شرح دعاء الكرب

تاريخ الإضافة 9 يوليو, 2023 الزيارات : 2901
شرح معاني دعاء الكرب
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:« لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ »رواه  البخاري ومسلم 
شرح الحديث
 قال الإمام الطبري: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله عند كربه وإذا حزبه أمر أي: إذا نزل وألمَّ به أمر شديد.

وقَالَ الإمام النَّوَوِيُّ  رحمه الله تعالى: هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ، وَالْإِكْثَارُ منْهُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ.

قَوْلُهُ (كانَ يَقولُ عِندَ الكَربِ) الْكَرْبِ: هو الحُزْنُ والغَمُّ الذي يأْخذُ بالنَّفْس وجمعه كُرُوبٌ وكَرَبه الأَمْرُ اشْتَدَّ عليه.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: والمكروه الوارد على القلب إن كان من أمر ماض أحدث الحزن، وإن كان من مستقبل أحدث الهم، وإن كان من أمر حاضر أحدث الغم.
“لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ “
في هذا الدعاء دلالة واضحة على أن أعظم علاج للكرب، هو التوحيد الخالص للَّه تعالى، وأن ترديد هذه الكلمات  مُذْهِبٌ للكرب، والهمّ، والغمّ، فما دفعت شدائد الدنيا، وأهوال الآخرة بمثل التوحيد، فإذا قالها المسلم مُتأمِّلاً لمعانيها مُتفكِّراً في دلالاتها: سكن قلبه، واطمأنّت نفسه، وزال عنه كربه، وشدته، فلا يثبت الكرب والهمّ أمام كلمات التوحيد والتعظيم الخالص للَّه تعالى رب العالمين.
 ” الْعَظِيمُ ”

 ذو العظمة والجلال ، فهو عظيم الشأن جليل القدر ، لا شيء أعظم منه سبحانه ، وليس لعظمته بداية ولا لجلاله نهاية ،فلا يتعاظم عليه مسألةٌ؛ لأن الْعَظَمَة تَدُلّ عَلَى تَمَام الْقُدْرَة ، وأمام هذه العظمة لا بد أن يعلم الإنسان أنه ضعيف بخلقته وطبيعته، ولاستبدال هذا الضعف قوة فإن عليه أن يكون من المطيعين لله ، حتى يقوى ، ويكون من المقربين، فإنه لو عصى الله ، وتكبر عليه ازداد ضعفاً ، وذلاً وهواناً ، وبُعداً من ربه.

“الْحَلِيمُ “

الحليم هو الذى لا يسارع بالعقوبة ، بل يتجاوز عن الزلات ويعفو عن السيئات .
يقول ابن كثير: “يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه وهو يحلم، فيؤخر وينذر ويؤجل ولا يعجل، ويستر آخرين ويغفر”.
فلا يستفزه غضب، ولا يستخفه جهل جاهل، ولا عصيان عاص؛ فهو لا يعجل بالعقوبة ، بل يمهل لخلقه من غير إهمال ، ولن تفوته عقوبتهم لو أراد ، كما هو الحال في البشر، لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة ، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء أراده.
ما السر في اقتران اسم الله العظيم باسم الحليم؟
واقتران اسمه تعالى: “العظيم ” باسم “الحليم” دلالة على كمال آخر فوق الكمال ، ففي اقترانهما دلالة كمال عظمته مع حلمه تعالى عكس البشر، فإنه قد يكون عظيماً، وليس بحليم، وقد يكون حليماً وهو ذليل، فهو تعالى لم تمنعه عظمته من الحلم بخلقه، ولم يكن حلمه جل وعلا عن ضعف وعجز، بل عن كمال العظمة والجلال، وكذلك سعة حلمه مع كمال عظمته جل وعلا، فهو العظيم الحليم على الإطلاق.
ووجه ذكر اسمه تعالى (العظيم)؛ لأنه تعالى لا يتعاظم عليه شيء مهما كان، ومن ذلك تفريج الكروب والهموم، فكأنه يقول: يا رب أنت العظيم الذي لا يتعاظم عليك شيء، وأنت الحليم فلم تُعجِّل عليَّ عقوبتك مع كثرة ذنوبي، وأنت رب السموات والأرض، ورب أعظم مخلوقاتك عرشك العظيم، أسألك أن تَفْرُجَ عنِّي: كربي، وهمّي، وغمّي.
ووجه ذكر اسمه تعالى (الحليم) في هذا الدعاء المبارك: لأن كرب المؤمن غالباً يكون بسبب تقصيرٍ في حق ربه؛ فإن المصائب بسبب الذنوب قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾، وقد يكون حصول الكرب بسبب الغفلة.
وفي تكرير ذكر العرش لأنه أعظم المخلوقات، والموجودات وتنبيهاً على عظم شأن خالقه عز وجل فإن من كان كذلك لا يعجزه أي أمر مهما كان.

 “لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ” 

معنى “الرب” في اللغة يُطْلق على المالك والسيد والمربى ،  ولا يطلق غير مضافٍ إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف،  فيقال رب الدار. و استخدام لفظ “الرب” من بين سائر الأسماء الحسنى لكونه مناسبا لكشف الكرب الذي هو مقتضى التربية.
وتخصيص “العرش” بالذكر لأنه أعظم مخلوقات العالم، فيدخل الجميعُ تحتَه دخولَ الأدنى تحت الأعلى.

ما هو العرش ؟
العرش هو أعظم المخلوقات ، وعليه استوى ربنا استواءً يليق بجلاله ، وله قوائم ، ويحمله حملة من الملائكة عظام الخلق ،
قال تعالى : { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم } [ المؤمنون / 116 ] ، وقال تعالى { وهو رب العرش الكريم } [ التوبة / 129 ]
قال القرطبي : خصَّ العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه .
وقال ابن كثير : { وهو رب العرش العظيم } أي : هو مالك كل شيء وخالقه ؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات ، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وقدره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .

“لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ “
خالِقُ كُلِّ شَيءٍ فيهما، وَمالِكُه، وَمُصلِحُه، والمُتَصَرِّفُ فيه كَيفَ شاءَ، وكما شاءَ.
 “وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ “
ووصف العرش هنا بالكريمِ أي الحَسَنِ؛ فهو ممدوحٌ ذاتًا وصفةً من حيث الكيف .

وفي الجملة الأولى:  وصف العرشَ بالعظمة من حيث الكَمِّ ، وهنا “رَبُّ العَرشِ الكَريمِ”  فَقَد وَصَفَه بالكَرَمِ، أي: بِالحُسنِ مِن جِهة الكَيفيةِ، ووَصَفَه بالعَظَمةِ مِن جِهةِ الكَمَّيةِ.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1036 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع