من أخلاق المسلم : العزة

تاريخ الإضافة 22 أغسطس, 2022 الزيارات : 1981

من أخلاق المسلم : العزة

العزة” كلمة فيها معنى القوة والشدة والغَلَبة وهي في الأصل خلاف الذل ،و العزة هي الرفعة والبعد عن مواطن الذل والمهانة، هي شعور الإنسان بأنه قوي بالله ، و غني بالله، و عزيز بالله، يتوكل على الله في كل أموره و يثق بربه الكريم.
و تدل معانيها على الرفعة و المنعة و الاستعلاء و القوة و الصمود ، و لا تعرف المنة و المسكنة و الوهن و اللين و الاستسلام و الخضوع ، والعزيز: هو الغالب لسواه، ولذلك عرّف العلماء العزة بأنها صفة مانعة للإنسان من أن يغلبه غيرُه، وكلمة “العزة” مأخوذة من قول العرب: أرض عَزَاز، أي صلبة، ويقال: عزَّ فلان، إذا برئ وسلم من الذل والهوان، والمادة كلها توحي بمعاني القوة والشدة والارتفاع والامتناع، فيقال: عزّني فلان، أي غلبني، ومنه في القرآن الكريم: (وعزّني في الخطاب). ويقال: عز على نفسي غيابُك، أي صعب، ومنه قول القرآن (عزيز عليه ما عنتم)، ويقال: عزَّ الوفاءُ بين الناس، أي قل وجوده، ومنه قول القرآن: (وإنه لكتاب عزيز) أي يصعب مناله ولا يوجد مثاله.
ومن أوصاف الله تعالى وأسمائه: “العزيز” أي الغالب القوي، الذي لا يغلبه شيء،
وقد قيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:لقد كنا أذلاء، فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

وقال رجل للحسن البصري إنك متكبر ،قال لست بمتكبر ولكني عزيز
قيل: الذلة لرب العباد عزة، والذلة للعباد ذلة.

و(إن الناس يطلبون العزة في أبواب الملوك ولن يجدونها إلا في طاعة الله)
وقيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله.
وصدق الشاعر حين شبه التذلل للعباد بالموت، فقال:

  مـن يَهُنْ يَسْـهُـلِ الهـوان عليـه
ما لجُـرْحٍ بميـِّـــت إِيـــلامُ

العزة في القرآن الكريم

والعزة التي لا ذل معها لله عز وجل فمن طلب العزة من الله وصدقه في طلبها في افتقار وتذلل وسكون وخضوع وجدها عنده عز وجل، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه، ومن طلبها من غير الله وكله الله إلى من طلبها عنده، قال عز وجل: “الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا”[ النساء139] فمن أراد العزة فعليه أن يطلبها ممن له العزة جميعاً، وقبل ذلك عليه معرفة صاحبها ومعطيها وواهبها وما هي شروط إعطائها، وقد جاءت الآيات تبين هذا:” أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا”[النساء 139] و”وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”[ يونس 65].
فالمسلم يستمد العزة من قوة ربه ودينه والحق الذي يحمله، وكل صاحب دين يعبد إلهه ليستمد منه العزة كما قال الله: “واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا”[مريم81] أي ليكونوا لهم أعوانا أو ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة، وهؤلاء أخبر الله أن عزتهم زائفة ثم يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضاً “كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً”[مريم 82]

قد يغيب عن الكافر هذا المفهوم فينظر إلى بعض الأسباب المادية ولكن لا ينبغي لأهل الإيمان أن يغيب عنهم مفهوم العزة الحقيقي بل عليهم أن يبينوا للناس معنى العزة الحقيقي وأين يجدونها، ولهذا لما تقرر مفهوم خاطئ عند قوم شعيب وهو أن العزة إنما تكون بما لدى الشخص أو قومه من قوة وأسباب دنيوية فقط، صحح لهم نبيهم –عليه السلام-هذا المفهوم وأرشدهم إلى مصدر العزة الحقيقي، قال الملأ كما أخبر الله عز وجل عنهم: “قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ”[هود91]، فهم يرون أنه في نفسه غير عزيز، ويرون أن الذي يعززه ويمنعه هم رهطه، فقال لهم: ” يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ”.[هود 92]
ولعلو المسلم بدينه عن غيره ناسب أن يكون عزيزاً على الكافر خافضاً جناحه ومتواضعاً للمؤمنين ولهذا قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلك فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[المائدة 54]
  فالله يأمرنا أن نكون أعزاء، لا نذل ولا نخضع لأحد من البشر، والخضوع إنما يكون لله وحده .

وهذه الآية تُفهمنا أن كتاب الله جل جلاله يعلِّم المؤمنين (إباءَ الضيم)، وهو خُلُق يفيد معنى الاستمساك بالعزة والقوة، والثورة على المذلة والهوان، وإذا كنا قد عرفنا أن القرآن قد كرر وصفَ ذات الله القدسية بصفة “العزيز” ما يقرب من تسعين مرة، فكأنه أراد بذلك ـ وهو أعلم بمراده ـ أن يملأ أسماعَ المؤمنين بحديث العزة والقوة، فإذا ما سيطر عليهم اليقينُ بعزة ربهم استشعروا القوةَ في أنفسهم، واعتزوا بمن له الكبرياء وحده في السماوات والأرض، وتأبوا على الهوان حين يأتيهم من أي مخلوق، وفزعوا إلى واهب القُوَى، يرجونه أن يُعزهم بعزته.

الله أكبر” تتردد كل يوم في الأذان

 وكأن الله عز وجل قد أراد أن يؤكد هذا المعنى في نفوس عباده حين جعل كلمة “الله أكبر” تتردد كل يوم في أذان الصلاة مرات ومرات، ثم يرددونها في صلواتهم كل يوم مرات ومرات، فتشعرهم بأن الكبرياء لله جل علاه، وأن عباده يلزمهم أن يلتمسوا العزةَ من لدنه، وأن يستوهبوا القوة من حماه: (مَن كان يريد العزة فلله العزة جميعاً، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد، ومكر أولئك هو يبور)[فاطر10]، وقال (قل الله مالك الملك، تؤتي الملك مَن تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز مَن تشاء وتذل مَن تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير)[آل عمران 26]

ولقد أراد القرآن المجيد أن يَهدي المؤمنين إلى الطريق الذي يصون لهم العزة، ويحصنهم ضد الرضا بالهوان، أو السكوت على الضيم، فأمرهم بالإعداد والاستعداد لحفظ الكرامة والذود عن العزة، فقال لهم: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)[الأنفال 60] لأن القوة تجعل صاحبَها من موطن الهيبة والاقتدار، فلا يسهل الاعتداءُ عليه من غيره من الضعفاء.
وعلّمهم القرآن الإقدامَ والاحتمال والثبات في مواطن اليأس، موقنين أن الله معهم، فقال لهم: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون، وكان الله عليماً حكيماً)[النساء 104]، وفي موطن آخر يقول لهم: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم)[محمد35].

وليس هذه دعوةً إلى بغي أو طغيان، وإنما يعوّد القرآن أتباعَه أن يكونوا أولاً على حيطة وحذر، فيقووا أنفسهم بكل وسائل التقوية والتحصين، حتى يكونوا أصحابَ رهبة في نفوس أعدائهم، وإلا تطاولوا عليهم وعصفوا بهم، ومن هنا قال: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم)[النساء 71]، ويقول: (وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً)[النساء 102]

وإذا شاءت الأقدار يوماً أن يلتقي المؤمنون في معركة مع الكافرين، فالواجب حينئذ على كل مؤمن أن يظل عزيزاً قوياً، وأن يثبت على مبادئه وعقائده، لا يخيفه الألمُ ولا التعب، بل يبذل جهدَه وطاقته، مستخدماً كل ما أعده قبل ذلك من سلاح وعتاد، واثقاً أنه مربوط الأسباب بالله القوي القادر؛ وإذا شاء الله تعالى له لوناً من ألوان الاختبار والابتلاء، تحمله راضياً صابراً، محتفظاً بعزته وكرامته وشهامته، موقناً بأن احتمال الألم خيرٌ ألفَ مرة من التخاذل والاستسلام: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)[البقرة 155،156].

والإسلام ـ مع هذا ـ يدعو أتباعه إلى السلام العادل المنصف، الذي لا ينطوي على ضيم أو ذل، ويدعوهم أن يغفروا الهفوة إذا كانت عن غير تعمد أو كانت لا تبلغ مبلغَ الإهانة، أو لا تخدش العزةَ والكرامة، أما إذا كانت الخطيئة بغياً فعلاجُها الرد عليها بما يغسل العار، ويدفع الضيم، ويصون الكرامة، ولذلك يقول التنزيل المجيد: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم)[الشورى39:42 ] .

 ولذلك كان عمر بن الخطاب يقول: “يعجبني من الرجل إذا سِيمَ خطةَ خسفٍ أن يقول: لا بملء فيه”

والعزة ليست تكبراً أو تفاخراً، وليست بغياً أو عدواناً، وليست هضماً لحق أو ظلماً لإنسان، وإنما هي الحفاظ على الكرامة، والصيانة لما يجب أن يصان، ولذلك لا تتعارض العزة مع الرحمة، بل لعل خير الأعزاء هو مَن يكون خيرَ الرحماء، وهذا يذكرنا بأن القرآن الكريم قد كرر قوله عن رب العزة: (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) تسع مرات في سورة الشعراء، ثم ذكر في كل من سورة يس والسجدة، والدخان وصفَي: (العزيز الرحيم) مرة.
ثم إن أغلب المواطن التي جاء فيها وصفُ الله باسم “العزيز” قد اقترن فيها هذا الاسم باسم “الحكيم”. والحكيم هو الذي يوجد الأشياء على غاية الإحكام والضبط، فلا خلل ولا عيب.
وكما تكون العزة خُلُقاً كريماً ووصفاً حميداً، إذا قامت على الحق والعدل واستمدها صاحبُها من حمي ربه لا من سواه تكون العزة الكاذبة أو الضالة خلقاً ذميماً حين تقوم على البغي والفساد، ومن ذلك النوع قوله الله تعالى: (بل الذين كفروا في عزة وشقاق)[ص 2] فعزة الكافرين تعزز كاذب،. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى عن بعض الضالين: (أخذته العزة بالإثم) والعزة هنا مستعارة للحمية الجاهلية والأنفة الذميمة، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً)[مريم81] أي يحاولون التمنع بهم من العذاب: وهيهات، وهيهات.

العزة في السنة

وفي نور النبوة ما يهدينا إلى منهج الشرف وطريق الكرامة و العزة، فإن هذا الهدي النبوي يعلم المؤمن أن لا يرضى الدنية في دينه ولا في دنياه، بل يحفظ لنفسه حقها ويذود عن هذا الحق ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإن مات دونَهُ فهو شهيد، وإن فاز وانتصر عاش عيشةَ الأحرار، وباء أعداؤه بالسعير وبئس القرار.
جاء رجل إلى رسول الله وقال له: يا رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجل يريد أخذَ مالي (أي اغتصاباً). قال الرسول: لا تعطيه. قال الرجل: أرأيتَ إن قاتلني؟ قال الرسول: قاتله. فقال الرجل: أرأيت إن قتلني؟ قال الرسول: فأنت شهيد. فقال الرجل: أرأيتَ إن قتلتُه؟ قال الرسول: هو في النار.
نعم للعزة. المؤمن عزيز.. لا يقبل الإهانة أبداً… والإنسان يهين نفسه بالميوعة , يهين نفسه بالمعصية

العز في كنف العزيز             ومن عبد العبيد أذله الله

 يهين نفسه بالسلبية حين يعتبر أن لقمة العيش أغلى مِن كرامته فيأكلها مغموسة في إهانته …. نحن أمة أراد الله لها العزة ..فكيف نرمى عزتنا ونزرع ذُلَّنا بأيدينا ؟!!!

 يأبى الله لعباده الذل إلا له … ولم يأذن سبحانه بالذل إلا في موضعين

الأول : للوالدين  {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربى ارحمهما كما ربياني صغيرا}[سورة الإسراء 24]

الثاني: الذلة لإخوانك من المؤمنين : قال تعالى : {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}[سورة المائدة 54ٍ]

والإنسان يصبح ذليلا بأربعة أشياء :

1- استسلامه للشيطان لقد قال إبليس لله بعد أن طرده من الجنة : “قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا” سورة [الإسراء آية 62]، وأحتنكن مشتقة من الحنك أي الفم ومعناها سأضع لجاما في فمه أتحكم به في تصرفاته وأدائه وأَجُرَّه كما تُجَرُّ الدَّابة ..

2- إتباع الهوى ….أن يتبع  مزاجه فيقوده في حياته. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-( تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد القطيفة ، تعس عبد الخميصة ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش) .

3- أن تفقد الانتماء لدينك  وتعتقد أن الأفضلية لغيره… فنجد مهاويس التقليد للحضارة الغربية يبحثون  عن الانتماء لشئ آخر لبلد أُخرى ، يطربون لكل ما هو غربي وينزعجون لكل ماهو إسلامي.

4- فَقْد الثقة بالله والخوف على الرزق أو من الموت  رغم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم-  طمأننا فقال:( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها و تستوعب رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب و لا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته  .) ‌

يقول الشيخ محمد الغزالي: (خلق المسلم ص206)

إن الناس يذلون أنفسهم لواحد من أمرين: إما أن يصابوا في أرزاقهم أو في آجالهم، والغريب أن الله قطع سلطان البشر على الآجال والأرزاق جميعا فليس لأحد إليهما من سبيل فالناس في الحقيقة يستذلهم وهم نشأ من أنفس مريضة بالحرص على الحياة والخوف على القوت.

 والناس من خوف الذل في ذل ، ومن خوف الفقر في فقر ، مع أن الإسلام بنى حقيقة التوحيد على الصلة بالله تبارك وتعالى فيما ينوب ويروع ، واليأس من الناس فيما لا يملكون فيه على الله بتا ولا يملكون نفعا ولا ضرا، قال تعالى : (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إلا فِي غُرُورٍ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ(  الملك20 ،21

ويقول ابن القيم في مناجاة الله :

   يا من ألوذ به فيما أؤمله                          ومن أعوذ به مما أحاذره

 لا يجبر الناس عظما أنت كاسره                   ولا يهيضون عظما أنت جابره

مواقف و نماذج العزة

1- يوم أسلم عمر بن الخطاب قال لرسول الله : ألسنا على الحق قال : نعم .قال أليسوا على الباطل قال : نعم قال ففيم الخفاء ..وخرج وأعلن إسلامه بين أهل مكة ولذلك سمَّاه رسول الله الفاروق.

2- ويدخل عمر إلى القدس ليتسلَّم مفاتيحها وهو يَجَرُّ النَّاقة التي يركب عليها غلامه فقد كان هذا دور الغلام في الركوب –أرأيتم كيف يُرَبِّى العزة في غلامه – أثناء سيره يتعثر في مخاضة فيصيب ثيابه الطين فيأتي إليه أبو عبيدة بن الجراح طالباً منه أن يركب فالقوم ينتظرونه لتسليمه مفتاح المدينة فبماذا يرد عمر قال : أوَّه … يا أبا عبيدة لو غيرك قالها.. لقد كنا أذلَّ قوم فأعزنا الله بالإسلام فلو ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

 3-في السنة التاسعة عشرة للهجرة ، بعث عمر بن الخطاب جيشاً لحرب الروم ، فيهم عبد الله بن حذافة السهمي ، وكان قيصر عظيم الروم قد تناهت إليه أخبار جند المسلمين ، وما يتحلَّون به من صدق الإيمان، ورسوخ العقيدة ، واسترخاص النفس في سبيل الله ورسوله ، فأمَرَ رجاله إن ظفروا بأسيرٍ من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه ، وأن يأتوه به حياً ، وشاء الله أن يقع عبد الله بن حذافة السهمي أسيراً في أيدي الروم ، فحملوه إلى ملكهم وقالوا :

إنَّ هذا من أصحاب محمد السابقين إلى دينه ، قد وقع أسيراً في أيدينا ، فأتيناك به .

 نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلاً ، ثم بادره قائلاً :إني أعرض عليك أمراً ، قال : وما هو ؟ قال : أعرض عليك أن تتنصَّر ، فإنْ فعلتَ خلَّيت سبيلك ، وأكرمت مثواك ، فقال الأسير في أنفةٍ وحزم : هيهات .. إن الموت لأحبُّ إليَّ ألف مرة ممّا تدعوني إليه .

 قال قيصر : إني لأراك رجلاً شهماً ، فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك ، أشركتك في أمري ، وقاسمتك سلطاني .

 فتبسَّم الأسير المكبَّل بقيوده ، وقال : واللهِ لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمدٍ طرفة عينٍ ما فعلت .

قال : إذًا أقتلك .

قال : أنت وما تريد .

ثم أمر به فصُلِب ، وقال لقنَّاصته بالرومية : ارموه قريباً من يديه ، وهو يعرض عليه التنصُّر فأبى .

قال : ارموه قريباً من رجليه ، وهو يعرض عليه التنصُّر فأبى .

 عند ذلك أمرهم أن يكفّوا عنه ، وطلب إليهم أن ينزلوه عن خشبة الصلب ، ثم دعا بقدرٍ عظيمة ، فصُبَّ فيها الزيت ، ورُفعت عن النار حتى غلت ، ثم دعا بأسيرين من أسرى المسلمين ، فأمر بأحد هما أن يُلقى فيها فأُلقي ، فإذا لحمه يتفتت ، زيت مغلي ، أُلقي فيه رجل ، وإن عظامه لتبدو عارية بعد إلقائه ، ثم التفت إلى عبد الله ، ودعاه إلى النصرانية ، فكان أشدَّ إباءً من قبل

فلما يئس منه ، أمر به أن يُلقى في القدر التي أُلقي فيها صاحباه ، فلما ذُهِب به دمعت عيناه ، فقال رجال قيصر لملكهم : يا سيِّدي إنه قد بكى ، فظَنَّ أنه قد جزع ، فقال : ردّوه إلي….  فلما مثُل بين يديه ، عرض عليه النصرانية فأباها ، قال : ويحك فما الذي أبكاك إذًا ؟! ألم تكن خائفاً ؟ قال : واللهِ ما أبكاني إلا أني قلت في نفسي : تُلْقى الآن في هذه القدر ، فتذهب نفسك ، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعرٍ أنفُسٌ ، فتُلقى كلُّها في هذه القدر في سبيل الله .

فقال الطاغية : هل لك أن تقبِّل رأسي وأُخلِّي عنك ؟

فقال له عبد الله : وهل تُخلّي عن جميع أسرى المسلمين ؟ مساومة ، أنا أقبِّل رأسك بشرط ، أنْ تخلّيَ عن جميع أُسارى المسلمين .

فقال الطاغية : وعن جميع أسرى المسلمين أيضاً .

قال عبد الله : فقلت في نفسي : عدوٌ من أعداء الله ، أُقبِّل رأسه ، فيُخلّي عني وعن أسرى المسلمين جميعاً ، لا ضيرَ في ذلك .

ثم دنا منه ، وقبَّل رأسه ، فأمر ملك الروم ، أن يجمعوا له أسرى المسلمين ، وأن يدفعوهم إليه ، فدُفِعوا له ، وانطلق بهم إلى المدينة .

  قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأخبره خبره ، فسُرَّ به الفاروق أعظم السرور ، ولما نظر إلى الأسرى قال : حقٌ على كل مسلمٍ أن يقبِّل رأس عبد الله بن حذافة ، وأنا أبدأ بذلك ، ثم قام وقبَّل رأسه .

4-  أسماء بنت أبى بكر ..ذات النطاقين قتل الحجاج بن يوسف الثقفي ولدها عبد الله بن الزبير وأمر بصلبه وانتظر أن تأتيه تسترحمه ليكرم جثة وليدها و يدفنها .. ولكنَّها لم تفعل فاغتاظ الحجاج وذهب إليها شامتا قائلا : أرأيت ماذا فعلت بابنك ؟

فماذا قالت ابنة أبى بكر؟ قالت : أراك قد أفسدت عليه دُنْياه وأفسد عليك آخرتك …

 5-  كانت الحرب تدور بين المسلمين والفرس، فطلب رستم قائد الفرس أن يتشاور في الصلح مع المسلمين؛ فأرسل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قائد المسلمين الصحابي الجليل رِبْعِي بْنَ عامر -رضي الله عنه- ليعرض مطالب المسلمين، وعلى الفور ذهب ربعي بن عامر، ودخل القصر ممتطيا جواده، سائرًا به فوق البساط الفاخر الموضوع على الأرض، وحينما طلب جنود قائد الفرس من ربعي النزول رفض، وقال في عزة: لم آتِكم من تلقاء نفسي، وأنتم الذين دعوتموني، فإن رضيتم بذلك، وإلا رجعتُ. فقبل الفرس وقلوبهم تكاد تتفجر من الغيظ.
وحينما دخل على قائدهم رستم، عرض عليه الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو تكون الحرب بينهم، وقال له في عزة وكرامة: أيها القائد، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَة الآخرة.

6- يوم التقى الجيشان جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد, و جيش الرومان. حينها قال قائد الرومان للبطل خالد إنا سمعنا انه لم يخرجكم من أرضكم إلا الجوع و الجهد أرأيت أن نعطي لكل واحد منكم كذا و كذا و في العام المقبل نعطي لكل واحد منكم مثل ما أعطيناه في هذا العام و تعودون إلى بلادكم

فرد عليه خالد بكل عزة قائلا : إنه لم يخرجنا الجوع و الجهد, و لكنا قوم نشرب الدماء و قد علمنا أنه لادم أشهى من دم الروم فلذلك قد جئنا.

7- بعث الخليفة هارون الرشيد إلى الإمام مالك، فلما حضر قال له الخليفة: ينبغي عليك أن تتردد علينا؛ حتى يسمع أبناؤنا (الأمين والمأمون) منك الموطأ (وهو الكتاب الذي جمع فيه الإمام مالك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم) فقال الإمام مالك: أعزَّ الله أمير المؤمنين، إن هذا العلم من بيتكم، فإن أعززتموه عز، وإن أذللتموه ذل، والعلم يؤتَى إليه، ولا يأتي إلى أحد.
فقال له الخليفة: صدقتَ، ثم وجَّه حديثه إلى ولديه قائلا: اذهبا إلى المسجد، حتى تسمعا مع الناس. فقال الإمام مالك: بشرط أن يجلسا حيث ينتهي بهما المجلس، ولا يتقدما على الناس، فقبل الخليفة ذلك.

8– لما كان الحسن رضي الله عنه قد طلّق الدنيا رخصت في عينه، فقد هان عنده كل شيء، فلم يكن يعبأ بحاكم ظالم، ولا أمير غاشم، و لا ذي سلطة متكبر، بل ما كان يخشى في الله لومة لائم، ومن ذلك أن الحجاج كان قد بنى لنفسه قصرًا في ” واسط ” فلما فرغ منه نادى في الناس أن يخرجوا للفرجة عليه، وللدعاء له، فخرج الحسن، ولكن لا للدعاء، بل انتهازًا للفرصة حتى يذكر الناس بالله ويعظ الحجاج بالآخرة، فكان مما قال : ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه، وأن أهل الأرض غروه، ولما حذره أحد السامعين من بطش الحجاج رد عليه الحسن قائـلاً : لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه

، وفي اليوم التالي وجه الحجاج إلى الحسن بعض شرطه ثم أمر بالسيف والنطع( البساط من الجلد يوضع تحت المحكوم عليه بقطع الرأس)، فلما جاء الحسن أقبل على الحجاج وعليه عزة المسلم، وجلال المسلم، ووقار الداعية إلى الله، وأخذ يحرك شفتيه يدندن بكلام ويتمتم ببعض الحروف، فلما رآه الحجاج هابه أشد الهيبة، وما زال يقربه حتى أجلسه على فراشه، وأخذ يسأله في أمور الدين، ثم قال له : أنت سيد العلماء يا أبا سعيد، ثم طيبه وودعه، فتعجب الناس من صنيع الحجاج فقالوا : يا أبا سعيد ماذا قلت حتى فعل الحجاج ما فعل؟ وقد كان أحضر السيف والنطع، فقال الحسن : لقد قلت : يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي ، اجعل نقمته بردًا وسلامـًا علي كما جعلت النار بردًا وسلامـًا على إبراهيم .

9- ودعاه يومـًا ابن هبيرة ،وكان  يزيد بن عبد الملك قد ولي ابن هبيرة العراق وخراسان ، وكان مع الحسن الشعبي ،فسألهما ابن هبيرة في كتب تصل إليه من أمير المؤمنين فيها ما يغضب الله ؛فتكلم الشعبي فتلطف في الكلام، فلما تكلم الحسن زأر كالأسد ،وانطلق كالسهم ،وانقض كالسيف ، قائلاً : يا ابن هبيرة :خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أن الله يمنعك من يزيد، وأن يزيد لا يمنعك من الله، يا ابن هبيرة إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصى الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد، يا ابن هبيرة، إنك إن تك مع الله وفي طاعته، يكفك بائقة ( أذى ) يزيد، واعلم يا ابن هبيرة أنه لا طاعة لمخلوقٍ كائنـًا من كان في معصية الخالق.

توصيات عملية:

1-لا تركن إلا إلى الله.

2-لا تخف أحدا سوى الله.

3- هل تشعر بالعز والاستعلاء بإيمانك ؟

4- إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله.

5- هل تفخر بأنك مسلم ؟

6- ادع بهذا الدعاء (اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك )

7- اكتب كلمة سيدنا عمر وعلقها في بيتك :(لقد كنا أذلَّ قوم فأعزنا الله بالإسلام فلو ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.)

اللهم من اعتز بك فلن يذل ، و من اهتدى بك فلن يضل
و من استكثر بك فلن يقل ، و من استقوى بك فلن يضعف
و من استغنى بك فلن يفتقر ، و من استنصر بك فلن يخذل ، و من استعان بك فلن يغلب
و من توكل عليك فلن يخيب ، و من جعلك ملاذه فلن يضيع
و من اعتصم بك فقد هدي إلى صراط مستقيم.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 24 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع