عظمة الله رب العالمين:(14) نظر المؤمنين إلى وجه الله الكريم

تاريخ الإضافة 14 يناير, 2025 الزيارات : 195

 (14) نظر المؤمنين إلى وجه الله الكريم

عن جرير بن عبد الله كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، يعني العصر والفجر، ثم قرأ جرير {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} [طه:130] رواه مسلم

جرير رضي الله عنه يذكر أنهم كانوا جلوسًا حول رسول الله ﷺ، والقمر كان بدرا نظر النبي ﷺ إلى القمر وقال لأصحابه: أما إنكم سترون ربكم كرؤيتكم لهذا القمر ليلة البدر والتشبيه هنا لإمكانية الرؤية، وليس أن الله يشبه القمر، لأن الله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [سورة الشورى: 11]

والعلماء قالوا إن الرؤية في الدنيا غير ممكنة للبشر، بدليل قول الحق جل وعلا لموسى عليه السلام لما قال (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ، قال: لَن تَرَانِي، وَلَـٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى) [سورة الأعراف: 143]

(فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا) اندك الجبل، ومن قوة اندكاكه خر موسى صعقًا أي أغمي عليه فلما أفاق قال (سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف: 143]

والنبي ﷺ قال (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)

وتكلمنا في خاطرة سابقة عن حديث: هل رأى النبي ﷺ ربه؟ قال: نورٌ أنى أراه.

ومعنى قول النبي ﷺ نورٌ أنى أراه، كما فُصّل في حديث آخر (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)

فالنبي ﷺ لم يرَ ربه، وإنما رأى حجابًا من نور حال بينه وبين الرؤية.

إذًا، فرؤية الله تعالى غير ممكنة في الدنيا أما في الآخرة، فإن الله تعالى يخلق في عباده القدرة على رؤيته وعلى النظر إلى ذاته الكريمة جل جلاله نحن في الدنيا لنا قوة أبصار محدودة، وهناك أشياء كثيرة لا نراها، والله تعالى قال: (فَلَآ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ) [الحاقة: 38- 39]

على سبيل المثال، معنا الآن في المسجد ملائكة تدعو لنا وتستغفر لنا، ونحن لا نراها، لكن هذه الملائكة سنراها غدًا في الجنة، قال تعالى: (وَالْمَلَـٰٓئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍۢ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى ٱلدَّارِ) [سورة الرعد: 23-24]

والجن يعيشون بيننا لكننا لا نراهم، وسنراهم غدًا يوم القيامة.

كذلك النظر إلى ذات الله العلي ليس في قوة البشر أن ينظروا إليه جل جلاله في الدنيا، أما في الجنة، فإن الله ينشئنا خلقًا آخر.

وقال تعالى: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ) [سورة يونس: 26] وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل وهي الزيادة ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26].

فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم.

وروى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن.)

ومعنى: لا تضامون في رؤيته

التضام هو الازدحام، يعني كما يحدث أن الناس يريدون رؤية شيء فيزدحمون عليه.

والتشبيه في الحديث – كما ذكرت- هو تشبيه لإمكان الرؤية، أي أننا كما نرى القمر مكتملا ليلة البدر وهو في غاية الوضوح، لا يؤثر كثرة الناظرين إليه على وضوح رؤيته فكذلك يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة بهذا الوضوح والجلاء، وليس المقصود من الأحاديث تشبيه المرئي بالمرئي – تعالى الله- فإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

والمعنى هنا أن من كان هنا يرى القمر، ومن كان في مدينة أخرى يرى القمر، وهكذا، فالقمر يراه الجميع بلا تضام ولا ازدحام.

فجميع أهل الجنة سيرون ربهم سبحانه وتعالى بلا تضام ولا ازدحام؛ يخلق الله تعالى فيهم القدرة على رؤيته جل جلاله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [سورة القيامة: 22-23]

ومن جميل ما يروى عن الشافعي ما ذكره عنه الربيع بن سليمان ـ وهو أحد تلاميذه ـ: قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)؟ فقال الشافعي: لما أن حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليلٌ على أن أولياءه يرونه في الرضى.

ما تفسير قول الله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَـٰرَ سورة الأنعام: 103؟
للعلماء في تفسيرها قولان:
القول الأول: ﴿لا تدركه الأبصار﴾ في الدنيا لأنه وعد في القيامة الرؤية بقوله: ﴿وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة﴾ والمطلق يحمل على المقيد، إذن فالمعنى لا تدركه الأبصار في الدنيا، وهو يرى في الآخرة.

القول الثاني: أن الإدراك غير الرؤية؛ لأن الإدراك هو الوقوف على حقيقة الشيء والإحاطة به والرؤية المعاينة، فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية، فالله عز وجل يجوز أن يرى من غير إدراك وإحاطة كما يعرف في الدنيا ولا يحاط به، قال الله تعالى: ﴿ولا يحيطون به علما﴾ [طه: 110]، فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم.

قال سعيد بن المسيب: لا تحيط به الأبصار، وقال عطاء: كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به.
وقوله: (وهو يدرك الأبصار)، أي: لا يخفى على الله شيء ولا يفوته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وحينئذ فتكون الآية دالة على إثبات الرؤية، وهو أنه يرى ولا يدرك، فيرى من غير إحاطة ولا حصر، وبهذا يحصل المدح؛ فإنه وصف لعظمته أنه لا تدركه أبصار العباد وإن رأته، وهو يدرك أبصارهم، قال ابن عباس – وعكرمة بحضرته – لمن عارض بهذه الآية: ألست ترى السماء؟ قال: بلى، قال: أفكلها ترى؟ [1]

وهذا القول الثاني هو الراجح

أسباب رؤية الله تعالى:

  • أن يسأل العبدُ ربَّه النظرَ إلى وجهه الكريم: لحديث عمار بن ياسر وفيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومنه: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) الحديث رواه أحمد والنسائي والحاكم
  • المحافظة على صلاتي الفجر والعصر: لحديث جرير بن عبد الله الذي تقدم قال: كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا متفق عليه.

والمقصود بهما صلاة الفجر والعصر.

وهنا لطيفة ذكرها أهل العلم بأنَّ السرَّ في أنَّ من حافظ على صلاتي الفجر والعصر رأى وجه الله تعالى، حيث أنَّه يرزقه الله تعالى رؤيته في الجنَّة بُكرة وعشياً، فالجنَّة لا ليل فيها، كما قال تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم:62]، يعني أنَّه تعالى يُرى في مقدار البكرة والعشي في الدنيا، وذلك لمحافظتهم على صلاة العصر وصلاة الصبح.


[1] من مجموع الفتاوى 16/88

Visited 22 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع