(5)أعمال الحج من يوم التروية إلى طواف الوداع
التوجه إلى منى :
من السنة التوجه إلى منى يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة .
والصحيح في سبب هذه التسمية هو : أنه لم يكن بعرفة ومزدلفة ماء في الزمن القديم ، وكان الناس في اليوم الثامن يستقون الماء لحمله معهم إلى عرفات ومزدلفة .
فإن كان الحاج قارنا ، أو مفردا ، توجه إليها بإحرامه ، وإن كان متمتعا ، أحرم بالحج ، وفعل كما فعل عند الميقات .
والسنة : أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه .
فإن كان في مكة : أحرم منها ، وإن كان خارجها : أحرم حيث هو ، ففي الحديث : ” من كان منزله دون مكة فمهله من أهله ، حتى أهل مكة يهلون من مكة ” . ويستحب الإكثار من الدعاء والتلبية عند التوجه إلى منى وصلاة الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، والمبيت بها .
وأن لا يخرج الحاج منها حتى تطلع شمس يوم التاسع ، إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . فإن ترك ذلك أو شيئا منه فقد ترك السنة ، ولا شئ عليه ، فإن عائشة لم تخرج من مكة يوم التروية ، حتى دخل الليل ، وذهب ثلثه .
التوجه إلى عرفات :
يسن التوجه إلى عرفات بعد طلوع شمس يوم التاسع .
ويستحب النزول بنمرة والاغتسال عندها للوقوف بعرفة ، ويستحب أن لا يدخل عرفة إلا وقت الوقوف بعد الزوال .
فضل يوم عرفة :
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ “
حكم الوقوف :
أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم ، لما رواه أحمد ، عبد الرحمن بن يعمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا ينادي : ” الحج عرفة ” أي الحج الصحيح حج من أدرك الوقوف يوم عرفة .
وقت الوقوف :
يبدَأُ وقتُ الوقوف -عند الجمهور- من زوال الشمس يومَ عرفةَ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليهِ وآلهِ وسلَّمَ أتَى الموقفَ بعد الزَّوالِ، وكذلكَ فعلَ الخلفاءُ الراشدونَ ومَن بعدهُم، وإلى هذا القول ذهب الأئمَّةُ الثلاثةُ: أبو حنيفةَ ومالكٌ والشافعيُّ وهو اختيارُ ابن تيمية، وخالف في ذلكَ الحنابلةُ فإنَّ بدايةَ وقتِ الوقوفِ -عندهُم- من طلوع الفجر يومَ عرفةَ.
هذا، ويمتدُّ وقتُ الوقوف -عند الجميع اتِّفاقًا- إلى طلوع الفجر يومَ النحرِ (أي: يومَ العيدِ)، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّمَ لنفرٍ من أهلِ نجدٍ: «الحجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»، وفي روايةٍ: «الحجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ»
قال ابنُ قدامة: «لاَ نعلمُ خلافًا بين أهل العلم في أنَّ آخرَ الوقت: طلوعُ الفجر يومَ النحر»
وروى الترمذي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ الطَّائِيِّ قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ [أي صلاة الفجر] فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ ، أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي ، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ ، وَقَضَى تَفَثَهُ ).
” قَوْلُهُ تَفَثَهُ : يَعْنِي نُسُكَهُ . قَوْلُهُ : ( مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ ) إِذَا كَانَ مِنْ رَمْلٍ يُقَالُ لَهُ : حَبْلٌ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ حِجَارَةٍ يُقَالُ لَهُ : جَبَلٌ “.
وقد حكى غير واحد من العلماء الاتفاق على أن الوقوف بعرفة يمتد إلى فجر يوم النحر .
قال النووي رحمه الله : ” وقت الوقوف بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر ليلة النحر , وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور . وقال القاضي أبو الطيب والعبدري : هو قول العلماء كافةً إلا أحمد فإنه قال : وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة , وطلوعه يوم النحر” انتهى من “المجموع” (8/ 141).
وقال ابن قدامة رحمه الله : ” ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن آخر الوقت طلوع فجر يوم النحر . قال جابر : ” لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جَمْع [أي مزدلفة] ” . قال أبو الزبير : فقلت له : أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ؟ قال : نعم . رواه الأثرم .
المقصود بالوقوف :
المقصود بالوقوف : الحضور والوجود ، في أي جزء من عرفة ولو كان نائما ، أو يقظان ، أو راكبا ، أو قاعدا ، أو مضطجعا أو ماشيا . وسواء أكان طاهرا أم غير طاهر كالحائض والنفساء والجنب .
واختلفوا في وقوف المغمى عليه ولم يفق حتى خرج من عرفات ، فقال أبو حنيفة ومالك : يصح .
وقال الشافعي وأحمد لا يصح ، لأنه ركن من أركان الحج ، فلم يصح من المغمى عليه ، كغيره من الأركان .
و يجزئ الوقوف في أي مكان من عرفة ، لان عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة ( واد يقع في الجهة الغربية من عرفة ) ، فإن الوقوف به لا يجزئ بالإجماع .
ويستحب أن يكون الوقوف عند الصخرات ، أو قريبا منها حسب الإمكان . فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في هذا المكان وقال : ” وقفت هاهنا ، وعرفة كلها موقف ” رواه مسلم
والصعود إلى جبل الرحمة واعتقاد أن الوقوف به أفضل خطأ ، وليس بسنة .
استحباب الغسل :
يندب الاغتسال للوقوف بعرفة . وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل لوقوفه عشية عرفة . رواه مالك
آداب الوقوف والدعاء :
ينبغي المحافظة على الطهارة الكاملة ، واستقبال القبلة والإكثار من الاستغفار والذكر والدعاء لنفسه ، ولغيره ، بما شاء من أمر الدين والدنيا مع الخشية ، وحضور القلب ، ورفع اليدين .
عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده قال : كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير وهو على كل شئ قدير ” . رواه أحمد والترمذي ، ولفظه : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” خير الدعاء ، دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي . لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ” .
ويروى عن الحسين بن الحسن المروزي قال : سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة . فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . فقلت له : هذا ثناء وليس بدعاء . فقال : أما تعرف حديث مالك بن الحارث ؟ هو تفسيره . فقلت : حدثنيه أنت ، فقال : حدثنا منصور ، عن مالك بن الحارث قال : يقول الله عز وجل : ” إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ” . قال : وهذا تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال سفيان : أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى عبد الله ابن جدعان يطلب نائله (عطاءه )؟ فقلت : لا .
فقال : قال أمية :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني – حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالحقوق وأنت فرع – لك الحسب المهذب والسناء
إذا أثنى عليك المرء يوما – كفاه من تعرضه الثناء
ثم قال : يا حسين ، هذا مخلوق يكتفى بالثناء عليه دون مسألة ، فكيف بالخالق ؟
وللأمانة هذا الحديث سنده ضعيف ولفظه (من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي ؛ أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)
صيام عرفة
ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفات ، ليتقوى الحاج على الدعاء والذكر .
وثبت أن رسول الله أفطر يوم عرفة فعن أم الفضل بنت الحارث رضي اللَّه عنها: (أن ناساً تماروا عندها يوم عرفه في صوم النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلتْ إليه بقدح لبنٍ وهو واقف على بعيره فشربه)متفق عليه
وما جاء من الترغيب في صوم يوم عرفة ، فهو محمول على من لم يكن حاجا بعرفة .
الجمع بين الظهر والعصر بعرفة :
في الحديث الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، جمع بين الظهر والعصر بعرفة . أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان يقيم بمكة ، فإذا خرج إلى منى ، قصر الصلاة .
الإفاضة من عرفة :
يسن الإفاضة من عرفة بعد غروب الشمس ، بالسكينة والرفق.
ويستحب التلبية والذكر .
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي ، حتى رمى جمرة العقبة .
الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة :
فإذا أتى المزدلفة ، صلى المغرب والعشاء ركعتين بأذان وإقامتين ، ومن غير تطوع بينهما . ففي حديث مسلم : أنه صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة ، فجمع بين المغرب والعشاء ، بأذان واحد ، وإقامتين ، ولم يسبح ( يصلي ) بينهما شيئا .
حكم المبيت بمزدلفة :
اختلف الفقهاء في حكم المبيت بمزدلفة للحاج ليلة النحر، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به، كالوقوف بعرفة، وذهب إلى هذا القول الحسن البصري وبعض الشافعية
القول الثاني: المبيت بمزدلفة واجب، فلو تركه الحاج صح حجه وعليه دم (شاه)، وهذا مذهب الحنفية والأصح عند الشافعية، والحنابلة.
القول الثالث: أن المبيت بمزدلفة سنة، وهذا مذهب المالكية ، وأحد القولين عند الشافعية .
والذي أراه أن ذلك مرتبط بالطاقة والوسع وهذا يختلف باختلاف الأشخاص وإمكاناتهم فقد صار الزحام كبيرا جدا وأصبحت حركة الباصات لمزدلفة طوال الليل لا تنقطع ولا تكفي لنقل الحجيج جميعا.
واختُلف في القدر الواجب على أقوال :
ومذهب الشافعية والحنابلة : أن الوجود بمزدلفة واجب ولو لحظة , بشرط أن يكون ذلك في النصف الثاني من الليل بعد الوقوف بعرفة , ولا يشترط المكث , بل يكفي مجرد المرور بها . وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : لم نستطع المبيت في مزدلفة لأننا لم نجد مكاناً إلا على الطريق ولا يسمحون لأحد بالوقوف على الطريق. فانصرفنا إلى منى فهل علينا شيء ؟
فأجاب : “إن كان لم يجد مكاناً في مزدلفة أو منعه الجنود من النزول بها فلا شيء عليه ؛ لقول الله سبحانه : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، وإن كان ذلك على تساهل منه فعليه دم مع التوبة” انتهى من “فتاوى ابن باز” (17/287).
مكان الوقوف :
المزدلفة كلها مكان للوقوف إلا وادي محسر ( وهو بين المزدلفة ومنى )
أعمال يوم النحر (10 ذو الحجة)
أعمال يوم النحر تؤدى مرتبة هكذا :
يبدأ بالرمي ، ثم الذبح ، ثم الحلق ، ثم الطواف بالبيت .
وهذا الترتيب سنة ، فلو قدم منها نسكا على نسك فلا شئ عليه ، عند أكثر أهل العلم ، وهذا مذهب الشافعي .
لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للناس بمنى ، والناس يسألونه ، فجاءه رجل ، فقال : يا رسول الله . إني لم أشعر ( لم انتبه ) فحلقت قبل أن أنحر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اذبح ولا حرج ” . ثم جاء آخر ، فقال يا رسول الله إني لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ارم ولا حرج ” . قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال : ” افعل ولا حرج ” .
التحلل الأول والثاني :
وبرمي الجمرة يوم النحر وحلق الشعر أو تقصيره ، يحل للمحرم كل ما كان محرما عليه بالإحرام ؛ فله أن يمس الطيب ويلبس الثياب وغير ذلك ما عدا النساء وهذا هو التحلل الأول .
فإذا طاف طواف الإفاضة – وهو طواف الركن – حل له كل شئ ، حتى النساء ، وهذا هو التحلل الثاني ، والأخير .
رمي الجمار :
” الجمار ” : هي الحجارة الصغيرة والجمار التي ترمى ثلاث ، كلها بمنى ، وهي :
1 – ” جمرة العقبة ” على يسار الداخل إلى منى .
2 – الوسطى بعدها وبينهما : 77 .116 مترا .
3 – والصغرى وهي التي تلي مسجد الحيف وبين الصغرى والوسطى 4 .156 مترا
أصل مشروعيته : روى البيهقي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لما أتى إبراهيم عليه السلام المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الارض .
ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الارض . ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الارض . ” قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان ترجمون ، وملة أبيكم تتبعون . رواه ابن خزيمة في صحيحه
حكمته :
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله في الإحياء : وأما رمي الجمار فليقصد الرامي به الانقياد للأمر ، وإظهارا للرق والعبودية ، وانتهاضا لمجرد الامتثال ، من غير حظ للنفس والعقل في ذلك . ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام ، حيث عرض له إبليس – لعنه الله تعالى – في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة ، أو يفتنه بمعصية . فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له ، وقطعا لأمله .
حكمه :
ذهب جمهور العلماء : إلى أن رمي الجمار واجب ، وليس بركن ، وأن تركه يجبر بدم .
روى مسلم ، عن جابر رضي الله عنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ، ويقول : ” لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لاأدرى لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ” .
وعن عبد الرحمن التيمي قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الحذف في حجة الوداع . رواه الطبراني
” الحذف ” ، الرمي . والمراد هنا الرمي بالحصى الصغار مثل حب الباقلاء ، وهو الفول . قال الأثرم : يكون أكبر من الحمص ، ودون البندق .
قدر كم تكون الحصاة ، وما جنسها ؟
في الحديث المتقدم : أن الحصى الذي يرمى به مثل حصى الحذف .
ولهذا ذهب أهل العلم إلى استحباب ذلك . فإن تجاوزه ورمى بحجر كبير فقد قال الجمهور : يجزئه ويكره .
وقال أحمد : لا يجزئه حتى يأتي بالحصى ، على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك : ” يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا ، إذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الحذف ” رواه أبو داود .
من أين يؤخذ الحصى :
كان ابن عمر رضي الله عنهما يأخذ الحصى من المزدلفة ، وقال أحمد : خذ الحصى من حيث شئت .
عدد الحصى :
عدد الحصى الذي يرمى به ، سبعون حصاة ، أو تسع وأربعون .
سبع يرمى بها يوم النحر عند جمرة العقبة .
وإحدى وعشرون في اليوم الحادي عشر ، موزعة على الجمرات الثلاث ، ترمى كل جمرة منها بسبع .
وإحدى وعشرون يرمي بها كذلك في اليوم الثاني عشر .
وإحدى وعشرون يرمي بها كذلك في اليوم الثالث عشر .
فيكون عدد الحصى سبعين حصاة . فإن اقتصر على الرمي في الأيام الثلاثة ، ولم يرم في اليوم الثالث عشر جاز .
ويكون الحصى الذي يرميه الحاج تسعا وأربعين .
أيام الرمي :
أيام الرمي ثلاثة أو أربعة : يوم النحر ، ويومان ، أو ثلاثة من أيام التشريق . قال الله تعالى : ” واذكروا الله في أيام معدودات ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ” .
الرمي يوم النحر :
الوقت المختار للرمي ، يوم النحر ، وقت الضحى بعد طلوع الشمس ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله ، وقال ” لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ” . رواه الترمذي ، وصححه . فإن أخره إلى آخر النهار ، جاز .
قال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها ، وإن لم يكن ذلك مستحبا لها . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فقال رجل : رميت بعد ما أمسيت ، فقال : ” لا حرج ” . رواه البخاري .
هل يجوز تأخير الرمي إلى الليل :
إذا كان فيه عذر بمنع الرمي نهارا ، جاز تأخير الرمي إلى الليل . لما رواه مالك عن نافع : أن ابنة لصفية امرأة ابن عمر نفست بالمزدلفة ، فتخلفت هي صفية ، حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر ، فأمرهما ابن عمر أن ترميا الجمرة حين قدمتا ، ولم ير عليهما شيئا .
أما إذا لم يكن فيه عذر فإنه يكره التأخير ، ويرمي بالليل ، ولا دم عليه عند الأحناف والشافعية ، ورواية عن مالك ، لحديث ابن عباس المتقدم .
وعند أحمد : إن أخر الرمي حتى انتهى يوم النحر فلا يرمي ليلا ، وإنما يرميها في الغد بعد زوال الشمس .
الترخيص للضعفة وذوي الأعذار بالرمي بعد منتصف ليلة النحر :
لا يجوز لأحد أن يرمي قبل نصف الليل الأخير بالإجماع ويرخص للنساء ، والصبيان ، والضعفة ، وذوي الأعذار ، ورعاة الإبل : أن يرموا جمرة العقبة ، من نصف ليلة النحر فعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر ، فرمت قبل الفجر ثم أفاضت . رواه أبو داود ، والبيهقي ، وقال : إسناده صحيح لا غبار عليه .
الرمي في الأيام الثلاثة :
الوقت المختار للرمي في الأيام الثلاثة يبتدئ من الزوال إلى الغروب . فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار عند زوال الشمس ، أو بعد زوال الشمس . رواه أحمد ، وابن ماجه ،
فتوى الشيخ القرضاوي – رحمه الله- حول الكوارث المتكررة في رمي الجمرات:
إجازة الرمي قبل الزوال:
وهناك أمر في غاية الأهمية، وهو منوط بأهل العلم والفقه في هذه الأمة، وهو: أن نوسع في (زمن الرمي) ما وسع لنا الشرع في ذلك، حيث لا نستطيع أن نوسع المكان، إذ المرمي صغير كما هو معلوم، ثم لا بد أن يكون الرمي من مسافة قريبة، حتى يقع الحصى في المرمى، ولا يصيب الناس فيؤذيهم.
وما دام العدد كبيرًا، والمكان محدودًا، فليس أمامنا إلا توسيع الزمان، وهو: إجازة الرمي من الصباح إلى ما شاء الله تعالى من الليل.
وقد أجاز الإمام أبو حنيفة الرمي يوم النفر من منى من الصباح، فيرمي، ثم يحزم أمتعته لينـزل إلى مكة.
وإذا كان معظم الناس يتعجلون في يومين، كما قال تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى} [البقرة: 203] فلم يبق إلا يوم واحد، هو اليوم الثاني من أيام النحر.
وقد قال ثلاثة من كبار الأئمة بجواز الرمي قبل الزوال في الأيام كلها، وهم: عطاء، فقيه مكة، وفقيه المناسك، وأحد فقهاء التابعين. . وطاووس، فقيه اليمن، وأحد فقهاء التابعين، وهو وعطاء من تلاميذ حَبْر الأمة عبد الله بن عباس، وكذلك هو رأي أبي جعفر الباقر، من أئمة أهل البيت، وفقهاء الأمة المعتبرين.
بل قال هذا بعض المتأخرين من فقهاء المذاهب من الشافعية والمالكية والحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد.
وهم لم يروا ما رأينا من الزحام، وموت الناس تحت الأقدام، فكيف لو شهدوا ما شهدنا؟
لقد قرر المحققون من علماء الأمة: أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان وحال الإنسان، وكلنا يؤمن بهذه القاعدة ويرددها، ويعدها من محاسن هذه الشريعة، فما لنا لا نطبقها، وهذا أوانها؟
ومما يؤكدها: أن هذه الملة حنيفية سمحة، وأنها قامت على اليسر لا على العسر، ولم يجعل الله في هذا الدين من حرج، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” متفق عليه عن أنس.
وقال: ” إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين” رواه البخاري عن أبي هريرة.
وما سئل صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عن أمر في الحج قدم أواخر، إلا قال للسائل: أفعل، ولا حرج.
وقد قرر العلماء عدة قواعد كلها ينفعنا في هذه القضية. منها قولهم: التكليف بحسب الوسع. المشقة تجلب التيسير. . إذا ضاق الأمر أتسع . الضرورات تبيح المحظورات. لا ضرر ولا ضرار.
ومما يؤكد ذلك أن المقصود من الرمي هو ذكر الله تعالى، كما جاء في الحديث “إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله” رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة الأولى، ويقف طويلاً يدعو الله سبحانه، وكذلك في الجمرة الثانية. فهل يمكن أحدًا في هذه الأمواج المتلاطمة من الزحام أن يقف ويدعو؟
وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) قال : واليوم باتفاق يبدأ من الصباح، بعد الفجر، أو بعد الشمس.
وقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر جمرة العقبة في الصباح، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس، وهو خارج لصلاة الظهر. ولهذا كان الرمي بعد الزوال سنة عنه، ولكن لم يأت نهي منه عليه الصلاة والسلام عن الرمي قبل ذلك.
على أن الرمي ليس من أساسيات الحج، فهو يتم بعد التحلل الثاني من الإحرام بالحج، وتجوز فيه النيابة للعذر، وأجاز فقهاء الحنابلة أن يؤخر الرمي كله إلى اليوم الأخير. وكل هذا يدل على التسهيل فيه، وعدم التشديد.
وحديث عروة بن مضّرس الطائي الذي رواه أصحاب السنن وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بمزدلفة، وسأله عن حجه، فقال: ” من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع (أي إلى منى وطواف الإفاضة) وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أونهارًا، فقد تم حجة، وقضى تفثه “، والرمي إنما يأتي بعد ذلك، فقد تم حجه، وقضى تفثه.
الوقوف والدعاء بعد الرمي في أيام التشريق :
يستحب الوقوف بعد الرمي مستقبلا القبلة ، داعيا الله ، وحامدا له مستغفرا لنفسه ولإخوانه المؤمنين .
لما رواه أحمد ، والبخاري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه : أن رسول صلى الله عليه وسلم ، كان إذا رمى الجمرة الأولى ، التي تلي المسجد ، رماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، ثم ينصرف ، ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة ، رافعا يديه يدعو ، وكان يطيل الوقوف ، ثم يرمي الثانية بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي ، فيقف ، ويستقبل القبلة ، رافعا يديه ثم يمضي حتى يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات ، يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف .
وفي الحديث أنه لا يقف بعد رمي جمرة العقبة ، وإنما يقف بعد رمي الجمرتين الأخريين . وقد وضع العلماء لذلك أصلا فقالوا : إن كل رمي ليس بعده رمي في ذلك اليوم لا يقف عنده ، وكل رمي بعده رمي في اليوم نفسه يقف عنده . وروى ابن ماجه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى جمرة العقبة ، مضى ولم يقف .
الترتيب في الرمي : الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه بدأ رمي الجمرة الاولى التي تلي منى ، ثم الجمرة الوسطى التي تليها ، ثم رمى جمرة العقبة
وثبت عنه أنه قال : ” خذوا عني مناسككم ” . فاستدل بهذا الأئمة الثلاثة على اشتراط الترتيب بين الجمرات وأنها ترمى هكذا ، مرتبة ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمختار عند الأحناف : أن الترتيب سنة .
استحباب التكبير والدعاء مع كل حصاة ووضعها بين أصابعه:
عن عبد الله بن مسعود ، وابن عمر رضي الله عنهما : أنهما كانا يقولان – عند رمي جمرة العقبة – اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا .
وعن إبراهيم أنه قال : كانوا يحبون للرجل – إذا رمى جمرة العقبة – أن يقول : اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا . فقيل له : تقول ذلك عند كل جمرة ؟ قال : نعم . وعن عطاء قال : إذا رميت فكبر ، وأتبع الرمي التكبيرة .
النيابة في الرمي :
من كان عنده عذر يمنعه من مباشرة الرمي ، كالمرض ونحوه ، استناب من يرمي عنه .
قال جابر رضي الله عنه : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ، ورمينا عنهم . رواه ابن ماجه . المبيت بمنى:
البيات بمنى :
واجب في الليالي الثلاث ، أو ليلتي الحادي عشر ، والثاني عشر ، عند الأئمة الثلاثة .
ويرى الأحناف أن البيات سنة .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا رميت الجمار فبت حيث شئت . رواه ابن أبي شيبة .
وعن مجاهد : لا بأس بأن يكون أول الليل بمكة ، وآخره بمنى ، أو أول الليل بمنى ، وآخره بمكة .
وقال ابن حزم : ومن لم يبت ليالي منى بمنى فقد أساء ، ولا شئ عليه . واتفقوا على أنه يسقط عن ذوي الأعذار كالسقاة ورعاة الإبل فلا يلزمهم بتركه شئ .
وقد استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له . رواه البخاري .
متى يرجع من منى ؟
يرجع من ” منى ” إلى مكة قبل غروب الشمس ، من اليوم الثاني عشر بعد الرمي ، عند الأئمة الثلاثة . وعند الأحناف : يرجع إلى مكة ما لم يطلع الفجر من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة . لكن يكره النفر بعد الغروب ، لمخالفة السنة ولا شئ عليه .
الهدي:
الهدي هو ما يهدى من النعم إلى الحرم تقربا إلى الله عز وجل ، قال الله تعالى ” والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ، لكم فيها خير ، فاذكروا اسم الله عليها صواف ، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع
والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون . لن ينال الله لحومها ولادماؤها ، ولكن يناله التقوى منكم ” .
” البدن ” : الإبل .
” الشعائر ” أعمال الحج ، وكل ما جعل علما لطاعة الله .
” القانع ” أي السائل . ” المعتر ” الذي يتعرض لأكل اللحم .
وقال عمر رضي الله عنه : أهدوا ، فإن الله يحب الهدي . وأهدى رسول الله عليه وسلم مائة من الابل ، وكان هديه تطوعا .
الأفضل فيه :
أجمع العلماء على أن الهدي لا يكون إلا من النعم (الإبل ، والبقر ، والغنم ) ، واتفقوا : على أن الأفضل الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم .
على هذا الترتيب . لان الإبل أنفع للفقراء ، لعظمها ، والبقر أنفع من الشاة كذلك .
