عظمة الله رب العالمين: (6) حديث ” كان الله ولم يكن شيءغيره….”

تاريخ الإضافة 6 يناير, 2025 الزيارات : 264

(6) حديث ” كان الله ولم يكن شيءغيره….”

روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض.)

(كان الله ولم يكن شيء غيره)

إذا أردنا أن نقول من هو الأول الذي لا شيء قبله؟

الجواب: الله عز وجل.

فالله هو الأول فلا موجد له، وكل المخلوقات نشأت بقوله (كن) فكانت كما أمر الله وكما أراد الله، قال تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن ([الحديد، الآية 3].

اسم الله (الأول):

أي: الذي ليس قبله شيء، فكلّ ما سواه حادث مخلوق.
واسم الله الأوّل دالٌّ على سَبْقِ الله تعالى في الفضل والإيجاد والإمداد، فهو سبحانه الذي خلق وأوجد وأعطى ورزق، وهو الذي هيأ الأسباب وسخّر الوسائل لمعايش الخلق، فالفضل كله له أولاً وآخراً، فمن عرف سَبْق الله وفضله لجأ إليه في كافة أمره، وأقرّ بفقره وحاجته إلى ربه.

والله جل وعلا هو الأول فهو المستغني في وجوده عن كل شيء فيفتقر إليه كل شيء، فلا يحتاج لمن يمده بالحياة والراحة ولا النوم ولا الاكل ولا الشرب ولا الصحة، فهو جل جلاله (الأول) الذي يفتقر كل شيء في وجوده الى الله، وهو الآخر الذي سيأتي يوم ولا يبقى أحد في هذا العالم كله غيره سبحانه وتعالى.

السؤال المتكرر من خلق الله؟

ومع إيماننا باسم الله الأول وأنه جل جلاله الأول قبل كل شيء؛ يأتي السؤال المتكرر كثيرا خاصة على لسان أبنائنا من خلق الله؟ والجواب سهل يسير:

 أولا هذا السؤال: (من خلق الخالق؟) سؤال خطأ؛ لأنه يخالف العقل القويم، وذلك لأن العقل السليم والتفكير الصحيح يقتضي أنه إذا كان الكون مخلوقا، فلا بد من وجود خالق غير مخلوق، كما أنه سؤال خطأ؛ لأنه لا بد عقلا من سبب أول، فعندما تقول: من خالق السبب الأول؟ فإنه لم يعد أولا، بل أصبح سببا ثانيا، وقانون السببية هنا يطبق على الأمور الحادثة فقط، والله تعالى بما أنه السبب الأول، فليس حادثا حتى يكون له محدث، بل هو خارج عن إطار المادة التي خلقها وغير محكوم بقوانينها.

مثلا إذا دخلت غرفتك، ورأيت سريرك قد تغير مكانه، فإنك تقول: من غير مكان السرير؟ لأن تغير مكانه أمر حادث، بينما إذا دخلت غرفتك، ولم ترَ مكان السرير تغير، فإنك لا تسأل من أبقى السرير مكانه؟ لأن بقاءه مكانه ليس أمرا حادثا حتى يكون له محدث، كما إذا رأيت دمية تحرك بخيوط، وعلمت أن هناك من خلف الستار إنسانا يحركها، فهل من المقبول أن تسأل: ومن يحرك خيوط هذا الإنسان الذي يحرك الدمية؟ هذا وإذا رأيت رغيف خبز، وعلمت أنه لا بد للخبز من خباز، فهل تسأل: ومن خبز الخباز؟ لا طبعا، بل هو سؤال مضحك وخاطئ، لماذا؟ لأنه طبّق تعميما في غير مكانه، وكذلك فالخلق صفة ملازمة للمخلوقين، ولا تعمم على الخالق (الله تعالى).

لو أننا فرضنا – جدلا – أن هناك خالقاً لله تعالى (حاشاه جل في علاه) فسيقول السائل: من خلق خالق الخالق؟!

ثم من خلق خالق خالق الخالق؟؟!… وهكذا يتسلسل إلى ما لا نهاية، وهذا محال في العقول، فلا بد من أولية، فالمخلوقات كلها تنتهي إلى خالقٍ واحد خلق كل شيء، ولم يخلقه أحد، بل هو الخالق لما سواه وهذا هو الموافق للعقل والمنطق.

فالخالق ليس له خالق؛ لأنه لو كان له خالق، لكان مخلوقا لا خالقا، وهذا السؤال ليس محرجا ولا خافت الشريعة من أن يخطر ببال الناس، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم سلفا بأنه سيسأل، وأرشدنا إلى التعامل معه، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق اللهُ الخلقَ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله) وزاد في رواية أخرى: (فليقل آمنت بالله ورسله) رواه الإمام مسلم

وفي البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ إذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)

ففي هذه الأحاديث: بيان مصدر هذا السؤال، وهو: الشيطان، وبيان علاجه ورده، وهو:

  • أن ينتهي عن الانسياق وراء الخطرات وتلبيس الشيطان، فقوله: (ولينته) تعني ينتهي عن الاسترسال والاستمرار مع هذه السلسلة من التساؤلات بعد هذا الحد، وهل هذا حجر على العقل وتعطيل للعقل؟ كلا، بل هو الموقف العقلي الصحيح، لماذا؟ لأن هذا السؤال (من خلق ربك؟) هو سؤال يخالف البديهيات العقلية، والبديهيات العقلية هي التي ينطلق منها الإنسان في الاستدلال، لا أنه يطلب لها أدلة عليها حتى يستمر في سلسلة البراهين والتعليلات.
  • إذا كان هذا السؤال يهجم عليك، وأنت تعلم أنه غير صحيح، فهو وسواس ما الحل في هذه الحالة؟ الحل هو أن تستعيذ بالله تعالى من الشيطان الذي يوسوس لك، وتنتهي عن التفكير في الشكوك التي يثيرها، لأنه يخالف ضرورات العقل ومنطقه الأصيل المبني عليه.
  • أن تقول: (آمنتُ بالله ورسله).
  • ومما ورد أيضا ما رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزالُ النَّاسُ يَتساءَلون حتى يُقال: هذا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ، فمَن خلَقَ اللهَ؟ فمَن وجَدَ من ذلك شيئًا، فلْيَقُلْ: آمَنتُ بالله، قال: فإذا قالوا ذلك، فقُولوا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص:4:1) ثُمَّ لْيَتْفُلْ عن يَسارِه ثلاثًا، ولْيَستَعِذْ من الشَّيطان).

 كيف نجيب الملحد؟

سؤال (من خلق الله؟) يسأله الملحدون أيضا، اعتراضا على إيماننا بالله تعالى، لأنهم لا يتقبلون فكرة أن يكون الله تعالى أزليا بلا بداية، والجواب للملحد الذي يعترض عليك بهذا الاعتراض، قل له: هل تؤمن بأن الكون له بداية؟

فإن قال: نعم، قل له: فلا بد لهذا الكون الحادث من محدث بالبديهة العقلية الواضحة، وإن قال: لا، بل هو أزلي، فقل له: تعترض على أزلية الله تعالى، وتقول بأزلية الكون؟! بحيث هو هنا لا يعترض على مبدأ الأزلية بحد ذاته، لكنه يعترض على أزلية خالق أوجد الكون بعلم، وإرادة، وحكمة وقدرة تظهر آثارها في كل شيء، ويقول بأزلية كون (مخلوق)، هكذا بلا موجد.

 اسم الله (الآخر):

أي: هو الآخر بعد فناء كل شيء.

كل العالم كل السماوات والأرض كل الانس والجن والملائكة والطير وكل المخلوقات سيأتي عليها يوم وتفنى جميعا، كما قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن26،27] وقال: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: من الآية88].

فيأتي يوم يأذن الله تعالى فيه بفناء كل شيء وهلاك كل شيء فلا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام، والمقصود بدوامه وبقائه أنّه باقٍ بذاته سبحانه وتعالى، فهو الآخِر الباقي بعد فناء الخلق، فالله تعالى لا ابتداء لوجوده، ولا نهاية لوجوده.

قال ابن القيم رحمه الله: فأوليَّة الله عز وجل سابقة على أوليَّةِ كل ما سواه، وآخريَّتُه ثابتةٌ بعد آخرِيَّة كل ما سواه، فأوليَّتُه سَبْقُه لكل شيء، وآخريَّتُه بقاؤه بعد كل شيء”. الذي بدأ خلقك باسم (الأول) قادر إلى ردك إليه باسم (الآخِر)؛ قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: 79]؛ بل إعادة النشأة عليه أهون مِن النشأة الأولى؛ قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: 27].

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) غافر/15-17 .

قوله: (وكان عرشه على الماء)

أي المخلوقات خلقها الله أولاً؟

 اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال، منها:

  • أن القلم أول المخلوقات، وهو اختيار ابن جرير الطبري، وابن الجوزي.

واستدلوا بحديث عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أولَ ما خلق اللهُ القلم، فقال له: اكتبْ، قال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

  • أن الماء أول المخلوقات: واستدلوا بحديث عن أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله، أين كان ربنا – عز وجل – قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: (في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء) رواه الترمذي وضعفه الألباني في ظلال الجنة.
  • أن أول المخلوقات النور والظلمة؛ ذكره ابن جرير، وعزاه إلى ابن إسحاق.
  • أن العرش أول المخلوقات، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وشارح الطحاوية، وقال ابن حجر نقلاً عن أبي العلاء الهمداني: إنه قول الجمهور، ومال إليه ابن حجر، وهو الراجح، والله أعلم.

واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – مرفوعًا: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء) رواه مسلم

وحديث عمران بن حصين – رضي الله عنه – مرفوعًا: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض) رواه البخاري

وأجابوا عن حديث أبي رزين بأنه غير صحيح، وأجابوا عن حديث عبادة بن الصامت بأن الأولية إنما هي راجعة إلى الكتابة لا إلى الخلق، فيكون المعنى أنه عند أولِ خلقه قال له: اكتب.

قوله: (وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض)

وكلمة (الذكر) هنا من أسماء اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ كتاب عند الله عز وجل، كتب الله فيه مقادير الخلائق جميعًا قبل أن يخلق السماوات والأرض، كما ورد في أحاديث كثيرة.

وهذا الكتاب، رب العالمين سماه بعدة أسماء:

  • الذكر، قال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ([الأنبياء، الآية 105]
  • إمام مبين، قال تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين([يس، الآية 12]،
  • اللوح المحفوظ، قال تعالى: (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) [البروج:21،22]
  • الكتاب المكنون، قال تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون([الواقعة، الآيتان 77-78]
  • الكتاب، قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء([الأنعام، الآية 38]

و (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب) [الحج:70]

وقال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) [الحديد: 22]

كل هذه أسماء لمسمى واحد، وهو الكتاب الذي عند الله سبحانه وتعالى، الذي كتب فيه كل شيء قبل أن يخلق الله السماوات والأرض.

ولما سأل فرعون نبي الله موسى: (قال: فما بال القرون الأولى قال: علمها عند ربي في كتاب ([طه، الآيتان 51-52]

وكتابة الله تعالى لهذه الأمور ليس لأنه ينسى، إنما لإقامة الحجة على عباده، وإظهار أسمائه وصفاته. قال: (لا يضل ربي ولا ينسى. ([طه، الآية 52]

فرب العالمين لا يكتب ضلالاً ولا نسيانًا (وما كان ربك نسيا) [مريم، الآية 64]

Visited 41 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع