شرح الدعاء : اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة

تاريخ الإضافة 22 مارس, 2022 الزيارات : 20965

شرح الدعاء :اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة

عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قاللم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: “اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه 

لم يكن يدع هؤلاء الكلمات معناه أنه يحافظ عليها ويداوم عليها.

وهذه الدعوات من أجمع الدعوات لأنها تشمل السلامة من الآفات الدينية والدنيوية كما سنبين.
1- اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة:

 العافية في الدنيا : المقصود بها طلب السلامة من الأسقام، والأمراض، والبلاء، وطلب الأمان من كل ما يضرّ العبد في دنياه. 

العافية في الآخرة : العافيةُ في الآخرة فإنها تكونُ بالسّلامةِ والأَمْنِ مِن عذاب الآخرة، والوقاية من أهوالها ، وشدائدها، وكرباتها، وما فيها من العقوبات، بدءً من الاحتضار، وعذاب القبر، والحشر والفزع الأكبر، والصراط، والميزان، وعذاب النار.

عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: “يا رسول الله علمني شيئًا أسأله الله”، قال: «سل الله العافية» فمكثت أيامًا ثم جئت فقلت: “يا رسول الله، علمني شيئاً أسأله الله”، فقال لي: «يا عباس، يا عم رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة»

وفي أمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئًا يسأل الله به، دليل جلي بأن الدعاء بالعافية من أهم الأدعية التي يدعى بها ذو الجلال والإكرام.

2-  اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي:

العفو: هو محو الذنوب .

العافية السلامة من النقص.

في ديني : تسلم لي ديني من النقص ، ومن كل أمر يشين بالدين، أو يخل به، أو يخدش فيه من المصائب، والفتن، والمحن، والضلالات، والشبهات، والشهوات، ووساوس الشيطان، وغيرها من الأشياء التي تؤثر على دين العبد، وتسبب في إضعاف الإيمان في قلبه.
ونقصان العافية في الدين تكون أيضا بالمجاهرة بالمعاصي ، يَقُولُ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ” كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ”  رواه البخاري

ودنياي: بالسلامة من النكبات والآفات والمنغصات والاضطرابات النفسية والتوترات العصبية .

وأهلي:  أي لا ترني فيهم مايسوؤني فتكون بوقايتهم من الفتن، وحمايتهم من البلايا والمحن.

 ومالي: وأما العافية في المال فتكون بحفظه مما يتلفه من أن يحترق، أو يسرق، أو تمحق منه البركة، أو نحو ذلك من العوارض المؤذية، والأخطار المضرة. وأن يكون مصدره حلالاً ، ومصرفه حلالاً .

لماذا قدم العافية في الدين على العافية في الدنيا والمال والأهل والولد؟

 لأنّ دينَ الإنسانِ أهمُ مِن دنياه ومُقدَّمٌ عليها، ومن استقام له دينه وعوفي له فيه استقام له كل شيء، وتيسرت له كل سبل الطاعة والخير، وأعظم مصيبة هي مصيبةُ الدِّينِ – نسألُ اللهَ أن يُثبِّتنا على دينه – فإذا أُصِيبَ الإنسانُ في دِينهِ والعياذُ بالله فهذه أَعْظَمُ مُصيبةٍ، وأكبر خطر يصيب الإنسان، ويجعله يخسر الدنيا والآخرة، لأن الدين يضعف في النفس، والقلب يمرض كما يمرض البدن، فلهذا أمُرنا بأن نسأل الله العافية في الدين.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: “فَجَمَعَ -صلى الله عليه وسلم -بَيْنَ عَافِيَتَيِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يَتِمُّ صَلَاحُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ إِلَّا بِالْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ، فَالْيَقِينُ يَدْفَعُ عَنْهُ عقوبات الآخرة، والعافية تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَاضَ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ زاد المعاد (4 / 197)

سؤال الله العافية دائما:

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ (ضعف) فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “سُبْحَانَ اللهِ لَا تُطِيقُهُ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ أَفَلَا قُلْتَ: “اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ” قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُ.

 فهذا الرجل أراد أن يستعجل عذاب الآخرة، سائلا الله أن يعجل له في الدنيا ماله من العذاب في الآخرة فضعف وهزل جسمه حتى أصبح مثل العصفور الصغير، فعاتبه النبي -صلى الله عليه وسلم -على ذلك، وأخبره بأنه كان يسعه أن يقول: “اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ” فدعا بهذا فشفاه الله وعافاه.

فهذا الإنسان الضعيف الذي قد تخدعه بعض لحظات الصفاء فيتمنى لو طهره الله من الذنوب في الدنيا فيعجل له البلاء والعقوبة، وهيهات أن يكون تمني البلاء مما يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم .. بل باب التوبة والعافية خير وأبقى، هذا فضلاً على أن المرء لا يعلم مآل أمره إذا تمنى البلاء هل يصبر أو يضعف .

 بل إن تمنى البلاء فيه من صورة الإعجاب بالنفس والاتكال على القوة والوثوق بها وترك الاستعانة بالله تعالى، فنسأل الله العافية والسلامة التي لا يعدلها شيء.

وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه يوم الطائف: «إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى، غير أن عافيتك أوسع لي» فلاذ بعافيته.

كما استعاذ بها في قوله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك»

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول : “لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر” 

قال ابن القيم : وقوله : ” وعافني فيمن عافيت ” إنما يسأل ربه العافية المطلقة ، وهي العافية من الكفر والفسوق والعصيان، والغفلة والإعراض، وفعل ما لا يحبه، وترك ما يحبه ؛ فهذا حقيقة العافية ، ولهذا ما سئل الرب شيئا أحب إليه من العافية لأنها كلمة جامعة للتخلص من الشر كله وأسبابه ” “شفاء العليل” (ص111)

3-  اللهم استر عوراتي :

 والعورة هي كل ما يخشى العبد أن يطلع عليه الناس، ويستحي أن يعلموه من حاله.

والعورة نوعان: حسية ومعنوية.

فالحسية: هي عورة الجسد وعورة الأهل.

والمعنوية: هي الذنوب والآثام.

وكلاهما يحتاج العبد إلى ستر الله فيه في الدنيا فلا يفضحه في الدنيا باطلاع الناس على عوراته وهتك ستره، وكذلك في الآخرة يعفو عن زلاته، ويلبسه من حلل الجنة حين يكسو المؤمنين في الموقف ويؤمن روعهم.

والشيطان الرجيم يسعى إلى هتك عوراتنا، فيدفعنا إلى معصية الله – تعالى -كما فعل مع آدم من قبل: (يَابَنِي ءَادَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسًا يُوَارِي سَوآتِكُم وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن ءَايَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ يَابَنِي ءَادَمَ لَا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطَانُ كَمَا أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُم هُوَ وَقَبِيلُهُ مِن حَيثُ لَا تَرَونَهُم إِنَّا جَعَلنَا الشَّيَاطِينَ أَولِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ)[الأعراف: 26-27].

والعجب أن الله – تعالى -قد أراد لنا الستر، وأراد الشيطان لنا الفضيحة وكشف العورات، ومع هذا فأكثر الناس إلا من رحم الله، يأبى ستر الله عليه ويتجمل بكشف العورات دون حياء.

والذنوب والآثام هتك للباس الإيمان والتقوى، والعبد يحتاج إلى ستر الله وعفوه في الدنيا والآخرة وأولى الناس بستر الله أهل الإيمان والتقوى الذين يستشعرون الحياء من الله، ويستشعرون الندم على ما فرطوا في جنب الله.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدني الله العبد يوم القيامة فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك. قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. فيُعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين)

وآمن روعاتي:

 الروع هو الفزع: والروعة هي الفزعة وهي المرة الواحدة من الروع، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – للمسلمين حين فزعوا بالمدينة: (لن تُراعوا، لن تراعُوا)

والشعور بالأمن نعمة عظيمة لا يعرف قدرها إلا من افتقدها فتصور نفسك وقد هجم عليك عدوك فسلب حريتك أو أخذ ولدك، وروّع أهلك، فانتقلت من حضن أهلك ودفء بيتك إلى برد سجنك، ولا تدري ماذا يفعل بك.

إن نعمة الأمن والستر من تمام العافية، ولا يملك ذلك إلا مالك الملك الذي يستر العورات ويؤمن الروعات ويحفظ عبده من كل مكروه وسوء، وكفى بذلك نعمة .

وعن عبد الله بن مِحْصَنٍ الأنصاري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا  بحذافيرها»
ولما حاصر الأحزاب المدينة وطال الحصار ، اشتد الخوف بصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وضاق بهم الحال وقل عندهم الزاد
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر ؟ فقال : ( نعم قولوا : اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا )

4-  اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي:
فيه سؤال الله الحفظ من الجهات الست ، و هو لا يدري من أي جهة قد يفجأه البلاء، فسأل ربه أن يحفظه من جميع جهاته

وَأَعـوذُ بِعَظَمَـتِكَ أَن أُغْـتالَ مِن تَحْتـي :
أصل الاغتيال القتل المفاجئ فيقتل فجأة دون أن يخطر بباله أو يحسب لذلك حسابا، والمقصود به هنا البلاء الذي يحل بالإنسان من تحته كأن تخسف به الأرض ، أو ما يحدث حاليا من زرع الألغام والقنابل في الأرض ليقتل بها المراد قتله .

نسأل الله العفو والعافية والسلامة الدائمة وأن يجنبنا الفتن ماظهر منها ومابطن .

 

 

(2) تعليقات



اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 434 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين