كيد الشيطان “ولا تجد أكثرهم شاكرين ”
قال تعالى : -( إن كيد الشيطان كان ضعيفا )- [النساء/76] نريد أن نتكلم اليوم عن مكائد الشيطان وكيف يحتال ليوسوس للإنسان بالمعصية ، أو ليوقعه في ما يسخط الله تعالى ؟
ما هو الكيد؟
الكيدهوالاحتيال للوصول إلى أمر ، حينما يكون خصمك قويا فإنه يواجهك كما نقول : رجل لرجل، لكنه حينما يكون ضعيفا يحتال بالكيد لك ، والشيطان ضعيف فبالتالي كيده ضعيف.
بعض الناس بسبب الحديث الكثير عن الشيطان يظن أنه قوي وعنده بأس ، كلا ، الشيطان وجنوده من أضعف ما يكونوا ، وهم يحبون السكنى في الخرابات والأماكن المهجورة وأماكن النجاسات والزبالة ، هذه مساكنهم ويحبون كل خبث وخبيث وكل معصية ويشجعون كل عاص ، ويقبلون على كل شئ يغضب الله سبحانه وتعالى .
وكيد الشيطان ضعيف لسببين:
الأول: أنه لا يملك قوة يقهر بها جسدا، ولا يملك حجة يقهر بها قلبا، وقهرالجسد أن تفعل الفعل وأنت كاره، كأن يتوعدك ويهدِّدك إن لم تفعل ليفعلن بك ما يسوؤك -( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي )- [إبراهيم/22] فلا قوة له ليجبرك على المعصية .
أما قهر القلب فهو بالحجة والبرهان، والشيطان لا هو بالجبار الذي يقهرك على فعل شيء، ولا هو بصاحب الحجة البالغة التي تأسر روحك وتغير بها قناعاتك، فلا قوة له ولا حجة ، تصمدان أمام قوة الحق .
الثاني: أن أولياء الرحمن قال الله عنهم : -( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )- [الأعراف/201] بمجرد شعورهم بالوسوسة وكيد الشيطان استعاذوا بالله من الشيطان الرجيم فأذهب الله عنهم ذلك ،أما أولياء الشيطان إذا استنصروا به فإنه لا يملك أن ينصرهم ، فهو مع أوليائه جبان ضعيف هزيل ، ونحن ولينا الله عز وجل فإذا استنصرنا بالله أذهب عنا الشيطان ورجسه ، قال تعالى : -( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون )- [النحل98 /100] فسلطانه على أوليائه فقط الذين يتبعونه ويستجيبون له ، نسأل الله أن نكون من أولياء الرحمن ، اللهم آمين.
مداخل الشيطان :
والشيطان له مداخل كثيرة خفية على الإنسان وهذه المداخل هي التي سأركز الحديث عنها لخفائها عن الكثير منا ، كما ذكرت من قبل أن المشهور عندنا أن الشيطان يوسوس بالمعصية ويزينها فقط ،لكن هناك مداخل خفية للشيطان قل من ينتبه إليها.
“ولا تجد أكثرهم شاكرين ”
من أكبر هذه المداخل أن يجعلك ساخطا دائما لا ترضى عن شئ ، وقد قال الشيطان ذلك بنفسه كما ورد في القرآن في الحوار بين رب العزة جل وعلا وإبليس قال : -( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين )- [الأعراف/17] فالشيطان دائما يزين للبعض هذه العقدة ، الشعور الدائم بالقهر والظلم والنقص والتخبط في الحياة ، أنا رجل منحوس حظي سيء ، أنا هكذا انتقل من مصيبة إلى مصيبة ، لم يمر بي يوم سعيد أبدا ، فدائما يشعرك الشيطان بهذه الكآبة وهذا الحزن الدائم بأنك تعيس ومحروم ومظلوم ، ولم تأخذ حقك من الدنيا …الخ .
فبالتالي تكون ساخطا على الله وإن لم تنطق بذلك ،ويجعلك تكرر هذه الأفكار فتتأكد لديك وتظل ساخطا على الله وأقداره ، فلا يجري على لسانك كلمة الحمد لله ، ودائما تجد أن غيرك افضل منك، وأنك مهما سعيت فأنت منحوس ، النحس يلازمك ، الشؤم يجري وراءك ، الفقر هو الذي ينتظرك كل يوم والمستقبل القريب أسود ومظلم …وهكذا يصور لك الشيطان هذا الجو فيخيم عليك السواد والكآبة والحزن والغم الدائم والهم الذي لا يزول .
وهذا المدخل أضل الشيطان به عبادا كثيرين .
حقيقة الدنيا :
وحتى نفهم الأمور جيدا : لا بد وأن نعلم أن الله لم يجعل الدنيا دار السلامة الدائمة ، الدنيا فيها كل شيء من ظن أن الدنيا كالجنة فهو واهم الدنيا ليست كالجنة ، والأجر العظيم وتوفية أجور الأعمال الصالحة لن يكون في الدنيا قال تعالى : -( وإنما توفون أجوركم يوم القيامة )- [آل عمران/185] الدنيا هي لجنة الامتحان فأنت تتعرض لجميع المواد المقررة (هذا للتشبيه) كواحد مثلا طالب في الجامعة حتى يتحصل على الشهادة النهائية لا بد له من دراسة أربعين مادة والامتحان فيها ، ممكن أن ينتهي منها في ثلاث سنين أو أربع أو خمس سنين لابد من دراسة الأربعين مادة والاختبار فيها كلها (طبعا رقم الأربعين تشبيه ليس مقصود الرقم على الحقيقة) اختبار في مادة الغنى وآخر في مادة الفقر ، اختبار الصحة واختبار المرض ، اختبار في الفتن : فتنة النساء ، المال ، التجارة ، معاملة الناس ، السلطة ، العلم ، ظلم ذوي القربى مثلا ، فتن كثيرة وامتحانات تتعرض لها ، وقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى حينما قال : (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ) يعنى مادة وراء مادة اختبار وراء اختبار ، وهكذا .
فكل العباد سيتعرضون لهذه الاختبارات حتي يأتي الأجل المسمى ( الموت ) ثم يكون الجزاء يوم القيامة ، فالدنيا ليست دار قرار ولا دار النعيم أو دارالسلام ، وليس الأصل فيها السواد أو الكآبة لكنها أمور ستحدث في الدنيا ،وكلنا نتمنى العافية ونسال الله السلامة والصحة والغنى ، لكن سيمر الإنسان باختبارات شديدة وصعبة ربما سيرتقي وربما سيخفق ، ربما يوفق وربما يخذل ،هذا كله وارد ، ومن ظن ان الدنيا ليست كذلك فهو واهم ، من ظن أنه سيتحصل في الدنيا على كل شيء فهو واهم.
فالمؤمن دائما يخزي الشيطان بأن يكون في النعماء شاكر وعند البلاء صابر.
إن الإنسان لربه لكنود :
قال تعالى -( إن الإنسان لربه لكنود )- [العاديات/6] ما معنى كنود ؟ الكنود لغةً: ترجع إلى الأرض الكنود، وهي التي غلب عليها السبخة ، فهي الأرض التي زادت نسبة الملوحة فيها ،فمهما رويت بالماء فلا تنبت زرعا .
فالتشبيه هنا للإنسان الكنود بهذه الأرض ، والكنودهو الذي يعدِّد المصائب وينسى النعم، فالبعض دائما ما يكبر المصائب التي في حياته جرى لي كذا وكذا فلا يرى نعم الله وكأنه يتعامى عنها ، والله يا إخواني لو استعرضنا الابتلاءات التي مر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم لقلنا إن هذا الإنسان بمقاييسنا نحن سيكون إنسانا مكتئبا معقدا في حياته كلها .
فقد تقلب النبي في اليتم بداية من وفاة أبيه فأمه فجده …
وكم مرة تعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- للقتل؟
وعاش النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفقر والمعانة والجوع وشدة العيش لدرجة أنه كان يربط حجرين على بطنه …..
فمر الرسول بابتلاءات كثيرة وصعبة، وعلى الرغم من هذا كله فقد كان يستقبل كل هذا بالحمد لله والشكر له ، والصحابة ذات مرة وكانت حالتهم في قلة ذات اليد والفقر شديدة فعلموا أن النبي قد جاءه مال فذهبوا إليه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أَنْ تُبْسَط عليكم الدُّنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم) فالشيطان يجعلك تعدِّد المصائب وتنسى النعم
قصة لحاتم الأصم :
رُوِي أنه كان في زمن حاتم الأصم رجل أصابته مصيبة، فجزع منها وأمر بإحضار النائحات ، فسمع به حاتم فذهب إلى تعزيته مع تلامذته، وأمر تلميذًا له، فقال: إذا جلست فاسألني عن قوله تعالى:﴿ إن الإنسان لربه لكنود﴾ العاديات: 6.
فسأله فقال حاتم : ليس هذا موضع السؤال!! فسأله ثانيًا وثالثًا،
فقال : معناه إن الإنسان لكفور، عدّاد للمصائب، نسّاء للنعم، مثل هذا الرجل (يقصد صاحب العزاء ) إن الله -تعالى- متّعه بالنعم خمسين سنة، فلم يجمع الناس عليها شاكرًا لله، عز وجل ، فلما أصابته مصيبة جمع الناس يشكو من الله تعالى!!
فندم الرجل على ما فعل وصرف النائحات وتاب إلى الله عز وجل .
فالكنود: هوالذي لا يشكر نعم الله،الذي يعد المصائب وينسى النعم.
لماذا عد النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر الموجبة للنار بالنسبة للنساء كفران العشير ؟
كفران العشير فسره النبي بقوله صلى الله عليه وسلم: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً(لا يعجبها)، قالت: ما رأيت منك خيراً قط) لأنه ليس من الإنصاف أن نعدد السيئات وننسى الحسنات .
لماذا جعل الله الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ؟
ليشجعنا على الإحسان والعمل الصالح ونرغب فيما عند الله.
ولماذا جعل السيئة بواحدة ؟
حتى يشجع الناس على التوبة ، لو شاء الله لضاعف السيئة ، ولو شاء لمنع التوبة ، لكن إذا ضاعف السيئة ومنع التوبة ليئس الناس من رحمته ، وشجعنا أيضا إذا أسأنا أن نحسن كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( واتبع السيئة الحسنة تمحها )
ولذلك التربية الإسلامية للمؤمنين من أفضل مدارس التربية لأنها تحول الإنسان من شخص أناني نفعي لا يعيش إلا لنفسه إلى إنسان إيجابي ، يقوم بتعميم الخير لكل من حوله ،كثير من المجتمعات تفسد بانتشار الأنانية ،وتورم الأنا (الذات ) فالكل يقول أنا أنا فيخرب المجتمع ،ويفسد لأن الكل حريص على مصلحته وتكثير ثروته وإن افتقر من افتقر ، أو مات من مات أو مرض من مرض ،فهنا الإسلام يشجعنا على عمل الخير .
من علامات المؤمنين الحمد في السراء والضراء:
وقال تعالى -( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار )- [الزمر/8] خوله : أعطاه من النعم ما أعطاه بلا مقابل ، فهو مقبل على ربه حال الشدة ، فإذا كان في الرخاء نسي كل ذلك ، ولذلك من علامات المؤمنين أنهم يحمدون الله في السراء والضراء ، يتعرفون إلى الله في النعم بالشكر ، وعند الابتلاءات بالصبر ، قال تعالى : -( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )- [البقرة/156] وفي الحديث (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيراً له).
فتنال البركة والمزيد في النعمة بالشكر قال الله عز وجل: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) [إبراهيم:7]، وتنال رضا الله عند الابتلاء بالصبر ، وأنت إن صبرت أو لم تصبر فالابتلاء نافذ لكن أولى بك أن تفوز بالصبر عليها .
العجب بالنفس:
ومن مداخل الشيطان في قضية الشكر أن يدخل عليك من باب العجب بالنفس ، بأن ينسب الواحد منا الفضل لنفسه ، والقوة لنفسه والحول والطول لنفسه ، كما قال قارون لما أمر بإخراج زكاة ماله -( قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون )- [القصص/78] أنا تحصلت على هذا المال لأني تاجر ذكى وشاطر وعندي شبكة علاقات واسعة وعقلي يزن أمة بأكملها ، فماذا فعل حينما جاءه الخسف ونزل به بأس الله ؟
قال تعالى : -( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين )- [القصص/81]
هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي:
وفي المقابل سيدنا سليمان أوتي ملكا عظيما حينما دعا قائلا -( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب )- [ص/35] فسخر الله له الإنس والجن والطير والريح ، بالرغم من كل هذا قال : (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:40]
بعض الحكام إذا انتصر في معركة وهمية أو نجح في انقلاب وقمع المعارضين تجده قد أطلق الأبواق الإعلامية تسبح بحمده ليل نهار لماذا ؟ ما هي انجازاته ؟ لا شيء.
فهذا مدخل من مداخل الشيطان لينسيك شكر نعمة الله عليك وتنسب الفضل لنفسك وتنسى أن كل شيء هو من عطاء الله سبحانه وتعالى -( وما بكم من نعمة فمن الله )- [النحل/53] فتغتر بمالك أو شهاداتك العلمية أو بمكانة اجتماعية ، بل حتى الملابس التي عليك باللقب الذي ينادونك به ، بالسيارة التي تركبها ….الخ.
وهذا ليس دأب المؤمنين ، إنما دأبنا أن ننسب الفضل لله قائلين (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ) [النمل:40 ) و -( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب )- [هود/88]
إذا تجددت نعمة نجدد الشكر لله:
ولذلك تعلمنا أننا في كل نعمة نزيد الشكر لله ، إذا تجددت نعمة نجدد الشكر لله ، وفقك الله لشيء أو أنعم عليك بنعمة ، إن شاء الله سأخرج صدقة ، إن شاء الله سأقوم بعمرة أو حج ، سأصوم يوم أو أيام كذا تطوع ، سأقيم الليل ، سأذبح ذبيحة وأطعم الإخوة وأضيفهم عندي ، فهذا من شكر النعمة والدليل على هذا سبب صيام يوم عاشوراء كما ورد في الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله: “ما هذا اليوم الذي تصومون؟” فقالوا: “هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه”، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: نحن أحق وأولى بموسى منكم”، فصامه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه )ومن هنا كان صيام النبي لهذا اليوم شكرا لله على إنجاء موسى وقومه وإهلاك فرعون وقومه.
فأحدث لكل نعمة شكرا ، وأيضا شرع لنا رسول الله سجود الشكر سجود العبد لله شكراً عند تجدد النعمة فقد جاء في الحديث الصحيح: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر لله ساجداً شكراً له عز وجل).
الوقوع في الحسد :
من مداخل الشيطان حتى لا تشكر الله فتبقى دائما ساخطا على عطائه الوقوع في الحسد ، والبعض من الناس جعل نفسه كالمسطرة فيقيس الناس بمقياسه هو وحده ، قال تعالى : -( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا )- [الإسراء/20] وزع الله الأرزاق كلها لكن ليس هناك مساواة من جنس واحد في الرزق بمعنى لو رزق الله أحدنا بألف دولار إذن يعطي الكل ألف دولار ، كلا ، إنما وزع الله الأرزاق ونوّعها مال وصحة وعافية وستر وزوجة صالحة وأولاد فيهم بركة …الخ ، فهذا يحصل على صحة ونقص في المال ، وهذا يحصل على علم ونقص في كذا ، وهكذا ، فالله عز وجل قدر بحكمته تنويع الأرزاق وتوزيعها على العباد ، فيأتي من يقيس الناس بمسطرته الخاصة ويقول :
كيف هذا الرجل في نفس عمري وعنده خمسة أولاد ؟ وأنا لم أتزوج بعد ؟
فمسطرته على أنه كل من بلغ مثل سنه يجب أن يكون مثله في كل شيء ، في الصحة والأولاد والعمل والراتب ، يقول : هذا كان زميلي بالدراسة وراتبه أضعاف راتبي كيف ؟
هذا تجاوز الخمسين وما زال بصحته فتراه كالجمل كيف ؟ ( وهذا هو الحسد بعينه ) وأنا عندي 45 سنة ومصاب بأمراض كذا وكذا ؟
وتنظر المرأة إلى أختها هذه رغم أنها أكبر مني في السن إلا أنها أجمل فتحسدها ، هذه ابنها عنده ست سنوات إلا أنه يبدو وكأنه ابن عشر سنوات بخلاف ابني ضعيف وهزيل ؟؟
راتب زوجها أقل من راتب زوجي إلا أنها تلبس ملابس أغلى وأجمل فتحسدها ، راكب سيارة أحدث موديل وأنا ليس عندي ….
أسطورة سرير بروكرست :
هناك أسطورة فرنسية أن شخصاً مختل عقليا اسمه”بروكرست” وكان حداداً إذا قدم زائر للمدينة دعاه للمبيت عنده، ثم يضعه على سرير في بيته، فمن زاد طوله عن السرير بتر الزائد منه، ومن كان أقصر مد أطرافه حتى تتمزق،الشخص الوحيد الذي ينجو منه هو الذي يناسب مقاسه السرير تماماً!
وهذه ليست أسطورة فحسب بل واقع الكثير منا للأسف، وضع مسطرة لشخصيته يقيس العباد جميعا عليه فمن زاد عليه حسده على ما أعطاه الله من فضله ونسي أن الله أمد الجميع من فضله قال تعالى : -( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق )- [النحل/71] فتوزيع الأرزاق تم بحكمة قدرها هو سبحانه وتعالى ، وليس بوسع أحد أن يجعل نفسه مقياسا للبشرية كلها فليحمد الله على نعمه ولا يحسد أحدا زاده الله من فضله .
والحسود دائما في كآبة وغم لأنه يرى دائما أن غيره أفضل منه ، قال تعالى : -( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما )- [النساء/32]
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ:
ولدفع الحسد علمنا الإسلام أن نشرك غيرنا في النعمة، وهذا معنى قول الله سبحانه وتعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) [الضحى:11].
وتحديث العبد بنعمة الله عليه ليس معناه أن يقول للناس أنا راتبي في الشهر كذا وامتلك كذا وكذا ، إنما المعنى المقصود هو : أن يرى أثر النعمة عليك، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الصحابة: (إذا أنعم الله على عبدٍ نعمة فإنه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل لك من مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال؛ قد آتاني الله من الإبل والخيل، والرقيق والغنم، قال: فإذا آتاك الله مالاً فليُر عليك).
فليس من شكر النعمة أن تكون مرقع الثياب مثلا ، طبعا الموضة الآن أن تكون الثياب مرقعة للأسف ( زهد باهت )
وكا ن البعض يقول : رحم الله عمر كان بثيابه أربعة عشر رقعة ، وهذا غير صحيح ، ولو صح فليس فيه فضيلة ، فربما هذا كان بسبب شدة العيش في زمانهم ، فلم يكن عندهم الوسع والطاقة ليجدوا الثياب بسهولة ، فليس من الزهد لبس الممزق من الثياب والمرقع ويقول أنا زاهد ، سبحان الله العظيم !!!
وهناك معنى ثان ٍ: وهو أن يشعر الناس حولك بالنعمة بالعطاء والمنفعة ، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( خير الناس أنفعهم للناس ) ومن هنا سن لنا الإسلام إطعام الطعام ، في الزواج الوليمة ، وعندما ترزق بمولود العقيقة وهكذا ، فتكون كريما تطعم الطعام .
أيضا تصل رحمك بالهدية والإعانة للمحتاج ، تكرم إخوانك بالضيافة ،تشارك في دعم مسجد بناء مدرسة مستشفى ، حفر بئر …الخ فيرى الناس النعمة منك ، لكن أن يراك الناس تزداد مالا وتزداد بخلا ؟!! لا شك أنهم سيبغضوك ، ستكون محسودا ومكروها بين الناس فالعطاء يكسر الحسد والعين ، والمنع يكثر من الحسد والعين ، فيزداد مبغضوك وحاسدوك لأنك عندك وتمنع .
(اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ)