عظمة الله رب العالمين
2- حديث ” كان الله ولم يكن شيءغيره….”
روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض.”
(كان الله ولم يكن شيء غيره)
إذا أردنا أن نقول من هو الأول الذي لا شيء قبله؟ نقول: الله عز وجل. والعلماء يقولون: إن الله هو الأول من ناحية أنه لا موجد له، وكل المخلوقات نشأت بقوله “كن” فكانت كما أمر الله وكما أراد الله. ولذلك نقرأ في سورة الحديد قول الله تعالى: “هو الأول والآخر والظاهر والباطن” (سورة الحديد، الآية 3).
كل الأسماء الحسنى تقرأ فيها “الغفور، الرحيم، السميع، البصير” بدون واو، لكن هنا قال: “هو الأول والآخر والظاهر والباطن”. لماذا جاء العطف هنا؟ لأن “الأول” عكس “الآخر”، و”الظاهر” عكس “الباطن”. فالشيء إما أول وإما آخر، وإما ظاهر وإما باطن.
فأنت لما تقرأ، كيف يكون هذا؟ هل تناقض؟ لا، بل في تكامل. فجاء هنا أن الله كما أنه هو الأول، فهو الآخر. وكما أنه الظاهر، فهو الباطن. فجاء العطف لإفادة أن هذه الأسماء الأربعة من أسماء الله جل وعلا.
ما معناها؟ معناها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في ثنائه وتمجيده لله: “أنت الأول فليس قبلك شيء.”
ولذلك السؤال الذي يطرحه الملحدون دائمًا، حتى يرد على بعض أسئلة أبنائنا: “من خلق الله؟” أنت مولود من أب وأم، والأب والأم من أب وأم إلى أبينا آدم. من خلق آدم؟ الله عز وجل.
من خلق الله؟
نقول لك: هذا السؤال لا بد له من آخر، لأن لو عملنا فرضية جدلية، لو قلنا على سبيل الجدل – وهذا ليس حقيقة – أن الذي خلق الله “x” مثلاً، فمن خلق “x”؟ ومن خلق الذي خلق كذا؟ في النهاية لا بد من أولية للخلق، أن هناك خالقًا خلق هذا الخلق. فهنا النبي أجاب عن الأمر بوضوح تام، قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره”فهو الأول، فليس قبله شيء.
وهو الآخر، فليس بعده شيء. هذا بعد فناء الخلق بين يدي الساعة. هناك نفخة ينفخ إسرافيل في الصور، فيُصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله. فلا يبقى أحد إلا وفني. قال تعالى: “كل شيء هالك إلا وجهه.” (سورة القصص، الآية 88)
الجن والإنس والملائكة، وهذا العالم كله، الكل سيفنى حتى تتحقق كلمة الله تعالى أنه هو الآخر، فلا شيء بعده. كل شيء يفنى ويبقى وجه ذي العزة والجلال.“كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.” (سورة الرحمن، الآيتان 26-27)
فينادي الله عز وجل: “لمن الملك اليوم؟” فلا مجيب لله إلا الله جل وعلا، يجيب ذاته أو يجيب نفسه بنفسه: “لله الواحد القهار.” (سورة غافر، الآية 16) فالله خلق الخلق، وسيفني هذا الخلق. فهو الأول وهو الآخر.
(وكان عرشه على الماء)
ما ترتيب المخلوقات فيما بعد؟
ورد في حديث في سنن الترمذي: “أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، ما كان وما هو كائن إلى الأبد.”
والقلم ليس هو القلم الذي نكتب به. هذا خلق عظيم من خلق الله عز وجل، يأتمر بأمره، ويكتب ما يأمره الله تعالى به. فلنا منه الاسم فقط. أما الكيفية والهيئة وهذه الأمور كلها، هذا أمر لم يرد فيه تفصيل، فنؤمن به كما هو.
فأول ما خلق الله القلم. ثم نقرأ في هذا الحديث: “وكان عرشه على الماء.” معنى ذلك أن الله خلق الماء، ثم خلق العرش.
وسيكون لنا – إن شاء الله – خواطر في شرح معنى العرش ومعنى الكرسي، ومعنى هذه الأشياء العظيمة التي خلقها الله سبحانه وتعالى.
(وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض)
إذاً، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض. أول الخلق القلم، قال له رب العالمين: اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة. ثم الماء، ثم العرش على الماء، ثم اللوح المحفوظ.
وكلمة “الذكر” هنا من أسماء اللوح المحفوظ. واللوح المحفوظ كتاب عند الله عز وجل، كتب الله فيه مقادير الخلائق جميعًا قبل أن يخلق السماوات والأرض، كما ورد في أحاديث كثيرة.
وهذا الكتاب، رب العالمين وصفه تارة بأنه الذكر، وتارة “وكل شيء أحصيناه في إمام مبين” (سورة يس، الآية 12)، وتارة قال عنه: اللوح المحفوظ، وتارة قال عنه: الكتاب المكنون: “إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون.” (سورة الواقعة، الآيتان 77-78)
وعندنا الآية: “ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر.” (سورة الأنبياء، الآية 105) أي اللوح المحفوظ.
وقول الله تعالى: “ما فرطنا في الكتاب من شيء.” (سورة الأنعام، الآية 38)
كل هذه إشارات إلى معنى واحد، وهو الكتاب الذي عند الله سبحانه وتعالى، الذي كتب فيه كل شيء. كل شيء كتب فيه قبل أن يخلق الله السماوات والأرض.
وفرعون لما سأل نبي الله موسى: “قال: فما بال القرون الأولى؟” “قال: علمها عند ربي في كتاب.” (سورة طه، الآيتان 51-52)
وكتابة الله تعالى لهذه الأمور ليس لأنه ينسى، إنما لإقامة الحجة على عباده، وإظهار أسمائه وصفاته. قال: “لا يضل ربي ولا ينسى.” (سورة طه، الآية 52)
أنا وأنت نكتب، لأننا ربما نختلط في الأرقام، في الأيام، في الساعة، في الديون، في المستحقات. فتكتب، وربما تنسى أصلاً أن عليك شيء أو لك شيء. فأنت تكتب لأنك يصيبك الخطأ ويصيبك النسيان.
أما رب العالمين، فلا يكتب ضلالاً ولا نسيانًا “وما كان ربك نسيا.” (سورة مريم، الآية 64) فكتب الله في الذكر كل شيء