرموز: فاسق مجاهر بمعصية، قائد أو إمام لبدعة- نسأل الله العافية-، كل هذا تعظيم لما حقره الله سبحانه وتعالى، فمن عظم ما حقر الله، لم يعظم الله، من عظم ظالماً، فهذا كما قال العلماء: (فقد أحب أن يُعصى الله في الأرض) من عظم فاسقاً، من عظم مبتدعاً، من عظم عاصياً، كل هذا تعظيم لغير الله سبحانه وتعالى.

  1. اتباع الهوى:

قال تعالى “أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم” (سورة الجاثية: 23)، فاتباع الشهوات والهوى يجعل الإنسان يغفل عن عظمة الله ويقدّم رغباته على طاعة الله.

  1. قلة التدبر والتأمل في خلق الله:

عدم التفكر في خلق السماوات والأرض، والآيات الدالة على عظمة الله يجعل القلب قاسيًا وغير متأثر بجلال الله.

  1. ضعف التربية الدينية:

إذا نشأ الإنسان في بيئة لا تُعظم شعائر الله ولا تعلّم العقيدة الصحيحة، فقد يفتقد إلى الأساس الذي يربطه بعظمة الله، وبعض المجتمعات تركز على المادية وتبتعد عن القيم الروحية، مما يؤدي إلى ضعف الإيمان بالله.

Visited 19 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14305 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع