ما هي الأعمال التي لا تمس النار أصحابها ؟
يمكن الإجابة على هذا السؤال بجواب مجمل وهو : أن طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بفعل ما أمر به ، وترك ما نهى عنه ، هي أصل الفوز بالجنة والنجاة من النار ، وأن معصية الله ورسوله هما سبب دخول النار ، كما قال الله عز وجل : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13 ، 14 .
وكما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قَالَ : (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟ قَالَ : مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) .
رواه البخاري (7280) .
وأما الجواب المفصل فهناك من الأعمال ما نص الرسول صلى الله عليه وسلم على تحريم صاحبها على النار ، وذلك ترغيباً لنا في القيام بهذه الأعمال ، وإتقانها على الوجه الذي يرضاه الله تعالى .
فمن ذلك :
1- قول لا إله إلا الله بإخلاص ويقين :
فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ رضي الله عنه : (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري ومسلم .
وروى مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ) .
وروى البخاري ومسلم عن عِتْبَانَ بْن مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ).
2– حسن الخلق ولين الجانب :
روى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ) . وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (938) .
” قَالَ الْقَارِي : أَيْ تُحَرَّمُ عَلَى كُلِّ سَهْلٍ طَلْقٍ حَلِيمٍ لَيِّنِ الْجَانِبِ ” انتهى .
“تحفة الأحوذي” (7/160) .
3- تغبير القدم في سبيل الله :
روى البخاري أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) .
وروى أحمد أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ) صححه الألباني في “الإرواء” (5/5) .
ورواه ابن حبان في “صحيحه” ولفظه : عن أبي المصبح المقرائي قال : بينما نحن نسير بأرض الروم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي إذ مر مالك بجابر بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلاً له ، فقال له مالك : أي أبا عبد الله ، اركب ، فقد حملك الله ، فقال جابر : أصلح دابتي ، وأستغني عن قومي ، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ) فأعجب مالكاً قولُه ، فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت ناداه بأعلى صوته : يا أبا عبد الله ، اركب ، فقد حملك الله ، فعرف جابر الذي أراد برفع صوته ، وقال : أصلح دابتي ، وأستغني عن قومي ، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ) فوثب الناس عن دوابهم ، فما رأينا يوما أكثر ماشيا منه . صححه الألباني في “الإرواء” (5/6) .
4- الصلاة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ ) متفق عليه .
وروى أحمد (17882) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، عَلَى وُضُوئِهَا ، وَمَوَاقِيتِهَا ، وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ، يَرَاهَا حَقًّا لِلَّهِ عَلَيْهِ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ) حسنه الألباني في “صحيح الترغيب” (381).
5- المحافظة على أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا :
روى أبو داود والترمذي وصححه عن أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنها قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
6- ذكر الله وتوحيده عند الموت :
روى ابن ماجة عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا قَالَ الْعَبْدُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ . يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقَ عَبْدِي ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، وَأَنَا أَكْبَرُ .
وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ . قَالَ : صَدَقَ عَبْدِي ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي .
وَإِذَا قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . قَالَ : صَدَقَ عَبْدِي ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، وَلَا شَرِيكَ لِي .
وَإِذَا قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ . قَالَ : صَدَقَ عَبْدِي ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، لِي الْمُلْكُ ، وَلِيَ الْحَمْدُ .
وَإِذَا قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . قَالَ : صَدَقَ عَبْدِي ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي) .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ رُزِقَهُنَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ) صححه الألباني في “صحيح الجامع” (713) .
7- البكاء من خشية الله ، والحراسة في سبيل الله :
روى الترمذي وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ : عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
8- غض البصر :
روى الطبراني في “المعجم الكبير” عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا ترى أعينهم النار : عين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله ، وعين غضت عن محارم الله ) . وصححه الألباني في “الصحيحة” (2673).
9- الصبر على فقد الولد :
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) متفق عليه .
قال النووي في “شرح مسلم” :
“قَالَ الْعُلَمَاء : ( تَحِلَّة الْقَسَم ) مَا يَنْحَلّ بِهِ الْقَسَم ، وَهُوَ الْيَمِين ، وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث أَنَّ الْمُرَاد قَوْله تَعَالَى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء ، وَالْقَسَم مُقَدَّر، أَيْ : وَاَللَّه إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا ، وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : مَعْنَاهُ تَقْلِيل مُدَّة وِرْدهَا . قَالَ : وَتَحِلَّة الْقَسَم تُسْتَعْمَل فِي هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب ، وَقِيلَ : تَقْدِيره : وَلَا تَحِلَّة الْقَسَم ، أَيْ : لَا تَمَسّهُ أَصْلًا، وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَم ، وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا) الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط ، وَهُوَ جِسْر مَنْصُوب عَلَيْهَا . وَقِيلَ : الْوُقُوف عِنْدهَا” انتهى باختصار .
وروى الطبراني في “الكبير” عن واثلة رضي الله عنه قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من دفن ثلاثة من الولد حرم الله عليه النار) صححه الألباني في “صحيح الجامع” (6238) .
هذه بعض الأعمال التي جاء النص عليها أن من فعلها حرمه الله على النار ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بها