واختلفوا في الأفضل للشخص الواحد : هل يهدي سبع بدنة ، أو سبع بقرة أو يهدي شاة ؟ والظاهر أن الاعتبار بما هو أنفع للفقراء .
أقل ما يجزئ في الهدي :
للمرء أن يهدي للحرم ما يشاء من النعم .
وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل وكان هديه هدي تطوع .
وأقل ما يجزئ عن الواحد شاة ، أو سبع بدنة ، أو سبع بقرة ، فإن البقرة أو البدنة تجزئ عن سبعة .
قال جابر رضي الله عنه : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة ، والبقرة عن سبعة . رواه أحمد ، ومسلم .
ولا يشترط في الشركاء أن يكونوا جميعا ممن يريدون القربة إلى الله تعالى . بل لو أراد بعضهم التقرب ، وأراد البعض اللحم جاز .
خلافا للأحناف الذين يشترطون التقرب إلى الله ، من جميع الشركاء .
أقسامه : ينقسم الهدي إلى مستحب ، وواجب .
فالهدي المستحب : للحاج المفرد ، والمعتمر المفرد .
والهدي الواجب : أقسامه كالآتي :
1 و 2 – واجب على القارن . والمتمتع .
3 – واجب على من ترك واجبا من واجبات الحج ، كرمي الجمار والإحرام من الميقات ، والمبيت بالمزدلفة ، أو منى ، أو ترك طواف الوداع
4 – واجب على من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام ، غير الوطء ، كالتطيب والحلق .
5 – واجب بالجناية على الحرم ، كالتعرض لصيده ، أو قطع شجره ، وكل ذلك مبين في موضعه كما تقدم .
شروط الهدي :
يشترط في الهدي الشروط الآتية :
1 – أن يكون ثنيا ، إذا كان من غير الضأن ، أما الضأن فإنه يجزئ منه الجذع فما فوقه .
وهوما له ستة أشهر ، وكان سمينا .
والثني من الابل : ماله خمس سنين ، ومن البقر : ما له سنتان ، ومن المعز ما له سنة تامة ، فهذه يجزئ منها الثني فما فوقه .
2- أن يكون سليما ، فلا تجزئ فيه العوراء ولا العرجاء ولا الجرباء ، ولا العجفاء (الهزيلة ) .
إشعار الهدي وتقليده :
الإشعار : هو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة أو البقرة ، إن كان لها سنام حتى يسيل دمها ويجعل ذلك علامة لكونها هديا فلا يتعرض لها .
والتقليد : هو أن يجعل في عنق الهدي قطعة جلد ونحوها ليعرف بها أنه هدي . وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما ، وقلدها ، وقد بعث بها مع أبي بكر رضي الله عنه عندما حج سنة تسع .
وثبت عنه : أنه صلى الله عليه وسلم ، قلد الهدي ، وأشعره وأحرم بالعمرة وقت الحديبية . وقد استحب الإشعار عامة العلماء ، ما عدا أبا حنيفة .
الحكمة في الإشعار والتقليد :
والحكمة فيهما تعظيم شعائر الله ، وإظهارها ، وإعلام الناس بأنها قرابين تساق إلى بيته ، تذبح له ويتقرب بها إليه.
وقت الذبح :
عند الشافعي : أن وقت ذبحه يوم النحر ، وأيام التشريق لقوله صلى الله عليه وسلم : ” وكل أيام التشريق ذبح ” رواه أحمد . فإن فات وقته ، ذبح الهدي الواجب قضاء .
مكان الذبح :
الهدي – سواء أكان واجبا ، أم تطوعا – لا يذبح إلا في الحرم وللمهدي أن يذبح في أي موضع منه .
فعن جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” كل منى منحر ، وكل المزدلفة موقف ، وكل فجاج مكة طرق ، ومنحر ” . رواه أبو داود ، وابن ماجه .
الأكل من لحوم الهدي :
أمر الله بالأكل من لحوم الهدي فقال : ” فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ” . وهذا الأمر يتناول – بظاهره – هدي الواجب ، وهدي التطوع .
وقيل : يقسمه أثلاثا ، فيأكل الثلث ، ويهدي الثلث ، ويتصدق بالثلث .
الحلق أو التقصير :
ثبت الحلق والتقصير بالكتاب ، والسنة والإجماع . قال الله تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ) .
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” رحم الله المحلقين ” . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : ” رحم الله المحلقين ” قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : ” رحم الله المحلقين ” . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : ” والمقصرين ” .
قيل : في سبب تكرار الدعاء للمحلقين هو الحث عليه ، والتأكيد لندبته ، لأنه أبلغ في العبادة ، وأدل على صدق النية في التذلل لله ، لان المقصر مبق لنفسه من الزينة ، ثم جعل للمقصرين نصيبا لئلا يخيب أحد من أمته من صالح دعوته
والمقصود بالحلق إزالة شعر الرأس بالموسى ونحوه ، أو بالنتف ، ولو اقتصر على ثلاث شعرات جاز .
والمراد بالتقصير أن يأخذ من شعر الرأس قدر الأنملة.
وقد اختلف جمهور الفقهاء في حكمه . فذهب أكثرهم : إلى أنه واجب ، يجبر تركه بدم .
وقته :
وقته للحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر ، فإذا كان معه هدي حلق بعد الذبح .
ووقته في العمرة بعد أن يفرغ من السعي ، بين الصفا والمروة .
القدر الذي تأخذه المرأة من رأسها
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : المرأة إذا أرادت أن تقصر جمعت شعرها إلى مقدم رأسها ثم أخذت منه أنملة .
طواف الإفاضة
أجمع المسلمون على أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ، وأن الحاج إذا لم يفعله بطل حجه ؛ لقول الله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق )
وقته : وأول وقته نصف الليل ، من ليلة النحر ، عند الشافعي ، وأحمد ، ولا حد لآخره ، ولكن لا تحل له النساء حتى يطوف ، ولا يجب بتأخيره – عن أيام التشريق – دم ، وإن كان يكره له ذلك .
ويمتد وقته إلى آخر شهر ذي الحجة ، فإن أخره عن ذلك لزمه دم ، وصح حجه.
طواف الوداع
سمي بهذا الاسم ، لأنه لتوديع البيت ، وهو آخر ما يفعله الحاج عند إرادة السفر من مكة .
روى مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال : آخر النسك الطواف بالبيت.
أما المكي فإنه مقيم بمكة ، وملازم لها ، فلا وداع بالنسبة له ، والحائض ، فإنه لا يشرع في حقهما ، ولا يلزم بتركهما له شئ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت . رواه البخاري ، ومسلم .
و عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أنها حاضت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ” أحابستنا هي ؟ ” فقالوا : إنها قد أفاضت . قال : ” فلا إذا ” .
حكمه :
قال مالك والشافعي، وداود ، و ابن المنذر : إنه سنة ، لا يجب بتركه شئ .
وقالت الأحناف ، والحنابلة: إنه واجب ، يلزم بتركه دم .
وقته :
وقت طواف الوداع ، بعد أن يفرغ المرء من جميع أعماله ، ويريد السفر ، ليكون آخر عهده بالبيت . كما تقدم في الحديث . فإذا طاف الحاج سافر توا دون أن يشتغل ببيع أو بشراء ولا يقيم زمنا ، فإن فعل شيئا من ذلك ، أعاده . اللهم إلا إذا قضى حاجة في طريقه ، أو اشترى شيئا لا غنى له عنه من طعام ، فلا يعيد لذلك .
لان هذا لا يخرجه عن أن يكون آخر عهده بالبيت .
حكم تأخير طواف الإفاضة حتى يكون عند الوداع:
يجوز تأخير طواف الإفاضة ثم تطوف طوفاً واحداً يجزئ عن الإفاضة والوداع ، والأولى أن تطوف طوافين للإفاضة والوداع .
والأكمل من هذا كله أن تطوف للإفاضة يوم العيد بعد أن ترمي جمرة العقبة وتذبح الهدي وتحلق أو تقصر . ثم إذا أردت السفر من مكة تطوف للوداع ، وهكذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقد سئل الشيخ ابن باز عن هذه المسألة فقال :
لا حرج في ذلك ، لو أن إنساناً أخّر طواف الإفاضة فلما عزم على السفر طاف عند سفره بعدما رمى الجمار وانتهى من كل شيء ، فإن طواف الإفاضة يجزئه عن طواف الوداع ، وإن طافهما – طواف الإفاضة وطواف الوداع – فهذا خير إلى خير ، ولكن متى اكتفى بواحد ونوى طواف الحج أجزأه ذلك اهـ .
فتاوى ابن باز (17/332) .