من أخلاق المسلم :”الشهامة”
الشهامة من أخلاق الإسلام التي ينبغي أن يتصف بها المسلم .
معنى الشهامة:
عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تستتبع الذكر الجميل، ومن معانيها المروءة والنجدة ، المروءة في أن تتفقد من حولك ، ترى الضعيف والمحتاج والفقير ، وترى من يشكو من ضائقة أومن كرب أومن هم ، فتعينه وتأخذ بيده ،وتدله على ما يكون سببا في تفريج كربته ، الشهامة مروءة في أنك لا تعيش لنفسك وحدك .
الأنانية هي مرض هذا العصر بسبب ضعف الإيمان ، ولانتشار المادية في العلاقات بين الناس ، صارت العلاقات بين الناس يحكمها المادة والفلوس ، ما هي المصلحة من وراء ذلك هل سيفيدني ؟ هل سيعود علي بمنفعة ؟ فمن هنا يترجم الفعل الذي سيقوم به .
أما نحن المسلمين والحمد لله فإنا لا ننظر هذه النظرة الأنانية المادية أبدا ، إنما نحمل الخير لمن حولنا جميعا.
شهامة نبي الله موسى:
والشهامة نراها متجسدة في نبي الله موسى ، حينما خرج من مصر وورد ماء مدين فوجد الناس يستقون لأنعامهم ،ووجد فتاتين اعتزلتهما ، -( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير )- [القصص/23]
فماذا فعل عليه السلام معهما؟ -( فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )- [القصص/24]
سقى لهما وتحمل فعل ما لم يوجبه عليه أحد ، بل عجز القوم جميعا عن التفكير فيه، كل واحد سقى لنفسه وأنعامه ، أما نبي الله موسى وهو غريب اشتد به الجوع ،وله أياما لم يذق طعم الراحة بعد أن خرج من مصر فارا بنفسه من فرعون وجنده ؛على الرغم من هذا لم يتأخر عن مساعدتهما.
( فسقى لهما ثم تولى إلى الظل )- [القصص/24] فهو لا يريد جزاء ولا شكورا من أحد ولا ينتظر مكافأة ولا يطلبها ،بل توجه إلى ربه قائلا : -( فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )- [القصص/24] لجأ إلى الله يطلب منه الأجر والعون ، ونعلم بقية القصة وكيف أن الفتاة قالت لما رأت من كرم أخلاقه -( قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين )- [القصص/26]
فالمسلم الشهم لا ينتظر أن يستدعى إنما يبصر بعينه ما حوله فلا يخذل ضعيفا ولا محتاجا.
الشهامة نجدة المسلم لأخيه :
وهذا ما علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال : ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ” لا يظلمه : بأخذ حقه ، ولا يسلمه لعدوه حتى ينال منه بالأذى ،ولا يخذله حينما يدعوك أخوك لنصرته أو عونه فلا ترفض ولا تتهرب من بذل العون له .
وقال صلى الله عليه وسلم (مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)
هذه هي الشهامة حينما تسعى في حاجة أخيك تريد أن تقضيها له ، حينما تسعى في حاجة فقير أو مسكين ، حينما لا تعيش لنفسك فقط ، وقد قيل في الحكم : ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط .
والإسلام علمنا أن المسلمين هم أمة الجسد الواحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”
وسئل رسول الله من أحب الناس إلى الله؟ فقال : (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف فى هذا المسجد شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم فى حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)
لم يقل أحب الناس إلى الله أكثرهم صلاة أو صياما أو قياما بالليل ،إنما قال أنفعهم للناس ، الذي يبذل النفع لمن حوله جميعا فلا يمنع خيرا أو جهدا لنفع غيره .
إِصلاحُ ذاتِ البَيْن :
فمثلا :حينما تبذل من وقتك ساعات للإصلاح بين اثنين في أسرة وتدخل البسمة على وجوه الأطفال الصغار وتعود السعادة إلى هذه الأسرة فهذا من أفضل الأعمال التي يحبها الله ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من الصَّلاة والصِّيام والصَّدَقة ؟ قُلنا: بَلَى يا رسول الله، قال إِصلاحُ ذاتِ البَيْن (العَداوةِ والبَغضاءِ)، وإفسادُ ذات البَيْن هي الحَالقةُ”. وأراد صلى الله عليه وسلم بإفساد ذاتِ البَيْنِ العداوةُ والبغضاءُ، ومعنى الحالِقةِ: الَّتي تحلِقُ الدِّين، ففي الحديث الآخر عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “إنَّه قد دبَّ إليْكم داءُ الأُمَم قبلَكم الحَسَدُ والبغضاءُ هي الحالِقةُ، لا أقولُ: تحلِق الشَّعرَ، ولكن تحلِق الدِّين”.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم بعض وسائل إسعاد المسلم لأخيه فقال : تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا.
ثم بين الأجرالعظيم في ذلك فقال: (ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف فى هذا المسجد شهرا) ولا يخفى علينا أن الركعة بمسجد الرسول بألف فتخيل كم من الأجر لواحد مكث شهرا معتكفا بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين صلوات الجماعة والنوافل والأذكار …. الخ ، كل هذا يكتب لمن خرج في حاجة أخيه لله عز وجل.
ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة بالأيتام فيقول “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى “
مع كثرة الفتن والحروب والصراعات كثر الأيتام ببلاد المسلمين (نسأل الله أن يكشف الغمة عن الأمة ) فلا يضيع بين المسلمين يتيم فيقوم كل من وسع الله عليه بكفالة يتيم بكفالة شهرية يؤديها لإحدى الجمعيات الإنسانية التي تصدت لهذا العمل النبيل لتقوم بإيصالها للأيتام ،فالجزاء هو أن تكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة .
الشهامة إيجابية وعمل :
ومن الشهامة أن تتلفت حولك لترى ما هو الشيء الناقص حولك لتكمله ، ما هي المشكلة لتعالجها ،وهذه إيجابية كبيرة ، وهذا خير ألف مرة من النقد الدائم والسب واللمز ، والسلبية بقول أنا مالي ، خليني في حالي ، دع الخلق للخالق ، دع الملك للمالك ،أقام العباد فيما أراد…الخ هذه الكلمات في قاموس السلبية .
وتتجلى هذه الصورة الطبية في النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس وأشجع الناس فعن أنس رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ (بدون سرج)، وهو متقلِّد سيفه، فقال: لم تراعوا ، لم تراعوا”
الناس يسمعون صوتا مفزعا، فيخرجون لمعرفة الخبر، وإذا به صلى الله عليه وسلم قد سبقهم فذهب تجاه الصوت منفردًا وعرف الأمر، ثم رجع يهدئ روعهم، ومن سرعة قيامه لتبين الأمر ركب الفرس بدون سرج لأن الوقت لم يساعد على إسراجها، فلم ينتظر صلى الله عليه وسلم الناس حتى يخرجوا من بيوتهم، ليجد من يرافقه في معرفة الأمر، كما يفعل كل الناس في مثل هذا الموطن، ومعنى ذلك أنه كان أول من تحرك ليفدي المسلمين بنفسه .
فمن الشهامة أن من يرى نقصا يسده ومن يرى عيبا يستره .
ليس من الشهامة السخرية ولا توزيع الاتهامات:
ليس من الشهامة السخرية من المريض أو الضعيف أو الفقير ، ولا تعير أحدا لعاهة أو عجز .
ليس من الدين في شيء الذين يسخرون من كل عمل إيجابي حولهم ويقوم بتوزيع الاتهامات ، هؤلاء يسرقون الأموال ،هؤلاء مرتزقة منتفعين من وراء هذا العمل ، يلقي التهم هكذا جزافا بدون بينة ولا دليل ، فهو يلبس نظارة سوداء لا يرى خيرا حوله أبدا .
فنحن نريد المسلم الشهم الكريم المقدام الذي لا ينتظر أن يدعى ليتحرك إنما يتحرك ويعمل من قبل نفسه.
إيجابية امرأة صنعت منبرا للنبي صلى الله عليه وسلم :
وهذه امْرَأَة من الأنصار قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتِ)، فَعَمِلَتِ المِنْبَر
وهكذا بقي المنبر حوالي 700 سنة يخطب عليه الخطباء من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ما شاء الله .
تجد الكثير من الناس ما شاء الله عندهم إسهال في الاقتراحات والآراء ، لكن الناقدين كثير والعاملين قليل.
وتجد الكثير يحترف الشكوى والقليل من يعمل لحل المشكلة ، لو أن الحرارة نزلت في فصل الشتاء لدرجة عشرين أو ثلاثين تحت الصفر فأخذنا نقول الجو بارد ونكرر الجو بارد لو كررتها ألف مرة هل سيتحسن الطقس وترتفع درجة الحرارة وننعم بالجو الدافئ ؟
كلا سيظل الجو باردا سواء قلتها مرة أو حتى مليون !!! فلا بد من اتخاذ تدابير عديدة لمواجهة برودة الجو مثل الملابس المناسبة التي ترد عنا أذى البرد ؛ أو تدفئة المكان ؛ فتكرار الكلام عن المشكلة لن يحلها لكن البحث عن حل سيكون عملا مثمرا ونافعا.
البعض يتعامل مع المشكلة كشيء جبري حتمي لا فرارمنه ولا علاج له ، ولم يسأل نفسه كيف يحل المشكلة أو يعمل على تخفيفها أو منع أسبابها ،أول عمل يقوم به الطبيب هو محاصرة المرض ووقف المضاعفات ثم تخفيف الألم ثم العلاج للقضاء على المرض نهائيا ، ولذلك قال النبي ( اذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) روي أهلكهم على وجهين مشهورين رفع الكاف وفتحها والرفع أشهر ومعناها أشدهم هلاكا
وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة أو أنه أهلكهم بسلبيته وعدم سعيه بإيجابية لإصلاح عيوبهم ومشاكلهم .
ولا شك أن من يقول ذلك يقوله احتقارا للناس وتفضيلا لنفسه عليهم ، فإذا فعل ذلك فهو اهلكهم اي أسوأ حالا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم وربما أداه ذلك الى العجب بنفسه و رؤيته أنه خير منهم .
إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ:
وعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم العمل بدأب وجد بلا انقطاع فيكون الإنسان إيجابياً في حياته ، وألا يتكاسل عن زراعة فسيلة لن تثمر إلا بعد عشرين سنة ؛ حتى لو كانت أحداث القيامة ولحظاتها، فيبادر بغرس تلك الفسيلة قبل لحظات الساعة يقولصلى الله عليه وسلم : ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ) والمقصود هو التَّشجيع على العمل، وإلا فمعلومٌ عند قيام الساعة لن يتمكَّن أن يُسوي شيئًا، لكن المقصود التشجيع على العمل، وأن الإنسان ينبغي أن يعمل فكأنه يقول : إذا يئست من ثمرة العمل أن تحصلها ؛ فلا تترك العمل ، عسى أن تنفع ثمرته غيرك ، فلا يقتصر همك في الحياة على مجرد حاجاتك ، ولكن اعمل لك ولمن بعدك ، فليس المهم أن يستظل بظل هذه الشجرة، أو يأكل من ثمرها .. المهم أن يكون إيجابياً في لحظته التي يعيشها ؛ فربما تغرس الخير كبذرة ويجني ثمرته من بعدك .
ومن الأقوال الخالدة :
- لا تبصق في البئر فعسى أن تشرب منها يوما ما .
- لا تلعن الظلام وإنما أوقد شمعة .
- عود ثقاب واحد يشعل غابة بأكملها وشجرة واحد تصنع آلاف أعواد الثقاب .\
الاحتجاج بالقضاء والقدر في ترك العمل :
يقول محمد إقبال :المؤمن الضعيف يتعلل بالقضاء والقدر، والمؤمن القوي هو قضاء الله وقدره في الأرض.
انا أؤمن بالقضاء والقدر عند وقوعه لكن أن نقع في الفشل والكسل والأنانية ثم نعلق الأمر على القضاء والقدرفهذا أمر عجيب !!
نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله:
لما خرج عمر بن الخطاب إلى الشام أخبروه أن الوباءَ قد وقَع بها، فدعاعمرالصحابة فاستشارهم ، فاختلفوا؛ فقال بعضهم: قد خرجتَ لأمر ولا نرى أن تَرجع عنه، وقال بعضهم: معك بقيَّة الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تُقدِمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: بأنه سيرجع ولن يدخل الشام ، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرار من قَدَر الله، فقال عمر: “لو غيرك قالها يا أبا عبيدة – وكان عمر يكره خلافه – نعم، نَفِر من قَدَر الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كانت لك إبل فهبطت واديًا له عُدْوتان، إحداهما: خِصْبة، والأخرى: جَدْبة، أليس إن رعيتَ الخِصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله”، وقدم عبدالرحمن بن عوف وكان متغيِّبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا عِلْمًا، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتُم به بأرض، فلا تَقدَموا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه، فحمد عمرُ بن الخطاب ربه على ذلك .
الشاهد في القصة هنا هو قول عمرَ رضي الله عنه لأبي عبيدة: “نعم، نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله”، هذه الكلمة التي تَفوَّه بها الخليفة المُلْهم أصبحت خالدة تَرُدُّ على كثير من الطوائف المتخبِّطة في مسائل القضاء والقدر، وتقطع عليهم سيرَهم الباطل، نعم تَفر من المرض إلى العافية، وتَفِر من الموت إلى الحياة، إن أمكنك ذلك، مع عِلْمك اليقيني أنَّ هذه الآفات واقعة بك بقدر الله، فلا نسلك طرق الهلاك ونقول قضاء وقدرا.
هل الإنسان مسير أم مخير ؟!
سأل أحد الشباب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى : هل الإنسان مسير أم مخير ؟!
فقال الشيخ : يا بني ، الإنسان في الشرق مسير وفي الغرب مخير!!!
فقالالشاب ضاحكاً : هذا جواب سياسي!
الشيخ : لا يا بني ، هذا جواب ديني أيضاً ، فالغرب عرفوا أن لديهم عقولاً فاستعملوها ، أما نحن فمازلنا نتساءل إن كان لدينا عقول وحرية اختيار أم لا!!!