كيف تتخلص من النحس ؟ (خطبة مفرغة )

تاريخ الإضافة 19 يوليو, 2022 الزيارات : 5343

بعد كلامنا عن التوفيق والخذلان جاءتني أسئلة كثيرة عن الحظ والنحس وهل هناك رابط بين التوفيق والحظ والخذلان والنحس ؟
خاصة أن موضوع الحظ والنحس من الموضوعات المتعلقة بالعقيدة ربما نحن نتناولها بشيء من الطرفة والفكاهة ، ونقول هذا محظوظ وذاك منحوس ، لكن الموضوع متعلق بالعقيدة ، ولذلك أريد أن أبين هذا الأمر في هذا اللقاء .
ما هو الحظ ؟
قال تعالى : -(وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )- [فصلت/35] فهمها البعض أن الحظ هنا بالمعنى الذي نطلقه نحن عندما نقول : إن فلان عنده حظ ومحظوظ ،كلا إنما معناها هنا : هو النصيب من كل شيء ، وأغلب ما تطلق على الخير ، النصيب من الخير ،ولا مانع شرعا أن تقول : فلان حظه سعيد ، أو أتمنى لك حظا سعيدا ، فالحظ السعيد معناه أنك تتمنى له أخبارا طيبة أو توفيقا أو رزقا أو ربحا ،هذا هو المعنى الصحيح للكلمة .

لكن المعنى الغير صحيح هو أن نعتقد أن هناك أشياء خفية أو موهومة تلعب باعتباط أو بالصدفة أو بالعشوائية في أقدار الناس ، فهذا رزق بمال وافر لأنه محظوظ ، وهذا كسب في التجارة واشتهر لأنه محظوظ ، وهذا تزوج فلانة التي فعلت وفعلت …لأنه محظوظ ، وهذا هو المعنى الخاطيء لكلمة الحظ ، إذن فالحظ هو النصيب في الخير من كل شيء .

ما هو النحس ؟

أما النحس فهو النصيب السيء من كل شيء فإذا جاء الأمر على سبيل السوء فنقول فلان حظه سيء وفلان أصابه شؤم كذا وكذا ، هذا ليس بحرام ، قال تعالى عن قوم عاد : -( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر )- [القمر/19]

يوم نحس المقصود بها : يوما حملت فيه الأقدار عاقبة كفرهم وإعراضهم عن الله عز وجل فأصابهم جزاء ذلك بهلاكهم بالريح كما نعلم .
فأهلك الله قوم عاد في أيام كانت عليهم سوءً كما قال تعالى : -( فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات )- [فصلت/16] وهذا وصف لليوم والعاقبة ، إذا كان عندنا طالب لا يذاكر ولا يذهب لمحاضراته ودروسه وفي الأخير فشل ، نقول : هذه عاقبة تقصيرك وإهمالك أو هذا شؤم ما فعلت نفس المعنى عاقبة ما فعلت ، فالتعبير يكون بهذا المعنى .

وقال تعالى : -( أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )- [النمل/62] فالحياة فيها خير وشر ، مصائب ونعم ، فإذا كان الحظ والنحس بهذا المعنى لا بأس به .

لكن المعنى العرفي الشائع بعيد كل البعد عما نقوله الآن ، فالتعريف الشائع عندنا هو أنه هناك أشياء موهومة تلعب في أقدار الإنسان في الخير وهذا هو الحظ ، أو الأقدار السيئة وهذا هو الشؤم .

وهذا الاعتقاد سببه ثلاثة أمور :
السبب الأول : الإعلام :
مسلسلات ، أفلام ، القصص الأدبية وما شابه ذلك ، دائما يبرمجون الناس بعقلية إن في شخص شؤم وآخر لعب معه الحظ وكسب مليون دولار ، وواحد كسب في التجارة وواحد الأمور مشيت معه وصار من أغنى أغنياء العالم ، وكل هذا خيال لا وجود له بهذه الصورة الكبيرة .
وأذكر ونحن صغار كان عندنا مسلسل اسمه “شرارة”هكذا سموا بطل المسلسل ، وهذا المسلسل شكل عقليات جيل بأكمله أن في شخص نحس كلما ذهب إلى مكان حدثت مصيبة : حريق ،موت ، هلاك ، إسعاف يأتي لأحد أهل البيت الذي زاره شرارة …..الخ
مسلسل كامل وأحداث درامية يركز فيها المؤلف والمخرج على أن شرارة رجل نحس بمعنى الكلمة فيبرمج عقلية الناس على هذا الأمر في اللاوعي أو اللاشعور.
وفي بعض الأفلام يبني الفيلم كله على نبوءة تنبأ بها العراف لبطل الفيلم وأحداث الفيلم تفسر نبوءة هذا العراف !!!

السبب الثاني : الموروث الثقافي :
ما ورثناه من آباءنا وأجدادنا من أقوال ومواقف وقصص وأمثلة شعبية ، وهذا من حظه كذا وكذا ، وطبعا هناك من يعتمد على موضوع الأبراج والنجوم ويقولون هذا برج كذا في الشهر الفلاني حظه سعد وفي الشهر الفلاني حظه نحس ، وهناك من المخدوعين والجهلة من يذهبون لأمثال هؤلاء ليروا مسألة سفر أو زواج أو تجارة من خلال الأبراج الجدي والثور والسرطان والحمل ….الخ ، فيقول هذا شهر السعد لبرج كذا أو شهرالنحس لبرج كذا ، ويقولون : هذا علا نجمه بزغ نجمه أفل نجمه نجمه نازل نجمه طالع …. الخ.

كل هذه الكلمات كذب في كذب ووهم في وهم ، وصدق من قال كذب المنجمون ولو صدفوا بالفاء وليس بالقاف هم لا يصدقون أبدا ، لأن الصدق هو إخبار بالحقيقة وليس الوهم ؛ هو ربما يصادف الحقيقة (كذب المنجمون ولو صدفوا) فربما أحدهم يستشيرأحد المنجمين في سفر فيقول له ستربح وترجع بخير ، فبقدر الله فعلا ربح ورجع بخير ، وانتهت مهمته بنجاح فسيقول صدق العراف فلان ، كلا لم يصدق فلا يعلم المستقبل إلا الله عز وجل قال تعالى : -( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله )- [النمل/65]
بالإضافة للعادات الكثيرة التي تعودها الناس في التفاؤل والتشاؤم ، فعندنا التشاؤم بيوم الثلاثاء قالوا : إن الله خلق فيه المكروه ، والأرقام في الغرب يتشاءمون من الرقم 13 حتى أن هناك بعض الشركات الكبرى في الطيران وكذلك الفنادق لا يذكرون في العد هذا الرقم في مقاعد الطيران ولا الطوابق ولا الغرف فيكتبون 12A/12B

التشاؤم بالبومة والغراب :

عندنا أيضا التشاؤم بالغراب والبومة والتشاؤم بالبومة مسألة عجيبة فالبومة عند الغرب رمز للحكمة ، والبومة هي البومة ، سبحان الله العظيم !!! وهي لا علاقة لها بالحكمة ولا بالشؤم هي طائر آكل للفئران لا علاقة لها بخير أو شر .

كذلك الغراب يتشاءمون به لأنه يأكل الدود ويكون في الأماكن الخربة فهذا رزقه ، طيب ما الهدهد يأكل الدود أيضا فلماذا لا يتشاءمون به ؟ فلا علاقة للغراب بوجوده أو بسماع صوته بالتشاؤم .
واحد تزوج بامرأة فماتت أمه يوم الزفاف فعندئذ لا يتم الزواج أو يطلقها ، وأنا أحكي عن حالات طلاق حدثت بالفعل .
والناس يأخذون هذه الموروثات الشعبية على أنها مسلمات أو كأنها قرآن منزل من عند الله .

هل الأحذية المقلوبة شؤم:

عندنا مثلا في مصر الأحذية المقلوبة شؤم ؛ وتعلمون أن الناس يأتون مسرعين فيخلعون أحذيتهم على باب المسجد فربما ينقلب الحذاء فتجد من يدخل فيقوم بعدل الأحذية ليس للتنظيم وإنما خوفا من الشؤم !!! هو داخل يصلي ويعتقد في هذه الأحذية …

يا أخي بالله عليك هذا الحذاء المقلوب ما هو فاعل في أقدار الناس التي تصلي ، هذه عقلية عنكبوت … ليس عنده أدنى حد من التفكير …هل حذاء أو شبشب مقلوب سيقلب الأحوال كلها !!
المقص المفتوح نفس القصة سبحان الله العظيم !!! المقص المفتوح فيه شؤم لماذا ؟ لا ندري .
مسلمات وتراث وعادات وقصص لا أساس لها من الصحة ،حتى صارت كأنها قرآن يتلى أو كما نقول رواه البخاري .
الشبشب المقلوب حزن وشؤم على البيت رواه البخاري (يقوله الشيخ ساخرا)

فلو تأملنا قليلا لرأينا أن هذه العقلية بهذا التفكير لا تقل عن عقلية المشركين زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طبعا مع الفارق أنا لا أقصد أنهم مشركون؛ إنما نفس طريقة التفكير أنهم كانوا يعتقدون أن هذا الحجر ينفع أو يضر أو هذا الصنم على شكل إنسان أو حيوان ينفع أو يضر ، فيذهب إليه ويسأله الرضا والرزق والشفاء والربح في التجارة والخير من السفر ، وإذا ربح يذبح الذبائح قربانا لهذا الصنم ، ولذلك نعى القرآن عليهم تعطيل عقولهم قال تعالى : -( أفلا يعقلون )- [يس/68] و -(إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون )- [النحل/11] ما عندكم عقل أذهبت العقول ولم يعد عندكم تفكير ولا عقل للأمور؟

لأنه بأدنى ذرة من عقل سيدركون أن هذه الأشياء كلها لا علاقة لها بأقدار الله التي تحدث سواء كانت خيرا أو شرا .

السبب الثالث : تبرير الفشل :
ليس هناك إنسان يحب أن يظهر بأنه فشل ؛ فتح مشروع وخسر ، أو زواج وفشل ، أو سافر وفشل في سفره ، لا يريد أن يقال له فشلت في كذا …لأن كلمة الفشل مؤلمة وصعبة فيبرر هذا الفشل بمبررات خارجية ، فيقول هذا البلد نحس علي ….انتهت القصة نقطة ومن أول السطر .
هذا الشهر شهر النحس عندي …يريد أن يطمئن نفسه !!!
هذه المرأة ….هذه السيارة … هذا العمل …..هذه الشركة……… التاريخ …….الرقم……. اليوم …..رأيت فلان …… مررت بجنازة……  تشاءمت بوقوع زلزال ….الخ .

يبرر الفشل بهذه الصورة ليطمئن نفسه أنه صح ويبيض وجهه أمام الناس .
الذي وقع له حادث سيارة واتهم الشارع أنه نحس لم يسأل نفسه هل هو فعلا أخطأ ؟ هل تجاوز السرعة القانونية ؟ هل الطرف الآخر هو المخطيء ؟
أبدا إنما بسرعة يقول شارع شؤم !!!هذه ثالث مرة أقوم بعمل حادث في هذا الشارع !!!

والشارع لا علاقة له لا بك ولا بغيرك ، فليس بينك وبينه قرابة أو عداوة وخصام فهو يحاول أن يعاقبك ، الشارع طريق يمر به ملايين الناس ؛فلا علاقة له بك أو بغيرك ، لكن نحاول تبرير الفشل .

خطورة التمادي في الحزن :

واحد توفيت زوجته أو أمه أو أي أحد من أقاربه عزيز عليه ما الذي يحدث ؟ التمادي في الحزن ، عندنا في الإسلام الحزن ثلاثة أيام بعدها انطلق في الدنيا فالدنيا لن تتوقف ، مات رحمه الله ، فيبقى للميت في القلب ذكرى طيبة ندعو له ونترحم عليه ، ونقدم صدقة جارية ….الخ ، لكن واحد عاش في قصة الحزن طويلا ماذا سيحدث له ؟ أمراض كثيرة فالحزن مع الضغط على الأعصاب يتلف أجهزة الجسم ويفقد الإنسان التركيز مع ارتفاع الضغط … والجلطات والأزمات وأمراض المخ والأعصاب ، الكثير من الأطباء يردون سبب الكثير من أمراض العصر للأمراض النفسية ، فواحد حزن حزنا شديدا جدا( وطبعا الإيمان ينفع في الشدائد) لكن واحد إيمانه ضعيف ماذا تتوقع له ؟ سيفقد التركيز وسيخطيء أخطاء كبيرة في عمله ،وسيذهب متأخرا لعمله بسبب قلة النوم ، ما في تركيز وخاصة لو كان يعمل على الكمبيوتر في البرمجة أو المحاسبة ، وهو يقود السيارة أخذ في تذكر الأيام الخوالي والذكريات مع الشخص العزيز الذي مات فيعمل حادث !!!
فيترك كل هذا ويقول أنا أصابني شؤم أو نحس !!!
كلا يا أخي أنت من جنى على نفسك ، حزن /عدم تركيز / أثر على كل ما حولك ،والحزين يؤثر على من حوله زوجته وأولاده وأصدقائه ، فالجو جو كآبة وحزن ، وهذه طبيعتنا نحن البشر ، لو واحد دخل علينا المسجد الآن ونحن نضحك سيضحك بدون تفكير أو سؤالنا لماذا نضحك ؟
وكذلك لو دخل إلى مجلس عزاء ربما قبل أن يدخل كان فرحان وسعيد ، عندما يدخل العزاء يلبسه ثوب الحزن !!!
فهذه طبيعة البشر نحن سريعي التأثر بالمحيط حولنا وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) لأن الحزن إذا طال دمر الإنسان وأهلكه .
هذه الأسباب الثلاثة هي التي أدت إلى هذه التركة من الحظ والنحس والشعور بهذه الأشياء .
ما هي النظرة الشرعية للحظ والنحس ؟
1- الفاعل المقدر لكل شيء هو الله : ليس هناك شيء اسمه حظ يأتي لشخص بعشوائية أو صدفة، أو نحس يصيبك بعشوائية أو صدفة قال تعالى : -( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم )- [الحجر/21] خزائن كل شيء بيد الله عز وجل و قال تعالى : -( إنا كل شيء خلقناه بقدر )- [القمر/49]

وزع الله سبحانه وتعالى الأرزاق في الدنيا ابتلاء ، وفي الآخرة جزاء .

في الدنيا الله جل وعلا -( يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر )- [الزمر/52] هذا توزيع ابتلاء لا بد وأن توقن أن الدنيا فيها غنى وفقر مرض وعافية مكسب وخسارة نفع وضر فيها عسر ويسر ، إذا كنت لا تدري هذا فأنت لا تعيش في الدنيا ، فالدنيا فيها كل شيء لأنها دار ابتلاء ، مثل الطالب عنده مادة سهلة ومادة صعبة مادة صغيرة تحتاج لساعة مذاكرة، وأخرى كبيرة تحتاج لشهر … هكذا الدنيا !!!
تمر فيها بكل الابتلاءات والاختبارات فيبسط الله لك من الرزق بحكمته وقدره ويقدر بحكمته وقدره ، يعطي الله الصحة بحكمته وقدره وينزعها بحكمته وقدره.
ليس عطاء الله دلالة على أنه يحب هذا أو يبغض هذا، قال تعالى : -( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا )- [الإسراء/20] وقال تعالى : -( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون )- [الأعراف/32]

ففي الدنيا عطاء الربوبية للمؤمن والكافر أما الجزاء فهذه الطيبات خالصة يوم القيامة للمؤمنين ، فهذه المرأة جميلة ليس لأنها محظوظة بل هذا عطاء الله، وهذا غني ليس لأنه محظوظ هذا عطاؤه من الله ، وهذا فقير وهذا يوفق وهذا يخفق وهذا يربح وهذا يخسر هذا كله من عطاء الله عز وجل فهو المدبر لكل شيء في هذا الكون ،فهذا عطاء ابتلاء ، أما في الآخرة فالعطاء عطاء جزاء ، لا يكون إلا للمؤمنين ، قال تعالى : -( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب )- [الشورى/20] إذن لا بد أن توقن أن الدنيا فيها كل شيء .

لماذا أنا بالذات ؟

هذه أمور لا يملك أحد لها تفسيرا ؛ فهذه أقدار الله يدبرها كيفما شاء ، على سبيل المثال : لماذا فلان مغربي بشرته لونها كذا تزوج فلانة عنده عدد كذا من الأولاد ، عمل بمجال كذا ، ربح خسر …..الخ لماذا ؟ هذه الأمور كلها تدبير الله عز وجل قال تعالى : -( يدبر الأمر )- [يونس/3]
يقول الشيخ الشعراوي: (ذكر الشيخ في الخطبة الكلام بمعناه وننقله نصا كاملا هنا للفائدة )
وفى الكون أشياء تفعل لك وأشياء تنفعل بك، فالشىء الذى يفعل لك يستوى فيه الناس جميعا كافر ومسلم ، هذه الأشياء هى كالشمس مثلا الشمس تشرق ولا تخص بنورها كافرا أو مسلما أو شاكرا لله أو جاحدا بنعمته كلهم سواء ..والهواء تتنفسه كل الكائنات الحيه دون تمييز ..والماء يشربه كل كائن حى بصرف النظر عن دينه وعقيدته .
نأتى بعد ذلك إلى الأشياء التى تنفعل بك ، وارتقاء الإنسان فى الكون يأتى فيما ينفعل بك لا فيما يفعل لك .
إن ما ينفعل بك إن فعلت فيه ينفعل .
إن حرثت الأرض حرثا جيدا ووضعت البذرة ورعيتها رعاية جيدة تعطيك ثمرا جيدا و محصولا وفيرا .
وإن بحثت عن المعادن الصالحة لحياة الإنسان تعطيك معادنها وإن لم تفعل لا تنفعل معك.
والمجتمع الذى يقوم لا بجهد مع الأشياء التى تنفعل للإنسان لا يتقدم ويظل متأخرا ..
وهنا يحدث الإختلاف بين ارتقاء عدد من الناس وتخلف عدد منهم.
ويحدث هذا الإختلاف نتيجة التعامل مع الأشياء الموجودة فى الكون والتى تنفعل بك ..ولا دخل للدين في هذه المسألة .أهـ كلامه

شماعة الفشل :

فمن قصر في الأخذ بالأسباب فلا يعلق فشله على القضاء والقدر والنحس والشؤم وقد حدث تقصير من بعض الصحابة خيرة القرون في سنة الأخذ بالأسباب في حياته -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد ، فاستشهد سبعين منهم ؛ وذلك حينما عين رسول الله خمسين من الرماة على الجبل يحمون ظهور المؤمنين ، فلما انتهت المعركة ورأوا الغنائم ( الأموال التي خلفها المشركون وراءهم وفرّوا تاركين خيول وأسلحة وغيرها ) لما رأوا الغنائم غرتهم الدنيا ونزل منهم أربعين ولم يبق على الجبل إلا عشرة فما كان من خالد بن الوليد وكان لا يزال على الشرك وكان وقتها قائد سلاح الفرسان بجيش المشركين ما كان منه إلا أن قام بعملية تطويق من الخلف وقتل العشرة الذين ثبتوا على الجبل من المؤمنين ، وأمطر المسلمين بالسهام واستشهد سبعين منهم .
سبحان الله العظيم! كان فيهم رسول الله فلما قصروا رباهم الله عز وجل وعلمهم وأنزل في ذلك قوله : -( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير )- [آل عمران/165]
أنتم قصرتم فالله لا يحابي في سننه أحدا ، هذه مسألة هامة جدا ؛ إذا كنت لا تبذل شيئا ولا تقدم شيئا وتبكي متسائلا لماذا ولماذا ؟
فتبرير الخطأ والفشل بالقدر أمر مرفوض وقد عاب القرآن على المشركين هذا الفهم السقيم حينما قالوا : -( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا)- [الأنعام/148] فاحتجوا بالقدر على الله سبحانه وتعالى.

ونقول: صحيح لو شاء الله لهداكم أجمعين، ولكن هل أمركم الله عز وجل أن تحتجوا بقضائه وقدره، أم أمركم بما تقدرون عليه من عمل وهو توحيده عز وجل ؟
وقال تعالى : -( وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين )- [يس/47] والمعنى : وَإِذَا قِيلَ للكافرين: أنفقوا لله سبحانه فقد أعطاكم مالاً، فلم لا تعطوا المساكين والفقراء؟ فيجيب هؤلاء الكفار أنحن نطعم هؤلاء؟! إذا أراد ربنا أن يطعمهم أطعمهم ، وأنتم تقولون: ربكم هو الرزاق ، فلو أراد أن يتركهم تركهم، فكأنهم يحتجون بالقدر، والكلام صحيح والمراد به باطل، أنت تجوع، فتنفق مالك لكي تأكل، فلماذا لا تحتج بالقدر في هذا الشيء وتقول: لو شاء الله لأطعمني؟ هل منهم من يقول هذا الشيء؟ لا. يحتجون بالقدر فيما يريدون ويتركون الاحتجاج فيما لا يريدون، فهم كذابون يتكلمون على الله بما لا يعرفون.

آه لو لعبت يا زهر:

(آه لو لعبت يا زهر )هذا عنوان أغنية اشتهرت شهرة كبيرة في الأيام الماضية ، وأثرت على عقلية الكثير من الشباب ، والزهر هو النرد يلعبون به في القمار فمرة واحدة يطلع لمن يلعب الرقم الذي فيه الربح الموهوم في القمار- كما يمنون أنفسهم – فتهطل عليه ثروة كبيرة فجأة …. ما علاقة الزهر بالربح والمكسب والزواج ؟ أوهام في أوهام .

احرص على ما ينفعك:

والمسلم عندما ينوي فعل شيء عليه أن يأخذ بالأسباب متوكلا على الله ، فالبركة والتوفيق والعون والسداد كل هذا يأتي من الله عز وجل .
وعلمنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا في قوله ( احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان)
هل الإنسان مسير أم مخير ؟
هذا القول الذي يردده البعض لو شاء الله لهداني أو لو شاء الله لفعل كذا وكذا هو ما يعرف عند العلماء بالاتجاه الجبري في العقيدة وهو قول فرقة من الفرق الضالة التي كانت تقول : إن الإنسان كريشة معلقة في الهواء تسيرها الأقدار حيث تشاء ، فالزواج والربح والخسارة كله حدث وأنت لا خيار لك في شيء بل أنت مجبور !!! 

سئل الشيخ محمد الغزالي هل الانسان مسير أم مخير؟ (ذكر الشيخ في الخطبة الكلام بمعناه وننقله هنا للفائدة باختصار يسير)

فقال : الانسان نوعان نوع يعيش في الشرق، ونوع يعيش فى الغرب والأول مسير.. والأخر مخير !!
فقال السائل :ما هذا الكلام انني أسألك هل للانسان ارادة حرة وقدرة مستقلة يفعل بهما ما يفعل ويترك ما يترك.. أم هو مجبور؟
فقلت له : اننى أجبتك الانسان في الغرب مستقل وفى الشرق مستعمر..هناك له إرادة وقدرة , وهنا لا شيء له .
فضحك أحد الظرفاء وقال: هذه اجابة سياسية
فقلت له : وانها لدينية كذلك.
يارجل ان القوم فى الغرب شعروا بأن لهم عقولا ففكروا بها حتى كشفوا المساتير من بدائع الكون.
وشعرو بان لهم ارادة فصمموا بها.. حتى التقت في أيديهم مصاير الأمم وأزمة السياسات
وشعروا بأن لهم قدرة.. فجابوا المشارق والمغارب وصنعوا الروائع والعجائب..
أما نحن هنا فى الشرق فهذا.. رجل من ألوف الألوف التى تزحم البلاد يأتي ليستفتي فى هذه المعضلة
التى غاب عنه حلها.. أله حقا عقل حر يستطيع ان يفكر به.؟
أله ارادة يستطيع أن يعزم بها؟؟
أله قوة يستطيع أن يتحرك بها؟؟
والى أن نثبت له نحن ذلك سوف يبدأ فيفكر ثم يعزم ثم يعمل. أما الأن فهو- فعلا- مسير
من ذالك الرجل المخير فى الغرب.. ما أبعد البون بين الشخصين..

الرجل فى الغرب ألقي به فى تيار الحياة فعلم ان له أعضاء يستطيع أن يعوم بها. فضل يسبح مع التيار
تارة وضده تارة أخرى حتى وصل الى الشاطئ.
أما هنا عندنا فى الشرق .. فلما ألقي بالرجل فى معترك الآمواج بدأ يسائل نفسه..
هل أنا حيٌ حقاً أم جثة هامدة؟ أو بتعبير المتفيقهين.. هل أنا حرٌ أم أعضائي مقيدة؟
ولكن التيار الجارف لاينتظر نتائج هذه السفسطة. فلا يلبث أن يطويه اليم مع الهالكين (كتاب عقيدة المسلم ،محمد الغزالي) 
ماذا يقول من أحس بالتشاؤم ؟
ومن أحس بالتشاؤم فليقل كما علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل‏:‏ اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك‏‏‏)


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 42 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع