شرح الدعاء ” اللهم ات نفسي تقواها وزكها ….. “

تاريخ الإضافة 25 سبتمبر, 2023 الزيارات : 20085

شرح الدعاء ” اللهم ات نفسي تقواها وزكها ….. ”

عنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ : لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : كَانَ يَقُولُ : “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ ، وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ ، وَالْبُخْلِ ، وَالْهَرَمِ ، وَعَذَابِ ، الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا”

شرح الحديث  
هذا حَديثٌ عَظيمٌ جَمَعَ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّعوُّذَ من أُصولِ الخِصالِ المُثَبِّطَةِ عنِ العَمَلِ، وسَأَلَ فيه أُصولَ الخِصالِ المُحَفِّزةِ للعَمَلِ، فتعالوا بنا نتعلم هذه المعاني الطيبة في هذه الدعوات المباركات :
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ ، وَالْكَسَلِ”
(العجز ) هو عدم القدرة على الفعل ، و ( الكسل ) القدرة على الفعل لكن ترك الفعل بسبب ضعف الهمة، لأن طبيعة النفس حب الراحة…. النفس تكره التعب ، والتكاليف والأعباء…. لكن إذا عودتها تعودت.
“وَالْجُبْنِ ، وَالْبُخْلِ “
(الجبن) هو الخوف على  النفس و ( البخل ) الخوف على المال ، وقرن بينهما لأن المال توأم الروح.… حتى أن رب العزة قرن بينهما في ذكره لصفات أهل الإيمان ” وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم” فدائما يخاف الإنسان على ماله وعلى نفسه؛  فإذا خاف على ماله كان بخيلا وإذا خاف على نفسه كان جبانا.
طبعا الخوف هنا المقصود به الخوف السلبي، لأنه من الطبيعي أن يخاف الإنسان على نفسه، لكن المقصود من الخوف ما يجعله عاجزا. 
فالجبان الذي يخاف على نفسه لا يتجرأعلى كلمة الحق…الجبان الذي يخاف على نفسه ينافق الظالم….
أو من عنده لقمة عيشه خوفا من انقطاع رزقه – كما يظن – فهو يعيش بهذا الشكل فهو جبان لا يتكلم كلمة الحق، ليس عنده شجاعة،ولا إقدام، دائما يحجم عن أي شيء يتوقع فيه ولو واحد بالمئة مخاطر.
وسبحان الله البخيل نفس الحكاية يحرم حتى نفسه مما أنعم الله عليه ورزقه.
ورب العزة سبحانه يقول عن صفات عباد الرحمن : “وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا”الفرقان 67.
فلو افترضنا أن المسألة فيها طرفان ووسط ، الوسط إما أن تميل إلى الجهة اليمنى فيكون بذلك تقتير وبخل وشدة في الإنفاق أو تميل إلى الجهة اليسرى فيكون إسراف وتضييع للمال، فقال رب العزة : “وكان بين ذلك قواما.”  فالشيء القائم هو الذي توسط ما بين اليمين أو الشمال حتى من المصطلحات المشهورة إعلاميا يقولون اليمين المتشدد واليسار… فالوسط في الإنفاق (وكان بين ذلك قواما)  وسطا فلا جبن ولا بخل إنما وسط بين الحالين، كما قال تعالى : ” وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا”.
“وَالْهَرَمِ “
وأما ” الهرم” بفتح الهاء والراء مصدر هرم الرجل بكسر الراء يهرم بفتحها ، ومعنى الهرم أن يبلغ الإنسان كِبَرُ السِّنِّ الَّذي يُؤَدِّي إلى ضعفه الشديد.
والمراد الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر كما جاء في الرواية الأخرى، ، وإِنَّما استَعاذَ مِنه لِكونِه مِنَ الأدواءِ الَّتي لا دَواءَ لَها  وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس وضعف الفهم والضبط وتشويه المنظر.
“وَعَذَابِ الْقَبْرِ “
ثُمَّ استَعاذَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من عَذابِ القَبْرِ،  والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ولذا سن للعبد أن يستعيذ من عذاب القبر في كل صلاة.
وبَعدَ أنِ استَعاذَ بِما يَضُرُّ النَّفْسَ سَألَ اللهَ ما يُصلِحُ تِلك النَّفسَ، فَقالَ:
“اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا “
“اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ” فيه طلب من اللَّه تعالى أن يعطيه تقوى النفس التي تمنعها من متابعة الهوى، وارتكاب المعاصي.

(وزَكِّها أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ) تزكية النفس شاملة لأمرين :

أ – تطهيرها من الأدران والأوساخ.
ب – تنميتها بزيادتها بالأوصاف الحميدة.
قال سبحانه “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” الشمس: 7 وما بعدها
و المعنى : قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله ، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة ، “وقد خاب من دساها” التدسيس هو الإخفاء أي دسسها وأخملها ووضع منها بخذلانه إيّاها عن الهدى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل.

 لأنك (أنت خير من زكاها): أي لا مُزكّي لها إلا أنت، فإنك تطهر النفوس فتصبح طاهرة طيبة .

وقَولُهُ: (أَنتَ وَلِيُّها وَمولاها) المتولي لأمرها، وربها وسيدها ومالِكُ أَمْرِها.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ “
إما أن يكون يَكونُ علما نافعًا لكن لا يَنتَفِعُ به صاحِبُهلأنه لا يعلم به، فيكون حجة عليه ، أوعلم لا يَكونُ نافعًا في نَفْسِه لأنه لا تتعلق به فائدة بل في تعلمه ضررأو مضيعة للوقت.
“وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ “
لقساوته؛ لا يتأثر بالمواعظ، وبالزواجر، ولا بالنصائح، وفي قرن الاستعاذة من علم لا ينفع بالقلب الذي لا يخشع، إشارة إلى أن العلم النافع ما أورث الخشوع للَّه تعالى.
“وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ “
من جمع حطام الدنيا، ولا تقنع بما أتيتها من فضلك، ولا تفتر عن الجمع، ويدخل كذلك بالنهمة، وهي كثرة الأكل، والطعام دون شبع .
واستَعاذَ مِنَ النَّفسِ الَّتي لا تَشْبَعُ لأنَّها تَكونُ مُتكالِبَةً على حُطامِ الدنيا  مقبلة على المالِ الحَرامِ غَيرَ قانِعَةٍ بِما يَكفيها مِنَ الرِّزقِ، فلا تَزالُ في تَعَبِ الدُّنيا وعُقوبَةٍ في الآخِرَةِ.
“وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا”
لفقدها شروط الاستجابة، أو لسوء بالداعي، أو لعدم حسن ظنه بربه بالإجابة، أو دعوةٍ لا يحبها اللَّه لما فيها من سوء أو قطيعة رحم؛ فإن اللَّه تعالى سميع قريب مجيب كريم، لا يردُّ من دعاه لسعة كرمه وجوده وقربه من سائليه، فمن رُدَّ دعاؤه فقد خاب وخسر، والعياذ باللَّه، ومنع من خير الأبواب التي لا تغلق إلا على شقِيٍّ.
فوائد من الحديث :
1- استحباب الاستعاذة من هذه الأمور المذكورة في الحديث .
2- أهمية الحرص على تزكية النفس .
3- الحث على التقوى ونشر العلم والعمل به .
4- العلم النافع هو الذي يزكي النفس ويولد فيها خشية الرب -تبارك وتعالى-، فتسري منها إلى سائر الجوارح .
5- القلب الخاشع هو الذي يخاف ويضطرب عند ذكر الله ثم يلين ويطمئن ويركن إلى حمى مولاه .
6- ذم الحرص على الدنيا وعدم الشبع من شهواتها وملاذها، ولذلك فالنفس المنهومة الحريصة على متاع الدنيا أعدى أعداء المرء.
7- الحرص على الدعاء مع تحري أسباب الإجابة .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 54 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع